❞ لماذا نميل إلى تكرار نفس أخطائنا ؟ أعجبني كثيرًا وصف الدكتور محمد طه في أحد كتبه، حين شبَّه تكرار الخطأ بشخص شاهد فيلم رعب، وظل طوال الفيلم متوترًا ويصرخ من شدة الصدمة، ثم بعد أن انتهى الفيلم قرر أنه يريد مشاهدته مرة أخرى! فبعض الناس – بل ربما أغلبهم – عندما يتعرضون لتجربة سيئة ومؤلمة، يميلون بطبعهم إلى تكرار تجارب مشابهة، دون أن يدركوا السبب الحقيقي وراء هذا السلوك. فعلى سبيل المثال، قد تدخل فتاة في علاقة مع شخص مؤذٍ وتخرج منها بخسائر نفسية كثيرة، ثم ترتبط بعد فترة بشخص يعاملها بنفس الطريقة. أو شخص خاض مشروعًا تجاريًا وخسر فيه، ثم بعد فترة، حين ينسى ألم الخسارة، يعيد الدخول في نفس المشروع مرة أخرى. هذا السلوك يُعرف علميًّا باسم \"التكرار القهري\" أو Repetition Compulsion. لماذا يحدث هذا أصلًا؟ 🤔 هناك تفسيرات متعددة، لكن يجب أن نتفق أولًا أنه سلوك غير صحي، ولا يعني تكراره من قبل كثيرين أنه أمر طبيعي أو صحيح. ومن أبرز التفسيرات: 1️⃣ نظرية فرويد – إعادة تمثيل الصدمة: يقول فرويد إن الإنسان – على المستوى اللاواعي – يسعى لإعادة تجربة الصدمة، في محاولة منه للسيطرة عليها. فالعقل لم يتعافَ بعد من الألم، ولذا يحاول أن يعطي صاحبه أملًا كاذبًا في أنه يستطيع تغيير النهاية هذه المرة. فمثلًا: قد تدخل فتاة في علاقة مع شخص جديد مشابه تمامًا لمن آذاها، أملًا منها أن تنتهي القصة نهاية سعيدة، لتقنع نفسها بأن \"الحياة جميلة والناس طيبون\"، ولكن – للأسف – هذا لا يحدث غالبًا. 2️⃣ الرغبة في استعادة الكرامة: عندما يتعرض الإنسان للإهانة أو العنف في طفولته – دون أن تكون لديه القدرة أو القوة للرد – فإنه حين يكبر، يسعى بشكل غير مباشر إلى \"الانتقام الرمزي\". فمثلًا، فتاة كانت تتعرض للإهانة في صغرها، قد تختار حين تكبر شريكًا ضعيف الشخصية لتسيطر عليه وتحاول أن تكون صاحبة الكلمة العليا في العلاقة. أو شاب تعرض للإذلال سابقًا، فيدخل في علاقات لا بهدف الحب، بل لإثبات قوته ورجولته، ويكون شديد الحساسية لأي نظرة توجه لزوجته، ويفتعل المشكلات فقط لإثبات أنه \"قوي\" و\"قادر على الحماية\". وغالبًا ما تفشل هذه العلاقات، أو تستمر بشكل مشوه ومليء بالصراعات. 3️⃣ التعود على الألم – المازوخية (Masochism): هناك نوع من الاضطرابات يُعرف بـ المازوخية، وهو أن يتلذذ الإنسان بالألم الواقع عليه. فالطفل الذي تربى على الإهمال والضرب، وفهم أن كل طلباته مرفوضة، يكبر وهو مقتنع أن الحياة ألم مستمر، وأن عليه أن يتحمل الإهانة في العمل والعلاقات، دون أن يدرك أن من حقه الاعتراض أو أن يعامل باحترام. وأحيانًا حتى إذا فهم ما هو الاعتراض، فإن ذاكرته المليئة بالتجارب المؤلمة تجعله يظن أن أي اعتراض سيؤدي إلى العقاب والإذلال. و لقد ركزت على العلاقات تحديدًا لأنها الأكثر شيوعًا، ولأنها تؤثر بشكل مباشر على نظرة الإنسان لنفسه، وللآخرين، وللحياة عمومًا. لكن، كيف نعالج هذا الأمر؟ ببساطة، بعد انتهاء تجربة مؤلمة، دوِّن الدروس المستفادة منها. فكل تجربة تمر بها لم تحدث عبثًا، بل أرسلها الله لك لتتعلم شيئًا كنت تجهله. صحيح أن استرجاع الألم طبيعي، لكن خصص وقتًا هادئًا لتجلس مع نفسك وتكتب ما تعلمته. فالعقل كثيرًا ما ينسى التفاصيل أو يشوهها، لذا الكتابة وسيلة لحفظ الوعي والخبرة، وستحتاجها لاحقًا. ثم، ابدأ في احترام نفسك، ولا تزد من جلد الذات. ضع أهدافًا بسيطة للفترة القادمة، مثل تعلم مهارة جديدة أو الخروج من العزلة. فالجسد كالدينامو، لا يعمل إلا بالحركة. والمعلومة المغلوطة التي يتداولها البعض أن \"الراحة الطويلة في السرير تؤدي إلى الشفاء\" غير صحيحة على الإطلاق! في العلاج النفسي نستخدم ما يُعرف بـ العلاج التكاملي، فنمزج بين عدة مدارس علاجية : 🔹 التحليل النفسي: لفهم كيف أثرت الطفولة على الحاضر. 🔹 العلاج الجدلي السلوكي (DBT): لتنظيم المشاعر وتعلم مهارات التعامل مع الضغوط. 🔹 العلاج المعرفي السلوكي (CBT): لتصحيح أخطاء التفكير بشأن الذات والعلاقات.. ❝ ⏤مجموعة من المؤلفين
❞ لماذا نميل إلى تكرار نفس أخطائنا ؟
أعجبني كثيرًا وصف الدكتور محمد طه في أحد كتبه، حين شبَّه تكرار الخطأ بشخص شاهد فيلم رعب، وظل طوال الفيلم متوترًا ويصرخ من شدة الصدمة، ثم بعد أن انتهى الفيلم قرر أنه يريد مشاهدته مرة أخرى!
فبعض الناس – بل ربما أغلبهم – عندما يتعرضون لتجربة سيئة ومؤلمة، يميلون بطبعهم إلى تكرار تجارب مشابهة، دون أن يدركوا السبب الحقيقي وراء هذا السلوك. فعلى سبيل المثال، قد تدخل فتاة في علاقة مع شخص مؤذٍ وتخرج منها بخسائر نفسية كثيرة، ثم ترتبط بعد فترة بشخص يعاملها بنفس الطريقة. أو شخص خاض مشروعًا تجاريًا وخسر فيه، ثم بعد فترة، حين ينسى ألم الخسارة، يعيد الدخول في نفس المشروع مرة أخرى.
هذا السلوك يُعرف علميًّا باسم ˝التكرار القهري˝ أو Repetition Compulsion.
لماذا يحدث هذا أصلًا؟ 🤔 هناك تفسيرات متعددة، لكن يجب أن نتفق أولًا أنه سلوك غير صحي، ولا يعني تكراره من قبل كثيرين أنه أمر طبيعي أو صحيح. ومن أبرز التفسيرات:
1️⃣ نظرية فرويد – إعادة تمثيل الصدمة:
يقول فرويد إن الإنسان – على المستوى اللاواعي – يسعى لإعادة تجربة الصدمة، في محاولة منه للسيطرة عليها. فالعقل لم يتعافَ بعد من الألم، ولذا يحاول أن يعطي صاحبه أملًا كاذبًا في أنه يستطيع تغيير النهاية هذه المرة. فمثلًا: قد تدخل فتاة في علاقة مع شخص جديد مشابه تمامًا لمن آذاها، أملًا منها أن تنتهي القصة نهاية سعيدة، لتقنع نفسها بأن ˝الحياة جميلة والناس طيبون˝، ولكن – للأسف – هذا لا يحدث غالبًا.
2️⃣ الرغبة في استعادة الكرامة:
عندما يتعرض الإنسان للإهانة أو العنف في طفولته – دون أن تكون لديه القدرة أو القوة للرد – فإنه حين يكبر، يسعى بشكل غير مباشر إلى ˝الانتقام الرمزي˝. فمثلًا، فتاة كانت تتعرض للإهانة في صغرها، قد تختار حين تكبر شريكًا ضعيف الشخصية لتسيطر عليه وتحاول أن تكون صاحبة الكلمة العليا في العلاقة. أو شاب تعرض للإذلال سابقًا، فيدخل في علاقات لا بهدف الحب، بل لإثبات قوته ورجولته، ويكون شديد الحساسية لأي نظرة توجه لزوجته، ويفتعل المشكلات فقط لإثبات أنه ˝قوي˝ و˝قادر على الحماية˝. وغالبًا ما تفشل هذه العلاقات، أو تستمر بشكل مشوه ومليء بالصراعات.
3️⃣ التعود على الألم – المازوخية (Masochism):
هناك نوع من الاضطرابات يُعرف بـ المازوخية، وهو أن يتلذذ الإنسان بالألم الواقع عليه. فالطفل الذي تربى على الإهمال والضرب، وفهم أن كل طلباته مرفوضة، يكبر وهو مقتنع أن الحياة ألم مستمر، وأن عليه أن يتحمل الإهانة في العمل والعلاقات، دون أن يدرك أن من حقه الاعتراض أو أن يعامل باحترام. وأحيانًا حتى إذا فهم ما هو الاعتراض، فإن ذاكرته المليئة بالتجارب المؤلمة تجعله يظن أن أي اعتراض سيؤدي إلى العقاب والإذلال.
و لقد ركزت على العلاقات تحديدًا لأنها الأكثر شيوعًا، ولأنها تؤثر بشكل مباشر على نظرة الإنسان لنفسه، وللآخرين، وللحياة عمومًا.
لكن، كيف نعالج هذا الأمر؟
ببساطة، بعد انتهاء تجربة مؤلمة، دوِّن الدروس المستفادة منها. فكل تجربة تمر بها لم تحدث عبثًا، بل أرسلها الله لك لتتعلم شيئًا كنت تجهله. صحيح أن استرجاع الألم طبيعي، لكن خصص وقتًا هادئًا لتجلس مع نفسك وتكتب ما تعلمته. فالعقل كثيرًا ما ينسى التفاصيل أو يشوهها، لذا الكتابة وسيلة لحفظ الوعي والخبرة، وستحتاجها لاحقًا.
ثم، ابدأ في احترام نفسك، ولا تزد من جلد الذات. ضع أهدافًا بسيطة للفترة القادمة، مثل تعلم مهارة جديدة أو الخروج من العزلة. فالجسد كالدينامو، لا يعمل إلا بالحركة. والمعلومة المغلوطة التي يتداولها البعض أن ˝الراحة الطويلة في السرير تؤدي إلى الشفاء˝ غير صحيحة على الإطلاق!
في العلاج النفسي نستخدم ما يُعرف بـ العلاج التكاملي، فنمزج بين عدة مدارس علاجية : 🔹 التحليل النفسي: لفهم كيف أثرت الطفولة على الحاضر. 🔹 العلاج الجدلي السلوكي (DBT): لتنظيم المشاعر وتعلم مهارات التعامل مع الضغوط. 🔹 العلاج المعرفي السلوكي (CBT): لتصحيح أخطاء التفكير بشأن الذات والعلاقات. ❝