❞❝
❞ ˝ -اجترحت خطايا كثيرة؛ فرقت بين أزواج، شتتُّ شمل أسر عديدة، وجمعت بين قلبين متنافرين، بين السواد والبياض، الظلام والنور، الشر والخير، الحقد والحب، فجعلتهما يعيشان بين جدران صامتة، وفي الجحيم متنافرين. آذيت السعيد كثيرا، أسكته، فنهبت أموال الناس جهارا، اغتنمت من جهلهم، وزرعت الخرافة والخوف في نفوسهم، ذرأت لنفسي قصرا من الخيال، وأدخلت أناسا كثيرين فيه، ثم ضربت عليهم بقضبان من حديد، أبدعتُ لغةً سحريةً، جعلتها كنزا يتعطش إليه سكان القرى، لكني وضعت مفتاحه في يدي. آذيت الأحياء وقلبت أمنهم خوفا، والأموات الذين نبشت قبورهم، وصيرت عظامهم النخرة بخورا...˝ . ❝
❞ يا الله، إن النخيل يموت واقفا شامخا لا يرضى السقوطَ رُغم سكرة الموت، والتي تجعل قلبه حطبا لكل سكان القرية. والشيوخ يموتون عطشا، والصغار يصرخون ملء الحناجر، والجدات يواسين القلوب العطشى، كلنا نهتف: العطش.
أثناء هذه اللحظات، أتى الشيخ عبد القادر المصون، وهو يتكئ على عكازه الذي يتكون من شجر العرعار، ولحيتُه بيضاءُ تنم عن الوقار الذي يحظى
به عندنا، نحن الصغار والكبار. فمنذ أن فتحنا أعيننا على القرية، وآباؤنا يصبون على رؤوسنا المواعظ والإرشادات؛ كأن يقولوا لنا: احترموا الكبارَ كلَّهم، ولا تتحدثوا في حضرتهم وهم يرددون إذا حضر الماء يرفع التيمم، وأن الحديث في حضرة الشيوخ يعد من قلة الآداب والحلم، لهذا كان الشيخ يثق في نفسه كل الثقة، إلا أن انعدام الماء في القرية لأيام عديدة، جعل منه حكيما لأجل الحسم في هذا الوباء الذي انتشر فيها، كما تنتشر النار في الهشيم. وبعد أنِ استقر به المقامُ وسط الساحة التي تعد ساحةَ الأغورة عندنا، فيها نبث في أمورنا، ونناقش مشاكلنا الصغيرة والكبيرة، شرع يقول ولعابُه يتطايرُ كشرارة النار . ❝
❞ أخرج هاتفه من جيبه بسرعة البرق، وانطلق يسجل الرقم فيما كانت فرائصها ترتعد وهي تتمتم بالأرقام. أما عمر، فلم يكن أمامه إلا الانتظارُ والنظرُ من بعيد. كان الجالسون داخل المقهى يتناقشون فيما بينهم، ولكل منهم رأي.
قال أحدهم مخاطباً آخر يجلس جانبه:
- يا لها من لقيطة، لاحظ كيف تنظر إليه، وكلها سعادة.
يرد الآخر وقد حرك رأسه يميناً وشمالاً:
- يبدو أنه أغراها بالمال، لذلك أعطته رقم هاتفها. إنه صيادٌ ماهرٌ.
هكذا كانت حال لسان الجالسين المتوجسين، فيما سجل هو رقمها ثم دفع ثمن فطورهما، فانصرف تجاه صديقه. لقد مل عمر من الانتظار، وكانت له رغبة شديدة في لوم صاحبه عما فعله، لكنه آثر الصمت، وفي صمته، فهم أحمد ما يخبئه في نفسه . ❝