الحوار كاملا مع إحدى الجرائد اليومية التي لم تنشره كاملا. ما الدافع الحقيقي الذي ألهمك لكتابة رواية الفرح المحزن؟ الدافع الحقيقي كان نتيجة تراكم وجداني طويل، حيث كنت أرى في وجوه الناس تناقضات الحياة، هناك من يتظاهر بالقوة ولكن في داخلهم يسودها التهاون، وهناك من يضحكون ولكن يحملون في طياتها أحزانا صامتة، لهذا ألهمني هذا العنوان " الفرح المحزن " لأكتشف من خلاصة شخصية " جميلة " في أصدق حالاتها، فالرواية ليست مجرد حكاية وفقط، بل هي محاولة فهم كيف للوجع و الألم أن يلد الأمل. وهل استلهمت شخصيّة جميلة من الواقع أم من الخيال؟ في الحقيقة هو مزيج بين الواقعية والخيال، من الناحية الواقعية فهي تتمثل في كل امرأة تصارع، تناضل، و تبحث عن مكانتها وسط القيود، أمّا من الناحية الخيالية يكمن ذلك في صراعها الدائم بين الضعف والقوة من جهة، وبين الخوف و الأمل من جهة أخرى. إذن شخصية " جميلة " رمز لكل من يواجه حزنه بالفرح والابتسامة. عنوان الرواية الفرح المحزن يحمل تناقضًا لافتًا... كيف تشرح لنا فلسفة هذا العنوان؟ بالطبع فيها تناقض من نحية العنونة ، و يقوم هذا التناقض الظاهري بين كلمتين متباينتين فقط، ولكن في جوهره هو يعكس حقيقة الإنسان في حد ذاته، أريد القول بأنّ الحياة ليست فرحا خالصا، ولا حزنا خالصا، بل يكمن في المزج بين الكلمتين في لحظة واحدة، أحيانا نحزن لكن في الحزن نفسه نور صغير يجعلنا نفرح و نبتسم، وأحيانا أخرى نفرح و في داخلنا حزنا قديما يحزننا. شخصيا أردت أن أعبر عن تعقيد المشاعر الإنسانية و عن تلك الحالة التي يعيشها كثيرا منا في صمت، أقول أنّ الحزن ليس إلاّ وجها آخر للفرح. اختَرْتَ أن تدور الأحداث في قرية أمازيغية هل هو اختيار رمزي للهوية والخصوصية الثقافية أم مجرد خلفية سردية؟ كان خيار رمزي وواعي، حيث أنّها تمثل الهوية و مكان للمحافظة، رغم التحولات و التغيرات الزمنية، أردت أن تعكس العالم بأسره، ببساطتها، في صدقها، وفي صراعاتها بين التغيير و الأصالة والبقاء على حالها، فهي تشاركهم في أفراحها و أحزانها كما يحدث في جل المجتمعات الأخرى ولكن بعاداتها، تقاليدها الخاصة وأصالتها، والمحافظة للمكون الثقافي الخاصة بيها. إلى أي مدى تعكس شخصية “جميلة” صورة المرأة الجزائرية المعاصرة في صراعها مع التقاليد؟ سبق لي وقلت أّنّ شخصية "جميلة" شخصية رمزية، ليست فقط بطلة سردية، تعكس المرأة الجزائرية المعاصرة في بحثها الدائم عن التجديد، ولكن محافظة ووفية للعادات و التقاليد، تحلم بحياة تصنعها بيدها ولا تمليها الأعراف، حيث في الرواية لا نرى جميلة ترفض التقاليد والعادات و الأعراف لكن أرادت أن تثبت ذاتها بكرامة ووعي، وهنا بالذات تظهر صورة المرأة الجزائرية الواعية بالتحرر و مواكبة العصر من جهة، و إدراكها بأنّ الرجل هو شريكها في الحياة من جهة أخرى، ولم يكن يوما ظلّها و منافسها، فقط يجب الجمع بين الأصالة و الطموح. نلمس في الرواية حضورًا قويًا للبعد النفسي والوجودي، كيف توفق بين العمق الفلسفي والسرد الواقعي في أعمالك؟ حقيقة، حين أكتب، أحاول أن أجعل القارئ يفكر ويعيش القصة، بل هي حياته، أبدأ بتفاصيل الحياة اليومية، ثم أترك الشخصيات تُعبّر عن أسئلتها الوجودية بطريقتها البسيطة. أحاول دائما أن أجمع بين العمق الفكري و الواقع اليومي، وتظهر من خلال الشخصيات و مواقفها، و بهذا الشكل، يظل السرد واقعيًا وقريبًا من القارئ، لكنّه يحمل في الوقت نفسه إشارات وتأملات تجعل النص أكثر عمقًا ومعنى، أفضل أن يكون القارئ قريبا من الأحداث و الشخصيات لا بعيدا عنها. هل ترى أنّ الصراع الذي تعيشه "جميلة "هو صراع أنثوي بحت، أم هو انعكاس لصراع الإنسان عمومًا مع ذاته و مجتمعه؟ هو صراع انساني شامل، وليس فقط صراع أنثوي بحت، هنا أريد أن أسلط الضوء على جوهر المعاناة المتمثلة في بحث الإنسان الدائم عن ذاته، وحريته وسط عالم يحاول أنْ يحدد له من يكون، صحيح أنّ "جميلة" امرأة واجهت و تواجه التقاليد و القيود الاجتماعية لكي تثبت أيضا أنّها كائن يستحق أن تحدد مكانتها و تفرض نفسها جميلة ليست رمز للمرأة فحسب، بل تعبر عن الإنسان في عمقه الرواية تطرح سؤال الحرية والثمن الذي تدفعه الذات من أجلها... ما هو مفهوم الحرية بالنسبة إليك ككاتب؟ الحرية بالنسبة لي هي أن يعيش الإنسان كما هو، دون خوف أو تزييف، يقول ما يؤمن به، ويفعل ما يراه صوابا، لكن بكل مسؤولية واحترام الآخر، هو أن تختار طريقك بنفسك وتتحمل نتيجته. أمّا فيما يخص الكتابة، فهي تكمن في الصدق ما نكتبه، ما نشعره، دون أن يملينا أحد. أمّا الحرية في الحياة هي أن تكون صادقا مع ذاتك مهما كان الثمن. كيف استخدمت الرمزية لتجسيد العلاقة بين "الفرح" و"الحزن" في الرواية؟ استخدمت الرمزية في عنونة الرواية بين الفرح والحزن لأظهر أنّها ليست كلمتين متناقضتين، صحيح في الظاهر متناقضتين، ولكن في الأدب يمكن أن تجتمعا في تجربة إنسانية واحدة، و هذا ما حدث في رواية "الفرح المحزن" ليس إلاّ وجها آخر للفرح. الفرح والحزن ليسا حالتين منفصلتين، بل وجهان لتجربة إنسانية واحدة، إنّها علاقة غير اعتباطية، لأنّ أحدهما لا يكتمل من دون الآخر، فمن لا يعرف الحزن، لا يدرك قيمة الفرح، ومن يعيش الفرح الخالص سرعان ما يكتشف هشاشته أمام أول وجع. الحياة تعلّمنا أنّ الحزن يمنح الفرح معنى، والفرح يخفّف من وطأة الحزن. و لهذا لا يمكن الاستغناء عن أحدهما، لأنّهما معًا يصنعان توازن الإنسان وعمق إحساسه بالحياة. هناك من يرى أنّ الرواية تُعبّر عن صراع الأجيال بين الماضي والمستقبل... هل كان ذلك مقصودًا أم جاء بشكل تلقائي أثناء الكتابة؟ الصراع بين الماضي و المستقبل كان حاضرا في ذهني منذ البداية، لكن لم يكون مقصودا، ظهر من خلال الشخصيات و تطور الأحداث، حيث كل واحد منهما يحمل ذاكرة الماضي و يتطلع للمستقبل وهذا ما يحدث الآن في مجتمعنا نحاول أن نحافظ على الأصالة والتقاليد في نفس الوقت، نفتح كل أبوابنا للتطور والتغيير، ويمكن القول أنّ النهاية في الرواية تكمن في الجيل الجديد الباحث عن الحرية والموروث القديم الذي يقف حاجزا أمام الأحلام. كونك أستاذًا للغة العربية ومتخصصًا في النقد وتحليل الخطاب. كيف أثّر تكوينك الأكاديمي في أسلوبك السردي؟ دراستي في النقد و تحليل الخطاب لم يكن مجرد مسار علمي، بل علّمتني أنّ الكتابة ليست مجرد سرد للحكاية، بل تفكيك للخطاب و إعادة تشكيل جديد للمعنى، توسعي في فهم آليات السرد و العلاقات البنيوية داخل النص أثّر في أسلوبي السردي، علّمتني أن أنظر إلى اللّغة من المنظور الداخلي يحمل المعنى و الإيحاء، ولا من المنظور الخارجي. في كلمة واحدة، يمكن القول أنّ الدراسة أعطتني أدوات التحليل، أمّا الكتابة فأتاحت لي حرية التّفكير والإبداع. كيف ترى واقع الرواية الجزائرية اليوم، خاصة تلك التي تتناول قضايا المرأة والحرية و الهوية؟ أرى أنّ الرواية الجزائرية اليوم تعيش مرحلة نضج ووعي، و هناك وعي متزايد لدى الكتّاب و الكاتبات بأنّ الأدب لم يعد فقط مجرد حكاية بل مساحة للتفكير و التساؤل. أمّا فيما يخص قضايا المرأة، أرى أنّها خرجت من مرحلة التقليد، بل ينظر إليها الآن كفاعل يبحث عن ذاته و مكانته. بالنسبة للحرية و الهوية، هنا أقول أننا مازلنا نعيش بين الذاكرة و الاستشراق، بكل تحفظ أقول أننا مازلنا نبحث من نحن وإلى أين نمضي. ما التحديات التي واجهتك في نشر أول رواية لك؟ وكيف كان تفاعل القرّاء معها؟ صراحة، أول رواية دائما يكون امتحان حقيقي لأي كاتب، هناك خوف أو تخوف، حيث ترى و تشعر دائما أنّ النص غير مكتمل، يحتاج إلى تعديل أو زيادة، لم تعطي للنص السردي حقه، بل تلك الشخصية يجب أو أفضل أن تكون هكذا، و ربما كل ما كنت تفكر به و كتبته لا يفهمه القارئ كما تريد... ثم جاءت صعوبات النشر، البحث عن الأفضل، الصدق و الثقة في التعامل، هل يقبل أم يرفض، ولكن الحمد لله تمت المعاملة في القمة مع دار الماهر للنشر والتوزيع و كما أشكر كل دور النشر التي قبلت عملي هذا بعد القراءة والمراجعة و للأسف يجب عليا اختار واحدة فقط. أمّا التفاعل مع الرواية، فلم يحدث بعد بشكل رسمي، لأنٌها لم يتم نشرها بعد، لكن من خلال المواقع التواصل الاجتماعي وكذا ملخص الرواية مع الغلاف الخارجي و خاصة العنونة، هناك تجاوب من القراء ، هناك من يسأل عن هذا العمل، و خاصة ما يخفيه عنوان الرواية " الفرح المحزن". تحدثت عن عملين قادمين يتناولان العشرية السوداء بخلفية ميتافيزيقية... هل يمكن أن تكشف لنا أكثر عن رؤيتك لهذه الأعمال؟ فعلا، أعمل على عملين روائيين جديدين، حيث أحاول الغوص في الذاكرة الجزائرية الحديثة من خلال رؤية إنسانية ميتافيزيقية، كون الأعمال في هذا السياق أقول أنه ناقص. العمل الأول يتناول فكرة المرأة ككائن يعيش بين زمنين: الماضي الذي يسكنها و الحاضر الذي يحاصرها. أمّا الثاني فهي محاكمة صامتة، حتى يدركوا أنّهم ليسوا سوى وجوه مختلفة لذنب واحد. كلا العملين يعيدان صياغة العشرية السوداء من منظور داخلي روحي، لا كأحداث دموية فحسب، بل كزمن ترك ندبة في الوعي الجمعي. أتوقف هنا كون العملين لم يصدروا بعد. كيف توفق بين الواقعي، التاريخي والفلسفي في الكتابة الروائية؟ و الله أحاول دائما أن أجعل الواقعي و التاريخي و الفلسفي لا يتصارعان في النص، بل إنّهم متكاملون، حيث أتركها تتداخل طبيعيا داخل السرد، فالموقف الواقعي قد يكشف لنا فكرة فلسفية، أمّا الحدث التاريخي فقد يحمل في طيّاته إلى سؤالا عن معنى الحياة. و بهذا التداخل، يصبح النّص مساحة يجتمع فيها الواقع، الفكر والذاكرة في انسجام واحد، دون أن يطغي واحدا على الآخر، بل كل واحد مكمل للآخر. لديك أيضًا مؤلَّف بعنوان "أنا وأنت وأفكاري" يتناول معنى الحياة هل تعتبره مكملاً لرؤيتك الفكرية التي بدأت في الفرح المحزن؟ نعم، يمكن أن نقول أنّه امتداد طبيعي للرؤية التي بدأتها في "الفرح المحزن" التي كانت تبحث في الإنسان من خلال الحكاية و المشاعر، أي في سرد الرواية وما تحمله من صراعات، أما ما جاء في كتاب "أنا وأنت وأفكاري" فهي تبحث عن معنى الحياة و لكن بطريقة أخرى عكس نص الرواية، كان البحث بصوت أكثر هدوء و تأمل، بعيدا عن الصراع السردي. ما الرسالة التي تود إيصالها عبر مجمل أعمالك الأدبية هو أنّ الإنسان جوهر كل حكاية، رغم الألم، الانكسارات و كل العوائق اليومية مازلنا قادرين على الحلم والنهوض والحب، و أن يتذكر كل قارئ بأنّ في داخلنا قوة خفية تجعلنا قادرين تجاوز حزننا و أحزاننا، و أنّ الحياة بكل تناقضاتها نستحق أن نعيشها بصدق. وأختم كلامي بهذا القول " لا تترك الألم يكسرك، اجعله طريقك إلى المعنى " أستاذ رعاف حمانة ، دليل وجدول مواعيد معارض الكتب في الوطن العربي ، وتقويم للفعاليات والاحداث الخاصة بالكتب والمؤلفين والندوات والمؤتمرات الثقافية