█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ الهيئات المكلفة بحماية البيئة
إن نجاح سياسة إدارة عقلانية للبيئة يتوقف أولاً على القدرات المؤسساتية، ذلك أن النصوص القانونية وحدها غير كافية على تنظيم أي مجال من مجالات الحياة العامة للأفراد، ما لم يتم تعزيزها بأجهزة ذات فعالية تتحكم في القضايا البيئية عن طريق ما يمنحه لها المشرع من أساليب في هذا الإطار، وفيما يخص الهيئات المكلفة بحماية البيئة يجب التنويه أن هناك العديد منها سواء على المستوى المركزي أو تلك المتواجدة على المستوى المحلي، كما لابد الإشارة إلى الدور الهام التي تلعبه الجمعيات باعتبارها وسيلة لإرساء الثقافة البيئية في المجتمع.
المطلب الأول: الهيئات المركزية
تميزت الهيئات المركزية المتعلقة بالبيئة في الجزائر بمسار فريد من نوعه منذ إنشاء أول هيئة عنيت بمسألة البيئة والمتمثلة في المجلس الوطني للبيئة سنة 1974 إلى غاية إحداث المديرية العامة للبيئة في 1994 وإقامة كتابة الدولة الكلفة بالبيئة في 1996.
فمنذ حل المجلس الوطني للبيئة سنة 1977 جالت البيئة عبر عدة قطاعات، حيث تم ضم الإختصاصات البيئية بوزارات أخرى كالغابات سنة1981، وزارة الري سنة 1984، وزارة الداخلية سنة 1988، وزارة البحث والتكنولوجيا سنة 1990، ثم وزارة التربية سنة 1992، إلى أن تم إنشاء كتابة الدولة المكلفة بالبيئة سنة 1996.
ومنذ 2001 نجد على رأس الهيكل الإداري المنظم للبيئة وزارة تهيئة الإقليم والبيئة، التي تعتبر السلطة الوصية على القطاع عن طريق تسييره بالرقابة السلمية التي تفرضها على مختلف المديريات الولائية للبيئة وذلك لضمان تطبيق الأهداف المتوخاة من التشريع البيئي ولتحقيق التوازن بين الخصوصيات الجغرافية والبيئية لكل منطقة والقضايا البيئية ذات البعد الوطني.
ويوجد على رأس الوزارة، وزير تهيئة الإقليم و البيئة، الذي يكلف أساساً في ميدان البيئة بما يأتي:
- المبادرة بالقواعد والتدابير الخاصة بالحماية والوقاية من كل أشكال التلوث وتدهور البيئة والإضرار بالصحة العمومية وبإطار المعيشة، وإتخاذ التدابير التحفظية الملائمة.
- المبادرة بقواعد وتدابير حماية الموارد الطبيعية والبيولوجية والأنظمة البيئية وتنميتها والحفاظ عليها . ❝
❞ يأتي مشروعي ˝حياة كريمة˝ و ˝فرصة˝ كأحد أهم المشروعات القومية التي تهدف إلى الاهتمام بالمواطن المصري.. ولقد أصبح المشروعين أحد أهم المشروعات ليس بمصر فقط وإنما بالعالم أجمع وأصبح حديثاً للسياسيين داخل بلدانهم إذ أن المشروعين الممولين من الحكومة لتأهيل الأسرة المصرية في شتي المجالات بتبني من رئاسة الجمهورية بشكل مباشر وباهتمام خاص من فخامة السيد الرئيس.. ويقوم على تنفيذ والإشراف على هذه المشروعات العديد من الوزارات والهيئات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني ويتم تنفيذ هذه المشروعات داخل جمهورية مصر العربية بصفة عامة وتختص الدراسة في هذا الكتاب بنطاق محافظة الأقصر كمجال لتقييم فاعليه هذه المشروعات من خلال استمارة استبيان تنفذ مع بعض المستفيدين من هذه المشروعات . ❝
❞ ليس لدينا إمام أكبر عند أهل السنة
فإمامنا هو خليل الرحمن إبراهيم
بقلم د محمد عمر
أيها الأخوة الأحباب
لابد أن يعلم أن الإمامة عندنا معاشر أهل السنة هي إمامة دنيا وليس إمامة الدين بمعني أن الإمام عندنا هو ولي أمر المسلمين وقائدهم الذي ولاه الله أمرهم وفق مراده الكوني قال تعالي (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) آل عمران
وهذه الإمامة ليست دليل صلاح ولا دليل أفضلية علي بقية الرعية فإن أهل السنة يجيزون ولاية المفضول علي الفاضل والدليل إنما هو ولاية سيدنا معاوية علي سيدنا الحسن فالراسخ عندنا أن منزلة سيدنا الحسن ابن علي أفضل من منزلة سيدنا معاوية وكلاهما صحابي ومع هذا فقد تنازل سيدنا الحسن لسيدنا معاوية عن الخلافة طواعية و استدل بها أهل العلم علي جواز ولاية المفضول
وهذه في حق الولاية العامة للمسلمين فتجد أهل السنة جميعهم يؤمنون بأن الولاية العامة إنما كانت خلافة راشدة ثم صارت إلي ملك عضود لا يؤخذ إلا بحد السيف والغلبة والقوة ولا شك أن هذا لا علاقة له بالإيمان والتقوي وهذا أيضا ينطبق علي الإمامات الفرعية مثل إمام الناس في الصلاة فإن الإمام الراتب في المساجد المعين من قبل ولي الأمر هو من يؤم الناس في الصلاة حتي وإن وجد من بين المصلين من هو أكثر منه علما
أما عن التقوي فمحلها القلب وعلمها عند الخالق سبحانه وتعالي.
كذلك كل الإمامات الدنيوية مثل الوزارات والإدارات والمحافظات ورؤساء الوحدات وكبراء المنظمات والهيئات فجميعها إمامات دنيوية مردها إلي الإمامة العامة ولا علاقة لها بالتقوي ولا الإيمان ولا الصلاح ولا الفساد وإن كان ينبغي علي الإمام العام أن يجتهد في اختيار الأصلح دينا وخلقا للإمامات الفرعية.
لكن يبقي الأصل قائما أن جميع الإمامات عند أهل السنة إنما تقع وفق مراد الله الكوني ولا علاقة لها بالدين ولا بالصلاح وليست دليل كثرة علم ولا إيمان ولا تقوي فإن الله عز وجل أخفي الإيمان في قلوب العباد.
أما عن إمامة الدين فليس لدينا إماما في الدين إلا خليل الرحمن إبراهيم الذي ابتلاه ربه بكلمات فأتمهن فجعله الله عز وجل إماما للمتقين ونفي الإمامة عن نسله من الكفرين قال تعالي( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )
هذه إمامة الدين التي أعطاها الله لإبراهيم وجعلها في ذريته من الأنبياء والمرسلين حتي كان آخرهم خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم
قال تعالي( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)
هذه الإمامة الدينية التي هي إمامة التوحيد المؤيدة بوحي السماء عن طريق أمين الوحي جبريل تلك الإمامة التي انقطعت بوفاة النبي بعد أن أكمل الله عز وجل للناس دينهم وأتم عليهم النعمة ورضي له الإسلام دينا
قال تعالي ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا.. )
هذا الدين الذي اكتمل بوفاة النبي فلم يعد بحاجة إلي مزيد من وحي السماء فصار لا حاجة لأهل السنة بإمام لهم في الدين فإمامهم خليل الرحمن إبراهيم حامل لواء التوحيد الذي خلفه في أبناءه حتي آخرهم سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وصار دور علماء السنة الموحدين ليس استحداث أحكام في الدين إنما تعليم الناس هدي الأنبياء والمرسلين الذي جمعه سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
فالإمامة الدينية يشترط لها العصمة من الخطأ والوحي السماوي وهذا لا يتوفر إلا في الأنبياء والمرسلين من أجل ذلك جعل ربنا الرسل هم الحجة علي البشر وليس أهل العلم الغير معصومين قال تعالي ( رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)
ولما كان أهل العلم غير معصومين إنما يجتهدون فيصيبون ويخطئون فهم ليسوا حجة علي الناس إنما الحجة في النبي وحده ومن سبقه من المرسلين وهذه هي نقطة الخلاف بيننا معاشر أهل السنة وبين المبتدعة والمنحرفين
فإن الإمامة عند الشيعة الإمامية الاثنا عشرية جعلت اثنا عشر إماما بعد رسول الله كلهم معصومين لا ينبغي في حقهم الخطأ ويأتيهم خبر السماء شأنهم شأن الأنبياء والمرسلين وهذا يفتح لهم باب الوحي بعد رسول الله وهذا يعد من الزندقة نعوذ بالله أن نقول بمثل هذا فنكون من الهالكين.
فعندهم المرشد العام الشيعي مبلغ عن الإمام الاثنا عشر المختفي في سرداب ساموراء بالعراق والذي يبلغ ما يأتيه من وحي السماء للمرشد فيقوم بتبليغه للناس أجمعين
فصار عند الشيعة المرشد العام كأنه إمام لدين الناس وقائم بدور الأنبياء في العصمة والتشريع
وهذه الإمامة الشيعية اقتبسها حسن البنا الماسوني عند تأسيسه لجماعة الخوارج في القرن العشرين حيث نصب نفسه مرشدا عاما وإماما للجماعة وجعل لنفسه العصمة ومنح نفسه حق التشريع وإن خالف كلامه كلام النبي فقد نصب نفسه علي الناس إماما في الدين ولم تأته الشجاعة أن يقول أنا إمام دنيا وهو يعيش تحت إمرة الرؤساء والسلاطين فتعمد أن يتخفي تحت لفظ المرشد العام أو الإمام ليضلل الناس ويسير علي طريقة الشيعة المضللين فلا فارق بين مرشد الشيعة المجوس وبين مرشد الخوارج المارقين وبين إمامة الشيعة المجوسية وبين إمامة الخوارج المارقين
ثم الإمامة عند الفرق القبورية المتعددة التي نصبت شيخا لكل طريقة لا تدري أهو إمام دنيا أم إمام في الدين فإن قالوا إمام دنيا نقول لهم كذبتم فأين هو من الرؤساء والسلاطين وإن قالوا إمام دين فقد زعموا فيه العصمة وأعطوه منزلة الوحي والتشريع التي تخص الأنبياء والمرسلين
بل غلو في كبراءهم حتي جعلوهم عارفين بالله وأقطاب وأوتاد وأبدال ولا ندري أيضا أهي منزلة دنيا أم منزلة دين
حتي المؤسسات الدينية مثل مؤسسة الحرمين والأزهر ومنظمة العالم الإسلامي ودار الفتوي التي يقوم عليها أفراد بمثابة شيخ أو قائد أو إمام وهي وظائف دنيوية ليس أكثر وليس هناك دليل علي صلاح أهلها أو فسادهم إنما هي مناصب لإدارة هذه المؤسسات ليس أكثر فأصحابها بشر يصيبون ويخطئون وليسوا أصحاب عصمة ولا يأتيهم وحي من السماء إنما هم مجرد مديرين لتلك المؤسسات
لكن الناس من جهلهم نصبوهم أئمة في الدين
فإن أخطأوا إنما اتخذهم الناس حجة وراحوا يحتجون بهم في خطأهم كأنهم أنبياء معصومين وهذا هو عين الضلال الذي نحذركم منه
فإن جميع البشر بعد الأنبياء ليسوا بمعصومين ولا يأتيهم وحي السماء وإنما هم يجتهدون فمن اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر الاجتهاد وهذا ينطبق علي أهل العلم الربانيين أما رؤوس الخوارج وأهل البدع المضللين
فأولئك أدعياء سوء من ثبت عليه التضليل منهم فلا ينظر إلي وظيفته أو منصبه إنما يترك كلامه بالكلية فهو ليس عندنا من الرسل المعصومين لكن هذه الحيلة الماكرة استغلها المنحلين والمنحرفين للتدليس علي شريعة الأنبياء والمرسلين فقد تخرج فتاوي شاذة ومضللة من هيئات ومؤسسات كبري تعارض صريح الشرع والدين وهم ينسبونها إلي أسماء مؤسسات مثل دار الفتوي أو المجمع الفقهي أو هيئة كبار العلماء المسلمين أو رابطة العالم الإسلامي أو حتي علي لسان الأزهريين
ويريد أهلها ومروجيها أن يكسبوها قداسة ليضللو بها المسلمين ونحن نقول لهم كذبتم فقد خالف كلامكم كلام الشرع والدين وأنتم بالنسبة لنا مجرد دعاة فإن أصبتم الحق فهذا كلام الشرع والدين وإن انحرفتم تبغون إضلال الناس فكلامكم ليس حجة لنا فحجتنا هو سيد المرسلين
انتهي . ❝
❞ وما أدراك ما عمر! إنه رجل من طفرات العبقريين ومن خاصة الخليقة، جمع جوانب العظمة من أطرافها، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم وزيره الثاني مع أبي بكر، وهما له صلى الله عليه وسلم بمنزلة السمع والبصر.
بلغ من علو منزلته أن دعا الرسول صلى الله عليه وسلم رَبَّه بأن يعزّ الإسلام به، وامتدحه بأنَّ الله تعالى جعل الحق على لسانه وقلبه، وأخبر بأنه لو كان نبي بعده لكان عمر، وأن الشيطان يفرّ من طريقه، وأنه لم يرَ عبقرياً من الناس يفري فريَّه، وبشرّه بالجنة وبالشهادة، وأنه الباب الذي يحجز تدفق الفتن على الأمة!...
أسلمت له الأمةُ قيادها بعد الصديق فسلك بها الطريق، وبنى دولة شامخة باهرة تضاهي الدول المدنية المتطورة في عصرنا، وفتح الفتوحات الواسعة، ومصَّر الأمصار، وولّى الولاة، ودوَّن الدواوين، وفرض الرواتب والأعطيات، وسنَّ القوانين، وأسّس المؤسسات التي هي أشبه بالوزارات، وعيَّن لها الموظفين، وفَصَل بين السلطة التنفيذية والقضائية، وسلّط الأمة على رقابة المسؤولين، وحقق عالمية الإسلام، ونشر العدل، واعتبر نفسه مسؤولاً عن شاة تعثر في الطريق على شاطئ الفرات، وكان يقول: الحمد لله الذي جعل في رعيتي من إذا تعوَّجتُ قوّمني!...
وهذا الكتاب دراسة موسوعية علمية نقدية ممحِّصة لحقبة زمنية من أزهى أيام تاريخنا، تناول المؤلف مختلف جوانبها لإعطاء صورة متكاملة عن عمر وأخباره وسيرته وأعماله وأمجاده وفرائده، ودولته العظيمة، وسياسته الداخلية والخارجية، وكذلك المنافحة عنه ونفي كل شائبة تتعلق بسيرته في زمنٍ تسلَّل فيه المبغضون للطعن عليه والبغض له ولمن يحبه ويتسمَّى باسمه . ❝
❞ هل نحن نرى الدنيا على حقيقتها ؟
هل هذه السماء زرقاء فعلًا .. وهل الحقول خضراء .. وهل الرمال صفراء ؟
وهل العسل حلو .. والعلقَم مُر ؟
هل الماء سائل .. والجليد صلب ؟
وهل الخشب مادة جامدة كما تقول لنا حواسّنا ؟
وهل حجارة الأرض مادة موات، لا حركة فيها ولا دبيب ؟
وهل الزجاج شفاف كما يبدو لنا .. والجدران صمّاء كما نراها ؟
وهل الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين كما تقول لنا الهندسة التقليدية التي تعلمناها .. وهل مجموع زوايا المثلث تساوي 2 ق ؟
وهل أحداث الكون كلها ممتدة في زمن واحد .. بحيث يمكن أن تتواقت بعضها مع بعض في آن واحد في أماكن متفرقة .. كما يتواقت خروج الموظفين مثلًا من مختلف الوزارات في ذات الوقت والساعة .. فنقارن أحداثًا تجري في الأرض مع أحداث تجري في المريخ .. والزهرة وسديم الجبار .. ونقول إنها حدثت في وقت واحد .. أو أن أحدها كان قبل الآخر ..
وهل يمكننا أن نقطع في يقين أن جسمًا ما من الأجسام يتحرك وأن جسمًا آخر لا يتحرك ؟
♦♦ كل هذه الأسئلة التي يُخيّل لك أنك تستطيع الإجابة عنها في بساطة، والتي كان العلماء يظنون أنهم قد انتهوا منها من زمن .. قد تحولت الآن إلى ألغاز ..
لقد انهار اليقين العلمي القديم ..
والمطرقة التي حطمت هذا اليقين، وكشفت لنا عن أنه كان يقينا ساذجا، هي عقل أينشتين الجبار ..
ونظريته التي غيرت الصورة الموضوعة للعالم .. نظرية النسبية .
*********
والنظرية النسبية قد عاشت سنوات منذ بداية وضعها في سنة 1905 إلى الآن في برج عاجي لا يقربها إلا المختصون ..
وكان القارئ العادي يسمع عنها في خوف كما يسمع عن الكِهانات الغامضة والطقوس الماسونية .. ولا يجرؤ على الخوض فيها ..
ومن المأثور عن الدكتور "مشرفة" أنه كان يقول دائما إن هذه النظرية " النظرية النسبية " لا يفهمها في العالم كله إلا عشرة ..
ولكن النظرية النسبية ترتبت عليها القنبلة الذرية ..
إنها لم تعد نظرية .. وإنما تحولت إلى تطبيقات خطيرة تمس كيان كل فرد وتؤثر في مصيره .
لقد خرجت من حيز الفروض والمعادلات الرياضية لتتحول إلى واقع رهيب ..
وأصبح من حق كل فرد أن يعرف عنها شيئا .
ولقد تعددت المحاولات من العلماء لتبسيطها وتقريبها إلى الفهم .. من ادنجتون إلى جيمس جينز .. إلى لنكولن بارنت .. إلى راسِل ..
وكان أينشتين نفسه يحاول أن يبسط ما في نظريته من غموض .. وكان يقول إن قَصْر المعلومات على عدد قليل من العلماء بحجة التعمق والتخصص .. يؤدي إلى عزلة العِلم .. ويؤدي إلى موت روح الشعب الفلسفية وفقره الروحي، وكان يكره الكهانة العلمية والتلَفُح بالغموض، والادعاء .. والتعاظم ..
وكان يقول إن الحقيقة بسيطة .
وفي آخر محاولاته التي أتمها في عام 1949 كان يبحث عن قانون واحد يفسر به كل علاقات الكون .
ونظرية النسبية ليست كلها معادلات .. وإنما لها جوانب فلسفية .
وحتى المعادلات الرياضية .. يقول أينشتين أنها انبعثت في ذهنه نتيجة شطحاته التي حاول فيها أن يتصور الكون على صورة جديدة ..
وأمام هذه الشطحات الفلسفية سوف نقف قليلًا .. تاركين المعادلات الرياضية لأربابها من القادرين عليها، محاولين أن نشرح بعض ما أراد ذلك العالِم العظيم أن يقوله، على قدر الإمكان، إمكان فهمنا .
وسوف نبدأ من البداية .. من قبل أينشتين .. من السؤال الذي بدأنا به المقال :
هل نحن نرى الدنيا على حقيقتها ؟
هل هذه السماء زرقاء فعلًا .. وهل الحقول خضراء .. وهل الرمال صفراء ؟
وهل العسل حلو .. والعلقَم مُر ؟
هل الماء سائل .. والجليد صلب ؟
وهل الخشب مادة جامدة كما تقول لنا حواسّنا ؟
وهل حجارة الأرض مادة موات، لا حركة فيها ؟
وهل الزجاج شفاف .. والجدران صمّاء ؟
# # # # #
لا ..
ليست هذه هي الحقيقة ..
هذا ما نراه .. وما نحسه بالفعل .. ولكنه ليس كل الحقيقة ..
فالنور الأبيض الذي نراه أبيض .. إذا مررناه خلال منشور زجاجي .. يتحلل إلى سبعة ألوان .. هي ألوان الطيف المعروفة .. الأصفر والبرتقالي والأحمر والأخضر والأزرق والبنفسجي .. إلخ .
فإذا حاولنا أن ندرس ماهية هذه الألوان، لم نجد أنها ألوان .. وإنما وجدناها موجات لا تختلف في شيء إلا في طولها ..
ذبذبات متفاوتة في ترددها .. وهذه كل الحكاية .. ولكن عيننا لا تستطيع أن ترى هذه الأمواج كأمواج .. ولا تستطيع أن تحس بهذه الذبذبات كذبذبات .. وانما كل ما يحدث أن الخلايا العصبية في قاع العين تتأثر بكل نوع من هذه الذبذبات بطريقة مختلفة ..
ومراكز البصر في المخ تترجم هذا التأثر العصبي على شكل ألوان ..
ولكن هذه المؤثرات الضوئية ليست ألوانًا .. وإنما هي محض موجات واهتزازات .. والمخ بلغته الإصطلاحية .. لكي يميزها عن بعضها .. يطلق عليها هذه التعريفات التي هي عبارة عن تصورات .. وهذه هي حكاية الألوان ..
والحقول التي نراها خضراء ليست خضراء .. وإنما كل ما يحدث أن أوراق النباتات تمتص كل أمواج الضوء بكافة أطوالها ما عدا تلك الموجة ذات الطول المعين التي تدخل عيننا وتؤثر في خلاياها فيكون لها هذا التأثير الذي هو في اصطلاح المخ "أخضر" ..
وبالمثل .. أي لون .. ليس له لون .. وإنما هو مؤثِر يفرقه المخ عن غيره بهذه الطريقة الاصطلاحية .. بأن يلونه .. ويتضح هذا الخلط أكثر حينما ننتقل إلى المثل الثاني .. العســل ..
فالعسل في فمنا حلو .. ونحن نتلذذ به ونلحسه لحسًا ونمصمصه بلساننا .. ولكن دودة المش لها رأي مختلف تمامًا في العسل .. بدليل أنها لا تقربه ولا تذوقه بعكس المش الذي تغوص فيه وتلتهمه التهامًا وتبيض وتفقس وتعشش فيه .
الحلاوة إذًا لا يمكن أن تكون صفة مطلقة موضوعية في العسل .. وإنما هي صفة نسبية نِسبةً إلى أعضاء التذوق في لساننا .. إنها ترجمتنا الإصطلاحية الخاصة للمؤثرات التي تُحدِثها ذرات العسل فينا ..
وقد يكون لهذه المؤثرات بالنسبة للأعضاء الحسيّة في حيوان آخر طعمًا مختلفًا هو بالمرارة أشبه ..
♦ فإذا جئنا للسؤال الثالث لنسأل أنفسنا .. هل الماء سائل .. وهل الجليد صلب .. فإن المشكلة تتضح أكثر ..
فالماء والبخار والجليد .. مادة كيميائية واحدة تركيبها الكيميائي ( اتحاد الأيدروجين بالأوكسجين 1:2 ) .. وما بينها من اختلاف ليس اختلافًا في حقيقتها وإنما هو اختلافًا في كيفيتها ..
فحينما نضع الماء على النار فإننا نعطيه حرارة .. أو بمعنى آخر طاقة .. فتزداد حركة جزيئاته وبالتالي تتفرق وتتفركش نتيجة اندفاعها الشديد في كل اتجاه ويكون نتيجة هذه الفركشة عند لحظة معينة أن تتفكك تمامًا وتتحول إلى جزيئات سابحة بعيدة عن بعضها (غاز) .. فإذا فقدت هذه الحرارة الكامنة التي أخذتها عن طريق النار حتى تصل في لحظة إلى درجة من التقارب نترجمها بحواسنا على أنها (صلابة) .
الحالة الغازية والسائلة والصلبة هي ظواهر كيفية لحقيقة واحدة .. هي درجة تقارب الجزيئات من بعضها البعض لمادة واحدة هي الماء ..
وشفافية الماء وعتامة الثلج سببها أن جزيئات الماء متباعدة لدرجة تسمح لنا بالرؤية من خلالها .
ولا يعني هذا أن جزيئات الثلج متلاصقة .. وإنما هي متباعدة هي الأخرى ولكن بدرجة أقل .
وجزيئات كل المواد حتى الحديد مخلخلة ومنفصلة عن بعضها .. بل إن الجزئ نفسه مؤلف من ذرات منفصلة .. والذرّة مؤلفة من بروتونات وإلكترونات هي الأخرى منفصلة ومخلخلة ومتباعدة تباعد الشمس عن كواكبها .
كل المواد الصُلبة عبارة عن خلاء منثورة فيه ذرّات .. ولو أن حِسّنَا البصري مكتمل لأمكننا أن نرى من خلال الجدران لأن نسيجها مخلخل كنسيج الغربال ..
ولو كنا نرى عن طريق أشعة إكس لا عن طريق النور العادي لرأينا بعضنا عبارة عن هياكل عظمية، لأن أشغة اكس تخترق المسافات الجزيئية في اللحم .. وتراه في شفافية الزجاج ..
♦ مرة أخرى ..
رؤيتنا العاجزة هي التي ترى الجدران صماء .. وهي ليست صمّاء .. بل هي مخلخلة أقصى درجات التخلخل .. ولكن وسائلنا المحدودة والأشعة التي نرى عن طريقها .. لا تنفد فيها، وإنما تنعكس على سطوحها وتبدو لنا وكأنها ســدّ يقف في طريق رؤيتنا .
إنها جميعًا أحكام نسبية تلك التي نطلقها على الأشياء .. ( نسبة إلى حواسنا المحدودة ) وليست أحكامًا حقيقية ..
والعالَم الذي نراه ليس هو العالَم الحقيقي .. وإنما هو عالَم اصطلاحي بَحتْ .. نعيش فيه معتقَلين في الرموز التي يختلقها عقلنا .. ليدلنا على الأشياء التي لا يعرف لها ماهية أو كَنَهًا .
والرسّام التجريدي على حق حينما يحاول أن يعبر عما يراه .. على طريقته .. فهو يدرك بالفطرة أن ما يراه بعينه ليس هو كل الحقيقة، وبالتالي فهو ليس ملزِمًا له .. وفي إمكانه أن يتلَمّس الحقيقة .. لا بعينه .. وإنما بعقله .. وربما بعقله الباطن .. أو وجدانه .. أو روحه ..
وهو لا يكون مجنونـــًا .. وقد نكون نحن المجــانين .
ورجل العلم له وسائل أخرى غير رجل الفن ..
الفنان يبحث عن الحقيقة معتمدًا على وسائله .. عن طريق الإلهام .. والروح .. والوجدان .
ورجل العلم يلجأ إلى الحسابات والمعادلات .. والفروض النظرية .. التي يحاول أن يتثبت منها بتجارب عملية .
وأينشتين في مغامرته العقلية لم يكن يختلف كثيرًا عن الرسّام التجريدي في مغامرته الفنية .
ومعظم ما كتبه أينشتين في معادلاته كان في الحقيقة تجريدًا للواقع على شكل أرقام وحدود رياضية .. ومحاولة جادة من رجل العلم في أن يهزم العلاقات المألوفة للأشياء ويزيحها لتبدو من خلفها لمحات من الحقيقة المدهشة التي تتخفى في ثياب العادة والألفة ..
وماذا هناك في الواقع المحسوس المألوف ؟
إننا لا نرى الأشياء مشوهة عن أصلها فقط .. وإنما لا نراها إطلاقًا .. وأحيانًا يكون ما نراه لا وجود له بالمرة ..
فهناك غير ألوان الطيف السبعة .. أمواج أقصر من أن ندركها .. هي فوق البنفسجية .. وأمواج أخرى أطول من أن ندركها .. هي تحت الحمراء .. وتكون النتيجة ألا نراها مع أنها موجودة ويمكن إثباتها باللوح الفوتوغرافي الحساس .. وبالترمومتر ..
وعلى العكس نرى أحيانًا أشياء لا وجود لها ..
فبعض النجوم التي نراها بالتلسكوب في أعماق السماء تبعد عنا بمقدار 500 مليون سنة ضوئية .. أي أن الضوء المنبعث منها يحتاج إلى خمسمائة مليون سنة ليصل إلى عيوننا .. وبالتالي فالضوء الذي نلمحها به هو ضوء خرج منها منذ هذا العدد الهائل من السنين .. فنحن لا نراها في الحقيقة .. وإنما نرى ماضيها السحيق الموغَل في القِدَم ..
أما ماهيتها الآن .. فالله وحده يعلم .. وربما تكون قد انفجرت واختفت .. أو انطفأت .. أو ارتحلت بعيدًا في أطراف ذلك الخلاء الأبدي وخرجت من مجال الرؤية بكل وسائلها .. فحالها الآن لا يمكن أن يصلنا خبره إلا بعد مضي خمسمائة مليون سنة ..
إننا قد نكون محملقين في شيء يلمع دون أن يكون له وجود بالمرة .
إلى هذه الدرجة يبلغ عدم اليقين ..
وإلى هذه الدرجة يمكن أن تضللنا الحواس ..
ما دليلنا في هذا التِيه .. ؟!
وكيف نهتدي إلى الحقيقة في هذه الظلمات المطبقة ؟!
مقال / أينشتين والنظرية النسبية .
من كتاب : اينشتين والنسبيه.
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝