█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ و من أعجب ما رأيناه في إعجاز القرآن وإحكام نظمه، أنك تحسب ألفاظه هي التي تنقاد لمعانيه.
ثم تتعرّف ذلك و تتغلغل فيه فتنتهي إلى أن معانيه منقادة لألفاظه، ثم تحسب العكس و تتعرفه متثبتا فتصير منه إلى عكس ما حسبت وما إن تزال مترددا على منازعة الجهتين كلتيهما، حتى ترده إلى الله الذي خلق في العرب فطرة اللغة، ثم أخرج من هذه اللغة ما أعجز تلك الفطرة.
لأن ذلك التوالي بين الألفاظ و معانيها. و بين المعاني وألفاظها، مما لايعرف مثله إلا في الصفات الروحية العالية.
إذ تتجاذب روحان قد ألفت بينهما حكمة الله فركّبتهما تركيبا مزجيا بحيث لا يجري حكم في هذا التجاذب على إحداهما حتى يشملها جميعاً . ❝
❞ وربما استعمل القرآن الكلمة الواحدة على منطق أهل اللغات المختلفة، فجاء بها على وجهين لمناسبة في نظمه كبراء، وبريء، فإن أهل الحجاز يقولون أنا منك براء لا يعدونها، وتميم وسائر العرب يقولون أن منك بريء واللغتان في القرآن . ❝
❞ ونحن لا نزال نذكر حديثا أطرفنا به من نحو عشرين سنة، شيخ رحالة يضرب في الأرض فإنه تحدث –وكنا من حاضري مجلسه- فذكر أنه نزل بقبيلة في حدود الصين تنتحل الإسلام –وقد ذهب عنا اسمها- فلما رأوه ينطق العربية ويقرأ القرآن، وحدثهم أنه حج البيت، وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أقبلوا عليه، واحتفلوا به، وكادوا يعبدونه، ثم ذهبوا يتشاورون في إكرامه بما هو أهله... فلم يروا أكرم عندهم من أن يذبحوه... ثم يتخذوا عليه مسجدا فيكون شيخ دينهم إلى يوم الدين، فما علم الرجل بها حتى هام على وجهه وكاد أن يهلك في مجهل من الأرض لولا أن تداركه الله بلطف من رحمته . ❝
❞ وما فرط المسلمون في آداب هذا القرآن الكريم، إلا منذ فرّطوا في لغته فأصبحوا لا يفقهون كلمته، ولا يدركون حكمه، ولا ينتزعون أخلاقه وشيمه، وصاروا إلى ما هم عليه من عربية كانت شرا من العجمة الخالصة، واللكنة الممزوجة، فلا يقرؤون من هذا الكتاب إلا أصواتا . ❝