رعاف حمانة... حين يكتب الإنسان بمداد الوجع الألم.

- رعاف حمانة... حين يكتب الإنسان بمداد الوجع الألم.

الحوار كاملا مع إحدى الجرائد اليومية التي لم تنشره كاملا. ما الدافع الحقيقي الذي ألهمك لكتابة رواية الفرح المحزن؟ الدافع الحقيقي كان نتيجة تراكم وجداني طويل، حيث كنت أرى في وجوه الناس تناقضات الحياة، هناك من يتظاهر بالقوة ولكن في داخلهم يسودها التهاون، وهناك من يضحكون ولكن يحملون في طياتها أحزانا صامتة، لهذا ألهمني هذا العنوان " الفرح المحزن " لأكتشف من خلاصة شخصية " جميلة " في أصدق حالاتها، فالرواية ليست مجرد حكاية وفقط، بل هي محاولة فهم كيف للوجع و الألم أن يلد الأمل. وهل استلهمت شخصيّة جميلة من الواقع أم من الخيال؟ في الحقيقة هو مزيج بين الواقعية والخيال، من الناحية الواقعية فهي تتمثل في كل امرأة تصارع، تناضل، و تبحث عن مكانتها وسط القيود، أمّا من الناحية الخيالية يكمن ذلك في صراعها الدائم بين الضعف والقوة من جهة، وبين الخوف و الأمل من جهة أخرى. إذن شخصية " جميلة " رمز لكل من يواجه حزنه بالفرح والابتسامة. عنوان الرواية الفرح المحزن يحمل تناقضًا لافتًا... كيف تشرح لنا فلسفة هذا العنوان؟ بالطبع فيها تناقض من نحية العنونة ، و يقوم هذا التناقض الظاهري بين كلمتين متباينتين فقط، ولكن في جوهره هو يعكس حقيقة الإنسان في حد ذاته، أريد القول بأنّ الحياة ليست فرحا خالصا، ولا حزنا خالصا، بل يكمن في المزج بين الكلمتين في لحظة واحدة، أحيانا نحزن لكن في الحزن نفسه نور صغير يجعلنا نفرح و نبتسم، وأحيانا أخرى نفرح و في داخلنا حزنا قديما يحزننا. شخصيا أردت أن أعبر عن تعقيد المشاعر الإنسانية و عن تلك الحالة التي يعيشها كثيرا منا في صمت، أقول أنّ الحزن ليس إلاّ وجها آخر للفرح. اختَرْتَ أن تدور الأحداث في قرية أمازيغية هل هو اختيار رمزي للهوية والخصوصية الثقافية أم مجرد خلفية سردية؟ كان خيار رمزي وواعي، حيث أنّها تمثل الهوية و مكان للمحافظة، رغم التحولات و التغيرات الزمنية، أردت أن تعكس العالم بأسره، ببساطتها، في صدقها، وفي صراعاتها بين التغيير و الأصالة والبقاء على حالها، فهي تشاركهم في أفراحها و أحزانها كما يحدث في جل المجتمعات الأخرى ولكن بعاداتها، تقاليدها الخاصة وأصالتها، والمحافظة للمكون الثقافي الخاصة بيها. إلى أي مدى تعكس شخصية “جميلة” صورة المرأة الجزائرية المعاصرة في صراعها مع التقاليد؟ سبق لي وقلت أّنّ شخصية "جميلة" شخصية رمزية، ليست فقط بطلة سردية، تعكس المرأة الجزائرية المعاصرة في بحثها الدائم عن التجديد، ولكن محافظة ووفية للعادات و التقاليد، تحلم بحياة تصنعها بيدها ولا تمليها الأعراف، حيث في الرواية لا نرى جميلة ترفض التقاليد والعادات و الأعراف لكن أرادت أن تثبت ذاتها بكرامة ووعي، وهنا بالذات تظهر صورة المرأة الجزائرية الواعية بالتحرر و مواكبة العصر من جهة، و إدراكها بأنّ الرجل هو شريكها في الحياة من جهة أخرى، ولم يكن يوما ظلّها و منافسها، فقط يجب الجمع بين الأصالة و الطموح. نلمس في الرواية حضورًا قويًا للبعد النفسي والوجودي، كيف توفق بين العمق الفلسفي والسرد الواقعي في أعمالك؟ حقيقة، حين أكتب، أحاول أن أجعل القارئ يفكر ويعيش القصة، بل هي حياته، أبدأ بتفاصيل الحياة اليومية، ثم أترك الشخصيات تُعبّر عن أسئلتها الوجودية بطريقتها البسيطة. أحاول دائما أن أجمع بين العمق الفكري و الواقع اليومي، وتظهر من خلال الشخصيات و مواقفها، و بهذا الشكل، يظل السرد واقعيًا وقريبًا من القارئ، لكنّه يحمل في الوقت نفسه إشارات وتأملات تجعل النص أكثر عمقًا ومعنى، أفضل أن يكون القارئ قريبا من الأحداث و الشخصيات لا بعيدا عنها. هل ترى أنّ الصراع الذي تعيشه "جميلة "هو صراع أنثوي بحت، أم هو انعكاس لصراع الإنسان عمومًا مع ذاته و مجتمعه؟ هو صراع انساني شامل، وليس فقط صراع أنثوي بحت، هنا أريد أن أسلط الضوء على جوهر المعاناة المتمثلة في بحث الإنسان الدائم عن ذاته، وحريته وسط عالم يحاول أنْ يحدد له من يكون، صحيح أنّ "جميلة" امرأة واجهت و تواجه التقاليد و القيود الاجتماعية لكي تثبت أيضا أنّها كائن يستحق أن تحدد مكانتها و تفرض نفسها جميلة ليست رمز للمرأة فحسب، بل تعبر عن الإنسان في عمقه الرواية تطرح سؤال الحرية والثمن الذي تدفعه الذات من أجلها... ما هو مفهوم الحرية بالنسبة إليك ككاتب؟ الحرية بالنسبة لي هي أن يعيش الإنسان كما هو، دون خوف أو تزييف، يقول ما يؤمن به، ويفعل ما يراه صوابا، لكن بكل مسؤولية واحترام الآخر، هو أن تختار طريقك بنفسك وتتحمل نتيجته. أمّا فيما يخص الكتابة، فهي تكمن في الصدق ما نكتبه، ما نشعره، دون أن يملينا أحد. أمّا الحرية في الحياة هي أن تكون صادقا مع ذاتك مهما كان الثمن. كيف استخدمت الرمزية لتجسيد العلاقة بين "الفرح" و"الحزن" في الرواية؟ استخدمت الرمزية في عنونة الرواية بين الفرح والحزن لأظهر أنّها ليست كلمتين متناقضتين، صحيح في الظاهر متناقضتين، ولكن في الأدب يمكن أن تجتمعا في تجربة إنسانية واحدة، و هذا ما حدث في رواية "الفرح المحزن" ليس إلاّ وجها آخر للفرح. الفرح والحزن ليسا حالتين منفصلتين، بل وجهان لتجربة إنسانية واحدة، إنّها علاقة غير اعتباطية، لأنّ أحدهما لا يكتمل من دون الآخر، فمن لا يعرف الحزن، لا يدرك قيمة الفرح، ومن يعيش الفرح الخالص سرعان ما يكتشف هشاشته أمام أول وجع. الحياة تعلّمنا أنّ الحزن يمنح الفرح معنى، والفرح يخفّف من وطأة الحزن. و لهذا لا يمكن الاستغناء عن أحدهما، لأنّهما معًا يصنعان توازن الإنسان وعمق إحساسه بالحياة. هناك من يرى أنّ الرواية تُعبّر عن صراع الأجيال بين الماضي والمستقبل... هل كان ذلك مقصودًا أم جاء بشكل تلقائي أثناء الكتابة؟ الصراع بين الماضي و المستقبل كان حاضرا في ذهني منذ البداية، لكن لم يكون مقصودا، ظهر من خلال الشخصيات و تطور الأحداث، حيث كل واحد منهما يحمل ذاكرة الماضي و يتطلع للمستقبل وهذا ما يحدث الآن في مجتمعنا نحاول أن نحافظ على الأصالة والتقاليد في نفس الوقت، نفتح كل أبوابنا للتطور والتغيير، ويمكن القول أنّ النهاية في الرواية تكمن في الجيل الجديد الباحث عن الحرية والموروث القديم الذي يقف حاجزا أمام الأحلام. كونك أستاذًا للغة العربية ومتخصصًا في النقد وتحليل الخطاب. كيف أثّر تكوينك الأكاديمي في أسلوبك السردي؟ دراستي في النقد و تحليل الخطاب لم يكن مجرد مسار علمي، بل علّمتني أنّ الكتابة ليست مجرد سرد للحكاية، بل تفكيك للخطاب و إعادة تشكيل جديد للمعنى، توسعي في فهم آليات السرد و العلاقات البنيوية داخل النص أثّر في أسلوبي السردي، علّمتني أن أنظر إلى اللّغة من المنظور الداخلي يحمل المعنى و الإيحاء، ولا من المنظور الخارجي. في كلمة واحدة، يمكن القول أنّ الدراسة أعطتني أدوات التحليل، أمّا الكتابة فأتاحت لي حرية التّفكير والإبداع. كيف ترى واقع الرواية الجزائرية اليوم، خاصة تلك التي تتناول قضايا المرأة والحرية و الهوية؟ أرى أنّ الرواية الجزائرية اليوم تعيش مرحلة نضج ووعي، و هناك وعي متزايد لدى الكتّاب و الكاتبات بأنّ الأدب لم يعد فقط مجرد حكاية بل مساحة للتفكير و التساؤل. أمّا فيما يخص قضايا المرأة، أرى أنّها خرجت من مرحلة التقليد، بل ينظر إليها الآن كفاعل يبحث عن ذاته و مكانته. بالنسبة للحرية و الهوية، هنا أقول أننا مازلنا نعيش بين الذاكرة و الاستشراق، بكل تحفظ أقول أننا مازلنا نبحث من نحن وإلى أين نمضي. ما التحديات التي واجهتك في نشر أول رواية لك؟ وكيف كان تفاعل القرّاء معها؟ صراحة، أول رواية دائما يكون امتحان حقيقي لأي كاتب، هناك خوف أو تخوف، حيث ترى و تشعر دائما أنّ النص غير مكتمل، يحتاج إلى تعديل أو زيادة، لم تعطي للنص السردي حقه، بل تلك الشخصية يجب أو أفضل أن تكون هكذا، و ربما كل ما كنت تفكر به و كتبته لا يفهمه القارئ كما تريد... ثم جاءت صعوبات النشر، البحث عن الأفضل، الصدق و الثقة في التعامل، هل يقبل أم يرفض، ولكن الحمد لله تمت المعاملة في القمة مع دار الماهر للنشر والتوزيع و كما أشكر كل دور النشر التي قبلت عملي هذا بعد القراءة والمراجعة و للأسف يجب عليا اختار واحدة فقط. أمّا التفاعل مع الرواية، فلم يحدث بعد بشكل رسمي، لأنٌها لم يتم نشرها بعد، لكن من خلال المواقع التواصل الاجتماعي وكذا ملخص الرواية مع الغلاف الخارجي و خاصة العنونة، هناك تجاوب من القراء ، هناك من يسأل عن هذا العمل، و خاصة ما يخفيه عنوان الرواية " الفرح المحزن". تحدثت عن عملين قادمين يتناولان العشرية السوداء بخلفية ميتافيزيقية... هل يمكن أن تكشف لنا أكثر عن رؤيتك لهذه الأعمال؟ فعلا، أعمل على عملين روائيين جديدين، حيث أحاول الغوص في الذاكرة الجزائرية الحديثة من خلال رؤية إنسانية ميتافيزيقية، كون الأعمال في هذا السياق أقول أنه ناقص. العمل الأول يتناول فكرة المرأة ككائن يعيش بين زمنين: الماضي الذي يسكنها و الحاضر الذي يحاصرها. أمّا الثاني فهي محاكمة صامتة، حتى يدركوا أنّهم ليسوا سوى وجوه مختلفة لذنب واحد. كلا العملين يعيدان صياغة العشرية السوداء من منظور داخلي روحي، لا كأحداث دموية فحسب، بل كزمن ترك ندبة في الوعي الجمعي. أتوقف هنا كون العملين لم يصدروا بعد. كيف توفق بين الواقعي، التاريخي والفلسفي في الكتابة الروائية؟ و الله أحاول دائما أن أجعل الواقعي و التاريخي و الفلسفي لا يتصارعان في النص، بل إنّهم متكاملون، حيث أتركها تتداخل طبيعيا داخل السرد، فالموقف الواقعي قد يكشف لنا فكرة فلسفية، أمّا الحدث التاريخي فقد يحمل في طيّاته إلى سؤالا عن معنى الحياة. و بهذا التداخل، يصبح النّص مساحة يجتمع فيها الواقع، الفكر والذاكرة في انسجام واحد، دون أن يطغي واحدا على الآخر، بل كل واحد مكمل للآخر. لديك أيضًا مؤلَّف بعنوان "أنا وأنت وأفكاري" يتناول معنى الحياة هل تعتبره مكملاً لرؤيتك الفكرية التي بدأت في الفرح المحزن؟ نعم، يمكن أن نقول أنّه امتداد طبيعي للرؤية التي بدأتها في "الفرح المحزن" التي كانت تبحث في الإنسان من خلال الحكاية و المشاعر، أي في سرد الرواية وما تحمله من صراعات، أما ما جاء في كتاب "أنا وأنت وأفكاري" فهي تبحث عن معنى الحياة و لكن بطريقة أخرى عكس نص الرواية، كان البحث بصوت أكثر هدوء و تأمل، بعيدا عن الصراع السردي. ما الرسالة التي تود إيصالها عبر مجمل أعمالك الأدبية هو أنّ الإنسان جوهر كل حكاية، رغم الألم، الانكسارات و كل العوائق اليومية مازلنا قادرين على الحلم والنهوض والحب، و أن يتذكر كل قارئ بأنّ في داخلنا قوة خفية تجعلنا قادرين تجاوز حزننا و أحزاننا، و أنّ الحياة بكل تناقضاتها نستحق أن نعيشها بصدق. وأختم كلامي بهذا القول " لا تترك الألم يكسرك، اجعله طريقك إلى المعنى " أستاذ رعاف حمانة ، دليل وجدول مواعيد معارض الكتب في الوطن العربي ، وتقويم للفعاليات والاحداث الخاصة بالكتب والمؤلفين والندوات والمؤتمرات الثقافية

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
حوار صحفي
رعاف حمانة... حين يكتب الإنسان بمداد الوجع  الألم.

رعاف حمانة... حين يكتب الإنسان بمداد الوجع الألم.

13 نوفمبر الخميس 2025
14 نوفمبر الجمعة 2025
الحوار كاملا مع إحدى الجرائد اليومية
التي لم تنشره كاملا.

ما الدافع الحقيقي الذي ألهمك لكتابة رواية الفرح المحزن؟
الدافع الحقيقي كان نتيجة تراكم وجداني طويل، حيث كنت أرى في وجوه الناس تناقضات الحياة، هناك من يتظاهر بالقوة ولكن في داخلهم يسودها التهاون، وهناك من يضحكون ولكن يحملون في طياتها أحزانا صامتة، لهذا ألهمني هذا العنوان ˝ الفرح المحزن ˝ لأكتشف من خلاصة شخصية ˝ جميلة ˝ في أصدق حالاتها، فالرواية ليست مجرد حكاية وفقط، بل هي محاولة فهم كيف للوجع و الألم أن يلد الأمل.

وهل استلهمت شخصيّة جميلة من الواقع أم من الخيال؟

في الحقيقة هو مزيج بين الواقعية والخيال، من الناحية الواقعية فهي تتمثل في كل امرأة تصارع، تناضل،
و تبحث عن مكانتها وسط القيود، أمّا من الناحية الخيالية يكمن ذلك في صراعها الدائم بين الضعف والقوة من جهة، وبين الخوف و الأمل من جهة أخرى.
إذن شخصية ˝ جميلة ˝ رمز لكل من يواجه حزنه بالفرح والابتسامة.

عنوان الرواية الفرح المحزن يحمل تناقضًا لافتًا..
كيف تشرح لنا فلسفة هذا العنوان؟
بالطبع فيها تناقض من نحية العنونة ، و يقوم هذا التناقض الظاهري بين كلمتين متباينتين فقط، ولكن في جوهره هو يعكس حقيقة الإنسان في حد ذاته، أريد القول بأنّ الحياة ليست فرحا خالصا، ولا حزنا خالصا، بل يكمن في المزج بين الكلمتين في لحظة واحدة، أحيانا نحزن لكن في الحزن نفسه نور صغير يجعلنا نفرح و نبتسم، وأحيانا أخرى نفرح و في داخلنا حزنا قديما يحزننا.
شخصيا أردت أن أعبر عن تعقيد المشاعر الإنسانية و عن تلك الحالة التي يعيشها كثيرا منا في صمت، أقول أنّ الحزن ليس إلاّ وجها آخر للفرح.

اختَرْتَ أن تدور الأحداث في قرية أمازيغية
هل هو اختيار رمزي للهوية والخصوصية الثقافية أم مجرد خلفية سردية؟
كان خيار رمزي وواعي، حيث أنّها تمثل الهوية و مكان للمحافظة، رغم التحولات و التغيرات الزمنية، أردت أن تعكس العالم بأسره، ببساطتها، في صدقها، وفي صراعاتها بين التغيير و الأصالة والبقاء على حالها، فهي تشاركهم في أفراحها و أحزانها كما يحدث في جل المجتمعات الأخرى ولكن بعاداتها، تقاليدها الخاصة وأصالتها، والمحافظة للمكون الثقافي الخاصة بيها.

إلى أي مدى تعكس شخصية “جميلة” صورة المرأة الجزائرية المعاصرة في صراعها مع التقاليد؟
سبق لي وقلت أّنّ شخصية ˝جميلة˝ شخصية رمزية، ليست فقط بطلة سردية، تعكس المرأة الجزائرية المعاصرة في بحثها الدائم عن التجديد، ولكن محافظة ووفية للعادات و التقاليد، تحلم بحياة تصنعها بيدها ولا تمليها الأعراف، حيث في الرواية لا نرى جميلة ترفض التقاليد والعادات و الأعراف لكن أرادت أن تثبت ذاتها بكرامة ووعي، وهنا بالذات تظهر صورة المرأة الجزائرية الواعية بالتحرر و مواكبة العصر من جهة، و إدراكها بأنّ الرجل هو شريكها في الحياة من جهة أخرى، ولم يكن يوما ظلّها و منافسها، فقط يجب الجمع بين الأصالة و الطموح.

نلمس في الرواية حضورًا قويًا للبعد النفسي والوجودي، كيف توفق بين العمق الفلسفي والسرد الواقعي في أعمالك؟
حقيقة، حين أكتب، أحاول أن أجعل القارئ يفكر ويعيش القصة، بل هي حياته، أبدأ بتفاصيل الحياة اليومية، ثم أترك الشخصيات تُعبّر عن أسئلتها الوجودية بطريقتها البسيطة.
أحاول دائما أن أجمع بين العمق الفكري و الواقع اليومي، وتظهر من خلال الشخصيات و مواقفها، و بهذا الشكل، يظل السرد واقعيًا وقريبًا من القارئ، لكنّه يحمل في الوقت نفسه إشارات وتأملات تجعل النص أكثر عمقًا ومعنى، أفضل أن يكون القارئ قريبا من الأحداث و الشخصيات لا بعيدا عنها.

هل ترى أنّ الصراع الذي تعيشه ˝جميلة ˝هو صراع أنثوي بحت، أم هو انعكاس لصراع الإنسان عمومًا مع ذاته و مجتمعه؟
هو صراع انساني شامل، وليس فقط صراع أنثوي بحت، هنا أريد أن أسلط الضوء على جوهر المعاناة المتمثلة في بحث الإنسان الدائم عن ذاته، وحريته وسط عالم يحاول أنْ يحدد له من يكون، صحيح أنّ ˝جميلة˝ امرأة واجهت و تواجه التقاليد و القيود الاجتماعية لكي تثبت أيضا أنّها كائن يستحق أن تحدد مكانتها و تفرض نفسها
جميلة ليست رمز للمرأة فحسب، بل تعبر عن الإنسان في عمقه

الرواية تطرح سؤال الحرية والثمن الذي تدفعه الذات من أجلها..
ما هو مفهوم الحرية بالنسبة إليك ككاتب؟
الحرية بالنسبة لي هي أن يعيش الإنسان كما هو، دون خوف أو تزييف، يقول ما يؤمن به، ويفعل ما يراه صوابا، لكن بكل مسؤولية واحترام الآخر، هو أن تختار طريقك بنفسك وتتحمل نتيجته.
أمّا فيما يخص الكتابة، فهي تكمن في الصدق ما نكتبه، ما نشعره، دون أن يملينا أحد.
أمّا الحرية في الحياة هي أن تكون صادقا مع ذاتك مهما كان الثمن.

كيف استخدمت الرمزية لتجسيد العلاقة بين ˝الفرح˝ و˝الحزن˝ في الرواية؟
استخدمت الرمزية في عنونة الرواية بين الفرح والحزن لأظهر أنّها ليست كلمتين متناقضتين، صحيح في الظاهر متناقضتين، ولكن في الأدب يمكن أن تجتمعا في تجربة إنسانية واحدة، و هذا ما حدث في رواية ˝الفرح المحزن˝ ليس إلاّ وجها آخر للفرح.
الفرح والحزن ليسا حالتين منفصلتين، بل وجهان لتجربة إنسانية واحدة، إنّها علاقة غير اعتباطية، لأنّ أحدهما لا يكتمل من دون الآخر، فمن لا يعرف الحزن، لا يدرك قيمة الفرح، ومن يعيش الفرح الخالص سرعان ما يكتشف هشاشته أمام أول وجع.
الحياة تعلّمنا أنّ الحزن يمنح الفرح معنى، والفرح يخفّف من وطأة الحزن.
و لهذا لا يمكن الاستغناء عن أحدهما، لأنّهما معًا يصنعان توازن الإنسان وعمق إحساسه بالحياة.

هناك من يرى أنّ الرواية تُعبّر عن صراع الأجيال بين الماضي والمستقبل..
هل كان ذلك مقصودًا أم جاء بشكل تلقائي أثناء الكتابة؟
الصراع بين الماضي و المستقبل كان حاضرا في ذهني منذ البداية، لكن لم يكون مقصودا، ظهر من خلال الشخصيات و تطور الأحداث، حيث كل واحد منهما يحمل ذاكرة الماضي و يتطلع للمستقبل وهذا ما يحدث الآن في مجتمعنا نحاول أن نحافظ على الأصالة والتقاليد في نفس الوقت، نفتح كل أبوابنا للتطور والتغيير، ويمكن القول أنّ النهاية في الرواية تكمن في الجيل الجديد الباحث عن الحرية والموروث القديم الذي يقف حاجزا أمام الأحلام.

كونك أستاذًا للغة العربية ومتخصصًا في النقد وتحليل الخطاب.
كيف أثّر تكوينك الأكاديمي في أسلوبك السردي؟
دراستي في النقد و تحليل الخطاب لم يكن مجرد مسار علمي، بل علّمتني أنّ الكتابة ليست مجرد سرد للحكاية، بل تفكيك للخطاب و إعادة تشكيل جديد للمعنى، توسعي في فهم آليات السرد و العلاقات البنيوية داخل النص أثّر في أسلوبي السردي، علّمتني أن أنظر إلى اللّغة من المنظور الداخلي يحمل المعنى و الإيحاء، ولا من المنظور الخارجي.
في كلمة واحدة، يمكن القول أنّ الدراسة أعطتني أدوات التحليل، أمّا الكتابة فأتاحت لي حرية التّفكير والإبداع.

كيف ترى واقع الرواية الجزائرية اليوم، خاصة تلك التي تتناول قضايا المرأة والحرية و الهوية؟
أرى أنّ الرواية الجزائرية اليوم تعيش مرحلة نضج ووعي، و هناك وعي متزايد لدى الكتّاب و الكاتبات بأنّ الأدب لم يعد فقط مجرد حكاية بل مساحة للتفكير و التساؤل.
أمّا فيما يخص قضايا المرأة، أرى أنّها خرجت من مرحلة التقليد، بل ينظر إليها الآن كفاعل يبحث عن ذاته و مكانته.
بالنسبة للحرية و الهوية، هنا أقول أننا مازلنا نعيش بين الذاكرة و الاستشراق، بكل تحفظ أقول أننا مازلنا نبحث من نحن وإلى أين نمضي.

ما التحديات التي واجهتك في نشر أول رواية لك؟
وكيف كان تفاعل القرّاء معها؟

صراحة، أول رواية دائما يكون امتحان حقيقي لأي كاتب، هناك خوف أو تخوف، حيث ترى و تشعر دائما أنّ النص غير مكتمل، يحتاج إلى تعديل أو زيادة، لم تعطي للنص السردي حقه، بل تلك الشخصية يجب أو أفضل أن تكون هكذا، و ربما كل ما كنت تفكر به و كتبته لا يفهمه القارئ كما تريد.. ثم جاءت صعوبات النشر، البحث عن الأفضل، الصدق و الثقة في التعامل، هل يقبل أم يرفض، ولكن الحمد لله تمت المعاملة في القمة مع دار الماهر للنشر والتوزيع و كما أشكر كل دور النشر التي قبلت عملي هذا بعد القراءة والمراجعة و للأسف يجب عليا اختار واحدة فقط.
أمّا التفاعل مع الرواية، فلم يحدث بعد بشكل رسمي، لأنٌها لم يتم نشرها بعد، لكن من خلال المواقع التواصل الاجتماعي وكذا ملخص الرواية مع الغلاف الخارجي و خاصة العنونة، هناك تجاوب من القراء ، هناك من يسأل عن هذا العمل، و خاصة ما يخفيه عنوان الرواية ˝ الفرح المحزن˝.

تحدثت عن عملين قادمين يتناولان العشرية السوداء بخلفية ميتافيزيقية..
هل يمكن أن تكشف لنا أكثر عن رؤيتك لهذه الأعمال؟
فعلا، أعمل على عملين روائيين جديدين، حيث أحاول الغوص في الذاكرة الجزائرية الحديثة من خلال رؤية إنسانية ميتافيزيقية، كون الأعمال في هذا السياق أقول أنه ناقص.
العمل الأول يتناول فكرة المرأة ككائن يعيش بين زمنين: الماضي الذي يسكنها و الحاضر الذي يحاصرها.
أمّا الثاني فهي محاكمة صامتة، حتى يدركوا أنّهم ليسوا سوى وجوه مختلفة لذنب واحد.
كلا العملين يعيدان صياغة العشرية السوداء من منظور داخلي روحي، لا كأحداث دموية فحسب، بل كزمن ترك ندبة في الوعي الجمعي. أتوقف هنا كون العملين لم يصدروا بعد.

كيف توفق بين الواقعي، التاريخي والفلسفي في الكتابة الروائية؟

و الله أحاول دائما أن أجعل الواقعي و التاريخي و الفلسفي لا يتصارعان في النص، بل إنّهم متكاملون، حيث أتركها تتداخل طبيعيا داخل السرد، فالموقف الواقعي قد يكشف لنا فكرة فلسفية، أمّا الحدث التاريخي فقد يحمل في طيّاته إلى سؤالا عن معنى الحياة.
و بهذا التداخل، يصبح النّص مساحة يجتمع فيها الواقع، الفكر والذاكرة في انسجام واحد، دون أن يطغي واحدا على الآخر، بل كل واحد مكمل للآخر.

لديك أيضًا مؤلَّف بعنوان ˝أنا وأنت وأفكاري˝ يتناول معنى الحياة
هل تعتبره مكملاً لرؤيتك الفكرية التي بدأت في الفرح المحزن؟

نعم، يمكن أن نقول أنّه امتداد طبيعي للرؤية التي بدأتها في ˝الفرح المحزن˝ التي كانت تبحث في الإنسان من خلال الحكاية و المشاعر، أي في سرد الرواية وما تحمله من صراعات، أما ما جاء في كتاب ˝أنا وأنت وأفكاري˝ فهي تبحث عن معنى الحياة و لكن بطريقة أخرى عكس نص الرواية، كان البحث بصوت أكثر هدوء و تأمل، بعيدا عن الصراع السردي.

ما الرسالة التي تود إيصالها عبر مجمل أعمالك الأدبية

هو أنّ الإنسان جوهر كل حكاية، رغم الألم، الانكسارات و كل العوائق اليومية مازلنا قادرين على الحلم والنهوض والحب، و أن يتذكر كل قارئ بأنّ في داخلنا قوة خفية تجعلنا قادرين تجاوز حزننا و أحزاننا، و أنّ الحياة بكل تناقضاتها نستحق أن نعيشها بصدق.
وأختم كلامي بهذا القول ˝ لا تترك الألم يكسرك، اجعله طريقك إلى المعنى ˝
أستاذ رعاف حمانة.
رعاف حمانة
معلومات
مناقشات
المزيد من الحوارات الصحفيّة
📢 فعاليات وأخبار ذات صلة
13 نوفمبر الخميس
14 نوفمبر الجمعة

رعاف حمانة... حين يكتب الإنسان بمداد الوجع الألم.

  - الجزائر
tt
رعاف حمانة... حين يكتب الإنسان بمداد الوجع الألم.
إحصائيات:

#1

0 مشاهدة هذا اليوم

#239

18 مشاهدة هذا الشهر

#2K

18 إجمالي المشاهدات

قام بالاعلان عنه:
رعاف حمانة
ملاحظات ونقاشات القرّاء حول رعاف حمانة... حين يكتب الإنسان بمداد الوجع الألم.
📢 فعاليات وأخبار ذات صلة: إضافة إعلان
معرض كتاب
29 أكتوبر الأربعاء 2025
8 ديسمبر الأحد 2024
الجزائر
tt
المعرض الدولي للكتاب سيلا 2025 الجزائر
المعرض الدولي للكتاب سيلا 2025 الجزائر
أخبار وفعاليات أخرى:
معرض كتاب
19 نوفمبر الأربعاء 2025
29 نوفمبر السبت 2025
مشرف - الكويت
tt
معرض الكويت الدولي للكتاب2025
معرض الكويت الدولي للكتاب2025
معرض كتاب
3 ديسمبر الأربعاء 2025
13 ديسمبر السبت 2025
بغداد - العراق
tt
معرض العراق الدولي للكتاب 2025
معرض العراق الدولي للكتاب 2025
معرض كتاب
3 ديسمبر الأربعاء 2025
11 ديسمبر الخميس 2025
بيروت - لبنان
tt
معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 2025
معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 2025
20 نوفمبر الخميس
محمود السعدني ذكرى ميلاد محمود السعدني 1928م - 2010م
د. محمود يعقوبى ذكرى ميلاد د. محمود يعقوبى 1931م - 2020م
د. إبراهيم أحمد الديبو ذكرى ميلاد د. إبراهيم أحمد الديبو 1971م
فضيلة الفاروق ذكرى ميلاد فضيلة الفاروق 1967م
محمد شاهين التاعب ذكرى ميلاد محمد شاهين التاعب 1987م
برلنتي عبد الحميد ذكرى ميلاد برلنتي عبد الحميد 1935م - 2010م
دون ديليلو ذكرى ميلاد دون ديليلو 1936م
نورهان عادل محمود ذكرى ميلاد نورهان عادل محمود 2004م
سلمى محمد رومانتيكا ذكرى ميلاد سلمى محمد رومانتيكا 2007م
21 نوفمبر الجمعة
صفاء فوزى ذكرى ميلاد صفاء فوزى 1977م
لولوة المنصوري ذكرى ميلاد لولوة المنصوري 1979م
ملك محمود فرغلي ذكرى ميلاد ملك محمود فرغلي 2008م
مريم الكصير ذكرى ميلاد مريم الكصير 2000م
22 نوفمبر السبت
أليكس بيلوس ذكرى ميلاد أليكس بيلوس 1969م
ماسيج كرانز ذكرى ميلاد ماسيج كرانز 1964م
منة المرسي ذكرى ميلاد منة المرسي 2004م
إيمان شريف عبد النبي ذكرى ميلاد إيمان شريف عبد النبي 2002م
ڤترينا فوتوجرافر ذكرى ميلاد ڤترينا فوتوجرافر 1999م
سعاد محمد عمر ذكرى ميلاد سعاد محمد عمر 1975م
23 نوفمبر الأحد
ممدوح عدوان ذكرى ميلاد ممدوح عدوان 1941م - 2004م
روان محمد الخشاب ذكرى ميلاد روان محمد الخشاب 1997م
روان ابراهيم عبد العليم ذكرى ميلاد روان ابراهيم عبد العليم 2002م
نوال مصطفى ذكرى ميلاد نوال مصطفى 1965م
24 نوفمبر الإثنين
باروخ سبينوزا ذكرى ميلاد باروخ سبينوزا 1632م - 1677م
ديل كارنيجي ذكرى ميلاد ديل كارنيجي 1888م - 1955م
رائد السمهوري ذكرى ميلاد رائد السمهوري 1975م
غادة العليمي ذكرى ميلاد غادة العليمي 1974م
عمرو محمد كمال ذكرى ميلاد عمرو محمد كمال 1997م
هدى سليم القباطي ذكرى ميلاد هدى سليم القباطي 2002م
لُبنى دراز ذكرى ميلاد لُبنى دراز 1977م
25 نوفمبر الثلاثاء
خالد الصاوى ذكرى ميلاد خالد الصاوى 1963م
لويس سبينس ذكرى ميلاد لويس سبينس 1874م - 1955م
جون بوكان ذكرى ميلاد جون بوكان 1911م - 1996م
كاثرين برايس ذكرى ميلاد كاثرين برايس 1978م
أميرة صلاح آل عيسى ذكرى ميلاد أميرة صلاح آل عيسى 2004م
محمد بن سالم بن علي جابر ذكرى ميلاد محمد بن سالم بن علي جابر 1964م
ندا محمد علي ذكرى ميلاد ندا محمد علي 2006م
إسرائيل شفلر ذكرى ميلاد إسرائيل شفلر 1923م - 2014م
هاجر ناجي صلاح ذكرى ميلاد هاجر ناجي صلاح 2006م
ريم محمد محمد حسانين ذكرى ميلاد ريم محمد محمد حسانين 2011م
أحمد البياسي ذكرى ميلاد أحمد البياسي 1987م
يسرا محروس غانم ذكرى ميلاد يسرا محروس غانم 1999م
عيسى إبراهيم خليفة ذكرى ميلاد عيسى إبراهيم خليفة 1957م
26 نوفمبر الأربعاء
كريم الشاذلي ذكرى ميلاد كريم الشاذلي 1978م
كوينتين سكنر ذكرى ميلاد كوينتين سكنر 1940م
ريتشارد هولواي ذكرى ميلاد ريتشارد هولواي 1933م
هاجر عصام عبد الفتاح ذكرى ميلاد هاجر عصام عبد الفتاح 2002م
خليل كلفت ذكرى ميلاد خليل كلفت 1942م - 2010م
هيثم بلفتني ذكرى ميلاد هيثم بلفتني 2004م
جيمس داشنر ذكرى ميلاد جيمس داشنر 1972م
منة الله حسني الشافعي ذكرى ميلاد منة الله حسني الشافعي 2005م
إعلانات وأخبار:
إعلان
الغربية - مصر
tt
هل تحتاج إلى مساعدة في دراستك العليا؟
هل تحتاج إلى مساعدة في دراستك العليا؟
إعلان
مصر
tt
مؤسسة الهُداة للخدمات البحثية في المجال الأكاديمي والفكري
مؤسسة الهُداة للخدمات البحثية في المجال الأكاديمي والفكري
إعلان
تونس - تونس
tt
"من تونس إلى العالم: انطلاقة ثقافية تعانق الإبداع العربي"
"من تونس إلى العالم: انطلاقة ثقافية تعانق الإبداع العربي"