في عتمة الليالي، حيث تصمت الأصوات ويعلو همس المجهول، كانت مَلَك تصغي إلى نداءٍ خفيٍّ يأتيها من وراء الورق. صوتٌ لا يُرى، ينساب بين السطور كنسمةٍ مسمومةٍ تسألها عمّا تخاف أن تجيب. كانت تظنّه خيالًا عابرًا من صنع الوحدة، حتى أدركت أن ما تخطه بقلمها لا يبقى حبرًا على ورق، بل يتحوّل إلى قدرٍ يمشي على الأرض.
سنواتٌ تمضي، ويتحوّل الدفتر إلى مرآةٍ للغيب، يكتب عنها وبها، ويعيد تشكيل حياتها كما يشاء. وكلما حاولت الهرب من سطوته، ازداد قيد الحروف إحكامًا على روحها، حتى صار بينهما عهدٌ لا يُفكّ: هي تكتب، وهو يقرّر من يبقى ومن يُمحى.
وعندما يدخل محمد حياتها—بوجهه المطمئن وقلبه الذي يشبه الفجر—تبدأ الحرب الخفية بين النور والظل. لكن الدفتر لا يرحم، إذ يرى في حضوره خطرًا على سلطانه. وفي صراعٍ لا متكافئ، تختار مَلَك أن تدفع الثمن وحدها، لتصمت للأبد تاركة وراءها دفاترها… شواهد حية على معركةٍ بين الإنسان والقدر.
بعد خمسين عامًا، يُعثر على تلك الدفاتر، صفحاتٍ مبللةٍ بالزمن والدمع، وفيها محادثاتٌ لا تفسير لها… رسائل متبادلة بين مَلَك وكيانٍ غامضٍ كان يكتب إليها منذ البداية. ومع قراءة كل صفحة، يتبدّى السؤال الذي أرّقها حتى النهاية:
هل كانت مَلَك تكتب مصيرها؟
أم أن القدر هو من استخدم يدها ليكتب نفسه؟
رواية تتداخل فيها العاطفة مع الفقد، والغموض مع الفلسفة، لتسائل القارئ عن حدود الإرادة والكتابة… وعن الثمن الذي يدفعه من يجرؤ على محاورة القدر بالحبر.
-. ❝ ⏤سلام حسان الباطي
❞ نبذة عن الرواية:✨♥️
في عتمة الليالي، حيث تصمت الأصوات ويعلو همس المجهول، كانت مَلَك تصغي إلى نداءٍ خفيٍّ يأتيها من وراء الورق. صوتٌ لا يُرى، ينساب بين السطور كنسمةٍ مسمومةٍ تسألها عمّا تخاف أن تجيب. كانت تظنّه خيالًا عابرًا من صنع الوحدة، حتى أدركت أن ما تخطه بقلمها لا يبقى حبرًا على ورق، بل يتحوّل إلى قدرٍ يمشي على الأرض.
سنواتٌ تمضي، ويتحوّل الدفتر إلى مرآةٍ للغيب، يكتب عنها وبها، ويعيد تشكيل حياتها كما يشاء. وكلما حاولت الهرب من سطوته، ازداد قيد الحروف إحكامًا على روحها، حتى صار بينهما عهدٌ لا يُفكّ: هي تكتب، وهو يقرّر من يبقى ومن يُمحى.
وعندما يدخل محمد حياتها—بوجهه المطمئن وقلبه الذي يشبه الفجر—تبدأ الحرب الخفية بين النور والظل. لكن الدفتر لا يرحم، إذ يرى في حضوره خطرًا على سلطانه. وفي صراعٍ لا متكافئ، تختار مَلَك أن تدفع الثمن وحدها، لتصمت للأبد تاركة وراءها دفاترها… شواهد حية على معركةٍ بين الإنسان والقدر.
بعد خمسين عامًا، يُعثر على تلك الدفاتر، صفحاتٍ مبللةٍ بالزمن والدمع، وفيها محادثاتٌ لا تفسير لها… رسائل متبادلة بين مَلَك وكيانٍ غامضٍ كان يكتب إليها منذ البداية. ومع قراءة كل صفحة، يتبدّى السؤال الذي أرّقها حتى النهاية:
هل كانت مَلَك تكتب مصيرها؟
أم أن القدر هو من استخدم يدها ليكتب نفسه؟
رواية تتداخل فيها العاطفة مع الفقد، والغموض مع الفلسفة، لتسائل القارئ عن حدود الإرادة والكتابة… وعن الثمن الذي يدفعه من يجرؤ على محاورة القدر بالحبر.
منذ تلك الليلة، لم تعد ملك تنام بالطمأنينة نفسها. الدفتر الذي كان وسيلتها الوحيدة للبوح، صار يشبه فخًا ينتظرها كل مساء.
تخبئه أسفل وسادتها، لكنها تعلم أن أحدًا – أو شيئًا ما – يراه قبلها.
في اليوم التالي، حين عادت من المدرسة، وجدت غرفتها كما تركتها، إلا شيئًا واحدًا. الورقة التي كتبت عليها في الليلة الماضية لم تعد في مكانها. فتشت تحت الوسادة، فوق الطاولة، حتى تحت السرير. اختفت تمامًا.
وبينما هي غارقة في القلق، وقع نظرها على نافذتها. الزجاج المغلق من الداخل كان مرسومًا عليه بأطراف أصابع مبللة، جملة قصيرة:
\"لم أعد أسألك فقط… سأريك.\"
شهقت ملك، وتراجعت خطوة للخلف. من الذي كتب هذا؟ متى؟ وكيف دخل غرفتها؟
في تلك الليلة، حاولت أن تسهر حتى تغلبت عليها غفوة قصيرة. استيقظت فجأة في منتصف الظلام، قلبها يخفق بقوة. الغرفة ساكنة، لكن الدفتر مفتوح على الطاولة، والصفحات تقلب نفسها ببطء كما لو أن ريحًا غير مرئية تعبث بها.
وبينما تحدق، توقفت الأوراق على صفحة فارغة، وبدأت تظهر عليها كلمات ببطء… الحبر يخط نفسه وحده أمام عينيها. كتبت الجملة بخط واضح كأنها تُحفر في عقلها:
\"إجاباتك تغيّر واقعك يا ملك. ما تكتبينه ليس مجرد حبر… إنه أمر.\"
تجمدت أطرافها، والدمعة تنحدر على خدها من شدة الرعب. تساءلت وهي ترتجف:
هل كانت طوال السنوات مجرد لعبة بيد الصوت؟ أم أنها من دون أن تدري… تتحكم بمصيرها ومصير من حولها؟
---. ❝ ⏤سلام حسان الباطي
❞
-
الفصل الثالث
منذ تلك الليلة، لم تعد ملك تنام بالطمأنينة نفسها. الدفتر الذي كان وسيلتها الوحيدة للبوح، صار يشبه فخًا ينتظرها كل مساء.
تخبئه أسفل وسادتها، لكنها تعلم أن أحدًا – أو شيئًا ما – يراه قبلها.
في اليوم التالي، حين عادت من المدرسة، وجدت غرفتها كما تركتها، إلا شيئًا واحدًا. الورقة التي كتبت عليها في الليلة الماضية لم تعد في مكانها. فتشت تحت الوسادة، فوق الطاولة، حتى تحت السرير. اختفت تمامًا.
وبينما هي غارقة في القلق، وقع نظرها على نافذتها. الزجاج المغلق من الداخل كان مرسومًا عليه بأطراف أصابع مبللة، جملة قصيرة:
˝لم أعد أسألك فقط… سأريك.˝
شهقت ملك، وتراجعت خطوة للخلف. من الذي كتب هذا؟ متى؟ وكيف دخل غرفتها؟
في تلك الليلة، حاولت أن تسهر حتى تغلبت عليها غفوة قصيرة. استيقظت فجأة في منتصف الظلام، قلبها يخفق بقوة. الغرفة ساكنة، لكن الدفتر مفتوح على الطاولة، والصفحات تقلب نفسها ببطء كما لو أن ريحًا غير مرئية تعبث بها.
وبينما تحدق، توقفت الأوراق على صفحة فارغة، وبدأت تظهر عليها كلمات ببطء… الحبر يخط نفسه وحده أمام عينيها. كتبت الجملة بخط واضح كأنها تُحفر في عقلها:
˝إجاباتك تغيّر واقعك يا ملك. ما تكتبينه ليس مجرد حبر… إنه أمر.˝
تجمدت أطرافها، والدمعة تنحدر على خدها من شدة الرعب. تساءلت وهي ترتجف:
هل كانت طوال السنوات مجرد لعبة بيد الصوت؟ أم أنها من دون أن تدري… تتحكم بمصيرها ومصير من حولها؟
قضت ملك نهارها كله شاردة، لا تستطيع نسيان ما قرأته البارحة.
\"إجاباتك تغيّر واقعك…\"
الجملة كانت عالقة في ذهنها مثل لعنة.
في الليل، جلست أمام الدفتر تحدق في صفحاته البيضاء. أصابعها ترتجف فوق القلم، وعقلها يصارع. ماذا لو جربت؟ ماذا لو كتبت شيئًا صغيرًا لترى؟
أغمضت عينيها لحظة، ثم خطّت جملة قصيرة:
\"غدًا… سيسقط كوب الحليب من يد أمي.\"
أغلقت الدفتر بسرعة، دفنته أسفل الوسادة، ونامت وهي تلعن فضولها.
وفي صباح اليوم التالي، كانت تساعد أمها في ترتيب المائدة. لم يكن في الأمر ما يثير الريبة، حتى مدت الأم يدها لتأخذ كوب الحليب. فجأة، انزلقت أصابعها، وانكسر الكوب على الأرض ليتناثر الزجاج في كل اتجاه.
تجمدت ملك في مكانها. لم تنطق بكلمة، لكن رعبًا صامتًا اجتاحها. لقد حدث بالضبط كما كتبت.
تراجعت إلى غرفتها مهرولة، أغلقت الباب خلفها، وأخرجت الدفتر. قلبت صفحاته بسرعة، وعند الصفحة الأخيرة وجدت جملة جديدة بخط غريب لم تكتبه هي:
\"هل ترين الآن؟ هذه ليست لعبة… هذه مسؤولية.\"
ارتعش قلبها وهي تعيد قراءة الكلمات. يدها تعرّقت حتى بالكاد تستطيع الإمساك بالقلم.
رفعت رأسها نحو الغرفة المظلمة، وهمست بصوت بالكاد يُسمع:
— \"ماذا تريد مني؟\"
فجأة… الحروف بدأت ترسم نفسها أمامها مباشرة، كأن اليد الخفية لم تعد تكتفي بالخفاء.
كُتبت الجملة ببطء شديد، كأنها نُقشت في الهواء قبل أن تستقر على الورق:
\"أريدك أن تكتبي… لتغيّري كل شيء.\"
---. ❝ ⏤سلام حسان الباطي
❞
-
الفصل الرابع
قضت ملك نهارها كله شاردة، لا تستطيع نسيان ما قرأته البارحة.
˝إجاباتك تغيّر واقعك…˝
الجملة كانت عالقة في ذهنها مثل لعنة.
في الليل، جلست أمام الدفتر تحدق في صفحاته البيضاء. أصابعها ترتجف فوق القلم، وعقلها يصارع. ماذا لو جربت؟ ماذا لو كتبت شيئًا صغيرًا لترى؟
أغمضت عينيها لحظة، ثم خطّت جملة قصيرة:
˝غدًا… سيسقط كوب الحليب من يد أمي.˝
أغلقت الدفتر بسرعة، دفنته أسفل الوسادة، ونامت وهي تلعن فضولها.
وفي صباح اليوم التالي، كانت تساعد أمها في ترتيب المائدة. لم يكن في الأمر ما يثير الريبة، حتى مدت الأم يدها لتأخذ كوب الحليب. فجأة، انزلقت أصابعها، وانكسر الكوب على الأرض ليتناثر الزجاج في كل اتجاه.
تجمدت ملك في مكانها. لم تنطق بكلمة، لكن رعبًا صامتًا اجتاحها. لقد حدث بالضبط كما كتبت.
تراجعت إلى غرفتها مهرولة، أغلقت الباب خلفها، وأخرجت الدفتر. قلبت صفحاته بسرعة، وعند الصفحة الأخيرة وجدت جملة جديدة بخط غريب لم تكتبه هي:
˝هل ترين الآن؟ هذه ليست لعبة… هذه مسؤولية.˝
ارتعش قلبها وهي تعيد قراءة الكلمات. يدها تعرّقت حتى بالكاد تستطيع الإمساك بالقلم.
رفعت رأسها نحو الغرفة المظلمة، وهمست بصوت بالكاد يُسمع:
— ˝ماذا تريد مني؟˝
فجأة… الحروف بدأت ترسم نفسها أمامها مباشرة، كأن اليد الخفية لم تعد تكتفي بالخفاء.
كُتبت الجملة ببطء شديد، كأنها نُقشت في الهواء قبل أن تستقر على الورق:
كانت ملك تعيش في بيت قديم على أطراف البلدة، بيت ورثه والدها عن جده.
عائلتها بسيطة:
الأب، سامي: رجل هادئ، يعمل نجارًا، يحمل في ملامحه صرامة لا تخلو من حنان.
الأم، هالة: امرأة طيبة القلب، كثيرة الانشغال بالبيت، تؤمن أن ابنتها تحمل بداخلها عالمًا أوسع من عمرها.
الأخ الأصغر، آدم: طفل مشاغب في التاسعة، لا يترك فرصة لإغاظة أخته.
كانوا جميعًا يظنون أن ملك فتاة عادية، ربما شاردة أكثر من اللازم، لكنهم لم يعرفوا شيئًا عن عالمها الخفي. عن الصوت. عن الدفتر.
في تلك الليلة، جلست ملك أمام الورقة البيضاء وقلبها يخفق بقوة. تجربة الكوب كسرت حاجز الخوف. ما عاد الفضول يكتفي بأشياء صغيرة، بل يدفعها لاختبار أعمق.
رفعت القلم، وأغمضت عينيها قليلًا، ثم كتبت بخط متردد:
\"غدًا… سيحدث شيء يغيّر حياة عائلتي.\"
أغلقت الدفتر بسرعة، وكأنها تخاف أن ترى الرد. لكنها لم تستطع مقاومة النظر ثانية. فتحت الصفحة ببطء، فوجدت تحت جملتها كلمات بخط آخر:
\"لقد اخترتِ الطريق… ولا عودة.\"
ارتجفت، لكنها أقنعت نفسها أنها مجرد أوهام.
— — —
جاء الصباح ثقيلاً. كل شيء بدا عاديًا حتى لحظة الظهيرة، حين سمعوا طرقًا عنيفًا على باب البيت. كان رجال من الشرطة يقفون هناك، وجوههم متجهمة.
اقترب والدها، استمع لكلمات لم تستطع ملك سماعها بوضوح، ثم سقطت يداه ببطء على جانبيه، كأن القوة تخلت عنه فجأة. التفتت أمها نحوه برعب، وسألته:
— \"سامي… ماذا هناك؟\"
لم يجب. بل انحنى الشرطي نحوها وقال بصرامة:
— \"أخوك… آدم. كان يلعب قرب النهر، وانزلق. حاولوا إنقاذه… لكنه لم يخرج حيًا.\"
صرخت الأم وانكسر قلبها في تلك اللحظة، أما ملك فشعرت أن الأرض سحبتها إلى هوة لا قرار لها.
هي كتبت جملة غامضة… والدفتر نفّذها.
ركضت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها. أخرجت الدفتر بيدين مرتعشتين، وقبل أن تفتح الصفحة الأخيرة، شعرت بالدموع تحجب نظرها.
وحين فتحتها، كانت الكلمات هناك، بخط واضح، أشبه بحكم نهائي:
\"أنتِ من بدأتِ، ملك. وكل كلمة تكتبينها… ثمنها سيكون على من تحبين.\"
---. ❝ ⏤سلام حسان الباطي
❞
-
الفصل الخامس
كانت ملك تعيش في بيت قديم على أطراف البلدة، بيت ورثه والدها عن جده.
عائلتها بسيطة:
الأب، سامي: رجل هادئ، يعمل نجارًا، يحمل في ملامحه صرامة لا تخلو من حنان.
الأم، هالة: امرأة طيبة القلب، كثيرة الانشغال بالبيت، تؤمن أن ابنتها تحمل بداخلها عالمًا أوسع من عمرها.
الأخ الأصغر، آدم: طفل مشاغب في التاسعة، لا يترك فرصة لإغاظة أخته.
كانوا جميعًا يظنون أن ملك فتاة عادية، ربما شاردة أكثر من اللازم، لكنهم لم يعرفوا شيئًا عن عالمها الخفي. عن الصوت. عن الدفتر.
في تلك الليلة، جلست ملك أمام الورقة البيضاء وقلبها يخفق بقوة. تجربة الكوب كسرت حاجز الخوف. ما عاد الفضول يكتفي بأشياء صغيرة، بل يدفعها لاختبار أعمق.
رفعت القلم، وأغمضت عينيها قليلًا، ثم كتبت بخط متردد:
˝غدًا… سيحدث شيء يغيّر حياة عائلتي.˝
أغلقت الدفتر بسرعة، وكأنها تخاف أن ترى الرد. لكنها لم تستطع مقاومة النظر ثانية. فتحت الصفحة ببطء، فوجدت تحت جملتها كلمات بخط آخر:
˝لقد اخترتِ الطريق… ولا عودة.˝
ارتجفت، لكنها أقنعت نفسها أنها مجرد أوهام.
— — —
جاء الصباح ثقيلاً. كل شيء بدا عاديًا حتى لحظة الظهيرة، حين سمعوا طرقًا عنيفًا على باب البيت. كان رجال من الشرطة يقفون هناك، وجوههم متجهمة.
اقترب والدها، استمع لكلمات لم تستطع ملك سماعها بوضوح، ثم سقطت يداه ببطء على جانبيه، كأن القوة تخلت عنه فجأة. التفتت أمها نحوه برعب، وسألته:
— ˝سامي… ماذا هناك؟˝
لم يجب. بل انحنى الشرطي نحوها وقال بصرامة:
— ˝أخوك… آدم. كان يلعب قرب النهر، وانزلق. حاولوا إنقاذه… لكنه لم يخرج حيًا.˝
صرخت الأم وانكسر قلبها في تلك اللحظة، أما ملك فشعرت أن الأرض سحبتها إلى هوة لا قرار لها.
هي كتبت جملة غامضة… والدفتر نفّذها.
ركضت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها. أخرجت الدفتر بيدين مرتعشتين، وقبل أن تفتح الصفحة الأخيرة، شعرت بالدموع تحجب نظرها.
وحين فتحتها، كانت الكلمات هناك، بخط واضح، أشبه بحكم نهائي:
˝أنتِ من بدأتِ، ملك. وكل كلمة تكتبينها… ثمنها سيكون على من تحبين.˝
لم يغادر الصمت بيت ملك منذ رحيل آدم.
الأم تبكي ليلًا بصوت مخنوق، والأب يغرق في عمله حتى منتصف الليل ليتجنب مواجهة الحقيقة، والبيت الذي كان يضج بحيوية الأخ الأصغر صار فارغًا، كأن الحياة انسحبت منه فجأة.
أما ملك… فقد صارت سجينة غرفتها.
تجلس بالساعات تحدق في الدفتر المغلق، كأنها تخشى أن يبتلعها لو فتحته. كل مرة تقترب يدها منه، تسمع صدى الكلمات التي خطها بخط غريب:
\"ثمنها سيكون على من تحبين.\"
كانت تريد أن تصرخ، أن تخبر أمها أو أباها عن الصوت، عن الأسئلة، عن الدفتر… لكن شيئًا في داخلها يمنعها. من سيصدقها؟ وإن صدقوها… ماذا سيحدث لهم؟
وفي إحدى الليالي، سمعت والدتها تتحدث بصوت منخفض مع أبيها في المطبخ:
— \"سامي… بنتك ما عادت مثل قبل. بتضل مسكرة على حالها بالليل… بتكتب وبتبكي. أنا خايفة عليها.\"
— \"أنا كمان شايف، هالة. بس يمكن الحزن على آدم عم يقتلها من جوّا.\"
شعرت ملك أن دموعها تنهمر بلا توقف.
لم يكن الحزن وحده يقتلها… بل الذنب.
— — —
في تلك الليلة، وهي تحدق في السقف المظلم، عاد الصوت.
هادئ، ثابت، أقرب من أي وقت مضى:
\"ملك… ما زال عندك الخيار. توقفي الآن، أو تابعي الكتابة.\"
شهقت، كأن الهواء انقطع عنها.
جلست ببطء، وأمسكت القلم بيد مرتجفة. كتبت في الصفحة الأخيرة:
\"وإذا توقفت… هل سيتوقف كل شيء؟\"
لم تمض ثوانٍ حتى ظهر الرد:
\"الأحداث لن تتوقف… لكنها ستخرج من يديك.\"
ارتجفت أكثر. لو توقفت، ستظل المصائب تأتي… ولو استمرت، ستظل هي السبب.
رفعت رأسها إلى الغرفة المظلمة، وصوتها بالكاد مسموع:
— \"أنتم من تختارون لي، أم أنا من أختار؟\"
لم يأتِ جواب هذه المرة. فقط صفحة فارغة تنتظر… وقلم يرتجف فوقها.
---. ❝ ⏤سلام حسان الباطي
❞
-
الفصل السادس
لم يغادر الصمت بيت ملك منذ رحيل آدم.
الأم تبكي ليلًا بصوت مخنوق، والأب يغرق في عمله حتى منتصف الليل ليتجنب مواجهة الحقيقة، والبيت الذي كان يضج بحيوية الأخ الأصغر صار فارغًا، كأن الحياة انسحبت منه فجأة.
أما ملك… فقد صارت سجينة غرفتها.
تجلس بالساعات تحدق في الدفتر المغلق، كأنها تخشى أن يبتلعها لو فتحته. كل مرة تقترب يدها منه، تسمع صدى الكلمات التي خطها بخط غريب:
˝ثمنها سيكون على من تحبين.˝
كانت تريد أن تصرخ، أن تخبر أمها أو أباها عن الصوت، عن الأسئلة، عن الدفتر… لكن شيئًا في داخلها يمنعها. من سيصدقها؟ وإن صدقوها… ماذا سيحدث لهم؟
وفي إحدى الليالي، سمعت والدتها تتحدث بصوت منخفض مع أبيها في المطبخ:
— ˝سامي… بنتك ما عادت مثل قبل. بتضل مسكرة على حالها بالليل… بتكتب وبتبكي. أنا خايفة عليها.˝
— ˝أنا كمان شايف، هالة. بس يمكن الحزن على آدم عم يقتلها من جوّا.˝
شعرت ملك أن دموعها تنهمر بلا توقف.
لم يكن الحزن وحده يقتلها… بل الذنب.
— — —
في تلك الليلة، وهي تحدق في السقف المظلم، عاد الصوت.
هادئ، ثابت، أقرب من أي وقت مضى:
˝ملك… ما زال عندك الخيار. توقفي الآن، أو تابعي الكتابة.˝
شهقت، كأن الهواء انقطع عنها.
جلست ببطء، وأمسكت القلم بيد مرتجفة. كتبت في الصفحة الأخيرة:
˝وإذا توقفت… هل سيتوقف كل شيء؟˝
لم تمض ثوانٍ حتى ظهر الرد:
˝الأحداث لن تتوقف… لكنها ستخرج من يديك.˝
ارتجفت أكثر. لو توقفت، ستظل المصائب تأتي… ولو استمرت، ستظل هي السبب.
رفعت رأسها إلى الغرفة المظلمة، وصوتها بالكاد مسموع:
— ˝أنتم من تختارون لي، أم أنا من أختار؟˝
لم يأتِ جواب هذه المرة. فقط صفحة فارغة تنتظر… وقلم يرتجف فوقها.