█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ و يسألني قارئ .. ما هي أولويات المسلم ؟ فأقول : أن يؤدب نفسه و يراقبها .. و أن يطلب العلم .. و أن يفعل الخيرات .. و أن يُخلِص في أداء العمل الذي أقامه الله فيه ليس ابتغاء الأجر ، و إنما ابتغاء وجه ربه .. فإنما تكون منزلته بمقدار إخلاصه و ليس بنوع العمل الذي يؤديه .. و في هذا قد يكون عامل مجاري أعظم منزلةً عند الله من رئيس وزراء .. و حينما سَأل الأعرابي : ماذا أفعل لأكون مسلماً ؟ قال النبي عليه الصلاة و السلام : قُل لا إله إلا الله ثم استقم .. و الإستقامة هي السر الجامع لكل هذه الأولويات .. و هذا هو الإسلام المُدهِش في عمقه . ❝
❞ و بقدر ما تمتد حياتك يوما بعد يوم.. بقدر ما تتمزق عن وجهك الأقنعة.. و يظهر و يفتضح أمرك و ينتهك سرك.
و الله يعلم حقيقتك و سرك من البداية.. و لكنك أنت لا تعلم و لا تريد أن تعلم.. لأنك مدع.. و كل منا مدع..
كل منا يتصور أنه رجل طيب و أنه مستحق لكل خير، حتى الجبارون الذين شنقوا و سجنوا، و عذبوا شعوبهم تصوروا أنهم مصلحون.
كل منا جاء إلى الحياة و معه دعوى عريضة مزعومة بأنه رجل صالح و طيب.
و لهذا اقتضى عدل الله أن يطلعنا على حقائقنا، حتى لا تقوم أعذار حينما يبدأ تصنيف الناس في الآخرة حسب درجاتهم.. و حتى يكون التصنيف على حسب الحقائق، و ليس على حسب المزاعم و الدعاوى.
و لهذا خلق الله الدنيا.
خلقها لتنكشف الحقائق على ما هي عليه.. و يعرف كل واحد نفسه و يعرف مقدار خيره و شره.. ثم ليعرف الأبرار خالقهم و ربهم، و ليذوقوا رحمته قبل لقائه.
ثم خلق الآخرة لتنكشف فيها حقائق الربوبية، و عالم الملكوت و الجبروت و الغيب.
و الله لا يخلق أي شيء إلا بالحق و للحق، لأنه سبحانه هو الحق.
(( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ (85) )) [ الحجر ]
(( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) )) [ الدخان ]
(( مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) )) [ الدخان ]
(( مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ (5) )) [ يونس ]
(( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) )) [ النحل ]
(( مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى (8) )) [ الروم ]
(( وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ (22) )) [ الجاثية ]
(( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ (3) )) [ التغابن ]
(( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) )) [ الملك ]
(( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ (191) )) [ آل عمران ]
(( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) )) [ المؤمنون ]
لا عبثية و لا عبث...
و ما نرى حولنا من تداول الأحوال على الناس من فقر إلى غنى، إلى مرض إلى عز إلى ذل، إلى حوادث مفاجئة إلى مصائب إلى كوارث إلى نجاح إلى فشل، ليست أمورا عبثية و لا مصادفات عشوائية، إما هي ملابسات محكمة من تدبير المدبر الحكيم الذي يريد أن يفض مكنون النفوس و يخرج مكتومها.
(( وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) )) [ البقرة ]
إننا جميعا شجعان حتى يدعو داعي الحرب، فيبدي كل واحد عذرا و يختلق كل واحد ظروفا تمنعه و لا يثبت ساعة الضرب إلا القليل.
و لولا محنة القتال ما انكشفت النفوس على حقيقتها، و نحن جميعا كرماء حتى يدعو داعي البذل، فتنكمش الأيدي التي كانت ممدودة بدعوى السخاء، و لا تنبسط بالكرم إلا أكف معدودة.
و كما قال المتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر و الإقدام قتّال
فالمشقة هي التي كشفت النفوس و فضحت دعاويها، و من هنا جاءت ضرورتها.
و ما كنا لنعرف صلابة الصلب لولا اختباره.
و لهذا خلق الله الدنيا ليعرف الضعيف ضعفه، و ليعرف القوي قوته، و لتفتضح الدعاوى الكاذبة، و يتم العدل باقتناع كل نفس باستحقاقها، و بعدالة مصيرها النهائي في أعلى عليين أو أسفل سافلين.
خلق الله الدنيا ليحق الحق و يبطل الباطل.
و يصدق أيضا الكلام الذي يقول.. إن الله خلقنا ليعطينا.. فهو كلام يؤدي بنا إلى نفس المعنى.
فهل يصح عطاء إلا بمعرفة الاستحقاقات أولا ليكون العطاء حقا.
إن معرفتنا لأنفسنا أيضا مطلوبة، لتكون قناعة كل واحد بعطائه قناعة حقيقية.. و لينتفي الإعتراض.
فمعرفة النفوس لحقائقها.. و معرفة الإنسان لخالقه.. هي الحكمة من خلق الدنيا.
(( خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) )) [ الملك ]
و ما كانت هذه المعرفة لتتم إلا بالدم و الدموع، لأن النفوس ما كانت لتبوح بأسرارها و حقائقها إلا بالدم و الدموع.
و لأن كلا منا يخفي حقيقته وراء أقنعة غليظة من الشعارات و الأكاذيب، و يسدل على وجهه حجابا من الافتعال و التمثيل و بسمات النفاق و الملاطفة و المجاملة.
فكان لابد من حادث عنيف ليخترق هذه الحجب.
و الدنيا كانت ذلك الحادث.
لقد أخرجنا الله من العدم و كان كل منا حقيقة مكنونة، و أعطى كلا منا اليد و القدم ليضر و ينفع.
فأما الذين تحروا النفع و البر و الخير فهم أهله.. و مأواهم إلى ظله يوم لا ظل إلا ظله.
و أما أهل الضرر و الأذى و الظلم فهم المبعدون عنه و عن رحمته.. و البعد عن الله نار.. لأن كل ما سوى الله نار..
و علامة أهل الله هي عرفانهم لربهم من قبل لقائه.. أن يعرفوه في هذه الدنيا.. و أن يشهدوا الدنيا دالة عليه.
و كلام القرآن بأن الله خلقنا لنعبده هو كلام يشتمل على كل هذه المعاني السالفة في باطنه.
و حينما تقول الآيات.
(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [ الذاريات ]
فإنها تعني بداهة.
( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعرفون ).
لأنه لا عبادة بلا معرفة.
و المعنى أنه خلقنا لنعرفه، فإذا عرفناه عبدناه.. و إذا عبدناه تفاضلت عباداتنا، و تفاضل إيماننا و إنكارنا، و تفاضلت منازلنا.. و بالتالي تفاضلت استحقاقاتنا حسب ما نتعرض له من امتحانات في الدنيا.. و بالتالي تفاضل العطاء من المعطي.
و عطاء الله مبذول للكل.
(( كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) )) [ الإسراء ]
فالله خلق ليعطي.. و كلنا مستحقون للعطاء بحكم رتبة العبودية، و كل هذه المعاني باطنة في كلمة (( ليعبدون )).
(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [ الذاريات ]
أما الذي يقول: إن الله خلقنا لأنه خالق و لابد للخالق أن يخلق، فقد أوجب على الله أن يخلق هذا أو يخلق ذاك..
و لا حق لأحد أن يوجب على الله شيئا.
و لا يوجد قانون يوجب على الله شيئا.
لأنه لا توجد سلطة أو حكم خارج عن الله أصلا، و إنما الله يخلق ما يشاء.
و مشيئة الله لا تحدها قوانين.. لأنه سبحانه مصدر جميع القوانين.
و المشيئة مردودة إلى الله، و بالتالي ليست مسببة بحيث يمكن أن نسأل: و لماذا خلق الله هذا و لم يخلق ذاك؟
إن (( لماذا )) هنا لا مكان لها بتاتا و لا يصح أن توجه إليه سبحانه
(( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) )) [ الأنبياء ]
و كنه المراد لا يعلمه أحد.
و السؤال يقال بوجه إجمال.
و مجال التأمل هو في الحكمة العامة للخلق و للدنيا.
أما السؤال تفصيلا عن خلق هذا و خلق ذاك، فهو أمر غيبي.. و هو في العمى لا يعلمه أحد.
يقول الصوفي ابن عربي: إن الله خلق هذا و خلق ذاك لأنهما سألاه في العدم أن يرحمهما بإيجادهما فأوجدهما.. و أن الله لا يأتي بأحد إلى الدنيا كرها.. و إنما كل ما جاء إلى الدنيا بطلبه.
و هو كلام غيبي.
و هو كلام يستتبع أنه كان لنا وجود في العدم.. و أن العدم غير معدوم.
و هو كلام يجرنا مرة أخرى إلى المعضلة التي أثرتها في كتابي (( الوجود و العدم )).
و لمن يريد أن يغوص وراء الأسرار أكثر أن يعود إلى الكتاب.
و حسب المؤمن الذي يريد أن يقف عند بر الأمان، و لا يلقي بنفسه في وادي العماء.. أن يقول:
آمنت بكلمات الله على مراد الله.
و ما خفى عني فالله به أعلم.
د مصطفى محمود
من كتاب : القرآن كائن حي . ❝
❞ { وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } الزخرف: 11
هذه الكمية المحسوبة من المطر اكتشفت مرة أخرى من خلال الأبحاث الحديثة، وتقدر هذه الأبحاث أنه في الثانية الواحدة يتبخر من الأرض تقريباً 16 مليون طن من المياه. وهذا يعني أن الكمية التي تتبخر في السنة الواحدة تبلغ 513 تريليون طن من الماء. هذا الرقم مساو لكمية المطر التي تنزل على الأرض خلال سنة. وهذا يعني أن المياه تدور دورة متوازنة ومحسوبة. عليها تقوم الحياة على الأرض، وحتى لو استعمل الناس كل وسائل التكنولوجيا المتوفرة في العالم فلن يستطيعوا أن يعيدوا إنتاج هذه الدورة بطريقة صناعية. وبمجرد حدوث خلل بسيط في هذه المعادلة سوف يؤدي ذلك إلى خلل بيئي ينهي الحياة على الأرض. ولكن ذلك لا يحدث أبدا وفي كل عام تنزل نفس الكمية من الأمطار تماما كما يذكر القرآن الكريم . ❝
❞ التعصب والاحتمالات الناجمة عنه :
التعصب بمعناه الشمولي هو الانحياز لأمر معين على أي صعيد كان معرفي أو ديني أو عرقي أو ثقافي ، فقد يؤدي لمزيد من الخلافات التي تؤدي للقطيعة ، وقد يؤدي لتوسيع إدراك البشر بحيث يتقبل كل منهم رأي الآخر وميوله الفكرية أو الثقافية أو أياً كانت وهذا ما يخلق روابط وطيدة بين بني البشر ويعمل على نشر الوعي واختلاف الأفكار والتطلعات ونشر مختلف أنواع الثقافة بحيث يصبح العالم أكثر تطوراً وانفتاحاً من ذي قبل ، وقد يؤدي لترسيخ القناعات على الصعيد الآخر وهو ما ينجم عنه محدودية وضيق الفكر والأفق بحيث لا يخرج كل فرد من إطاره الشخصي وينحصر عالمه في بضع أفكار صغيرة لا يتعداها أو يرغب في معرفة خلافها وهذا ما يقنن القدرة على التكيف مع تغيرات العالم المحيط ، فأنت وإنْ كنت على خلاف مع ميول وتعصب البعض لما يحمل من أفكار وقيم فبإنصاتك لهم تكتسب المزيد من الخبرات والأفكار التي تكون قابلة للتمحيص والتفاوض فيما بَعْد علَّك تخرج منها بأي إفادة على المدى البعيد ، فلا تظن أن العالم يتوقف على وجهة نظرك ورؤيتك المحدودة له رغم إمكانيتك من التطلع على المزيد مما يشمل سواء قبلت أو رفضت ، شئت أم أبيت ، فالأهم ألا تظل متعصباً لرأيك فقط دون الرغبة في معرفة سواه ، فإنْ تعصب كل منا لما يحب لن نجد هذا الترحاب الذي يستقبلنا به المجتمع ويحوي اختلافنا حينما نعرض أفكارنا ولن يصير هناك أي تَميُّز أو تَفرُّد في أي أمر كان ، سيكون الجميع متشابهين وسيصبح كل شيء بلا مذاق أو معنى ، سنصبح نسخ طبق الأصل من بعضنا البعض دون الرغبة في استيعاب هذا الاختلاف الذي يُفرِّق بيننا ويُظهِر مواهبنا التي حبانا الله إياها وكيف نتمكن من توجيهها وتوظيفها بالشكل السليم دون محاولة التشبه بأحد كي نكون مثله كالقطيع الذين يتبعون نفس النهج دون معرفة السبب الذي دعاهم ودفعهم لذلك لأنهم على غير قناعة تامة به إنما يسيرون عمَّا اعتادوا رؤية السالفين يعتنقونه وكأنه إيمانٌ راسخ في أذهانهم سيُقذَفون في الجحيم إنْ حادوا عنه أو تمسكوا بغيره ، فلندعنا من الجميع ولنحاول أنْ نكون أكثر مرونةً في احتواء كل الميول والاتجاهات بصدر رحب مهما كانت مُخالِفة لما نقتنع به أو مختلفة عمَّا نتبع أو نؤمن به ...
#خلود_أيمن #مقالات #KH . ❝