❞ عمل يسير وأجر كبير
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فضل الله على خلقه
عباد الله: ربنا كريم، ومن أسمائه تعالى المنان، يمن على عباده ، ومن أسمائه البر، والبر واسع العطاء، ومن أسمائه الوهاب يعطي بلا سؤال، ومن أسمائه الشكور فيعطي الأجر الكثير على العمل القليل، وهو كريم وهاب يهب واسع الفضل والعطاء بلا حدود ، وهذا الكرم من الله يدفع المؤمن إلى المزيد والمزيد من العمل؛ لأنه إذا علم بأن ربه بهذه الأسماء وهذه الصفات فالعبد يتحفز للعمل.
جاء رجل إلى النبي ﷺ مقنع بالحديد على مشارف المعركة، فقال: يا رسول الله أسلم أو أقاتل؟ ولم يكن الرجل قد أسلم، فقال: أسلم ثم قاتلفأسلم ثم قاتل فقتل فقال النبي ﷺ: عمل قليلاً وأجر كثيراً، فإنه ليس بينه وبين الجنة إلا هذه الشهادة وهذه الشهادة، الشهادة الأولى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والشهادة الثانية هذا القتل الذي حصل في المعركة فدخل الجنة ولم يسجد لله سجدة؛ لأنه لما أسلم كان أول واجب عليه حضور هذه المعركة.
التجارة الرابحة مع الله
عباد الله: بيننا وبين الله تجارة، والتجارة مع الله ما فيها خسارة، والتجارة مع الله أرباحها مضاعفة، هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍسورة الصف10، وهذه المضاعفات إلى عشرة، إلى مائة، إلى سبعمائة، إلى أكثر من ذلك، والله يضاعف لمن يشاء، أعمال قليلة من جهة الجهد والوقت، والأجر عظيم، وقد خرج النبي ﷺ بعد أن صلى الفجر وقعد وقام ليدخل بيته فوجد جويرية رضي الله عنها من بعد الفجر جالسة كما هي، سألها: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟قالت: نعم، قال: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليومطيلة الوقت هذا الماضي لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، كم تأخذ حتى تقولها ثلاثاً يا عبد الله؟
يا مسلم: الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يصل فيه رحمه، ويعرف حق الله من جهة الزكاة، والواجبات الأخرى كفارات، نفقات، يعرف حق الله، والآخر رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً لكنه قال: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله فهما في الأجر سواء، عجيب هذا ما عنده مال، وما الذي فعله؟ نية حسنة، وقال بلسانه: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله، بنيت المساجد، ورتبت لمحفظي القرآن الرواتب، وجعلت للأسر والعوائل هذه الرواتب الشهرية، ونشرت علماً، ودعوة ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، قال: فهما في الأجر سواء، يعني من جهة الأصل، أما من جهة المضاعفة فلا شك أن الفاعل يمتاز بميزة، لكن من جهة الأصل أصل الأجر قبل المضاعفة، هما سواء ما الذي رفعه هذه الرفعة، ما الذي أعطاه هذا الأجر؟ حسن نيته، ليست قضية عسيرة، وشاقة، ولا تأخذ وقتاً، لكنها جمع القلب والرجاء من الله .
إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم شركوكم في الأجر، لماذا؟ قال: حبسهم العذر؛ لأنهم فعلاً عندهم صدق نية، لو كانوا مستطيعين لخرجوا، الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرضكم تأخذ من الجهد؟ كم تأخذ من الوقت؟ الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه يتنافس عليها بضع وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً، عبد قالها مرة مؤتجراً مخلصاً يبتغي وجه الله، تنافس عليها أكثر من ثلاثين ملكاً أيهم يكتبها أولاً، ما هذا الكرم ما هذا الشرف، الله يرسل ملائكته من أجلنا، لتكتب أعمالنا، وترفع أقوالنا، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُسورة فاطر10.
عباد الله: ماذا يأخذ من الوقت والجهد أن يقول الإنسان بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، لكن ماذا له؟ تفتح أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل، تفتح أبواب الجنة الثمانية، الجنة التي عرضها السماوات والأرض، الثمانية كلها تفتح لأجل أنه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله بعد الوضوء، ما أكرمه ما أوهبه، ما أبره، ما أمنه سبحانه.
عباد الله: عندما يقول نبينا ﷺ: من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم ذنبه، كلمة (آمين) كم تأخذ لتقال؟ كم ثانية؟ آمين المد الطبيعي حركتين (آ) (مين) ست حركات، كم تأخذ حتى تقال؟ من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، على كلمة واحدة إذا قال الإمام في الأرض: آمين، قالت الملائكة في السماء: آمين، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة، لكن بعض الناس يشرد ذهنه فيفوته أجر عظيم، أو لا يقولها في الوقت الذي من السنة أن تقال فيه، أو يمد أكثر أو يقصر أكثر، من وافق تأمينه تأمين الملائكة.
يا مسلمون: والله إنها أعمال يسيرة وأجور عظيمة، وهكذا نجد أن النبي ﷺ يعلمنا أن بقيام ليلة القدر، اللهم بلغنا ليلة القدر، اللهم بلغنا رمضان، اللهم منَّ علينا ببلوغ رمضان، وأن نصوم ونقوم ونعبد كما تحب وترضى، قيام ليلة واحدة، الليلة كم يعني؟ عشر ساعات؟ إحدى عشر ساعة؟ اثنا عشر ساعة؟ ثم تقوم بعد صلاة العشاء، قيام ليلة ولا يشترط أن تقوم كل الليل، قيام ليلة أكثر من أجر عبادة ثلاثة وثمانين سنة، هل هناك كرم بعد هذا.
عباد الله: صيام يوم واحد، يوم عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين، والصيام كم ساعة؟ اثنا عشر ساعة، ثلاثة عشر ساعة، يكفر سنتين، إذا كان هذا في صيام النافلة عاشوراء وعرفة، يا ترى رمضان الواجب الفرض الركن كم يكفر.
أيها المسلمون: بالوضوء تخرج الخطايا حتى تخرج آخر خطيئة مع آخر قطرة ماء، لمن نوى واحتسب، وأتقن الوضوء، وكذلك نجد أنه إذا قعد بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد ارتفاعها صلى ركعتين، بعد الفجر إلى طلوع الشمس كم الوقت؟ كم ستجلس؟ ساعة ونصف، أجر حجة أجر عمرة تامة تامة تامة..
يا مسلم: عندما تذهب وأنت هنا إلى الحرم لتصلي فريضة واحدة كم يأخذ منك من الوقت والجهد؟ لكن يكتب الله لك بها مائة ألف صلاة من الصلاة في المساجد الأخرى، مائة ألف، وفي النبوي ألف، وصلاة ركعتين في مسجد قباء تعدل عمرة، الله أكبر، صلاة ركعتين كم تأخذ من الوقت في مسجد قباء تعدل عمرة، تشد الرحال إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، فإذا صرت في المدينة كان قباء بجانبك.
أيها المسلمون: عندما يقول ربنا : فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُسورة الزلزلة7، يعني: أن هذه الذرة الهباء الصغيرة جداً لا تضيع، حتى هذه لا تضيع، ولذلك لما جاءت مسكينة أو مسكين إلى عائشة وكان عندها عنقود عنب فأخذت حبات من العنب وأعطتها للمسكين حبات قليلة، تعجبت بعض النسوة عندها، فقالت عائشة لهن: تتعجبن تضحكن كم في هذه الحبات من مثاقيل الذر.
وهكذا سعد الصحابي لما جاء سائل وأعطاه تمرتين، وقبض يده، قال له: إن في التمرتين مثاقيل ذر كثيرة.
اللهم إنا نسألك أن توفقنا إلى ما تحب وترضى، وأن ترزقنا الاستمساك بالعروة الوثقى، أكرمنا يا كريم، ومن علينا يا منان، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله والرحمة المهداة الشافع المشفع يوم الدين، وحامل لواء الحمد في العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته وخلفائه وأزواجه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك وزد على عبدك ونبيك إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين سيدنا وحبيبنا وأسوتنا وقدوتنا، صل عليه وسلم صلاة تامة إلى يوم الدين.
عباد الله:
أسس وقواعد التجارة مع الله
الله يعامل عباده على أسس، التجارة مع الله لها شروط فيها بنود، فيها عقد، ومن أدرك شروط العقد حاز الأرباح العظيمة من وراء هذا العقد:
أولاً: لا أجر بلا توحيد، فإذا كان العبد موحداً لله نال الأجور العظيمة؛ لأن الأساس موجود، فالبناء عليه سهل، ويتصاعد بسرعة، فإذا كان أساسك قوياً كان البنيان عالياً مرتفعاً، ولذلك مهما عمل الكافر والمشرك من الأعمال الخيرية ليس له مقابل عليها في الآخرة يأخذه في الدنيا الآن، أولاد، صحة، منصب، شهرة، مال، يأخذه في الدنيا، حتى الكافر لو عمل أعمال خيرية يعطيه، لكن لا يعطيه في الآخرة؛ لأن سلعة الله غالية، والجنة لا يعطيها لكافر ولا مشرك، لا للشرك الأكبر ولا الأصغر ولا الخفي، اجتنبوا الشرك، يوم القيامة الكافر مهما كان عنده من أعمال خيرية، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًاسورة الفرقان23، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍسورة النور39 كسراب.
ثانياً: لا أجر بلا عمل، فالذين لا يعملون بماذا سيؤجرون، والأعمال منها أعمال قلب ومنها أعمال جوارح، وينبغي التفطن لهذا؛ لأن أعمال القلب فيها أجور عظيمة، الخشية، والإخلاص، والحياء من الله، والتوكل عليه، والخوف منه، ورجاء ثوابه، أعمال القلب عظيمة، وكذلك أعمال الجوارح، وهذه دليل على صحة هذه.
أيها المسلمون: إن من قواعد التعامل بين الله وخلقه أن الله يضاعف الأجر، والمضاعفة قال بعض العلماء: من خصائص هذه الأمة، يعني لم يكن العالمين في الأمم من قبلنا مثلنا في المضاعفة إلى مائة إلى سبعمائة إلى أضعاف أخرى، وهذا من منة الله علينا، احمد ربك أنه جعلك في هذه الأمة، ولم تكن في أمم سابقة، شرف وفخر أن نكون من أمة محمد بن عبد الله ﷺ فلا ذوبان في أعمال الكفار، وشخصيات الكفار، وأنظمة الكفار، نحن أمة مستقلة لنا تاريخ، لنا قائد، لنا كتاب، لنا دستور، لنا شخصية مستقلة واضحة بعقيدتها، وأخلاقها، وعباداتها.
أيها المسلمون: إنه لا بد من الإخلاص في العمل، ولو حصل رياء أو سمعة ذهب العمل، بل إنه جاء في الحديث أن من سمَّع سمَّع الله به يوم القيامة مسامع خلقه، وصغره وحقره؛ لأنه في الدنيا كان يريد الهالات الإعلامية، كان يريد الفخر، كان يريد الاستعلاء على العباد، كان يريد الشهرة، ما كان يريد وجه الله، فلا بد من الحذر من محبطات الأعمال؛ كالمن، والعجب، والرياء، ومنقصات الأعمال، مثل من اتخذ كلباً دون حاجة نقص من أجره كل يوم قيراطين.
كلما كان العمل أكثر نفعاً كلما كان أكثر أجراً، فالأعمال متعدية النفع؛ كالعلم، والدعوة إلى الله أجورها كبيرة جداً.
التحسر على فوات الأجر لو فاتتك جماعة المسجد، مثلاً التحسر على فوات الأجر يمكن أن ينتج أجراً؛ لأنه دليل الصدق.
الفاعل المباشر لا شك أنه أعظم أجراً ممن نوى فقط، ولكن من رحمة الله وكرم الله، أنه ينزل العاجز منزلة الفاعل في الأجر مع أنه ما عمل، لماذا؟ لأنه كان له عادة، ولذلك إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً، فمن رحمة الله وكرم الله أنه نزَّل العاجز منزلة الفاعل على حسب عادته التي كان عليها قبل أن يصاب بالعجز.
هذه التعويضات، لا تعويضات وقوانين الأرض هذه أعظم بكثير يا مسلم، يا عبد الله: المسلم يؤجر على الفعل والترك، حتى من كف شره عن الناس له أجر، فالترك لله يؤجر عليه وليس فقط الفعل لله، يؤجر على المباحات بحسن النية، لكن ليس هذا كل عمل المسلم أن يقول: أنام بنية الاستعانة، وآكل بنية الاستعانة على العبادة، وأستروح بنية الاستعانة، بقية العبادة، الاسترواحات بالنية الحسنة لها أجر، لكن بقي الشيء الذي من أجله استروحت لا تنسه.
كلما اشتدت المشقة عظم الأجر، لكن المشقة لا تتقصد، فالإنسان إذا كان عنده طريق صعب وطريق سهل إلى مكة لا يذهب من الطريق الصعب، الأجر لا يكتب على مشقة متعمدة منك، لكن إذا حصلت المشقة فذهبت إلى مكة فازدحم الطريق فأخذ وقتاً مضاعفاً قدر من الله عند ذلك يضاعف الأجر أجرك على قدر نصبك.
والأعمال الموافقة للسنة أجرها أكبر من أعمال أطول أو أشق، فمثلاً قصر الصلاة للمسافر أكثر أجراً من إتمامه لها، مع أن هذه اثنتين وهذه أربع، تخفيف سنة الفجر أكثر أجراً من تطويلها لماذا؟ لأنها سنة محمد ﷺ، بينما نجد من السنة في صلاة الفجر يوم الجمعة قراءة السجدة والإنسان وتأخذ وقتاً وجهداً، فإذن الشأن هو اتباع السنة سواءً ازدادت المشقة أو نقصت، المشي في الظلمات إلى المساجد الفجر والعشاء فيه أجر لمشقة الظلمة، ولا تزيلها الكهرباء كما قال العلماء، ولله الحمد، الأجر ما زال موجوداً في مشيك للفجر والعشاء حتى في هذا الزمان.
أيها المسلمون: الأكل من الأضحية والصدقة بالباقي أفضل من الصدقة بكل الأضحية؛ لأن من السنة الأكل من الأضحية ولو لقيمات، وهكذا نجد أن تكفير السيئات منصب على الصغائر؛ لأن الكبائر تحتاج إلى توبة خاصة، ونجده في كل حديث في غفر له يعني الصغائر، ولذلك لا بد من الانتباه للكبائر.
تعدد الأعمال وتعدد الأجور
ماذا تريد يا عبد الله من أنواع الأجور والميزات فهو موجود، تريد مغفرة الذنوب هناك أعمال لها، تريد نيل محبة الله هناك أعمال لها، تريد مرافقة النبي ﷺ والقرب منه فالذي يكفل يتيماً ويعول أرملة يكون بالقرب من النبي ﷺ في الجنة.
ثم ماذا تريد يا عبد الله من أنواع الأجور والميزات فهو موجود، تريد مغفرة الذنوب هناك أعمال لها، تريد نيل محبة الله هناك أعمال لها، تريد مرافقة النبي ﷺ والقرب منه فالذي يكفل يتيماً ويعول أرملة يكون بالقرب من النبي ﷺ في الجنة، هلا رأيت قضية استعراض النساء لاختيار الأجمل، من كظم غيظاً أنت تكون في الطريق في السيارة يعاكسك شخص، من كظم غيظاً ولو شاء أن ينفذه أنفذه ما عنده عجز يخيره الله من الحور العين يوم القيامة ما شاء، تكظم غيظاً عن خادم، عن سائق، عن مخطئ، عن إنسان تجاوز عليك، كظم غيظاً، هذه قضية اختيار الأجمل من النساء، تريد رفع المنزلة تواضع لله، تريد طول العمر وسعة الرزق صل رحمك، تريد أن تكون في حراسة الله صل الفجر، تريد أن تصلي عليك الملائكة صل على النبي ﷺ، انتظر في المسجد من المغرب إلى العشاء، رابط من صلاة إلى صلاة، الملائكة طيلة الوقت وأنت جالس تستغفر لك، تريد قصراً في الجنة اقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌسورة الإخلاص1عشر مرات يبنى لك قصر في الجنة، وهكذا تريد السلامة من حر النار والموقف أنظر معسراً، تريد العتق من النار ذب عن عرض أخيك في مجلس، كل شيء بمقابل، ما في أشياء تضيع عند الله فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُسورة الزلزلة8.
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، واجعلنا من أهله يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا الذنوب والسيئات، وكفر عنا الزلات، وضاعف لنا الحسنات، اللهم إنا نسألك أن تجعل أعمالنا خالصة لوجهك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك في يومنا هذا رحمة تلم بها شعثنا، وتغفر بها ذنبنا، وترفع بها شاهدنا، وتثقل بها موازيننا، وتغفر بها لموتانا، وتشفي بها مرضانا، وتهدي بها ضالنا، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم إنا نسألك المغفرة لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا عيباً إلا سترته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، يا أرحم الراحمين يا أكرم الأكرمين بلغنا رمضان وأعتقنا فيه من النيران، وأعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
1 - رواه البخاري2808
2 - رواه مسلم2726
3 - رواه ابن ماجه4228
4 - رواه البخاري4423
5 - رواه مسلم223
6 - رواه البخاري780 ومسلم410
7 - رواه الترمذي586
8 - رواه البخاري2996
9 - رواه بمعناه مسلم 1211
10 - رواه الترمذي2021. ❝ ⏤لا حول ولا قوة الا بالله
❞ عمل يسير وأجر كبير
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فضل الله على خلقه
عباد الله: ربنا كريم، ومن أسمائه تعالى المنان، يمن على عباده ، ومن أسمائه البر، والبر واسع العطاء، ومن أسمائه الوهاب يعطي بلا سؤال، ومن أسمائه الشكور فيعطي الأجر الكثير على العمل القليل، وهو كريم وهاب يهب واسع الفضل والعطاء بلا حدود ، وهذا الكرم من الله يدفع المؤمن إلى المزيد والمزيد من العمل؛ لأنه إذا علم بأن ربه بهذه الأسماء وهذه الصفات فالعبد يتحفز للعمل.
جاء رجل إلى النبي ﷺ مقنع بالحديد على مشارف المعركة، فقال: يا رسول الله أسلم أو أقاتل؟ ولم يكن الرجل قد أسلم، فقال: أسلم ثم قاتلفأسلم ثم قاتل فقتل فقال النبي ﷺ: عمل قليلاً وأجر كثيراً، فإنه ليس بينه وبين الجنة إلا هذه الشهادة وهذه الشهادة، الشهادة الأولى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والشهادة الثانية هذا القتل الذي حصل في المعركة فدخل الجنة ولم يسجد لله سجدة؛ لأنه لما أسلم كان أول واجب عليه حضور هذه المعركة.
التجارة الرابحة مع الله
عباد الله: بيننا وبين الله تجارة، والتجارة مع الله ما فيها خسارة، والتجارة مع الله أرباحها مضاعفة، هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍسورة الصف10، وهذه المضاعفات إلى عشرة، إلى مائة، إلى سبعمائة، إلى أكثر من ذلك، والله يضاعف لمن يشاء، أعمال قليلة من جهة الجهد والوقت، والأجر عظيم، وقد خرج النبي ﷺ بعد أن صلى الفجر وقعد وقام ليدخل بيته فوجد جويرية رضي الله عنها من بعد الفجر جالسة كما هي، سألها: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟قالت: نعم، قال: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليومطيلة الوقت هذا الماضي لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، كم تأخذ حتى تقولها ثلاثاً يا عبد الله؟
يا مسلم: الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يصل فيه رحمه، ويعرف حق الله من جهة الزكاة، والواجبات الأخرى كفارات، نفقات، يعرف حق الله، والآخر رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً لكنه قال: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله فهما في الأجر سواء، عجيب هذا ما عنده مال، وما الذي فعله؟ نية حسنة، وقال بلسانه: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله، بنيت المساجد، ورتبت لمحفظي القرآن الرواتب، وجعلت للأسر والعوائل هذه الرواتب الشهرية، ونشرت علماً، ودعوة ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، قال: فهما في الأجر سواء، يعني من جهة الأصل، أما من جهة المضاعفة فلا شك أن الفاعل يمتاز بميزة، لكن من جهة الأصل أصل الأجر قبل المضاعفة، هما سواء ما الذي رفعه هذه الرفعة، ما الذي أعطاه هذا الأجر؟ حسن نيته، ليست قضية عسيرة، وشاقة، ولا تأخذ وقتاً، لكنها جمع القلب والرجاء من الله .
إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم شركوكم في الأجر، لماذا؟ قال: حبسهم العذر؛ لأنهم فعلاً عندهم صدق نية، لو كانوا مستطيعين لخرجوا، الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرضكم تأخذ من الجهد؟ كم تأخذ من الوقت؟ الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه يتنافس عليها بضع وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً، عبد قالها مرة مؤتجراً مخلصاً يبتغي وجه الله، تنافس عليها أكثر من ثلاثين ملكاً أيهم يكتبها أولاً، ما هذا الكرم ما هذا الشرف، الله يرسل ملائكته من أجلنا، لتكتب أعمالنا، وترفع أقوالنا، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُسورة فاطر10.
عباد الله: ماذا يأخذ من الوقت والجهد أن يقول الإنسان بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، لكن ماذا له؟ تفتح أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل، تفتح أبواب الجنة الثمانية، الجنة التي عرضها السماوات والأرض، الثمانية كلها تفتح لأجل أنه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله بعد الوضوء، ما أكرمه ما أوهبه، ما أبره، ما أمنه سبحانه.
عباد الله: عندما يقول نبينا ﷺ: من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم ذنبه، كلمة (آمين) كم تأخذ لتقال؟ كم ثانية؟ آمين المد الطبيعي حركتين (آ) (مين) ست حركات، كم تأخذ حتى تقال؟ من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، على كلمة واحدة إذا قال الإمام في الأرض: آمين، قالت الملائكة في السماء: آمين، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة، لكن بعض الناس يشرد ذهنه فيفوته أجر عظيم، أو لا يقولها في الوقت الذي من السنة أن تقال فيه، أو يمد أكثر أو يقصر أكثر، من وافق تأمينه تأمين الملائكة.
يا مسلمون: والله إنها أعمال يسيرة وأجور عظيمة، وهكذا نجد أن النبي ﷺ يعلمنا أن بقيام ليلة القدر، اللهم بلغنا ليلة القدر، اللهم بلغنا رمضان، اللهم منَّ علينا ببلوغ رمضان، وأن نصوم ونقوم ونعبد كما تحب وترضى، قيام ليلة واحدة، الليلة كم يعني؟ عشر ساعات؟ إحدى عشر ساعة؟ اثنا عشر ساعة؟ ثم تقوم بعد صلاة العشاء، قيام ليلة ولا يشترط أن تقوم كل الليل، قيام ليلة أكثر من أجر عبادة ثلاثة وثمانين سنة، هل هناك كرم بعد هذا.
عباد الله: صيام يوم واحد، يوم عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين، والصيام كم ساعة؟ اثنا عشر ساعة، ثلاثة عشر ساعة، يكفر سنتين، إذا كان هذا في صيام النافلة عاشوراء وعرفة، يا ترى رمضان الواجب الفرض الركن كم يكفر.
أيها المسلمون: بالوضوء تخرج الخطايا حتى تخرج آخر خطيئة مع آخر قطرة ماء، لمن نوى واحتسب، وأتقن الوضوء، وكذلك نجد أنه إذا قعد بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد ارتفاعها صلى ركعتين، بعد الفجر إلى طلوع الشمس كم الوقت؟ كم ستجلس؟ ساعة ونصف، أجر حجة أجر عمرة تامة تامة تامة.
يا مسلم: عندما تذهب وأنت هنا إلى الحرم لتصلي فريضة واحدة كم يأخذ منك من الوقت والجهد؟ لكن يكتب الله لك بها مائة ألف صلاة من الصلاة في المساجد الأخرى، مائة ألف، وفي النبوي ألف، وصلاة ركعتين في مسجد قباء تعدل عمرة، الله أكبر، صلاة ركعتين كم تأخذ من الوقت في مسجد قباء تعدل عمرة، تشد الرحال إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، فإذا صرت في المدينة كان قباء بجانبك.
أيها المسلمون: عندما يقول ربنا : فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُسورة الزلزلة7، يعني: أن هذه الذرة الهباء الصغيرة جداً لا تضيع، حتى هذه لا تضيع، ولذلك لما جاءت مسكينة أو مسكين إلى عائشة وكان عندها عنقود عنب فأخذت حبات من العنب وأعطتها للمسكين حبات قليلة، تعجبت بعض النسوة عندها، فقالت عائشة لهن: تتعجبن تضحكن كم في هذه الحبات من مثاقيل الذر.
وهكذا سعد الصحابي لما جاء سائل وأعطاه تمرتين، وقبض يده، قال له: إن في التمرتين مثاقيل ذر كثيرة.
اللهم إنا نسألك أن توفقنا إلى ما تحب وترضى، وأن ترزقنا الاستمساك بالعروة الوثقى، أكرمنا يا كريم، ومن علينا يا منان، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله والرحمة المهداة الشافع المشفع يوم الدين، وحامل لواء الحمد في العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته وخلفائه وأزواجه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك وزد على عبدك ونبيك إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين سيدنا وحبيبنا وأسوتنا وقدوتنا، صل عليه وسلم صلاة تامة إلى يوم الدين.
عباد الله:
أسس وقواعد التجارة مع الله
الله يعامل عباده على أسس، التجارة مع الله لها شروط فيها بنود، فيها عقد، ومن أدرك شروط العقد حاز الأرباح العظيمة من وراء هذا العقد:
أولاً: لا أجر بلا توحيد، فإذا كان العبد موحداً لله نال الأجور العظيمة؛ لأن الأساس موجود، فالبناء عليه سهل، ويتصاعد بسرعة، فإذا كان أساسك قوياً كان البنيان عالياً مرتفعاً، ولذلك مهما عمل الكافر والمشرك من الأعمال الخيرية ليس له مقابل عليها في الآخرة يأخذه في الدنيا الآن، أولاد، صحة، منصب، شهرة، مال، يأخذه في الدنيا، حتى الكافر لو عمل أعمال خيرية يعطيه، لكن لا يعطيه في الآخرة؛ لأن سلعة الله غالية، والجنة لا يعطيها لكافر ولا مشرك، لا للشرك الأكبر ولا الأصغر ولا الخفي، اجتنبوا الشرك، يوم القيامة الكافر مهما كان عنده من أعمال خيرية، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًاسورة الفرقان23، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍسورة النور39 كسراب.
ثانياً: لا أجر بلا عمل، فالذين لا يعملون بماذا سيؤجرون، والأعمال منها أعمال قلب ومنها أعمال جوارح، وينبغي التفطن لهذا؛ لأن أعمال القلب فيها أجور عظيمة، الخشية، والإخلاص، والحياء من الله، والتوكل عليه، والخوف منه، ورجاء ثوابه، أعمال القلب عظيمة، وكذلك أعمال الجوارح، وهذه دليل على صحة هذه.
أيها المسلمون: إن من قواعد التعامل بين الله وخلقه أن الله يضاعف الأجر، والمضاعفة قال بعض العلماء: من خصائص هذه الأمة، يعني لم يكن العالمين في الأمم من قبلنا مثلنا في المضاعفة إلى مائة إلى سبعمائة إلى أضعاف أخرى، وهذا من منة الله علينا، احمد ربك أنه جعلك في هذه الأمة، ولم تكن في أمم سابقة، شرف وفخر أن نكون من أمة محمد بن عبد الله ﷺ فلا ذوبان في أعمال الكفار، وشخصيات الكفار، وأنظمة الكفار، نحن أمة مستقلة لنا تاريخ، لنا قائد، لنا كتاب، لنا دستور، لنا شخصية مستقلة واضحة بعقيدتها، وأخلاقها، وعباداتها.
أيها المسلمون: إنه لا بد من الإخلاص في العمل، ولو حصل رياء أو سمعة ذهب العمل، بل إنه جاء في الحديث أن من سمَّع سمَّع الله به يوم القيامة مسامع خلقه، وصغره وحقره؛ لأنه في الدنيا كان يريد الهالات الإعلامية، كان يريد الفخر، كان يريد الاستعلاء على العباد، كان يريد الشهرة، ما كان يريد وجه الله، فلا بد من الحذر من محبطات الأعمال؛ كالمن، والعجب، والرياء، ومنقصات الأعمال، مثل من اتخذ كلباً دون حاجة نقص من أجره كل يوم قيراطين.
كلما كان العمل أكثر نفعاً كلما كان أكثر أجراً، فالأعمال متعدية النفع؛ كالعلم، والدعوة إلى الله أجورها كبيرة جداً.
التحسر على فوات الأجر لو فاتتك جماعة المسجد، مثلاً التحسر على فوات الأجر يمكن أن ينتج أجراً؛ لأنه دليل الصدق.
الفاعل المباشر لا شك أنه أعظم أجراً ممن نوى فقط، ولكن من رحمة الله وكرم الله، أنه ينزل العاجز منزلة الفاعل في الأجر مع أنه ما عمل، لماذا؟ لأنه كان له عادة، ولذلك إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً، فمن رحمة الله وكرم الله أنه نزَّل العاجز منزلة الفاعل على حسب عادته التي كان عليها قبل أن يصاب بالعجز.
هذه التعويضات، لا تعويضات وقوانين الأرض هذه أعظم بكثير يا مسلم، يا عبد الله: المسلم يؤجر على الفعل والترك، حتى من كف شره عن الناس له أجر، فالترك لله يؤجر عليه وليس فقط الفعل لله، يؤجر على المباحات بحسن النية، لكن ليس هذا كل عمل المسلم أن يقول: أنام بنية الاستعانة، وآكل بنية الاستعانة على العبادة، وأستروح بنية الاستعانة، بقية العبادة، الاسترواحات بالنية الحسنة لها أجر، لكن بقي الشيء الذي من أجله استروحت لا تنسه.
كلما اشتدت المشقة عظم الأجر، لكن المشقة لا تتقصد، فالإنسان إذا كان عنده طريق صعب وطريق سهل إلى مكة لا يذهب من الطريق الصعب، الأجر لا يكتب على مشقة متعمدة منك، لكن إذا حصلت المشقة فذهبت إلى مكة فازدحم الطريق فأخذ وقتاً مضاعفاً قدر من الله عند ذلك يضاعف الأجر أجرك على قدر نصبك.
والأعمال الموافقة للسنة أجرها أكبر من أعمال أطول أو أشق، فمثلاً قصر الصلاة للمسافر أكثر أجراً من إتمامه لها، مع أن هذه اثنتين وهذه أربع، تخفيف سنة الفجر أكثر أجراً من تطويلها لماذا؟ لأنها سنة محمد ﷺ، بينما نجد من السنة في صلاة الفجر يوم الجمعة قراءة السجدة والإنسان وتأخذ وقتاً وجهداً، فإذن الشأن هو اتباع السنة سواءً ازدادت المشقة أو نقصت، المشي في الظلمات إلى المساجد الفجر والعشاء فيه أجر لمشقة الظلمة، ولا تزيلها الكهرباء كما قال العلماء، ولله الحمد، الأجر ما زال موجوداً في مشيك للفجر والعشاء حتى في هذا الزمان.
أيها المسلمون: الأكل من الأضحية والصدقة بالباقي أفضل من الصدقة بكل الأضحية؛ لأن من السنة الأكل من الأضحية ولو لقيمات، وهكذا نجد أن تكفير السيئات منصب على الصغائر؛ لأن الكبائر تحتاج إلى توبة خاصة، ونجده في كل حديث في غفر له يعني الصغائر، ولذلك لا بد من الانتباه للكبائر.
تعدد الأعمال وتعدد الأجور
ماذا تريد يا عبد الله من أنواع الأجور والميزات فهو موجود، تريد مغفرة الذنوب هناك أعمال لها، تريد نيل محبة الله هناك أعمال لها، تريد مرافقة النبي ﷺ والقرب منه فالذي يكفل يتيماً ويعول أرملة يكون بالقرب من النبي ﷺ في الجنة.
ثم ماذا تريد يا عبد الله من أنواع الأجور والميزات فهو موجود، تريد مغفرة الذنوب هناك أعمال لها، تريد نيل محبة الله هناك أعمال لها، تريد مرافقة النبي ﷺ والقرب منه فالذي يكفل يتيماً ويعول أرملة يكون بالقرب من النبي ﷺ في الجنة، هلا رأيت قضية استعراض النساء لاختيار الأجمل، من كظم غيظاً أنت تكون في الطريق في السيارة يعاكسك شخص، من كظم غيظاً ولو شاء أن ينفذه أنفذه ما عنده عجز يخيره الله من الحور العين يوم القيامة ما شاء، تكظم غيظاً عن خادم، عن سائق، عن مخطئ، عن إنسان تجاوز عليك، كظم غيظاً، هذه قضية اختيار الأجمل من النساء، تريد رفع المنزلة تواضع لله، تريد طول العمر وسعة الرزق صل رحمك، تريد أن تكون في حراسة الله صل الفجر، تريد أن تصلي عليك الملائكة صل على النبي ﷺ، انتظر في المسجد من المغرب إلى العشاء، رابط من صلاة إلى صلاة، الملائكة طيلة الوقت وأنت جالس تستغفر لك، تريد قصراً في الجنة اقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌسورة الإخلاص1عشر مرات يبنى لك قصر في الجنة، وهكذا تريد السلامة من حر النار والموقف أنظر معسراً، تريد العتق من النار ذب عن عرض أخيك في مجلس، كل شيء بمقابل، ما في أشياء تضيع عند الله فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُسورة الزلزلة8.
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، واجعلنا من أهله يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا الذنوب والسيئات، وكفر عنا الزلات، وضاعف لنا الحسنات، اللهم إنا نسألك أن تجعل أعمالنا خالصة لوجهك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك في يومنا هذا رحمة تلم بها شعثنا، وتغفر بها ذنبنا، وترفع بها شاهدنا، وتثقل بها موازيننا، وتغفر بها لموتانا، وتشفي بها مرضانا، وتهدي بها ضالنا، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم إنا نسألك المغفرة لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا عيباً إلا سترته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، يا أرحم الراحمين يا أكرم الأكرمين بلغنا رمضان وأعتقنا فيه من النيران، وأعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
❞ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
قوله تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف روي أنهم قوم من أبناء أشراف مدينة دقيوس الملك الكافر ، ويقال فيه دقينوس . وروي أنهم كانوا مطوقين مسورين بالذهب ذوي ذوائب ، وهم من الروم واتبعوا دين عيسى . وقيل : كانوا قبل عيسى ، والله أعلم . وقال ابن عباس : إن ملكا من الملوك يقال له دقيانوس ظهر على مدينة من مدائن الروم يقال لها أفسوس . وقيل هي طرسوس وكان بعد زمن عيسى - عليه السلام - فأمر بعبادة الأصنام فدعا أهلها إلى عبادة الأصنام ، وكان بها سبعة أحداث يعبدون الله سرا ، فرفع خبرهم إلى الملك وخافوه فهربوا ليلا ، ومروا براع معه كلب فتبعهم فأووا إلى الكهف فتبعهم الملك إلى فم الغار ، فوجد أثر دخولهم ولم يجد أثر خروجهم ، فدخلوا فأعمى الله أبصارهم فلم يروا شيئا ; فقال الملك : سدوا عليهم باب الغار حتى يموتوا فيه جوعا وعطشا . وروى مجاهد عن ابن عباس أيضا أن هؤلاء الفتية كانوا في دين ملك يعبد الأصنام ويذبح لها ويكفر بالله ، وقد تابعه على ذلك أهل المدينة ، فوقع للفتية علم من بعض الحواريين - حسبما ذكر النقاش أو من مؤمني الأمم قبلهم - فآمنوا بالله ورأوا ببصائرهم قبيح فعل الناس ، فأخذوا نفوسهم بالتزام الدين وعبادة الله ; فرفع أمرهم إلى الملك وقيل له : إنهم قد فارقوا دينك واستخفوا آلهتك وكفروا بها ، فاستحضرهم الملك إلى مجلسه وأمرهم باتباع دينه والذبح لآلهته ، وتوعدهم على فراق ذلك بالقتل ; فقالوا له فيما روي : ربنا رب السماوات والأرض - إلى قوله - وإذ اعتزلتموهم وروي أنهم قالوا نحو هذا الكلام وليس به ، فقال لهم الملك : إنكم شبان أغمار لا عقول لكم ، وأنا لا أعجل بكم بل أستأني فاذهبوا إلى منازلكم ودبروا رأيكم وارجعوا إلى أمري ، وضرب لهم في ذلك أجلا ، ثم إنه خلال الأجل فتشاور الفتية في الهروب بأديانهم ، فقال لهم أحدهم : إني أعرف كهفا في جبل كذا ، وكان أبي يدخل فيه غنمه فلنذهب فلنختف فيه حتى يفتح الله لنا ; فخرجوا فيما روي يلعبون بالصولجان والكرة ، وهم يدحرجونها إلى نحو طريقهم لئلا يشعر الناس بهم . وروي أنهم كانوا مثقفين فحضر عيد خرجوا إليه فركبوا في جملة الناس ، ثم أخذوا باللعب بالصولجان حتى خلصوا بذلك . وروى وهب بن منبه أن أول أمرهم إنما كان حواري لعيسى ابن مريم جاء إلى مدينة أصحاب الكهف يريد دخولها ، فأجر نفسه من صاحب الحمام وكان يعمل فيه ، فرأى صاحب الحمام في أعماله بركة عظيمة ، فألقى إليه بكل أمره ، وعرف ذلك الرجل فتيان من المدينة فعرفهم الله - تعالى - فآمنوا به واتبعوه على دينه ، واشتهرت خلطتهم به ; فأتى يوما إلى ذلك الحمام ولد الملك بامرأة أراد الخلوة بها ، فنهاه ذلك الحواري فانتهى ، ثم جاء مرة أخرى فنهاه فشتمه ، وأمضى عزمه في دخول الحمام مع البغي ، فدخل فماتا فيه جميعا ; فاتهم ذلك الحواري وأصحابه بقتلهما ; ففروا جميعا حتى دخلوا الكهف . وقيل في خروجهم غير هذا .
وأما الكلب فروي أنه كان كلب صيد لهم ، وروي أنهم وجدوا في طريقهم راعيا له كلب فاتبعهم الراعي على رأيهم وذهب الكلب معهم ; قاله ابن عباس . واسم الكلب حمران وقيل قطمير .
وأما أسماء أهل الكهف فأعجمية ، والسند في معرفتها واه . والذي ذكره الطبري هي هذه : مكسلمينا وهو أكبرهم والمتكلم عنهم ، ومحسيميلنينا ويمليخا ، وهو الذي مضى بالورق إلى المدينة عند بعثهم من رقدتهم ، ومرطوس وكشوطوش ودينموس ويطونس وبيرونس . قال مقاتل : وكان الكلب لمكسلمينا ، وكان أسنهم وصاحب غنم .
الثانية : هذه الآية صريحة في الفرار بالدين وهجرة الأهل والبنين والقرابات والأصدقاء والأوطان والأموال خوف الفتنة وما يلقاه الإنسان من المحنة . وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فارا بدينه ، وكذلك أصحابه ، وجلس في الغار حسبما تقدم في سورة " النحل " . وقد نص الله - تعالى - على ذلك في " براءة " وقد تقدم . وهجروا أوطانهم وتركوا أرضهم وديارهم وأهاليهم وأولادهم وقراباتهم وإخوانهم ، رجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين . فسكنى الجبال ودخول الغيران ، والعزلة عن الخلق والانفراد بالخالق ، وجواز الفرار من الظالم هي سنة الأنبياء - صلوات الله عليهم - والأولياء . وقد فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العزلة ، وفضلها جماعة العلماء لا سيما عند ظهور الفتن وفساد الناس ، وقد نص الله - تعالى - عليها في كتابه فقال : فأووا إلى الكهف .
قال العلماء الاعتزال عن الناس يكون مرة في الجبال والشعاب ، ومرة في السواحل والرباط ، ومرة في البيوت ; وقد جاء في الخبر : إذا كانت الفتنة فأخف مكانك وكف لسانك . ولم يخص موضعا من موضع . وقد جعلت طائفة من العلماء العزلة اعتزال الشر وأهله بقلبك وعملك ، إن كنت بين أظهرهم . وقال ابن المبارك في تفسير العزلة : أن تكون مع القوم فإذا خاضوا في ذكر الله فخض معهم ، وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت . وروى البغوي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نعم صوامع المؤمنين بيوتهم من مراسل الحسن وغيره . وقال عقبة بن عامر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما النجاة يا رسول الله ؟ فقال : يا عقبة أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك . وقال - صلى الله عليه وسلم - : يأتي على الناس زمان خير مال الرجل المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن . خرجه البخاري . وذكر علي بن سعد عن الحسن بن واقد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا كانت سنة ثمانين ومائة فقد حلت لأمتي العزبة والعزلة والترهب في رءوس الجبال . وذكر أيضا علي بن سعد عن عبد الله بن المبارك عن مبارك بن فضالة عن الحسن يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق أو حجر إلى حجر فإذا كان ذلك لم تنل المعيشة إلا بمعصية الله فإذا كان ذلك حلت العزبة . قالوا : يا رسول الله ، كيف تحل العزبة وأنت تأمرنا بالتزويج ؟ قال : إذا كان ذلك كان فساد الرجل على يدي أبويه فإن لم يكن له أبوان كان هلاكه على يدي زوجته فإن لم تكن له زوجة كان هلاكه على يدي ولده فإن لم يكن له ولد كان هلاكه على يدي القرابات والجيران . قالوا وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : يعيرونه بضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها .
قلت : أحوال الناس في هذا الباب تختلف ، فرب رجل تكون له قوة على سكنى الكهوف والغيران في الجبال ، وهي أرفع الأحوال لأنها الحالة التي اختارها الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في بداية أمره ، ونص عليها في كتابه مخبرا عن الفتية ، فقال : وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف . ورب رجل تكون العزلة له في بيته أخف عليه وأسهل ; وقد اعتزل رجال من أهل بدر فلزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم . ورب رجل متوسط بينهما فيكون له من القوة ما يصبر بها على مخالطة الناس وأذاهم ، فهو معهم في الظاهر ومخالف لهم في الباطن . وذكر ابن المبارك حدثنا وهيب بن الورد قال : جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال : إن الناس وقعوا فيما وقعوا وقد حدثت نفسي ألا أخالطهم . فقال : لا تفعل إنه لا بد لك من الناس ، ولا بد لهم منك ، ولك إليهم حوائج ، ولهم إليك حوائج ، ولكن كن فيهم أصم سميعا ، أعمى بصيرا ، سكوتا نطوقا . وقد قيل : إن كل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معنى الجبال والشعاب ; مثل الاعتكاف في المساجد ، ولزوم السواحل للرباط والذكر ، ولزوم البيوت فرارا عن شرور الناس . وإنما جاءت الأحاديث بذكر الشعاب والجبال واتباع الغنم - والله أعلم - لأن ذلك هو الأغلب في المواضع التي يعتزل فيها ; فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معناه ، كما ذكرنا ، والله الموفق وبه العصمة . وروى عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية الجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله - عز وجل - انظروا إلى عبدي يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة . خرجه النسائي .
الثالثة : قوله تعالى : وهيئ لنا من أمرنا رشدا لما فروا ممن يطلبهم اشتغلوا بالدعاء ولجئوا إلى الله - تعالى - فقالوا : ربنا آتنا من لدنك رحمة أي مغفرة ورزقا .
وهيئ لنا من أمرنا رشدا توفيقا للرشاد . وقال ابن عباس : مخرجا من الغار في سلامة . وقيل صوابا . ومن هذا المعنى أنه - عليه السلام - كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
قوله تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف روي أنهم قوم من أبناء أشراف مدينة دقيوس الملك الكافر ، ويقال فيه دقينوس . وروي أنهم كانوا مطوقين مسورين بالذهب ذوي ذوائب ، وهم من الروم واتبعوا دين عيسى . وقيل : كانوا قبل عيسى ، والله أعلم . وقال ابن عباس : إن ملكا من الملوك يقال له دقيانوس ظهر على مدينة من مدائن الروم يقال لها أفسوس . وقيل هي طرسوس وكان بعد زمن عيسى - عليه السلام - فأمر بعبادة الأصنام فدعا أهلها إلى عبادة الأصنام ، وكان بها سبعة أحداث يعبدون الله سرا ، فرفع خبرهم إلى الملك وخافوه فهربوا ليلا ، ومروا براع معه كلب فتبعهم فأووا إلى الكهف فتبعهم الملك إلى فم الغار ، فوجد أثر دخولهم ولم يجد أثر خروجهم ، فدخلوا فأعمى الله أبصارهم فلم يروا شيئا ; فقال الملك : سدوا عليهم باب الغار حتى يموتوا فيه جوعا وعطشا . وروى مجاهد عن ابن عباس أيضا أن هؤلاء الفتية كانوا في دين ملك يعبد الأصنام ويذبح لها ويكفر بالله ، وقد تابعه على ذلك أهل المدينة ، فوقع للفتية علم من بعض الحواريين - حسبما ذكر النقاش أو من مؤمني الأمم قبلهم - فآمنوا بالله ورأوا ببصائرهم قبيح فعل الناس ، فأخذوا نفوسهم بالتزام الدين وعبادة الله ; فرفع أمرهم إلى الملك وقيل له : إنهم قد فارقوا دينك واستخفوا آلهتك وكفروا بها ، فاستحضرهم الملك إلى مجلسه وأمرهم باتباع دينه والذبح لآلهته ، وتوعدهم على فراق ذلك بالقتل ; فقالوا له فيما روي : ربنا رب السماوات والأرض - إلى قوله - وإذ اعتزلتموهم وروي أنهم قالوا نحو هذا الكلام وليس به ، فقال لهم الملك : إنكم شبان أغمار لا عقول لكم ، وأنا لا أعجل بكم بل أستأني فاذهبوا إلى منازلكم ودبروا رأيكم وارجعوا إلى أمري ، وضرب لهم في ذلك أجلا ، ثم إنه خلال الأجل فتشاور الفتية في الهروب بأديانهم ، فقال لهم أحدهم : إني أعرف كهفا في جبل كذا ، وكان أبي يدخل فيه غنمه فلنذهب فلنختف فيه حتى يفتح الله لنا ; فخرجوا فيما روي يلعبون بالصولجان والكرة ، وهم يدحرجونها إلى نحو طريقهم لئلا يشعر الناس بهم . وروي أنهم كانوا مثقفين فحضر عيد خرجوا إليه فركبوا في جملة الناس ، ثم أخذوا باللعب بالصولجان حتى خلصوا بذلك . وروى وهب بن منبه أن أول أمرهم إنما كان حواري لعيسى ابن مريم جاء إلى مدينة أصحاب الكهف يريد دخولها ، فأجر نفسه من صاحب الحمام وكان يعمل فيه ، فرأى صاحب الحمام في أعماله بركة عظيمة ، فألقى إليه بكل أمره ، وعرف ذلك الرجل فتيان من المدينة فعرفهم الله - تعالى - فآمنوا به واتبعوه على دينه ، واشتهرت خلطتهم به ; فأتى يوما إلى ذلك الحمام ولد الملك بامرأة أراد الخلوة بها ، فنهاه ذلك الحواري فانتهى ، ثم جاء مرة أخرى فنهاه فشتمه ، وأمضى عزمه في دخول الحمام مع البغي ، فدخل فماتا فيه جميعا ; فاتهم ذلك الحواري وأصحابه بقتلهما ; ففروا جميعا حتى دخلوا الكهف . وقيل في خروجهم غير هذا .
وأما الكلب فروي أنه كان كلب صيد لهم ، وروي أنهم وجدوا في طريقهم راعيا له كلب فاتبعهم الراعي على رأيهم وذهب الكلب معهم ; قاله ابن عباس . واسم الكلب حمران وقيل قطمير .
وأما أسماء أهل الكهف فأعجمية ، والسند في معرفتها واه . والذي ذكره الطبري هي هذه : مكسلمينا وهو أكبرهم والمتكلم عنهم ، ومحسيميلنينا ويمليخا ، وهو الذي مضى بالورق إلى المدينة عند بعثهم من رقدتهم ، ومرطوس وكشوطوش ودينموس ويطونس وبيرونس . قال مقاتل : وكان الكلب لمكسلمينا ، وكان أسنهم وصاحب غنم .
الثانية : هذه الآية صريحة في الفرار بالدين وهجرة الأهل والبنين والقرابات والأصدقاء والأوطان والأموال خوف الفتنة وما يلقاه الإنسان من المحنة . وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فارا بدينه ، وكذلك أصحابه ، وجلس في الغار حسبما تقدم في سورة " النحل " . وقد نص الله - تعالى - على ذلك في " براءة " وقد تقدم . وهجروا أوطانهم وتركوا أرضهم وديارهم وأهاليهم وأولادهم وقراباتهم وإخوانهم ، رجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين . فسكنى الجبال ودخول الغيران ، والعزلة عن الخلق والانفراد بالخالق ، وجواز الفرار من الظالم هي سنة الأنبياء - صلوات الله عليهم - والأولياء . وقد فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العزلة ، وفضلها جماعة العلماء لا سيما عند ظهور الفتن وفساد الناس ، وقد نص الله - تعالى - عليها في كتابه فقال : فأووا إلى الكهف .
قال العلماء الاعتزال عن الناس يكون مرة في الجبال والشعاب ، ومرة في السواحل والرباط ، ومرة في البيوت ; وقد جاء في الخبر : إذا كانت الفتنة فأخف مكانك وكف لسانك . ولم يخص موضعا من موضع . وقد جعلت طائفة من العلماء العزلة اعتزال الشر وأهله بقلبك وعملك ، إن كنت بين أظهرهم . وقال ابن المبارك في تفسير العزلة : أن تكون مع القوم فإذا خاضوا في ذكر الله فخض معهم ، وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت . وروى البغوي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نعم صوامع المؤمنين بيوتهم من مراسل الحسن وغيره . وقال عقبة بن عامر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما النجاة يا رسول الله ؟ فقال : يا عقبة أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك . وقال - صلى الله عليه وسلم - : يأتي على الناس زمان خير مال الرجل المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن . خرجه البخاري . وذكر علي بن سعد عن الحسن بن واقد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا كانت سنة ثمانين ومائة فقد حلت لأمتي العزبة والعزلة والترهب في رءوس الجبال . وذكر أيضا علي بن سعد عن عبد الله بن المبارك عن مبارك بن فضالة عن الحسن يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق أو حجر إلى حجر فإذا كان ذلك لم تنل المعيشة إلا بمعصية الله فإذا كان ذلك حلت العزبة . قالوا : يا رسول الله ، كيف تحل العزبة وأنت تأمرنا بالتزويج ؟ قال : إذا كان ذلك كان فساد الرجل على يدي أبويه فإن لم يكن له أبوان كان هلاكه على يدي زوجته فإن لم تكن له زوجة كان هلاكه على يدي ولده فإن لم يكن له ولد كان هلاكه على يدي القرابات والجيران . قالوا وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : يعيرونه بضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها .
قلت : أحوال الناس في هذا الباب تختلف ، فرب رجل تكون له قوة على سكنى الكهوف والغيران في الجبال ، وهي أرفع الأحوال لأنها الحالة التي اختارها الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في بداية أمره ، ونص عليها في كتابه مخبرا عن الفتية ، فقال : وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف . ورب رجل تكون العزلة له في بيته أخف عليه وأسهل ; وقد اعتزل رجال من أهل بدر فلزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم . ورب رجل متوسط بينهما فيكون له من القوة ما يصبر بها على مخالطة الناس وأذاهم ، فهو معهم في الظاهر ومخالف لهم في الباطن . وذكر ابن المبارك حدثنا وهيب بن الورد قال : جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال : إن الناس وقعوا فيما وقعوا وقد حدثت نفسي ألا أخالطهم . فقال : لا تفعل إنه لا بد لك من الناس ، ولا بد لهم منك ، ولك إليهم حوائج ، ولهم إليك حوائج ، ولكن كن فيهم أصم سميعا ، أعمى بصيرا ، سكوتا نطوقا . وقد قيل : إن كل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معنى الجبال والشعاب ; مثل الاعتكاف في المساجد ، ولزوم السواحل للرباط والذكر ، ولزوم البيوت فرارا عن شرور الناس . وإنما جاءت الأحاديث بذكر الشعاب والجبال واتباع الغنم - والله أعلم - لأن ذلك هو الأغلب في المواضع التي يعتزل فيها ; فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معناه ، كما ذكرنا ، والله الموفق وبه العصمة . وروى عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية الجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله - عز وجل - انظروا إلى عبدي يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة . خرجه النسائي .
الثالثة : قوله تعالى : وهيئ لنا من أمرنا رشدا لما فروا ممن يطلبهم اشتغلوا بالدعاء ولجئوا إلى الله - تعالى - فقالوا : ربنا آتنا من لدنك رحمة أي مغفرة ورزقا .
وهيئ لنا من أمرنا رشدا توفيقا للرشاد . وقال ابن عباس : مخرجا من الغار في سلامة . وقيل صوابا . ومن هذا المعنى أنه - عليه السلام - كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. ❝
❞ عظماء العالم بقلم محمد عبد الجواد ... هذا الكتاب نماذج لشهادات مختلفة عن النبي الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام لأشهر عظماء العالم من القادة السياسيين والأدباء المفكرين, و راعينا أن يكون أصحاب تلك الشهادات متباينين في الوطن و العرق حتى لا تبدو الفكرة و كأنها محدودة ومحصورة في زمن أو جنس أو وطن، ولكنها على العكس تمامًا شائعة ومستقرة في شتى الأنفس التي تنسمت الحقيقة من شتى الأجناس والأوطان و في كل الحقب والأزمان، مع التأكيد على أن موضوع الكتاب تحديدًا هو شهادات عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام و ليس شهادات المنصفين عن الإسلام وأفكاره العامة ككل ، لأن ذلك يحتاج كتب ومجلدات كبيرة و طويلة. ❝ ⏤محمد عبد الجواد سيف
❞ عظماء العالم بقلم محمد عبد الجواد .. هذا الكتاب نماذج لشهادات مختلفة عن النبي الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام لأشهر عظماء العالم من القادة السياسيين والأدباء المفكرين, و راعينا أن يكون أصحاب تلك الشهادات متباينين في الوطن و العرق حتى لا تبدو الفكرة و كأنها محدودة ومحصورة في زمن أو جنس أو وطن، ولكنها على العكس تمامًا شائعة ومستقرة في شتى الأنفس التي تنسمت الحقيقة من شتى الأجناس والأوطان و في كل الحقب والأزمان، مع التأكيد على أن موضوع الكتاب تحديدًا هو شهادات عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام و ليس شهادات المنصفين عن الإسلام وأفكاره العامة ككل ، لأن ذلك يحتاج كتب ومجلدات كبيرة و طويلة. ❝