قضت ملك نهارها كله شاردة، لا تستطيع نسيان ما قرأته البارحة.
\"إجاباتك تغيّر واقعك…\"
الجملة كانت عالقة في ذهنها مثل لعنة.
في الليل، جلست أمام الدفتر تحدق في صفحاته البيضاء. أصابعها ترتجف فوق القلم، وعقلها يصارع. ماذا لو جربت؟ ماذا لو كتبت شيئًا صغيرًا لترى؟
أغمضت عينيها لحظة، ثم خطّت جملة قصيرة:
\"غدًا… سيسقط كوب الحليب من يد أمي.\"
أغلقت الدفتر بسرعة، دفنته أسفل الوسادة، ونامت وهي تلعن فضولها.
وفي صباح اليوم التالي، كانت تساعد أمها في ترتيب المائدة. لم يكن في الأمر ما يثير الريبة، حتى مدت الأم يدها لتأخذ كوب الحليب. فجأة، انزلقت أصابعها، وانكسر الكوب على الأرض ليتناثر الزجاج في كل اتجاه.
تجمدت ملك في مكانها. لم تنطق بكلمة، لكن رعبًا صامتًا اجتاحها. لقد حدث بالضبط كما كتبت.
تراجعت إلى غرفتها مهرولة، أغلقت الباب خلفها، وأخرجت الدفتر. قلبت صفحاته بسرعة، وعند الصفحة الأخيرة وجدت جملة جديدة بخط غريب لم تكتبه هي:
\"هل ترين الآن؟ هذه ليست لعبة… هذه مسؤولية.\"
ارتعش قلبها وهي تعيد قراءة الكلمات. يدها تعرّقت حتى بالكاد تستطيع الإمساك بالقلم.
رفعت رأسها نحو الغرفة المظلمة، وهمست بصوت بالكاد يُسمع:
— \"ماذا تريد مني؟\"
فجأة… الحروف بدأت ترسم نفسها أمامها مباشرة، كأن اليد الخفية لم تعد تكتفي بالخفاء.
كُتبت الجملة ببطء شديد، كأنها نُقشت في الهواء قبل أن تستقر على الورق:
\"أريدك أن تكتبي… لتغيّري كل شيء.\"
---. ❝ ⏤سلام حسان الباطي
❞
-
الفصل الرابع
قضت ملك نهارها كله شاردة، لا تستطيع نسيان ما قرأته البارحة.
˝إجاباتك تغيّر واقعك…˝
الجملة كانت عالقة في ذهنها مثل لعنة.
في الليل، جلست أمام الدفتر تحدق في صفحاته البيضاء. أصابعها ترتجف فوق القلم، وعقلها يصارع. ماذا لو جربت؟ ماذا لو كتبت شيئًا صغيرًا لترى؟
أغمضت عينيها لحظة، ثم خطّت جملة قصيرة:
˝غدًا… سيسقط كوب الحليب من يد أمي.˝
أغلقت الدفتر بسرعة، دفنته أسفل الوسادة، ونامت وهي تلعن فضولها.
وفي صباح اليوم التالي، كانت تساعد أمها في ترتيب المائدة. لم يكن في الأمر ما يثير الريبة، حتى مدت الأم يدها لتأخذ كوب الحليب. فجأة، انزلقت أصابعها، وانكسر الكوب على الأرض ليتناثر الزجاج في كل اتجاه.
تجمدت ملك في مكانها. لم تنطق بكلمة، لكن رعبًا صامتًا اجتاحها. لقد حدث بالضبط كما كتبت.
تراجعت إلى غرفتها مهرولة، أغلقت الباب خلفها، وأخرجت الدفتر. قلبت صفحاته بسرعة، وعند الصفحة الأخيرة وجدت جملة جديدة بخط غريب لم تكتبه هي:
˝هل ترين الآن؟ هذه ليست لعبة… هذه مسؤولية.˝
ارتعش قلبها وهي تعيد قراءة الكلمات. يدها تعرّقت حتى بالكاد تستطيع الإمساك بالقلم.
رفعت رأسها نحو الغرفة المظلمة، وهمست بصوت بالكاد يُسمع:
— ˝ماذا تريد مني؟˝
فجأة… الحروف بدأت ترسم نفسها أمامها مباشرة، كأن اليد الخفية لم تعد تكتفي بالخفاء.
كُتبت الجملة ببطء شديد، كأنها نُقشت في الهواء قبل أن تستقر على الورق:
❞ لكن محمد كان يقرأ ما لا يُقال. كان يدرك أن الاطمئنان الذي يُقال على استحياءٍ في مثل هذه المواقف، لا يعني إلا العكس. أراد أن يراها، أن يطمئن عليها بعينيه، أن يقول شيئًا يوقف هذا النزيف الخفيّ في صدره. غير أن الباب ظلّ مغلقًا بينهما، كأن القدر نفسه قرر أن يُبقي المسافة حارسًا صامتًا على أسرارهما.. ❝ ⏤سلام حسان الباطي
❞ لكن محمد كان يقرأ ما لا يُقال. كان يدرك أن الاطمئنان الذي يُقال على استحياءٍ في مثل هذه المواقف، لا يعني إلا العكس. أراد أن يراها، أن يطمئن عليها بعينيه، أن يقول شيئًا يوقف هذا النزيف الخفيّ في صدره. غير أن الباب ظلّ مغلقًا بينهما، كأن القدر نفسه قرر أن يُبقي المسافة حارسًا صامتًا على أسرارهما. ❝
❞ — «لا تصدقي ما تقولين… عيناكِ تتحدثان بلغةٍ أخرى. أتعلمين؟ أحيانًا يكون أكثر الناس صمتًا، هو من يحمل في داخله أعظم ضجيج.»
اخترقت كلماته الجدار السميك الذي شيّدته حول نفسها. أحسّت لأول مرة برغبةٍ أن تُفصح، أن تُلقي ببعضٍ من الرعب الذي يخنقها منذ زمن. ✨🩵. ❝ ⏤سلام حسان الباطي
❞ — «لا تصدقي ما تقولين… عيناكِ تتحدثان بلغةٍ أخرى. أتعلمين؟ أحيانًا يكون أكثر الناس صمتًا، هو من يحمل في داخله أعظم ضجيج.»
اخترقت كلماته الجدار السميك الذي شيّدته حول نفسها. أحسّت لأول مرة برغبةٍ أن تُفصح، أن تُلقي ببعضٍ من الرعب الذي يخنقها منذ زمن. ✨🩵. ❝
لم تكن ملك تخشى الظلام كما يخشاه الأطفال عادة، ولم تكن تبالي بصرير النوافذ حين يعصف الهواء في ليالي الشتاء. ما كانت تخشاه حقًا هو تلك اللحظة التي تغمض فيها عينيها وتوشك على الانسحاب إلى النوم. لحظة الصمت المطلق، حين يثقل رأسها على الوسادة، ويأتيه ذلك الصوت.
\"ملك… هل تسمعينني؟\"
يتسلل النداء رقيقًا أول الأمر، ثم يزداد وضوحًا كأن أحدًا يهمس قرب أذنها. كانت تشد الغطاء إلى صدرها بقوة، عيناها مفتوحتان في العتمة، تتردد بين الهرب والصراخ. لكن جسدها يظل ساكنًا، وكأنها مشلولة بانتظار السؤال.
\"من أنتِ؟\"
تتسارع أنفاسها، يشتعل قلبها بالخوف والفضول معًا. لم تستطع يومًا أن ترد بصوتها، كأن شيئًا في داخلها يرفض الاعتراف. تلتفت ببطء نحو الطاولة الصغيرة بجانب سريرها، حيث ورقة ودفتر كانت تضعهما منذ أن تكرر الأمر معها في الليالي الماضية. مدّت يدها المرتعشة، التقطت القلم، وكتبت بخط غير ثابت:
\"أنا… لا أعرف بعد.\"
وبمجرد أن خطت الكلمات، خفت الصوت فجأة، كما لو أن الإجابة أرضته. تهدأ الغرفة، وتعود ملك طفلة عادية، تُغمض عينيها وتستسلم للنوم، غير مدركة أن تلك الجملة ستكون أول خيط في حكاية ستمتد معها لعمرٍ كامل.
---
---
الفصل الثاني
مرّت الليالي، والصوت لم يغب. صار حضوره عادة غامضة في حياة ملك، عادة تخشاها وتترقبها في آنٍ واحد. كل مساء، قبل أن يثقل جفناها، يأتِيها النداء. لا يسرد، لا يصرخ، فقط يسأل.
\"ماذا تخشين؟\"
\"من تثقين به؟\"
\"لو أُعطيتِ فرصة واحدة لتغييري… ماذا تختارين؟\"
كانت تجيب دائمًا على الورق، تخبئ الدفتر أسفل وسادتها، ثم تنام منهكة. في الصباح، تفتحه لتتأكد أن ما كتبته حقيقي، لا حلم. والكتابة دائمًا هناك… نفس الخط المرتجف، نفس الأسئلة التي لا يعرف عنها أحد.
لكن في الليلة السابعة، حدث شيء لم يكن في الحسبان.
حين انتهت من كتابة إجابتها على السؤال الأخير \"ما الشيء الذي لا تريدين أن يختفي من حياتك؟\"، تركت القلم وسقطت في النوم سريعًا. وفي الصباح، حين مدت يدها لتفتح الدفتر، تجمدت أنفاسها.
الصفحة لم تكن كما تركتها.
إجاباتها كانت هناك، نعم، لكنها لم تعد وحدها. أسفل آخر جملة كتبتها، ظهرت كلمات جديدة بخط غريب، خط لم يكن خطها:
\"لكن الأشياء لا تبقى، ملك… كل شيء يرحل.\"
تراجعت للخلف وهي تحدق في الورقة، كأنها تحمل لعنة. قلبها يخفق بجنون، وعيناها تجولان في الغرفة الصغيرة. لا أحد. الباب موصد. النافذة مغلقة.
لأول مرة منذ بدأت الحكاية، لم تعد متأكدة: هل الصوت يكتفي بالأسئلة؟ أم أنه كان طوال الوقت يملك طريقة ليكتب معها… ويترك رسائله؟
رفعت الدفتر بيد مرتجفة، وعلى الهامش كانت هناك كلمة وحيدة، لم تخطّها يدها:
\"قريبًا.\"
---
بِقَلَمِيْ.. ❝ ⏤سلام حسان الباطي
❞
-
الفصل الأول
لم تكن ملك تخشى الظلام كما يخشاه الأطفال عادة، ولم تكن تبالي بصرير النوافذ حين يعصف الهواء في ليالي الشتاء. ما كانت تخشاه حقًا هو تلك اللحظة التي تغمض فيها عينيها وتوشك على الانسحاب إلى النوم. لحظة الصمت المطلق، حين يثقل رأسها على الوسادة، ويأتيه ذلك الصوت.
˝ملك… هل تسمعينني؟˝
يتسلل النداء رقيقًا أول الأمر، ثم يزداد وضوحًا كأن أحدًا يهمس قرب أذنها. كانت تشد الغطاء إلى صدرها بقوة، عيناها مفتوحتان في العتمة، تتردد بين الهرب والصراخ. لكن جسدها يظل ساكنًا، وكأنها مشلولة بانتظار السؤال.
˝من أنتِ؟˝
تتسارع أنفاسها، يشتعل قلبها بالخوف والفضول معًا. لم تستطع يومًا أن ترد بصوتها، كأن شيئًا في داخلها يرفض الاعتراف. تلتفت ببطء نحو الطاولة الصغيرة بجانب سريرها، حيث ورقة ودفتر كانت تضعهما منذ أن تكرر الأمر معها في الليالي الماضية. مدّت يدها المرتعشة، التقطت القلم، وكتبت بخط غير ثابت:
˝أنا… لا أعرف بعد.˝
وبمجرد أن خطت الكلمات، خفت الصوت فجأة، كما لو أن الإجابة أرضته. تهدأ الغرفة، وتعود ملك طفلة عادية، تُغمض عينيها وتستسلم للنوم، غير مدركة أن تلك الجملة ستكون أول خيط في حكاية ستمتد معها لعمرٍ كامل.
-
-
الفصل الثاني
مرّت الليالي، والصوت لم يغب. صار حضوره عادة غامضة في حياة ملك، عادة تخشاها وتترقبها في آنٍ واحد. كل مساء، قبل أن يثقل جفناها، يأتِيها النداء. لا يسرد، لا يصرخ، فقط يسأل.
˝ماذا تخشين؟˝
˝من تثقين به؟˝
˝لو أُعطيتِ فرصة واحدة لتغييري… ماذا تختارين؟˝
كانت تجيب دائمًا على الورق، تخبئ الدفتر أسفل وسادتها، ثم تنام منهكة. في الصباح، تفتحه لتتأكد أن ما كتبته حقيقي، لا حلم. والكتابة دائمًا هناك… نفس الخط المرتجف، نفس الأسئلة التي لا يعرف عنها أحد.
لكن في الليلة السابعة، حدث شيء لم يكن في الحسبان.
حين انتهت من كتابة إجابتها على السؤال الأخير ˝ما الشيء الذي لا تريدين أن يختفي من حياتك؟˝، تركت القلم وسقطت في النوم سريعًا. وفي الصباح، حين مدت يدها لتفتح الدفتر، تجمدت أنفاسها.
الصفحة لم تكن كما تركتها.
إجاباتها كانت هناك، نعم، لكنها لم تعد وحدها. أسفل آخر جملة كتبتها، ظهرت كلمات جديدة بخط غريب، خط لم يكن خطها:
˝لكن الأشياء لا تبقى، ملك… كل شيء يرحل.˝
تراجعت للخلف وهي تحدق في الورقة، كأنها تحمل لعنة. قلبها يخفق بجنون، وعيناها تجولان في الغرفة الصغيرة. لا أحد. الباب موصد. النافذة مغلقة.
لأول مرة منذ بدأت الحكاية، لم تعد متأكدة: هل الصوت يكتفي بالأسئلة؟ أم أنه كان طوال الوقت يملك طريقة ليكتب معها… ويترك رسائله؟
رفعت الدفتر بيد مرتجفة، وعلى الهامش كانت هناك كلمة وحيدة، لم تخطّها يدها: