❞ 📖 اسم الكتاب: سلامًا على من ظنّوا
✍️ اسم الكاتب: هاني الميهى
الفصل الخامس

الجزء الثالث
الصمتُ أبلغُ من ألفِ مواجه

سأخبرك بسرٍّ صغير: في كلّ مرة صمتُّ فيها أمام موقفٍ كان يستحقّ الانفجار، ربحتُ شيئًا لم أكن أراه في تلك اللحظة. ربحتُ هدوءي، وربحتُ صورتي أمام نفسي، وربحتُ القدرة على المضيّ دون أن أترك خلفي رماد كلماتٍ حارقة.
إنَّ الناس ينسون ما قيل، لكنّهم لا ينسون كيف شعروا بعد أن قيل. والكلمة التي تخرج في لحظة غضب قد تظلّ عالقةً في قلبٍ آخر كشوكة لا تُنتزع. لذلك اخترتُ أن يكون صمتي جدارًا يحمي من الألم، لا سيفًا يترك أثره في الجسد والروح.
تعلّمت أنّ الصمت يفضح أحيانًا أكثر مما يفضحه الكلام، ويُربك الآخرين حين ينتظرون ردّك فلا يجدونه. في صمتك رسالة أبلغ من خطبة، وفي هدوئك قوّة تزعزع يقين من كان يظنّ أنّك ستقع في فخّ المواجهة.
الصمت، ببساطة، هو انتصار العقل على اللحظة.

#سلامًا_على_من_ظنّوا
#هاني_الميهى. ❝ ⏤هاني الميهي

❞ 📖 اسم الكتاب: سلامًا على من ظنّوا
✍️ اسم الكاتب: هانى الميهى
الفصل الثاني: الجانب الذي أخفيتُه عن نفسي
الجزء الثاني

كنتُ أظن أنّي بارع في المراوغة، أُتقن لعبة التبرير، وأجيد ارتداء الأقنعة. لكن ما لم أنتبه له أن كل قناع أرتديه كان يترك أثرًا على ملامحي، حتى بات وجهي مزدحمًا بما يشبه الندوب الخفية. لم يعد يسهل عليَّ أن أفرّق بين ما هو أنا حقًا وما هو قناع.
كنتُ أرى نفسي في مواقف الحياة اليومية: أبتسم لمن لا أحب، أُثني على ما لا أؤمن به، وأتظاهر بالتماسك وأنا على وشك الانهيار. ومع ذلك، لم يكن خوفي من أن يكتشفني الآخرون، بل من أن أكتشف أنا نفسي في لحظة ضعف، وأدرك أنني أبني عالمي على وهمٍ هش.
إنّ أخطر ما قد يواجهه المرء ليس أن يفضحه الناس، بل أن تفضحه روحه. ولقد حدث أن وقفتُ مرةً في منتصف الليل أمام المرآة، أبحث عن نفسي كمن يبحث عن غريب. شعرتُ أنني أعرف هذا الوجه وأجهله في الوقت ذاته، وكأنني أسير معه منذ سنوات دون أن أجرؤ على سؤاله: ˝من تكون؟˝.
تعلّمت أن الإنسان قد يدفن ضعفه تحت طبقاتٍ من الانشغال، يركض وراء النجاح، يملأ حياته بالآخرين، لكنه في النهاية يظل أسير مواجهة مؤجلة مع ذاته. وكلما طالت المدة، صار اللقاء أشد قسوة، وكأنك تواجه ديونًا تراكمت لسنوات طويلة.
وأدركتُ أن إخفاء الإنسان لجزءٍ من نفسه لا يُلغي وجوده، بل يجعله ينمو في الظل حتى يصير وحشًا يصعب ترويضه. وربما كان الجانب الذي أخفيتُه عن نفسي هو أكثر ما حكم حياتي دون أن أدري، لأن ما نتجاهله فينا لا يختفي، بل يختبئ في أعماقنا ويُعيد تشكيل قراراتنا بصمتٍ لا نلحظه.

#سلاما_على_من_ظنوا
#هانى_الميهى. ❝ ⏤هاني الميهي

❞ اسم الكتاب: سلامًا على من ظنّوا
اسم الكاتب: هاني الميهى
عنوان الفصل الثالث: الخيط الرفيع بين السذاجة والذكاء
الجزء: الثالث

أيها القارئ،
تعلمت أن أترك الناس يظنون بي ما يشاؤون. بعضهم وجد في صمتي دليلًا على السذاجة، وبعضهم حسب ابتسامتي غفلة، بينما كنتُ أراقبهم جميعًا بعيونٍ يقظة، أجمع التفاصيل وأرتب الخيوط.
إن أخطر ما في الأمر ليس أن يراك الآخر غافلًا، بل أن يطمئن تمامًا إلى أنك لن تفهمه أبدًا. في تلك اللحظة، يكشف أوراقه بلا حساب، ويتصرّف وكأن الساحة خالية. وهنا، بالضبط، تنقلب الموازين.
السذاجة والذكاء، في الحقيقة، متقاربان جدًا. كلاهما وجهان لحالة واحدة: إما أن تظهر ما تعرفه، أو تخفيه. لكنّ الذكاء الحق لا يحتاج إلى ضجيج. هو صبر، هو اتزان، هو انتظار اللحظة التي يُفتح فيها الباب من تلقاء نفسه.
كم من مرة صبرتُ حتى انكشفت النوايا وحدها، وكم من مرة تحملتُ سخرية العابرين لأنني لم أردّ، لكنني كنت أعلم أن الردّ سيأتي لاحقًا من الواقع لا من لساني.
ذلك الخيط الرفيع، يا صديقي، هو ما يصنع الفرق بين من يضيّع قوته في كل معركة صغيرة، ومن يحفظها لينهي حربًا كاملة بضربة واحدة.

#سلاما_على_من_ظنوا
#هانى_الميهى. ❝ ⏤هاني الميهي