❞ اسم الكتاب: سيرتك كما صنعتها
✍️ اسم الكاتب: هاني الميهى
✨ الخاتمة
كل كتاب هو مرآة، وكل قارئ يجد فيها انعكاسًا يخصه وحده.
وما هذا العمل إلا محاولة لوضع اليد على نبضٍ خفي، يرافق الإنسان في رحلته الطويلة بين البدايات والنهايات، بين الحلم والواقع، بين ما فُرض عليه وما اختاره بإرادته.
لقد سعيتُ في هذه الصفحات إلى أن أجعل من السرد مساحة تأمل، ومن الكلمات جسورًا تصل القارئ بذاته قبل أن تصلني به. فما الحياة إلا سيرتنا التي نصنعها بأيدينا، خطوةً خطوة، اختيارًا بعد اختيار، وصدقًا بعد صدق.
وإن كنتَ – أيها القارئ – قد وجدت في هذه الصفحات ما يُشبهك، فاعلم أنّ ذلك لم يكن مصادفة؛ لأن الكتاب الحقيقي لا يعيش خارج قارئه، بل يكتمل به. وإن لم تجد نفسك هنا، فربما تجدها في لحظةٍ أخرى، أو بين سطورٍ لم تُكتب بعد.
تبقى الحقيقة الأعمق أنّ السيرة ليست ما ندوّنه على الورق، بل ما نعيشه في صمتٍ حين يختفي كل شاهد. هي الأثر الذي يظل بعدنا، والظل الذي يرافقنا ونحن نمضي.
فاصنع سيرتك كما تشاء، بصدقك لا بتزييفك، وبنورك لا بظلك، ودعها شهادةً حيّة أنّك كنت هنا يومًا، وأنك عشت كما أردت أن تعيش.
#هانى_الميهى. ❝ ⏤هاني الميهي
❞ اسم الكتاب: سيرتك كما صنعتها
✍️ اسم الكاتب: هاني الميهى
✨ الخاتمة
كل كتاب هو مرآة، وكل قارئ يجد فيها انعكاسًا يخصه وحده.
وما هذا العمل إلا محاولة لوضع اليد على نبضٍ خفي، يرافق الإنسان في رحلته الطويلة بين البدايات والنهايات، بين الحلم والواقع، بين ما فُرض عليه وما اختاره بإرادته.
لقد سعيتُ في هذه الصفحات إلى أن أجعل من السرد مساحة تأمل، ومن الكلمات جسورًا تصل القارئ بذاته قبل أن تصلني به. فما الحياة إلا سيرتنا التي نصنعها بأيدينا، خطوةً خطوة، اختيارًا بعد اختيار، وصدقًا بعد صدق.
وإن كنتَ – أيها القارئ – قد وجدت في هذه الصفحات ما يُشبهك، فاعلم أنّ ذلك لم يكن مصادفة؛ لأن الكتاب الحقيقي لا يعيش خارج قارئه، بل يكتمل به. وإن لم تجد نفسك هنا، فربما تجدها في لحظةٍ أخرى، أو بين سطورٍ لم تُكتب بعد.
تبقى الحقيقة الأعمق أنّ السيرة ليست ما ندوّنه على الورق، بل ما نعيشه في صمتٍ حين يختفي كل شاهد. هي الأثر الذي يظل بعدنا، والظل الذي يرافقنا ونحن نمضي.
فاصنع سيرتك كما تشاء، بصدقك لا بتزييفك، وبنورك لا بظلك، ودعها شهادةً حيّة أنّك كنت هنا يومًا، وأنك عشت كما أردت أن تعيش.
❞ الكتاب: سيرتك كما صنعتها
✍️ اسم الكاتب: هاني الميهى
الفصل الثامن: ثقل الماضي
ـــــ
لا يمضي إنسان في طريقه خفيفًا تمامًا، فما من أحد يسير بلا أعباء، وما من قلب يخلو من أثر الأيام التي عبرها. الماضي ليس ظلًّا يتبعك وحسب، بل هو رفيق يجلس إلى جوارك أينما ذهبت. أحيانًا يبتسم لك فيذكّرك بأيام الصفاء، وأحيانًا يحدّق فيك بعينٍ قاسية، كأنه يحاسبك على أخطائك.
الماضي هو تلك الذاكرة التي تتسع لكل شيء: الضحكات والدموع، الانتصارات والانكسارات، الوعود التي أوفيت بها وتلك التي خذلتها. كلّ ذلك يكوّن \"الثقل\" الذي تحمله على ظهرك، ثقلًا لا يُرى، لكنه يتجلّى في خطواتك، في قراراتك، وحتى في صمتك حين تُسأل عمّا يؤلمك.
وقد يظن بعضهم أن الحل هو الهروب من الماضي، أو دفنه تحت ركام النسيان. غير أنّ الحقيقة أنّ الماضي لا يُدفن، بل يتخفّى. قد يغيب وجهه عنك حينًا، لكنه يظهر فجأة في حلمٍ، في كلمةٍ عابرة، أو في لحظة تشابه بين الأمس واليوم. إنه الحاضر المتخفي، الذي لا يزول بقرار، بل يُروَّض بفهمه.
الذين يثقلهم الماضي نوعان: من يستسلمون له حتى يلتهم حاضرهم، ومن يتصالحون معه فيحوّلونه إلى قوة تدفعهم للأمام. الأولون يعيشون أسرى صورٍ قديمة، لا يرون ما بين أيديهم من فرص، أما الآخرون فيعرفون أن كل جرحٍ كان تدريبًا، وكل خسارةٍ كانت درسًا، وكل لحظة ألمٍ كانت تمهيدًا لطريقٍ جديد.
إنّ ثقل الماضي ليس في وجوده ذاته، بل في نظرتنا إليه. قد ترى فيه سلسلة من الخيبات، فتسقط في دوامة الحسرة، وقد ترى فيه معلمًا صامتًا، فيغدو زادًا لا ينفد. وهنا تتضح حكمة الحياة: أنّ الماضي لا يتغير، لكننا نحن من نغيّر طريقة قراءته.
حين يلتفت الإنسان إلى الخلف، لا يرى الماضي كما وقع بالضبط، بل كما شكّلته ذاكرته. والذاكرة ليست مرآة صافية، بل زجاجًا ملوّنًا بأهوائنا، يضخّم بعض المشاهد ويقلّص أخرى، يمحو تفاصيل ويترك غيرها حاضرة كأنها وقعت أمس. وهكذا، قد يبدو الماضي في عينيك أثقل مما كان في حقيقته، لأنك تحمل صورته لا وقائعه.
إنّ ما يؤلمنا في الماضي ليس ما حدث، بل ما لم نستطع تغييره. تلك الجملة التي كان يجب أن تُقال ولم تُقال، تلك الخطوة التي تردّدنا فيها حتى فات أوانها، ذلك الاختيار الذي سلكناه بعينٍ معصوبة. هذه الفراغات هي ما يثقل الذاكرة، لا الحوادث نفسها.
غير أن في داخل هذا الثقل بذورًا لشيء آخر: النضج. فكل خطأ يكشف لك عن الطريق الذي لا ينبغي أن تسلكه مرة أخرى، وكل خيبة تُريك هشاشتك فتتعلّم كيف تحمي نفسك. الماضي إذن ليس عبئًا صرفًا، بل معدنٌ خشن يحتاج إلى صقل. ومن يملك الشجاعة على إعادة النظر في تجاربه، سيجد أن كل جرحٍ قديم ترك وراءه حكمة، وأن كل انكسارٍ كان بابًا خفيًا نحو قوة جديدة.
لقد اعتاد الناس أن يتعاملوا مع الماضي كعدوٍ لدود، بينما هو في الحقيقة معلّم صامت، لا يتعب من تكرار الدرس حتى نتقنه. ربما نكرهه، وربما نحاول الفرار منه، لكنه في النهاية يعود ليطرق باب وعينا، كأنه يقول: \"لن تمضي حقًا حتى تفهمني.\"
وهكذا، يصبح الماضي جزءًا من سيرتك كما صنعتها، ليس كقيدٍ يمنعك، بل كأثرٍ يوجّهك. فالحياة لا تمنحنا رفاهية البدء من الصفر، بل تفرض علينا أن نبني فوق ما كان، أن نضيف طبقةً فوق طبقة، حتى تكتمل القصة.
أخطر ما يتركه الماضي فينا تلك الأصوات الخفية التي تتردد في داخلنا: كلمات قاسية سمعناها في لحظة ضعف، نظرات استهانة لم نستطع ردّها، أو حتى خيانة باغتتنا من أقرب الناس. هذه التفاصيل الصغيرة قد تترسّب كأحجارٍ في أعماق الروح، حتى نكاد لا نعي أننا ما زلنا نحملها. ومع مرور الوقت، تتحول إلى قيدٍ غير منظور، يحدّ من خطواتنا ويصوغ اختياراتنا من دون أن ندري.
لكن السؤال الجوهري هو: هل الماضي سيظل سيد الحاضر؟ أم أن الإنسان قادر على إعادة كتابة معناه؟
الحقيقة أن الذاكرة ليست كتابًا مغلقًا، بل نصًا مفتوحًا قابلًا لإعادة التأويل. ما كان جرحًا قد يصير بعد حين شهادةً على صبرك، وما كان فشلًا قد يصير علامةً على جرأتك في المحاولة. الفارق ليس في الوقائع، بل في زاوية النظر إليها. وهنا يكمن التحرر من ثقل الماضي: أن تدرك أنّك تملك حق تفسيره، حتى لو لم تملك تغييره.
الذين تعلّموا أن يواجهوا ماضيهم لا يعودون أسرى له. بل يصبح الماضي عندهم كخزانةٍ قديمة، يعرفون أن فيها ما يوجع، لكنهم يملكون المفتاح، يفتحونها حين يريدون التعلم، ويغلقونها حين يقررون المضي. أما من يرفض مواجهة تلك الخزانة، فيبقى بابها مفتوحًا دائمًا، يطلّ شبحها على كل خطوة جديدة.
إنّ القوة الحقيقية لا تكمن في محو الماضي، بل في جعله جزءًا من سرديتك الخاصة، في أن تقول: \"نعم، هذا ما حدث لي، لكنه لم يعد يُعرّفني وحده.\" حينها فقط، يصبح الماضي فصلًا من كتابك، لا العنوان كله.
ليس الماضي عدوّك، لكنه اختبارٌ لمعنى صمودك. هو المرآة التي تريك كيف كنت، لتقارن كيف أصبحت. كثيرون يهربون من مواجهة هذه المرآة، فيظلون أسرى صورةٍ قديمة لا تعكس حقيقتهم الحالية. بينما الشجاعة هي أن تنظر بجرأة وتقول: \"لقد تغيّرت.\"
إن التمسك بالماضي يشبه حمل حقيبةٍ ممتلئة بالحجارة فوق ظهرك في رحلة طويلة. ستجد نفسك مُنهكًا، غير قادر على التقدّم، بينما الآخرين يمضون بخفة. السر لا يكمن في تجاهل الحقيبة، بل في فتحها والتفتيش داخلها، ثم اختيار ما يستحق أن يُحمل، وترك الباقي على قارعة الطريق.
التاريخ الشخصي ليس لعنة، بل هو مادة خام يمكن صياغتها من جديد. ما أصابك من انكسار قد يُصبح خبرة، وما تعرضت له من خيانة قد يفتح عينيك على جوهر الولاء الحقيقي. المهم أن تدرك أن ماضيك ليس نهاية الطريق، بل بداية جديدة لرؤية أعمق للحياة.
حين تتحرر من أسر الماضي، لا تعود خطواتك مقيدة بخوفٍ قديم، بل مدفوعة برغبةٍ صافية في استكشاف المستقبل. وعندها فقط، يتحول الثقل إلى طاقة، والجرح إلى درس، والذكرى المؤلمة إلى إضاءةٍ تضيء لك الطريق.
فالإنسان الذي يتصالح مع ماضيه، يمتلك حاضره، ويكتب سيرته كما أراد هو، لا كما فرضت عليه الظروف.
يتيع الفصل التاسع
#سيرتك_كما_صنعتها
#هانى_الميهى. ❝ ⏤هاني الميهي
❞ الكتاب: سيرتك كما صنعتها
✍️ اسم الكاتب: هاني الميهى
الفصل الثامن: ثقل الماضي
ـــــ
لا يمضي إنسان في طريقه خفيفًا تمامًا، فما من أحد يسير بلا أعباء، وما من قلب يخلو من أثر الأيام التي عبرها. الماضي ليس ظلًّا يتبعك وحسب، بل هو رفيق يجلس إلى جوارك أينما ذهبت. أحيانًا يبتسم لك فيذكّرك بأيام الصفاء، وأحيانًا يحدّق فيك بعينٍ قاسية، كأنه يحاسبك على أخطائك.
الماضي هو تلك الذاكرة التي تتسع لكل شيء: الضحكات والدموع، الانتصارات والانكسارات، الوعود التي أوفيت بها وتلك التي خذلتها. كلّ ذلك يكوّن ˝الثقل˝ الذي تحمله على ظهرك، ثقلًا لا يُرى، لكنه يتجلّى في خطواتك، في قراراتك، وحتى في صمتك حين تُسأل عمّا يؤلمك.
وقد يظن بعضهم أن الحل هو الهروب من الماضي، أو دفنه تحت ركام النسيان. غير أنّ الحقيقة أنّ الماضي لا يُدفن، بل يتخفّى. قد يغيب وجهه عنك حينًا، لكنه يظهر فجأة في حلمٍ، في كلمةٍ عابرة، أو في لحظة تشابه بين الأمس واليوم. إنه الحاضر المتخفي، الذي لا يزول بقرار، بل يُروَّض بفهمه.
الذين يثقلهم الماضي نوعان: من يستسلمون له حتى يلتهم حاضرهم، ومن يتصالحون معه فيحوّلونه إلى قوة تدفعهم للأمام. الأولون يعيشون أسرى صورٍ قديمة، لا يرون ما بين أيديهم من فرص، أما الآخرون فيعرفون أن كل جرحٍ كان تدريبًا، وكل خسارةٍ كانت درسًا، وكل لحظة ألمٍ كانت تمهيدًا لطريقٍ جديد.
إنّ ثقل الماضي ليس في وجوده ذاته، بل في نظرتنا إليه. قد ترى فيه سلسلة من الخيبات، فتسقط في دوامة الحسرة، وقد ترى فيه معلمًا صامتًا، فيغدو زادًا لا ينفد. وهنا تتضح حكمة الحياة: أنّ الماضي لا يتغير، لكننا نحن من نغيّر طريقة قراءته.
حين يلتفت الإنسان إلى الخلف، لا يرى الماضي كما وقع بالضبط، بل كما شكّلته ذاكرته. والذاكرة ليست مرآة صافية، بل زجاجًا ملوّنًا بأهوائنا، يضخّم بعض المشاهد ويقلّص أخرى، يمحو تفاصيل ويترك غيرها حاضرة كأنها وقعت أمس. وهكذا، قد يبدو الماضي في عينيك أثقل مما كان في حقيقته، لأنك تحمل صورته لا وقائعه.
إنّ ما يؤلمنا في الماضي ليس ما حدث، بل ما لم نستطع تغييره. تلك الجملة التي كان يجب أن تُقال ولم تُقال، تلك الخطوة التي تردّدنا فيها حتى فات أوانها، ذلك الاختيار الذي سلكناه بعينٍ معصوبة. هذه الفراغات هي ما يثقل الذاكرة، لا الحوادث نفسها.
غير أن في داخل هذا الثقل بذورًا لشيء آخر: النضج. فكل خطأ يكشف لك عن الطريق الذي لا ينبغي أن تسلكه مرة أخرى، وكل خيبة تُريك هشاشتك فتتعلّم كيف تحمي نفسك. الماضي إذن ليس عبئًا صرفًا، بل معدنٌ خشن يحتاج إلى صقل. ومن يملك الشجاعة على إعادة النظر في تجاربه، سيجد أن كل جرحٍ قديم ترك وراءه حكمة، وأن كل انكسارٍ كان بابًا خفيًا نحو قوة جديدة.
لقد اعتاد الناس أن يتعاملوا مع الماضي كعدوٍ لدود، بينما هو في الحقيقة معلّم صامت، لا يتعب من تكرار الدرس حتى نتقنه. ربما نكرهه، وربما نحاول الفرار منه، لكنه في النهاية يعود ليطرق باب وعينا، كأنه يقول: ˝لن تمضي حقًا حتى تفهمني.˝
وهكذا، يصبح الماضي جزءًا من سيرتك كما صنعتها، ليس كقيدٍ يمنعك، بل كأثرٍ يوجّهك. فالحياة لا تمنحنا رفاهية البدء من الصفر، بل تفرض علينا أن نبني فوق ما كان، أن نضيف طبقةً فوق طبقة، حتى تكتمل القصة.
أخطر ما يتركه الماضي فينا تلك الأصوات الخفية التي تتردد في داخلنا: كلمات قاسية سمعناها في لحظة ضعف، نظرات استهانة لم نستطع ردّها، أو حتى خيانة باغتتنا من أقرب الناس. هذه التفاصيل الصغيرة قد تترسّب كأحجارٍ في أعماق الروح، حتى نكاد لا نعي أننا ما زلنا نحملها. ومع مرور الوقت، تتحول إلى قيدٍ غير منظور، يحدّ من خطواتنا ويصوغ اختياراتنا من دون أن ندري.
لكن السؤال الجوهري هو: هل الماضي سيظل سيد الحاضر؟ أم أن الإنسان قادر على إعادة كتابة معناه؟
الحقيقة أن الذاكرة ليست كتابًا مغلقًا، بل نصًا مفتوحًا قابلًا لإعادة التأويل. ما كان جرحًا قد يصير بعد حين شهادةً على صبرك، وما كان فشلًا قد يصير علامةً على جرأتك في المحاولة. الفارق ليس في الوقائع، بل في زاوية النظر إليها. وهنا يكمن التحرر من ثقل الماضي: أن تدرك أنّك تملك حق تفسيره، حتى لو لم تملك تغييره.
الذين تعلّموا أن يواجهوا ماضيهم لا يعودون أسرى له. بل يصبح الماضي عندهم كخزانةٍ قديمة، يعرفون أن فيها ما يوجع، لكنهم يملكون المفتاح، يفتحونها حين يريدون التعلم، ويغلقونها حين يقررون المضي. أما من يرفض مواجهة تلك الخزانة، فيبقى بابها مفتوحًا دائمًا، يطلّ شبحها على كل خطوة جديدة.
إنّ القوة الحقيقية لا تكمن في محو الماضي، بل في جعله جزءًا من سرديتك الخاصة، في أن تقول: ˝نعم، هذا ما حدث لي، لكنه لم يعد يُعرّفني وحده.˝ حينها فقط، يصبح الماضي فصلًا من كتابك، لا العنوان كله.
ليس الماضي عدوّك، لكنه اختبارٌ لمعنى صمودك. هو المرآة التي تريك كيف كنت، لتقارن كيف أصبحت. كثيرون يهربون من مواجهة هذه المرآة، فيظلون أسرى صورةٍ قديمة لا تعكس حقيقتهم الحالية. بينما الشجاعة هي أن تنظر بجرأة وتقول: ˝لقد تغيّرت.˝
إن التمسك بالماضي يشبه حمل حقيبةٍ ممتلئة بالحجارة فوق ظهرك في رحلة طويلة. ستجد نفسك مُنهكًا، غير قادر على التقدّم، بينما الآخرين يمضون بخفة. السر لا يكمن في تجاهل الحقيبة، بل في فتحها والتفتيش داخلها، ثم اختيار ما يستحق أن يُحمل، وترك الباقي على قارعة الطريق.
التاريخ الشخصي ليس لعنة، بل هو مادة خام يمكن صياغتها من جديد. ما أصابك من انكسار قد يُصبح خبرة، وما تعرضت له من خيانة قد يفتح عينيك على جوهر الولاء الحقيقي. المهم أن تدرك أن ماضيك ليس نهاية الطريق، بل بداية جديدة لرؤية أعمق للحياة.
حين تتحرر من أسر الماضي، لا تعود خطواتك مقيدة بخوفٍ قديم، بل مدفوعة برغبةٍ صافية في استكشاف المستقبل. وعندها فقط، يتحول الثقل إلى طاقة، والجرح إلى درس، والذكرى المؤلمة إلى إضاءةٍ تضيء لك الطريق.
فالإنسان الذي يتصالح مع ماضيه، يمتلك حاضره، ويكتب سيرته كما أراد هو، لا كما فرضت عليه الظروف.
يولد الإنسان كما يُلقى حجر صغير في نهر عميق، لا يعرف من أين أتى، ولا إلى أين سينجرف. يُفتح له باب الحياة دون أن يُستشار، فيجد نفسه بين جدران بيت قديم أو جديد، رحب أو ضيّق، لا يملك إلا أن يتنفس ويصرخ، فيُعلن للعالم أنّه حاضر، حاضر رغمًا عنه، وأنّ البداية قد كُتبت باسمه وإن لم يوقّع عليها.
البدايات التي لا نختارها تشبه خطوطًا أولى على ورقة بيضاء؛ قد يرسمها غيرنا، لكننا سنظل نعيد فوقها ألواننا الخاصة. يولد الطفل في حضن أمٍ لا يعرف قلبها إلا من إيقاع دقاته، وفي يد أبٍ قد يكون حنونًا أو قاسيًا، لكنه يظل أول ظلٍّ يحميه من برد الحياة. ثم يبدأ الصراع المبكر: كيف نُفسّر ما وُضعنا فيه؟ أهو نعمة أم نقمة؟ وكيف نحمل على أكتافنا إرثًا لم نطلبه؟
ما أصعب أن تكتشف بعد سنوات، أنّ أوّل ما كُتب في سطور حياتك لم يكن بخط يدك. أنت ثمرة لقرار لم تُستشر فيه، وكأنّ الحياة أرادت أن تضعك أمام امتحانٍ صعب: أن تصوغ سيرتك بيديك، رغم أنّ أول حرف فيها قد خطّه آخرون.
حين يتقدّم بنا العمر قليلًا، نبدأ في إدراك أنّ تلك البدايات لم تكن محايدة كما نظن. فبيت الطفولة ليس مجرد جدران وأثاث، بل هو مصنع سريّ للذاكرة، يُعيد تشكيلنا كل يوم دون أن نشعر. أصوات الأمهات وهنّ ينادين أبناءهنّ، رائحة الخبز الخارج من التنور، بكاء يوقظ الليل في سرير خشبي صغير، أو ضحكات تتردد في فناء واسع؛ كلها تفاصيل تصير خيوطًا أولى في نسيج الشخصية.
لكن، ليس الجميع يولد تحت ذات السقف. هناك من يبدأ حياته في ضيق الفقر، يفتح عينيه على عالم لا يمنحه سوى كسرة خبز، وهناك من يولد في بحبوحة ووفرة، فيرى الأشياء وكأنها حقٌ مكتسب. المفارقة أنّ كليهما لم يختر شيئًا من هذا. البدايات إذن ليست سوى أوراق قُسّمت بغير عدالة، وأُلقيت بين أيدينا، وعلى كل واحد منا أن يلعب لعبته بما أوتي من ورق.
ومع ذلك، تبقى تلك البدايات أقرب إلى بذورٍ كامنة في تربة مجهولة. قد تنبت وتثمر، وقد تذبل وتتعفن. الفارق الوحيد هو ما نفعله نحن بعد أن ندرك وجودها. فليس للمرء أن يُحاسَب على لحظة ميلاده، لكن يُسأل عمّا صنعه بما تلاها.
هنا يبدأ الوعي في التشكل: هل سأظل أسير ما فُرض عليّ؟ أم سأحاول، قدر المستطاع، أن أُعيد صياغة النص الذي كُتب دون علمي؟
حين يفتح الطفل عينيه أكثر على العالم، يبدأ في مقارنة نفسه بغيره، ويكتشف أنّ البدايات لم تكن سواسية. يلمح صديقه يرتدي ثوبًا جديدًا بينما ثوبه مرقّع، يرى بيتًا آخر تتلألأ نوافذه بالأنوار بينما نافذته لا تضيئها إلا شمعة باهتة، يسمع أصوات الضحك في أفنية الآخرين بينما بيته صامت كالمقابر. عندها، تبدأ أولى الأسئلة في التكوّن داخله: لماذا أنا هنا؟ ولماذا لم أكن هناك؟
هذه الأسئلة، وإن بدت بريئة في طفولتها، هي بذور الفلسفة الأولى. فمن لا يطرح على نفسه سؤال البداية، سيظل أسير ما وُضع فيه دون مقاومة. لكن من يجرؤ على التساؤل، يضع قدمه على أول طريق الوعي. فالإدراك أنّنا لم نبدأ كما نريد، يمنحنا دافعًا خفيًا لأن نحاول إنهاء الحكاية كما نريد.
غير أنّ الوعي لا يأتي دون ثمن. فكلما زاد إدراك المرء لاختلاف بدايته عن بدايات الآخرين، زادت حدة شعوره بالظلم أو الغبن، وربما بالتمرد. هنا تتشكل شخصية الإنسان بين خيارين: إما الاستسلام والتكيف، أو التحدي وإعادة البناء. وكلا الخيارين يولد من رحم البداية، التي لم يخترها أحد.
هكذا، تصبح البدايات مثل قيدٍ على معصمٍ، لا يمكنك نزعه، لكن يمكنك أن تقرر: هل تجعله قيدًا يجرّك إلى الخلف، أم علامةً تذكّرك بأنك قادر على الانطلاق رغم ثقله؟
البدايات أشبه بمرافئ لا خيار لنا في النزول إليها. قد تكون المرافئ مزدحمة بالخير والوفرة، وقد تكون مهجورة لا يسمع فيها المرء سوى صدى الريح. لكنّ السفينة الحقيقية ليست المرفأ الذي استقبلنا، بل هي ما نصنعه نحن من شراعٍ ودفة بعد أن ندرك أنّ الرحلة ملكٌ لنا وحدنا.
في لحظةٍ ما، يلتفت الإنسان إلى الوراء، إلى كل ما مرّ به منذ ولادته حتى اللحظة الحاضرة، فيكتشف أنّ خيوط حياته نُسجت على نولٍ لم يكن هو صانعه. ومع ذلك، فإنّه هو من أضاف الألوان، وهو من قرر أن يُخفي عيوب النسيج أو يُحوّلها إلى زخارف. هنا يتجلّى سرّ البدايات التي لا نختارها: أنّها تمنحنا المادة الخام، لكنّ الصياغة النهائية تبقى لنا.
وما الحياة إلا حوار طويل بين ما فُرض علينا وما اخترناه. نحن نولد على أرضٍ لم نرسمها، لكننا نترك عليها آثار أقدامنا الخاصة. نخرج من رحمٍ لم نطلبه، لكننا نزرع في الأرض أولادنا كما نشاء. نُسلَب حق البداية، لكننا نُعطى حرية أن نخطّ النهاية.
وفي هذا التناقض يكمن جمال السيرة الإنسانية. فلا أحد مسؤول عن ميلاده، لكن كل إنسان مسؤول عن قصته. والسيرة ليست ما كُتب في البداية، بل ما صنعناه بأيدينا في النهاية.
هكذا، حين ننظر إلى بداياتنا التي لم نخترها، ندرك أنّها لم تكن قيدًا أبديًا، بل كانت امتحانًا أوليًا: أن نتعلم كيف نصنع من القيود أجنحة، ومن الفرض حرية، ومن الاضطرار اختيارًا.
يتبع الفصل الثاني
#سيرتك_كما_صنعتها
#هانى_الميهى. ❝ ⏤هاني الميهي
❞ 📖 اسم الكتاب
سيرتك كما صنعتها
✍️ اسم الكاتب
هانى الميهى
📝 الفصل الأول
البدايات التي لا نختارها
-
يولد الإنسان كما يُلقى حجر صغير في نهر عميق، لا يعرف من أين أتى، ولا إلى أين سينجرف. يُفتح له باب الحياة دون أن يُستشار، فيجد نفسه بين جدران بيت قديم أو جديد، رحب أو ضيّق، لا يملك إلا أن يتنفس ويصرخ، فيُعلن للعالم أنّه حاضر، حاضر رغمًا عنه، وأنّ البداية قد كُتبت باسمه وإن لم يوقّع عليها.
البدايات التي لا نختارها تشبه خطوطًا أولى على ورقة بيضاء؛ قد يرسمها غيرنا، لكننا سنظل نعيد فوقها ألواننا الخاصة. يولد الطفل في حضن أمٍ لا يعرف قلبها إلا من إيقاع دقاته، وفي يد أبٍ قد يكون حنونًا أو قاسيًا، لكنه يظل أول ظلٍّ يحميه من برد الحياة. ثم يبدأ الصراع المبكر: كيف نُفسّر ما وُضعنا فيه؟ أهو نعمة أم نقمة؟ وكيف نحمل على أكتافنا إرثًا لم نطلبه؟
ما أصعب أن تكتشف بعد سنوات، أنّ أوّل ما كُتب في سطور حياتك لم يكن بخط يدك. أنت ثمرة لقرار لم تُستشر فيه، وكأنّ الحياة أرادت أن تضعك أمام امتحانٍ صعب: أن تصوغ سيرتك بيديك، رغم أنّ أول حرف فيها قد خطّه آخرون.
حين يتقدّم بنا العمر قليلًا، نبدأ في إدراك أنّ تلك البدايات لم تكن محايدة كما نظن. فبيت الطفولة ليس مجرد جدران وأثاث، بل هو مصنع سريّ للذاكرة، يُعيد تشكيلنا كل يوم دون أن نشعر. أصوات الأمهات وهنّ ينادين أبناءهنّ، رائحة الخبز الخارج من التنور، بكاء يوقظ الليل في سرير خشبي صغير، أو ضحكات تتردد في فناء واسع؛ كلها تفاصيل تصير خيوطًا أولى في نسيج الشخصية.
لكن، ليس الجميع يولد تحت ذات السقف. هناك من يبدأ حياته في ضيق الفقر، يفتح عينيه على عالم لا يمنحه سوى كسرة خبز، وهناك من يولد في بحبوحة ووفرة، فيرى الأشياء وكأنها حقٌ مكتسب. المفارقة أنّ كليهما لم يختر شيئًا من هذا. البدايات إذن ليست سوى أوراق قُسّمت بغير عدالة، وأُلقيت بين أيدينا، وعلى كل واحد منا أن يلعب لعبته بما أوتي من ورق.
ومع ذلك، تبقى تلك البدايات أقرب إلى بذورٍ كامنة في تربة مجهولة. قد تنبت وتثمر، وقد تذبل وتتعفن. الفارق الوحيد هو ما نفعله نحن بعد أن ندرك وجودها. فليس للمرء أن يُحاسَب على لحظة ميلاده، لكن يُسأل عمّا صنعه بما تلاها.
هنا يبدأ الوعي في التشكل: هل سأظل أسير ما فُرض عليّ؟ أم سأحاول، قدر المستطاع، أن أُعيد صياغة النص الذي كُتب دون علمي؟
حين يفتح الطفل عينيه أكثر على العالم، يبدأ في مقارنة نفسه بغيره، ويكتشف أنّ البدايات لم تكن سواسية. يلمح صديقه يرتدي ثوبًا جديدًا بينما ثوبه مرقّع، يرى بيتًا آخر تتلألأ نوافذه بالأنوار بينما نافذته لا تضيئها إلا شمعة باهتة، يسمع أصوات الضحك في أفنية الآخرين بينما بيته صامت كالمقابر. عندها، تبدأ أولى الأسئلة في التكوّن داخله: لماذا أنا هنا؟ ولماذا لم أكن هناك؟
هذه الأسئلة، وإن بدت بريئة في طفولتها، هي بذور الفلسفة الأولى. فمن لا يطرح على نفسه سؤال البداية، سيظل أسير ما وُضع فيه دون مقاومة. لكن من يجرؤ على التساؤل، يضع قدمه على أول طريق الوعي. فالإدراك أنّنا لم نبدأ كما نريد، يمنحنا دافعًا خفيًا لأن نحاول إنهاء الحكاية كما نريد.
غير أنّ الوعي لا يأتي دون ثمن. فكلما زاد إدراك المرء لاختلاف بدايته عن بدايات الآخرين، زادت حدة شعوره بالظلم أو الغبن، وربما بالتمرد. هنا تتشكل شخصية الإنسان بين خيارين: إما الاستسلام والتكيف، أو التحدي وإعادة البناء. وكلا الخيارين يولد من رحم البداية، التي لم يخترها أحد.
هكذا، تصبح البدايات مثل قيدٍ على معصمٍ، لا يمكنك نزعه، لكن يمكنك أن تقرر: هل تجعله قيدًا يجرّك إلى الخلف، أم علامةً تذكّرك بأنك قادر على الانطلاق رغم ثقله؟
البدايات أشبه بمرافئ لا خيار لنا في النزول إليها. قد تكون المرافئ مزدحمة بالخير والوفرة، وقد تكون مهجورة لا يسمع فيها المرء سوى صدى الريح. لكنّ السفينة الحقيقية ليست المرفأ الذي استقبلنا، بل هي ما نصنعه نحن من شراعٍ ودفة بعد أن ندرك أنّ الرحلة ملكٌ لنا وحدنا.
في لحظةٍ ما، يلتفت الإنسان إلى الوراء، إلى كل ما مرّ به منذ ولادته حتى اللحظة الحاضرة، فيكتشف أنّ خيوط حياته نُسجت على نولٍ لم يكن هو صانعه. ومع ذلك، فإنّه هو من أضاف الألوان، وهو من قرر أن يُخفي عيوب النسيج أو يُحوّلها إلى زخارف. هنا يتجلّى سرّ البدايات التي لا نختارها: أنّها تمنحنا المادة الخام، لكنّ الصياغة النهائية تبقى لنا.
وما الحياة إلا حوار طويل بين ما فُرض علينا وما اخترناه. نحن نولد على أرضٍ لم نرسمها، لكننا نترك عليها آثار أقدامنا الخاصة. نخرج من رحمٍ لم نطلبه، لكننا نزرع في الأرض أولادنا كما نشاء. نُسلَب حق البداية، لكننا نُعطى حرية أن نخطّ النهاية.
وفي هذا التناقض يكمن جمال السيرة الإنسانية. فلا أحد مسؤول عن ميلاده، لكن كل إنسان مسؤول عن قصته. والسيرة ليست ما كُتب في البداية، بل ما صنعناه بأيدينا في النهاية.
هكذا، حين ننظر إلى بداياتنا التي لم نخترها، ندرك أنّها لم تكن قيدًا أبديًا، بل كانت امتحانًا أوليًا: أن نتعلم كيف نصنع من القيود أجنحة، ومن الفرض حرية، ومن الاضطرار اختيارًا.
❞ اسم الكتاب: سيرتك كما صنعتها
✍️ اسم الكاتب: هاني الميهى
الفصل السابع: صوت الداخل
في زحام العالم، حيث تُغرقك الأصوات المتشابكة، ويتنازعك صدى الخطى من كل اتجاه، يبقى هناك صوت وحيد لا يشبه أي صوت آخر. إنه صوتك الداخلي، ذاك الرفيق الخفي الذي لا يغادر، ولا يكذب، ولا يتجمّل. قد يعلو همسًا، وقد ينخفض حتى يكاد يذوب، لكنه دائمًا حاضر، كمنارة تُذكّرك أن بداخلك وطنًا آمنًا مهما تاهت بك الطرق.
الصوت الداخلي ليس بالضرورة عذبًا أو مريحًا؛ أحيانًا يكون صارمًا، يضعك وجهًا لوجه أمام أخطائك، ويكشف لك ما تحاول إخفاءه عن الآخرين. وأحيانًا يكون مُشفقًا، يضمّد جراحك قبل أن تجرؤ على الاعتراف بها. لكنّ الأكيد أنّه الحقيقة الأولى، التي لا تحتاج إلى شهادة أحد.
كثيرون يهربون من أصواتهم الداخلية، لأنهم يخشون مواجهة ما بداخلهم: ذنوب لم تُغتفر، أحلام ضاعت، وقرارات نُدمت. لكنّ الهروب لا يُلغي الصوت، بل يجعله أكثر إلحاحًا، كظلّ يتبعك ولو أطفأت جميع الأنوار. وحدها الشجاعة هي التي تفتح باب الإصغاء، وتجعل من الصوت الداخلي صديقًا لا خصمًا.
إنّ الإصغاء إلى الداخل ليس ضعفًا، بل هو قمة القوة. لأنّ من يفهم نفسه يقدر على فهم العالم. ومن يداوي جراحه يملك القدرة على مداواة الآخرين. ومن يتصالح مع تاريخه، لا يخاف من المستقبل مهما كان غامضًا.
ولعلّ أعظم ما يمنحه لك هذا الصوت، أنه يُذكّرك بأنك لست مجرد انعكاس للآخرين، ولا صورة مشوهة في مرايا المجتمع، بل أنت كيان قائم بذاته، يُخطئ ويصيب، يسقط ويقوم، لكنه في النهاية لا يتخلى عن جوهره.
وفي ختام هذا الفصل، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تسمح لصوتك الداخلي أن يقودك، أم تُغرقه بضجيج الخارج؟ الإجابة لا يعرفها أحد سواك، لأنّها مكتوبة في عمق روحك، حيث لا يجرؤ الآخرون على الدخول.
حين يجلس المرء في عزلةٍ صامتة، بعيدًا عن الأعين والضجيج، يبدأ ذاك الصوت العميق في الصعود كنسمةٍ أولى بعد ليلٍ طويل. قد يتجسد في سؤالٍ موجع: \"هل أنت حقًّا ما تريد أن تكونه؟\" أو يظهر في صورة عتاب: \"لماذا خذلت نفسك حين سعيت لإرضاء الجميع؟\"، وقد يتبدل إلى دعوةٍ خافتة: \"انهض، فما زال الطريق أمامك.\"
هذا الصوت ليس وليد اللحظة، بل هو تراكم الأيام التي مضت، والأحلام التي لم تُكتمل، والمعارك التي خضتها مع نفسك قبل أن تخوضها مع الآخرين. إنه الذاكرة الحيّة التي لا تنام، والمرآة الصافية التي لا تُزيّف صورتك.
وليس كل من يسمع صوته الداخلي يملك الشجاعة على الاستجابة له. البعض يغلق الباب في وجهه، كمن يغلق نافذة خشية الريح، غير مدركٍ أن الريح قد تجلب النقاء كما تجلب الاضطراب. أما آخرون، فيصغون حتى آخر الهمسات، فيجدون في ذلك الصوت البوصلة التي تنقذهم من الضياع، والرفيق الذي يمدهم بالقوة حين تتخلى عنهم الأيدي.
لقد تعلّم الإنسان منذ القدم أن يصغي إلى الخارج أكثر مما يصغي إلى الداخل. فقد علّموه أن يقدّس آراء الآخرين، وأن يعيش وفق معايير لم يضعها هو، حتى غدا أسيرًا لصدى الأصوات الخارجية، عاجزًا عن التمييز بين ما يريد هو، وما يفرضه المجتمع. ومع مرور الوقت، تضعف العلاقة بينه وبين ذاته، حتى يصبح غريبًا عن نفسه.
لكن اللحظة التي تجرؤ فيها على الإصغاء لذلك الهمس، هي اللحظة التي تبدأ فيها رحلة التعافي. لأنك حينها فقط تفهم أنّ كل ما كنت تبحث عنه في الخارج كان يسكن داخلك منذ البداية: الطمأنينة، القوة، وحتى معنى الحياة.
ولعلّ أعظم ما يكشفه لك الصوت الداخلي، أنّه ليس بالضرورة صوتًا واحدًا، بل أصوات متعددة، تمثل طبقات روحك. هناك صوت الطفل الذي فيك، الذي يذكّرك بالبراءة والدهشة الأولى. وهناك صوت الحكيم الذي عركته التجارب، فينصحك بحذر. وهناك صوت المتمرّد، الذي يرفض أن يُقيّد أو يخضع. هذه الأصوات جميعًا لا تتصارع إلا حين ترفض الاستماع إليها، لكنها حين تُنصت لها مجتمعة، تتكامل لتشكّل هويتك الحقيقية.
إنّ تجاهل الصوت الداخلي أشبه بإطفاء مصباحٍ في نفق مظلم؛ قد تواصل السير، لكنك ستتخبط في كل خطوة، وقد تؤذي نفسك دون أن تدري. بينما الإصغاء إليه يشبه إشعال نورٍ خافت، يكفي لأن يُريك أين تضع قدمك القادمة.
في النهاية، لن تُكتب قصتك كما ينبغي إلا إذا جلست إلى ذاتك، وأصغيت لذلك الصوت الذي لا يعرف التزييف. هو وحده الذي يخبرك بما لا يجرؤ الآخرون على قوله. هو وحده الذي يذكّرك أن الحياة قصيرة، وأنك لست مضطرًا أن تكون نسخةً من أحد.
إنّ الصوت الداخلي ليس نبوءةً خارقة، ولا وحيًا يتنزّل من السماء، بل هو خلاصة خبراتك، وصدق إحساسك، وإرثك العاطفي والفكري الذي ترسّب في أعماقك عبر السنوات. هو الحارس الذي لا يغفو، يذكّرك بما نسيت، ويحذّرك مما تحاول تجاهله، ويهتف فيك حين تغرق في صمت العالم.
غير أن الإصغاء لهذا الصوت ليس رحلة سهلة. إنه يتطلب شجاعة مواجهة الذات، والاعتراف بالضعف، والاعتراف أيضًا بالقدرة الكامنة. كثيرون يخشون أن ينظروا في أعماقهم، خشية أن يروا المرآة الحقيقية التي لا تجامل. لذلك يفضّلون الهروب إلى صخب الخارج، إلى أحكام الناس، إلى متطلبات الحياة التي لا تنتهي. لكن الهروب، مهما طال، لا يُلغي وجود ذلك الهمس؛ بل يجعله يزداد إلحاحًا، ويعود إليك أشد وقعًا في لحظة لم تتوقعها.
أحيانًا يظهر صوت الداخل كصديقٍ مخلص، يربّت على كتفك في لحظة يأس ويقول: \"قُد نفسك ولا تنتظر من يقودك.\" وأحيانًا يتجلى كناقدٍ قاسٍ، يذكّرك بخيباتك ويطالبك بالتصحيح. وبين الوجهين، يتعلّم الإنسان أن يوازن بين القبول والتغيير؛ أن يعترف بما هو عليه، دون أن يتوقف عن السعي لما يريد أن يكونه.
ولأن صوت الداخل صادق بطبيعته، فهو لا يخضع للمجاملات، ولا يزيّن لك الطريق بما لا تقدر عليه. إنه يقول لك الحقيقة عاريةً، مهما كانت مؤلمة. ومن هنا، تأتي قيمته الكبرى: فهو يحميك من خداع نفسك.
إنّ الإصغاء لذلك الصوت هو تدريب يومي على الصراحة مع الذات. ليس شرطًا أن تجلس في عُزلة طويلة أو تنقطع عن العالم؛ يكفي أن تمنح نفسك بضع لحظات صدق كل يوم، تسأل فيها: \"هل هذا الطريق لي؟ هل هذه الخطوة تعبّر عني؟ أم أنني أرتدي قناعًا لا يشبهني؟\"
هكذا يصبح صوت الداخل بمثابة البوصلة التي تُنقذك من التشتت. فحين يكثر الضجيج من حولك، وتتنازعك طرق شتى، سيكون ذلك الصوت هو العلامة الوحيدة التي لا تخونك.
يدركه الإنسان بعد طول إصغاء، أنّ صوت الداخل ليس عدوًا ينبغي الفرار منه، بل هو الحليف الذي وُجد ليحميه من التوهان في طرقٍ لم تُصنع له. إنه البذرة الأولى للهوية، الجذر الذي يمدّك بالثبات، واليد الخفية التي تدفعك إلى الأمام حين تتردد.
وحين يتصالح الإنسان مع هذا الصوت، يكتشف أنّه لم يكن يومًا وحيدًا. كلّ لحظة صمت، وكلّ ومضة تأمل، كانت تهيّئه ليصغي، ليفهم أنّ الطريق ليس خارجه بل فيه. عندها تتحوّل حياته من ردّ فعل على ما يفرضه الآخرون، إلى فعلٍ واعٍ ينسجم مع ما يريده هو حقًا.
لقد كُتبت أعظم السير الإنسانية حين وجد أصحابها الجرأة على الإصغاء لصوت الداخل، فتركوا وراءهم أثرًا خالدًا، ليس لأنهم سعوا وراء رضا الناس، بل لأنهم لبّوا نداء أعماقهم.
وهنا، تكتمل الحكمة: أنّ الإصغاء لذلك الصوت ليس رفاهية ولا ترفًا فلسفيًا، بل هو الشرط الأساسي لكي تُكتب سيرتك كما صنعتها أنت، لا كما أرادها الآخرون.
فالإنسان الذي لا يسمع نفسه، لا يملك أن يكتب حكايته بصدق، ولا أن يترك أثرًا يستحق أن يُروى.
يتبع الفصل الثامن
#سيرتك_كما_صنعتها
#هانى_الميهى. ❝ ⏤هاني الميهي
❞ اسم الكتاب: سيرتك كما صنعتها
✍️ اسم الكاتب: هاني الميهى
الفصل السابع: صوت الداخل
في زحام العالم، حيث تُغرقك الأصوات المتشابكة، ويتنازعك صدى الخطى من كل اتجاه، يبقى هناك صوت وحيد لا يشبه أي صوت آخر. إنه صوتك الداخلي، ذاك الرفيق الخفي الذي لا يغادر، ولا يكذب، ولا يتجمّل. قد يعلو همسًا، وقد ينخفض حتى يكاد يذوب، لكنه دائمًا حاضر، كمنارة تُذكّرك أن بداخلك وطنًا آمنًا مهما تاهت بك الطرق.
الصوت الداخلي ليس بالضرورة عذبًا أو مريحًا؛ أحيانًا يكون صارمًا، يضعك وجهًا لوجه أمام أخطائك، ويكشف لك ما تحاول إخفاءه عن الآخرين. وأحيانًا يكون مُشفقًا، يضمّد جراحك قبل أن تجرؤ على الاعتراف بها. لكنّ الأكيد أنّه الحقيقة الأولى، التي لا تحتاج إلى شهادة أحد.
كثيرون يهربون من أصواتهم الداخلية، لأنهم يخشون مواجهة ما بداخلهم: ذنوب لم تُغتفر، أحلام ضاعت، وقرارات نُدمت. لكنّ الهروب لا يُلغي الصوت، بل يجعله أكثر إلحاحًا، كظلّ يتبعك ولو أطفأت جميع الأنوار. وحدها الشجاعة هي التي تفتح باب الإصغاء، وتجعل من الصوت الداخلي صديقًا لا خصمًا.
إنّ الإصغاء إلى الداخل ليس ضعفًا، بل هو قمة القوة. لأنّ من يفهم نفسه يقدر على فهم العالم. ومن يداوي جراحه يملك القدرة على مداواة الآخرين. ومن يتصالح مع تاريخه، لا يخاف من المستقبل مهما كان غامضًا.
ولعلّ أعظم ما يمنحه لك هذا الصوت، أنه يُذكّرك بأنك لست مجرد انعكاس للآخرين، ولا صورة مشوهة في مرايا المجتمع، بل أنت كيان قائم بذاته، يُخطئ ويصيب، يسقط ويقوم، لكنه في النهاية لا يتخلى عن جوهره.
وفي ختام هذا الفصل، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تسمح لصوتك الداخلي أن يقودك، أم تُغرقه بضجيج الخارج؟ الإجابة لا يعرفها أحد سواك، لأنّها مكتوبة في عمق روحك، حيث لا يجرؤ الآخرون على الدخول.
حين يجلس المرء في عزلةٍ صامتة، بعيدًا عن الأعين والضجيج، يبدأ ذاك الصوت العميق في الصعود كنسمةٍ أولى بعد ليلٍ طويل. قد يتجسد في سؤالٍ موجع: ˝هل أنت حقًّا ما تريد أن تكونه؟˝ أو يظهر في صورة عتاب: ˝لماذا خذلت نفسك حين سعيت لإرضاء الجميع؟˝، وقد يتبدل إلى دعوةٍ خافتة: ˝انهض، فما زال الطريق أمامك.˝
هذا الصوت ليس وليد اللحظة، بل هو تراكم الأيام التي مضت، والأحلام التي لم تُكتمل، والمعارك التي خضتها مع نفسك قبل أن تخوضها مع الآخرين. إنه الذاكرة الحيّة التي لا تنام، والمرآة الصافية التي لا تُزيّف صورتك.
وليس كل من يسمع صوته الداخلي يملك الشجاعة على الاستجابة له. البعض يغلق الباب في وجهه، كمن يغلق نافذة خشية الريح، غير مدركٍ أن الريح قد تجلب النقاء كما تجلب الاضطراب. أما آخرون، فيصغون حتى آخر الهمسات، فيجدون في ذلك الصوت البوصلة التي تنقذهم من الضياع، والرفيق الذي يمدهم بالقوة حين تتخلى عنهم الأيدي.
لقد تعلّم الإنسان منذ القدم أن يصغي إلى الخارج أكثر مما يصغي إلى الداخل. فقد علّموه أن يقدّس آراء الآخرين، وأن يعيش وفق معايير لم يضعها هو، حتى غدا أسيرًا لصدى الأصوات الخارجية، عاجزًا عن التمييز بين ما يريد هو، وما يفرضه المجتمع. ومع مرور الوقت، تضعف العلاقة بينه وبين ذاته، حتى يصبح غريبًا عن نفسه.
لكن اللحظة التي تجرؤ فيها على الإصغاء لذلك الهمس، هي اللحظة التي تبدأ فيها رحلة التعافي. لأنك حينها فقط تفهم أنّ كل ما كنت تبحث عنه في الخارج كان يسكن داخلك منذ البداية: الطمأنينة، القوة، وحتى معنى الحياة.
ولعلّ أعظم ما يكشفه لك الصوت الداخلي، أنّه ليس بالضرورة صوتًا واحدًا، بل أصوات متعددة، تمثل طبقات روحك. هناك صوت الطفل الذي فيك، الذي يذكّرك بالبراءة والدهشة الأولى. وهناك صوت الحكيم الذي عركته التجارب، فينصحك بحذر. وهناك صوت المتمرّد، الذي يرفض أن يُقيّد أو يخضع. هذه الأصوات جميعًا لا تتصارع إلا حين ترفض الاستماع إليها، لكنها حين تُنصت لها مجتمعة، تتكامل لتشكّل هويتك الحقيقية.
إنّ تجاهل الصوت الداخلي أشبه بإطفاء مصباحٍ في نفق مظلم؛ قد تواصل السير، لكنك ستتخبط في كل خطوة، وقد تؤذي نفسك دون أن تدري. بينما الإصغاء إليه يشبه إشعال نورٍ خافت، يكفي لأن يُريك أين تضع قدمك القادمة.
في النهاية، لن تُكتب قصتك كما ينبغي إلا إذا جلست إلى ذاتك، وأصغيت لذلك الصوت الذي لا يعرف التزييف. هو وحده الذي يخبرك بما لا يجرؤ الآخرون على قوله. هو وحده الذي يذكّرك أن الحياة قصيرة، وأنك لست مضطرًا أن تكون نسخةً من أحد.
إنّ الصوت الداخلي ليس نبوءةً خارقة، ولا وحيًا يتنزّل من السماء، بل هو خلاصة خبراتك، وصدق إحساسك، وإرثك العاطفي والفكري الذي ترسّب في أعماقك عبر السنوات. هو الحارس الذي لا يغفو، يذكّرك بما نسيت، ويحذّرك مما تحاول تجاهله، ويهتف فيك حين تغرق في صمت العالم.
غير أن الإصغاء لهذا الصوت ليس رحلة سهلة. إنه يتطلب شجاعة مواجهة الذات، والاعتراف بالضعف، والاعتراف أيضًا بالقدرة الكامنة. كثيرون يخشون أن ينظروا في أعماقهم، خشية أن يروا المرآة الحقيقية التي لا تجامل. لذلك يفضّلون الهروب إلى صخب الخارج، إلى أحكام الناس، إلى متطلبات الحياة التي لا تنتهي. لكن الهروب، مهما طال، لا يُلغي وجود ذلك الهمس؛ بل يجعله يزداد إلحاحًا، ويعود إليك أشد وقعًا في لحظة لم تتوقعها.
أحيانًا يظهر صوت الداخل كصديقٍ مخلص، يربّت على كتفك في لحظة يأس ويقول: ˝قُد نفسك ولا تنتظر من يقودك.˝ وأحيانًا يتجلى كناقدٍ قاسٍ، يذكّرك بخيباتك ويطالبك بالتصحيح. وبين الوجهين، يتعلّم الإنسان أن يوازن بين القبول والتغيير؛ أن يعترف بما هو عليه، دون أن يتوقف عن السعي لما يريد أن يكونه.
ولأن صوت الداخل صادق بطبيعته، فهو لا يخضع للمجاملات، ولا يزيّن لك الطريق بما لا تقدر عليه. إنه يقول لك الحقيقة عاريةً، مهما كانت مؤلمة. ومن هنا، تأتي قيمته الكبرى: فهو يحميك من خداع نفسك.
إنّ الإصغاء لذلك الصوت هو تدريب يومي على الصراحة مع الذات. ليس شرطًا أن تجلس في عُزلة طويلة أو تنقطع عن العالم؛ يكفي أن تمنح نفسك بضع لحظات صدق كل يوم، تسأل فيها: ˝هل هذا الطريق لي؟ هل هذه الخطوة تعبّر عني؟ أم أنني أرتدي قناعًا لا يشبهني؟˝
هكذا يصبح صوت الداخل بمثابة البوصلة التي تُنقذك من التشتت. فحين يكثر الضجيج من حولك، وتتنازعك طرق شتى، سيكون ذلك الصوت هو العلامة الوحيدة التي لا تخونك.
يدركه الإنسان بعد طول إصغاء، أنّ صوت الداخل ليس عدوًا ينبغي الفرار منه، بل هو الحليف الذي وُجد ليحميه من التوهان في طرقٍ لم تُصنع له. إنه البذرة الأولى للهوية، الجذر الذي يمدّك بالثبات، واليد الخفية التي تدفعك إلى الأمام حين تتردد.
وحين يتصالح الإنسان مع هذا الصوت، يكتشف أنّه لم يكن يومًا وحيدًا. كلّ لحظة صمت، وكلّ ومضة تأمل، كانت تهيّئه ليصغي، ليفهم أنّ الطريق ليس خارجه بل فيه. عندها تتحوّل حياته من ردّ فعل على ما يفرضه الآخرون، إلى فعلٍ واعٍ ينسجم مع ما يريده هو حقًا.
لقد كُتبت أعظم السير الإنسانية حين وجد أصحابها الجرأة على الإصغاء لصوت الداخل، فتركوا وراءهم أثرًا خالدًا، ليس لأنهم سعوا وراء رضا الناس، بل لأنهم لبّوا نداء أعماقهم.
وهنا، تكتمل الحكمة: أنّ الإصغاء لذلك الصوت ليس رفاهية ولا ترفًا فلسفيًا، بل هو الشرط الأساسي لكي تُكتب سيرتك كما صنعتها أنت، لا كما أرادها الآخرون.
فالإنسان الذي لا يسمع نفسه، لا يملك أن يكتب حكايته بصدق، ولا أن يترك أثرًا يستحق أن يُروى.
❞ اسم الكتاب: سيرتك كما صنعتها
✍️ اسم الكاتب: هاني الميهى
الفصل الخامس عشر: حوار مع الذات
في كل رحلة يقطعها الإنسان، يصل في لحظة ما إلى نقطةٍ فاصلة، يقف فيها أمام ذاته لا أمام الناس. هناك، في ذلك الركن الصامت من الوجود، ينشأ الحوار الأعمق، الحوار الذي لا يحتاج إلى شهود ولا إلى تصفيق، بل يحتاج إلى شجاعة.
فالإنسان قد يُجيد خداع الآخرين، لكنه لا يستطيع خداع صوته الداخلي. ذلك الصوت الذي يأتيه أحيانًا في هيئة همس، وأحيانًا أخرى في هيئة صرخةٍ جارحة، ليقول له: \"إلى أين تمضي؟ وما الذي تركته خلفك؟\".
الحوار مع الذات ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية. هو المرآة التي تنزع الأقنعة، والميزان الذي يكشف اختلالات النفس. وفي كثير من الأحيان، يكون هذا الحوار مؤلمًا، إذ يُظهر هشاشة كنا نظنها صلابة، أو يكشف فراغًا كنا نغطيه بالضجيج.
غير أن الألم هنا ليس هزيمة، بل تطهير. لأن مواجهة الذات هي الخطوة الأولى لتصحيح المسار، ولأن الصدق مع النفس هو الباب الوحيد إلى أي صدقٍ مع الآخرين.
ومن خلال هذا الحوار، يتعلم المرء أن يفرّق بين الرغبات التي زُرعت فيه وبين الرغبات التي نبتت من قلبه حقًا. يتعلم أن يعترف بجراحه لا ليغرق فيها، بل ليضمّدها. يتعلم أن يتوقف عن مطاردة صورةٍ مثالية لا تشبهه، ويبدأ بدلًا من ذلك في قبول صورته الحقيقية.
ولعل أعظم ما يكشفه هذا الحوار أن الإنسان ليس مجرد كيانٍ صغير في هذا العالم، بل هو عالمٌ قائم بذاته. وأنه حين يُصغي إلى ذاته بصدق، يصبح قادرًا على رؤية الوجود بمنظورٍ جديد: منظور لا تحكمه المقارنات ولا الإملاءات، بل يحكمه سؤال وحيد: \"هل أنا أعيش كما أريد حقًا؟\".
إن الحوار مع الذات ليس محطةً عابرة، بل عادة يجب أن ترافقك مدى العمر. لأنه كلما ابتعدت عن هذا الحوار، ضعت في متاهات الآخرين. وكلما عدت إليه، وجدت الطريق واضحًا، مهما كان محفوفًا بالعثرات.
وفي النهاية، حين تصمت الأصوات الخارجية كلها، لن يبقى معك إلا صوتك أنت. فاجعله صادقًا، واجعله رفيقًا، لأنه سيكون وحده الشاهد على سيرتك كما صنعتها.
الحوار مع الذات ليس مجرد انعكاسٍ داخلي، بل هو أشبه بعملية جراحية دقيقة تُجرى للنفس دون تخدير. حين يبدأ الإنسان في مساءلة نفسه بصدق، تتساقط كثير من الأقنعة التي طالما ارتداها بحرص، حتى صار يظنها وجهه الحقيقي.
يكتشف المرء أنه لم يكن يختار بعض قراراته، بل كان يسير مدفوعًا بما تريده الجماعة، بما يريده المجتمع، بما تُمليه العادات أو تُرغمه الضرورات. عندها يتبدد الوهم الأكبر: وهم السيطرة المطلقة على حياته.
غير أن هذا الاكتشاف، وإن بدا صادمًا، هو لحظة تحرر. لأن الاعتراف بالضعف هو أول خيطٍ يقود إلى القوة، والاعتراف بالضياع هو أول خطوة على طريق الهداية.
الإنسان حين يجلس مع نفسه صادقًا، يُدرك أن أعظم صراعٍ يخوضه ليس مع الآخرين، بل مع ذاته: مع خوفه الذي يُكبّله، مع غروره الذي يُعميه، مع رغباته التي تُشتته. وفي كل مرة يربح معركة صغيرة في هذا الصراع، يزداد صلابته ويقترب أكثر من جوهره.
لكن ليس كل من يُحاور ذاته يخرج منتصرًا. البعض يهرب عند أول مواجهة، يخشى أن يرى عيوبه عارية، فيُغطيها بالانشغال المستمر، بالضجيج، بالانغماس في العمل أو اللهو. هؤلاء يظنون أنهم يهربون من الألم، لكنهم في الحقيقة يمددون أسره.
أمّا الذي يجرؤ على البقاء في لحظة الصمت، على مواجهة ذاته بعينٍ مفتوحة وقلبٍ صادق، فهو من يكتب فصول سيرته الحقيقية. لأن الحوار مع النفس لا يُعيدك إلى الوراء، بل يفتح لك أبوابًا جديدة إلى الأمام، أبوابًا لم تكن لتُرى إلا بهذا الصدق القاسي.
إنّ أعمق الأسئلة لا تُطرح في ضوضاء الحياة، بل تتسلل إلى القلب في لحظات الوحدة. هناك، حين يخفت صخب الآخرين، ويختفي بريق الإنجازات الزائفة، يجد الإنسان نفسه وجهًا لوجه أمام مرآة داخليّة لا تعرف المجاملة.
يسأل نفسه:
هل عشتُ كما أردت، أم كما أُريد لي أن أعيش؟
هل كانت خطواتي تحمل بصمتي، أم أنّها لم تكن سوى صدى لأقدامٍ سبقتني؟
هل اخترتُ طريقي، أم مشيتُ فيه لأنني لم أرَ غيره؟
هذه الأسئلة لا تبحث عن إجاباتٍ سريعة، بل عن شجاعةٍ للاعتراف، وصبرٍ على الإصغاء، وحكمةٍ لتقبّل ما قد ينكشف.
في الحوار مع الذات، يتجلى الإنسان في أضعف حالاته وأقواها معًا: ضعيف لأنه يعرّي نفسه من كل زيف، قوي لأنه يملك الجرأة على مواجهة ذلك العُري. إنها لحظة هشاشة تفتح باب القوة الحقيقية، تلك القوة التي لا تستمد سلطانها من الآخرين، بل من الداخل.
قد يُدرك المرء فجأة أنّه عاش أعوامًا يلهث وراء تصفيق العيون الخارجية، بينما أهمل عينًا واحدة كان يجب أن يرضيها: عينه الداخلية. قد يكتشف أنّه باع سنواتٍ طويلة من عمره من أجل صورةٍ اجتماعية، أو منصب، أو وهمٍ بالتفوّق، بينما روحه كانت تصرخ عطشًا إلى شيءٍ أبسط وأصدق: السكينة.
وليس الغرض من هذا الحوار جلد الذات، بل إنصافها. فالنفس ليست عدوًّا ينبغي سحقه، بل رفيقًا ضل الطريق ويحتاج إلى من يأخذ بيده. وما أجمل أن يجد الإنسان نفسه من جديد بعد أن كاد يفقدها، وما أعظم أن يكتشف أنّه يستطيع البدء مرّة أخرى مهما طال الضياع.
حين يطول الحوار مع الذات، قد يبدو وكأنه صراعٌ لا نهاية له. ولكن مع كل جولة من هذا الصراع، يخرج الإنسان أخفَّ حملًا وأكثر نقاءً. وكأنّ النفس، بعد أن تُثقلها الأوهام، تحتاج إلى جلساتٍ متكررة من التطهير، لتعود إلى صفائها الأول.
لقد جُبلنا على الحركة، على اللهاث وراء الغد، حتى نسينا أن نقف قليلًا لنفهم الأمس ونُعيد ترتيب اليوم. غير أن الحوار مع الذات يذكّرنا بأن الطريق إلى الأمام يبدأ أحيانًا بالعودة إلى الداخل، بالإنصات لصوتٍ خافت كان يعلو منذ زمن لكننا كنا نغرقه بضجيج العالم.
ذلك الصوت قد يقول ببساطة: \"كفى.\"
كفى هروبًا من مواجهة الحقيقة.
كفى التظاهر بما لا نكون.
كفى انتظار اعتراف الآخرين بما لم نعترف به لأنفسنا.
ومن هنا، يتحوّل الحوار إلى عهد: عهدٌ بأن نكون أوفياء لجوهرنا، ألا نُفرّط في أحلامنا الصغيرة التي تُشبهنا، وألا نُقايض قلوبنا من أجل مكانةٍ زائلة أو مجدٍ لا يستمر.
إنّ أعظم ما يمنحه هذا الحوار هو المصالحة. مصالحةٌ مع الذات أولًا، ثم مع الحياة، ثم مع الآخرين. فالنفس التي تصالح نفسها لا تعود تبحث عن معاركٍ خارجية لإثبات الوجود، لأنها تعلم أنّ وجودها مُتحققٌ بصدقها الداخلي.
وهكذا، حين يخلو المرء بنفسه ويخرج منها بعد حوارٍ طويل، يشعر أنه أقرب ما يكون إلى ذاته الحقيقية. وكأنّه عاد إلى بيته الأول، بيتٍ لم يكن يومًا بعيدًا عنه، بل كان ينتظره داخل قلبه.
وفي النهاية، ليس المطلوب أن نخرج من حوارنا مع ذواتنا بلا جراح، بل أن نخرج منه ونحن نعرف مواضع تلك الجراح، ونملك الجرأة على تضميدها. فالحياة ليست سباقًا في الكمال، بل سعيًا في الصدق. والصدق مع النفس هو أصل كل سيرةٍ تُكتب بيد صاحبها، لا بيد غيره.
نهاية كتاب #سيرتك_كما_صنعتها
الكاتب #هانى_الميهى. ❝ ⏤هاني الميهي
❞ اسم الكتاب: سيرتك كما صنعتها
✍️ اسم الكاتب: هاني الميهى
الفصل الخامس عشر: حوار مع الذات
في كل رحلة يقطعها الإنسان، يصل في لحظة ما إلى نقطةٍ فاصلة، يقف فيها أمام ذاته لا أمام الناس. هناك، في ذلك الركن الصامت من الوجود، ينشأ الحوار الأعمق، الحوار الذي لا يحتاج إلى شهود ولا إلى تصفيق، بل يحتاج إلى شجاعة.
فالإنسان قد يُجيد خداع الآخرين، لكنه لا يستطيع خداع صوته الداخلي. ذلك الصوت الذي يأتيه أحيانًا في هيئة همس، وأحيانًا أخرى في هيئة صرخةٍ جارحة، ليقول له: ˝إلى أين تمضي؟ وما الذي تركته خلفك؟˝.
الحوار مع الذات ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية. هو المرآة التي تنزع الأقنعة، والميزان الذي يكشف اختلالات النفس. وفي كثير من الأحيان، يكون هذا الحوار مؤلمًا، إذ يُظهر هشاشة كنا نظنها صلابة، أو يكشف فراغًا كنا نغطيه بالضجيج.
غير أن الألم هنا ليس هزيمة، بل تطهير. لأن مواجهة الذات هي الخطوة الأولى لتصحيح المسار، ولأن الصدق مع النفس هو الباب الوحيد إلى أي صدقٍ مع الآخرين.
ومن خلال هذا الحوار، يتعلم المرء أن يفرّق بين الرغبات التي زُرعت فيه وبين الرغبات التي نبتت من قلبه حقًا. يتعلم أن يعترف بجراحه لا ليغرق فيها، بل ليضمّدها. يتعلم أن يتوقف عن مطاردة صورةٍ مثالية لا تشبهه، ويبدأ بدلًا من ذلك في قبول صورته الحقيقية.
ولعل أعظم ما يكشفه هذا الحوار أن الإنسان ليس مجرد كيانٍ صغير في هذا العالم، بل هو عالمٌ قائم بذاته. وأنه حين يُصغي إلى ذاته بصدق، يصبح قادرًا على رؤية الوجود بمنظورٍ جديد: منظور لا تحكمه المقارنات ولا الإملاءات، بل يحكمه سؤال وحيد: ˝هل أنا أعيش كما أريد حقًا؟˝.
إن الحوار مع الذات ليس محطةً عابرة، بل عادة يجب أن ترافقك مدى العمر. لأنه كلما ابتعدت عن هذا الحوار، ضعت في متاهات الآخرين. وكلما عدت إليه، وجدت الطريق واضحًا، مهما كان محفوفًا بالعثرات.
وفي النهاية، حين تصمت الأصوات الخارجية كلها، لن يبقى معك إلا صوتك أنت. فاجعله صادقًا، واجعله رفيقًا، لأنه سيكون وحده الشاهد على سيرتك كما صنعتها.
الحوار مع الذات ليس مجرد انعكاسٍ داخلي، بل هو أشبه بعملية جراحية دقيقة تُجرى للنفس دون تخدير. حين يبدأ الإنسان في مساءلة نفسه بصدق، تتساقط كثير من الأقنعة التي طالما ارتداها بحرص، حتى صار يظنها وجهه الحقيقي.
يكتشف المرء أنه لم يكن يختار بعض قراراته، بل كان يسير مدفوعًا بما تريده الجماعة، بما يريده المجتمع، بما تُمليه العادات أو تُرغمه الضرورات. عندها يتبدد الوهم الأكبر: وهم السيطرة المطلقة على حياته.
غير أن هذا الاكتشاف، وإن بدا صادمًا، هو لحظة تحرر. لأن الاعتراف بالضعف هو أول خيطٍ يقود إلى القوة، والاعتراف بالضياع هو أول خطوة على طريق الهداية.
الإنسان حين يجلس مع نفسه صادقًا، يُدرك أن أعظم صراعٍ يخوضه ليس مع الآخرين، بل مع ذاته: مع خوفه الذي يُكبّله، مع غروره الذي يُعميه، مع رغباته التي تُشتته. وفي كل مرة يربح معركة صغيرة في هذا الصراع، يزداد صلابته ويقترب أكثر من جوهره.
لكن ليس كل من يُحاور ذاته يخرج منتصرًا. البعض يهرب عند أول مواجهة، يخشى أن يرى عيوبه عارية، فيُغطيها بالانشغال المستمر، بالضجيج، بالانغماس في العمل أو اللهو. هؤلاء يظنون أنهم يهربون من الألم، لكنهم في الحقيقة يمددون أسره.
أمّا الذي يجرؤ على البقاء في لحظة الصمت، على مواجهة ذاته بعينٍ مفتوحة وقلبٍ صادق، فهو من يكتب فصول سيرته الحقيقية. لأن الحوار مع النفس لا يُعيدك إلى الوراء، بل يفتح لك أبوابًا جديدة إلى الأمام، أبوابًا لم تكن لتُرى إلا بهذا الصدق القاسي.
إنّ أعمق الأسئلة لا تُطرح في ضوضاء الحياة، بل تتسلل إلى القلب في لحظات الوحدة. هناك، حين يخفت صخب الآخرين، ويختفي بريق الإنجازات الزائفة، يجد الإنسان نفسه وجهًا لوجه أمام مرآة داخليّة لا تعرف المجاملة.
يسأل نفسه:
هل عشتُ كما أردت، أم كما أُريد لي أن أعيش؟
هل كانت خطواتي تحمل بصمتي، أم أنّها لم تكن سوى صدى لأقدامٍ سبقتني؟
هل اخترتُ طريقي، أم مشيتُ فيه لأنني لم أرَ غيره؟
هذه الأسئلة لا تبحث عن إجاباتٍ سريعة، بل عن شجاعةٍ للاعتراف، وصبرٍ على الإصغاء، وحكمةٍ لتقبّل ما قد ينكشف.
في الحوار مع الذات، يتجلى الإنسان في أضعف حالاته وأقواها معًا: ضعيف لأنه يعرّي نفسه من كل زيف، قوي لأنه يملك الجرأة على مواجهة ذلك العُري. إنها لحظة هشاشة تفتح باب القوة الحقيقية، تلك القوة التي لا تستمد سلطانها من الآخرين، بل من الداخل.
قد يُدرك المرء فجأة أنّه عاش أعوامًا يلهث وراء تصفيق العيون الخارجية، بينما أهمل عينًا واحدة كان يجب أن يرضيها: عينه الداخلية. قد يكتشف أنّه باع سنواتٍ طويلة من عمره من أجل صورةٍ اجتماعية، أو منصب، أو وهمٍ بالتفوّق، بينما روحه كانت تصرخ عطشًا إلى شيءٍ أبسط وأصدق: السكينة.
وليس الغرض من هذا الحوار جلد الذات، بل إنصافها. فالنفس ليست عدوًّا ينبغي سحقه، بل رفيقًا ضل الطريق ويحتاج إلى من يأخذ بيده. وما أجمل أن يجد الإنسان نفسه من جديد بعد أن كاد يفقدها، وما أعظم أن يكتشف أنّه يستطيع البدء مرّة أخرى مهما طال الضياع.
حين يطول الحوار مع الذات، قد يبدو وكأنه صراعٌ لا نهاية له. ولكن مع كل جولة من هذا الصراع، يخرج الإنسان أخفَّ حملًا وأكثر نقاءً. وكأنّ النفس، بعد أن تُثقلها الأوهام، تحتاج إلى جلساتٍ متكررة من التطهير، لتعود إلى صفائها الأول.
لقد جُبلنا على الحركة، على اللهاث وراء الغد، حتى نسينا أن نقف قليلًا لنفهم الأمس ونُعيد ترتيب اليوم. غير أن الحوار مع الذات يذكّرنا بأن الطريق إلى الأمام يبدأ أحيانًا بالعودة إلى الداخل، بالإنصات لصوتٍ خافت كان يعلو منذ زمن لكننا كنا نغرقه بضجيج العالم.
ذلك الصوت قد يقول ببساطة: ˝كفى.˝
كفى هروبًا من مواجهة الحقيقة.
كفى التظاهر بما لا نكون.
كفى انتظار اعتراف الآخرين بما لم نعترف به لأنفسنا.
ومن هنا، يتحوّل الحوار إلى عهد: عهدٌ بأن نكون أوفياء لجوهرنا، ألا نُفرّط في أحلامنا الصغيرة التي تُشبهنا، وألا نُقايض قلوبنا من أجل مكانةٍ زائلة أو مجدٍ لا يستمر.
إنّ أعظم ما يمنحه هذا الحوار هو المصالحة. مصالحةٌ مع الذات أولًا، ثم مع الحياة، ثم مع الآخرين. فالنفس التي تصالح نفسها لا تعود تبحث عن معاركٍ خارجية لإثبات الوجود، لأنها تعلم أنّ وجودها مُتحققٌ بصدقها الداخلي.
وهكذا، حين يخلو المرء بنفسه ويخرج منها بعد حوارٍ طويل، يشعر أنه أقرب ما يكون إلى ذاته الحقيقية. وكأنّه عاد إلى بيته الأول، بيتٍ لم يكن يومًا بعيدًا عنه، بل كان ينتظره داخل قلبه.
وفي النهاية، ليس المطلوب أن نخرج من حوارنا مع ذواتنا بلا جراح، بل أن نخرج منه ونحن نعرف مواضع تلك الجراح، ونملك الجرأة على تضميدها. فالحياة ليست سباقًا في الكمال، بل سعيًا في الصدق. والصدق مع النفس هو أصل كل سيرةٍ تُكتب بيد صاحبها، لا بيد غيره.