❞ اَلْمُرَبِّي فِي الْإِسْلَامِ

الحمدُ للهِ الذي جعلَ التَّربيةَ على منهجِ الوحيِ سبيلاً لبناءِ الإنسانِ، وأرسلَ رُسُلَهُ مُعلِّمينَ ومُربِّينَ، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِ المربِّين وإمامِ المرسلين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين.


مُقَدِّمَةٌ
إِنَّ مَفْهُومَ \"اَلْمُرَبِّي\" فِي الْإِسْلَامِ يَدُلُّ عَلَى اَلشَّخْصِ اَلَّذِي يَتَحَمَّلُ مَسْؤُولِيَّةَ تَوْجِيهِنَا وَتَنْشِئَتِنَا عَلَى مَبَادِئِ الْخَيْرِ وَالتَّقْوَى، سَوَاءٌ كُنَّا أَطْفَالًا أَوْ شَبَابًا أَوْ كِبَارًا. وَإِنَّنَا نَدْرِكُ أَنَّ الْمُرَبِّي فِي الْإِسْلَامِ هُوَ شَخْصِيَّةٌ مَحْوَرِيَّةٌ فِي بِنَاءِ الْامُة الْمُسْلِمِة، نَقْتَدِي بِهِ فِي أَخْلَاقِهِ وَأَفْعَالِهِ وَقِيَمِهِ. فَهُوَ بِمَثَابَةِ اَلْمِصْبَاحِ اَلَّذِي يُضِيءُ طَرِيقَنَا وَيُوَجِّهُنَا إِلَى اَلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهُوَ الْمَسْؤُولُ عَنْ نَقْلِ الْقِيَمِ وَالْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّةِ إِلَى الْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ.

صِفَاتُ الْمُرَبِّي الْمُسْلِمِ
لَا بُدَّ أَنْ نَتَفَهَّمَ أَنَّ الْمُرَبِّي فِي الْإِسْلَامِ لَهُ صِفَاتٌ أَسَاسِيَّةٌ تُمَيِّزُهُ، وَإِنَّنَا جَمِيعًا مَدْعُوُّونَ لِلتَّخَلُّقِ بِهَا:
اَلْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ: يَجِبُ أَنْ نَكُونَ عَلَى دِرَايَةٍ بِأُصُولِ دِينِنَا وَأَحْكَامِهِ، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُوَجِّهَ أَنْفُسَنَا وَغَيْرَنَا إِلَى الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ.


اَلْحِكْمَةُ: عَلَيْنَا أَنْ نَتَّصِفَ بِالْحِكْمَةِ وَالرَّوِيَّةِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ مَوَاقِفِ الْحَيَاةِ الْمُخْتَلِفَةِ، حَتَّى نُقَدِّمَ النُّصْحَ وَالتَّوْجِيهَ بِطَرِيقَةٍ تُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ.


حُسْنُ الْخُلُقِ: يَجِبُ أَنْ نَكُونَ قُدْوَةً حَسَنَةً فِي أَخْلَاقِنَا وَسُلُوكِنَا، فَإِنَّ أَعْظَمَ وَسِيلَةٍ لِلتَّرْبِيَةِ هِيَ الْقُدْوَةُ الْعَمَلِيَّةُ.


اَلصَّبْرُ: عَلَيْنَا أَنْ نَتَحَلَّى بِالصَّبْرِ فِي تَرْبِيَةِ أَجْيَالِنَا، فَإِنَّ التَّرْبِيَةَ مَسِيرَةٌ طَوِيلَةٌ تَحْتَاجُ إِلَى جُهُودٍ مُتَوَاصِلَةٍ وَنَفَسٍ طَوِيلٍ.


اَلْمَحَبَّةُ: لَابُدَّ أَنْ نُحِبَّ مَنْ نُرَبِّيهِمْ، فَالْمَحَبَّةُ جِسْرٌ يَفْتَحُ الْقُلُوبَ وَيُسَهِّلُ قَبُولَ التَّوْجِيهِ وَالنُّصْحِ.


اَلزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا: يَجِبُ أَنْ لَا نَكُونَ عَبِيدًا لِلْمَالِ وَالْجَاهِ وَالشَّهَوَاتِ، بَلْ نَجْعَلُهَا وَسَائِلَ نُسَخِّرُهَا لِخِدْمَةِ دِينِنَا، فَإِنَّ هَذَا يُعَلِّمُ أَجْيَالَنَا الْحُرِّيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ الَّتِي تَجْعَلُنَا عِبَادًا لِلَّهِ وَحْدَهُ.



كَيْفَ نَخْتَارُ قُدْوَةً حَسَنَةً؟
إِنَّنَا حِينَ نَبْحَثُ عَنْ قُدْوَةٍ نَقْتَدِي بِهَا، يَجِبُ أَنْ نَسْلُك طَرِيقًا وَاضِحًا:
التَّأَمُّلُ فِي سِيرَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَالصَّحَابَةِ: فَإِنَّهَا مَدْرَسَةٌ كَامِلَةٌ فِي الْإِيمَانِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْعَمَلِ.
الِاطِّلَاعُ عَلَى حَيَاةِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ: فَإِنَّ فِيهَا عِبْرَةً وَدَافِعًا لِلْعَمَلِ وَالِاجْتِهَادِ.
التَّأَكُّدُ مِنَ اتِّبَاعِهِمْ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: فَإِنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ هُمَا الضَّامِنُ لِسَلَامَةِ الطَّرِيقِ وَالْبُعْدِ عَنِ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ.

أَسْلُوبُ الْمُرَبِّي فِي الْإِسْلَامِ
إِنَّ أُسْلُوبَنَا فِي التَّرْبِيَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَكِزًا عَلَى اَلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الرِّفْقِ وَالْحَزْمِ، وَيَعْتَمِدُ عَلَى اَلْقُدْوَةِ وَالْمَوْعِظَةِ وَالْحِكْمَةِ، حَتَّى نُرَبِّي فَرْدًا صَالِحًا يَعْبُدُ اللَّهَ وَيُحْسِنُ إِلَى مُجْتَمَعِهِ.
أَهَمُّ مَبَادِئِ أُسْلُوبِ الْمُرَبِّي فِي الْإِسْلَامِ:
اَلرَّحْمَةُ وَالرِّفْقُ: فَالْقَسْوَةُ تُنَفِّرُ، أَمَّا الرِّفْقُ فَيَفْتَحُ الْقُلُوبَ.
الْحِكْمَةُ وَالْمَوْعِظَةُ الْحَسَنَةُ: نَسْتَعْمِلُ الْأَسَالِيبَ الْحَكِيمَةَ فِي التَّوْجِيهِ، وَنَبْتَعِدُ عَنِ التَّوْبِيخِ الْمُسْتَمِرِّ.
اَلْقُدْوَةُ الْحَسَنَةُ: فَأَفْعَالُنَا أَبْلَغُ مِنْ أَقْوَالِنَا.
اَلتَّشْجِيعُ وَالثَّنَاءُ: فَنُثْنِي عَلَى الْخَيْرِ لِنَغْرِسَ حُبَّهُ فِي النُّفُوسِ.
اَلتَّدَرُّجُ فِي التَّرْبِيَةِ: نَبْدَأُ بِالْأُمُورِ الْيَسِيرَةِ ثُمَّ نَنْتَقِلُ لِلْأَعْظَمِ.
اَلْعَدْلُ: نُعَامِلُ الْجَمِيعَ بِالْإِنْصَافِ بِلَا تَفْضِيلٍ ظَالِمٍ.
اَلتَّوَاصُلُ الْمُسْتَمِرُّ: فَنَسْتَمِعُ إِلَى مَشَاكِلِ أَبْنَائِنَا وَنَتَحَاوَرُ مَعَهُمْ.

أَهَمِّيَّةُ دَوْرِ الْمُرَبِّي فِي الْإِسْلَامِ
بِنَاءُ الْأَجْيَالِ: فَالْمُرَبُّونَ يُسَاهِمُونَ فِي صُنْعِ أَجْيَالٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَتَنْشُرُ الْخَيْرَ.
حِفْظُ الْهُوِيَّةِ: يَحْفَظُونَ هُوِيَّتَنَا الْإِسْلَامِيَّةَ مِنَ الِانْحِرَافِ وَالتَّغْرِيبِ.
تَطْوِيرُ الْامُة: يَرْفَعُونَ وَعْيَ الْأُمَّةِ وَيُسَاهِمُونَ فِي نَهْضَتِهَا.

أَبْرَزُ الْمُرَبِّينَ فِي الْإِسْلَامِ
اَلرَّسُولُ ﷺ: وَهُوَ الْقُدْوَةُ الْعُظْمَى فِي كُلِّ جَوَانِبِ الْحَيَاةِ.
اَلصَّحَابَةُ الْكِرَامُ: الَّذِينَ طَبَّقُوا تَعَالِيمَ الْإِسْلَامِ وَبَذَلُوا الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ.
الْأَئِمَّةُ وَالْعُلَمَاءُ: الَّذِينَ حَفِظُوا دِينَنَا وَنَقَلُوهُ إِلَى الْأَجْيَالِ.

خِتَامٌ
إِنَّ دَوْرَ الْمُرَبِّي فِي الْإِسْلَامِ دَوْرٌ حَيَوِيٌّ وَمَفْصَلِيٌّ فِي مَسِيرَةِ الْأُمَّةِ. فَهُوَ الَّذِي يُشَكِّلُ مُسْتَقْبَلَنَا، وَيُسَاهِمُ فِي بِنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْقَوِيِّ الْمُتَمَاسِكِ. وَعَلَيْنَا جَمِيعًا أَنْ نَسْعَى لِاخْتِيَارِ الْمُرَبِّينَ الْقُدْوَةِ الْحَسَنَةِ وَأَنْ نَكُونَ نَحْنُ أَنْفُسُنَا قُدْوَاتٍ صَالِحَةً لِأَجْيَالِنَا الْقَادِمَةِ.. ❝ ⏤عبدالرحمن البخ