إنَّ عِلْمَ الدِّينِ هوَ حياةُ الإسلامِ مَنْ أهملَهُ فهوَ تائهٌ ضائعٌ يميلُ معَ كُلِّ رِيحٍ. الجاهلُ كالتائهِ في وسَطِ الصحراءِ بلا دليلٍ لا يدري هلْ يقتربُ مِنْ مقصودِهِ أمْ يبتعدُ، وهكذَا الجاهلُ لا يضمنُ صِحَّةَ صلاتِه ولا صحةَ صيامِه ولا صحةَ حَجِّهِ. فبعِلْمِ الدِّينِ تميزُ الكفرَ مِنَ الإيمانِ والحلالَ مِنَ الحرامِ، بعِلْمِ الدِّينِ تميزُ الحقَّ مِنَ الباطلِ والحسنَ مِنَ القبيحِ، وبعِلْمِ الدِّينِ تعرفُ كيفَ تتكلَّمُ وماذَا تتكلَّمُ ولماذَا تتكلَّمُ وإذَا سَكَتَّ لماذا تسْكُتُ، بعِلْمِ الدِّينِ تعرفُ كيفَ تَبيعُ وكيفَ تشترِيْ وكيفَ تُجريْ عقدَ النكاحِ لكَ أوْ لابنتِكَ أوْ لولدِكَ، بعِلْمِ الدِّينِ تعرفُ كيفَ تكونُ بارًّا بوالدَيْكَ وكيفَ تحسنُ لأرحامِكَ ولجيرانِكَ، فتأمَّلْ معِي أخِي المؤمنَ لوْ أنَّ شريحةَ المجتمعِ التي تعيشُ بينَها تعرفُ هذَا وعندَها هذَا الميزانُ الشرعيُّ الذي اكتسبْتَهُ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ كيفَ سيكونُ الحالُ، فبعدَ هذَا كلِّهِ أقبِلْ إِلى مجالسِ عِلْمِ الدِّينِ ولا تكنْ مِنَ المستمعينَ فقطْ بلْ كُنْ مِنَ المستمعينَ النقَلَةِ الذينَ يستمعونَ ويتعلَّمونَ ويغترفونَ ويضبطونَ ويحرِّرونَ وينقلونَ بضبطٍ تامٍّ هذِه الدررَ والجواهرَ إِلى غيرِهِمْ بدونِ زيادةٍ أوْ نقصانٍ. فلنتعلَّمْ عِلْمَ الدِّينِ الصَّافيَ لأنَّهُ الطريقُ إِلى السعادةِ الأبديَّةِ فطلبُهُ عبادةٌ وتعليمُه صدقةٌ وأيُّ صدقةٍ وهوَ الأنيسُ في الوَحدةِ والصاحبُ في الخلْوَةِ ومنارُ سبيلِ الجنَّةِ، يرفعُ اللهُ بهِ أقوامًا فيجعلُهُمْ في الخيرِ قادةً وَسادةً هداةً يُقتدَى بهِمْ أدلَّةً في الخيرِ تُتَّبعُ آثارهمْ وتُرمَقُ أفعالهُمْ وتضعُ الملائكةُ لهمْ أجنحتَها تواضعًا لهمْ وتستغفرُ لهمْ حيتانُ البحرِ وطيرُ البَرِّ لأنَّ عِلْمَ الدِّينِ حياةُ القلوبِ ونورُ الأبصارِ وقوةُ الأبدانِ فيَبلُغُ بهِ العبدُ منازلَ الأبرارِ والدرجاتِ العُلَى، بهِ يُطاعُ اللهُ عزَّ وجَلَّ وبهِ يُعبدُ وبهِ يُوَحَّدُ وبهِ يُمَجَّدُ وبهِ يُتورَّعُ وبهِ توصَلُ الأرحامُ وبهِ يُعرَفُ الحلالُ والحرامُ وهوَ إمامٌ والعملُ تابعُه وأشرف علوم الدين هو علم العقيدة أو التوحيد لأنه متعلقٌ بأشرف المعلومات التي هي أصول الدين، قال الإمام أبو حامد الغزاليّ: "لا تَصِح العبادةُ إلا بَعْدَ مَعْرِفَة المَعْبُود ".