❞ لسنا قادرين دائمًا على التحكم بما يحدث لنا، ولا التحكم بما يصيبنا، لكننا قادرون دائمًا على التحكم بكيفية تفسيرنا لما يحدث لنا، إضافة إلى تحكمنا بكيفية استجابتنا له. ❝ ⏤مارك مانسون
❞ لسنا قادرين دائمًا على التحكم بما يحدث لنا، ولا التحكم بما يصيبنا، لكننا قادرون دائمًا على التحكم بكيفية تفسيرنا لما يحدث لنا، إضافة إلى تحكمنا بكيفية استجابتنا له. ❝
❞ الهوس
أيسل، فتاة في الثانية والعشرين، تحمل ملامح الطفولة التي لم يغادرها الزمن، بشعرها الحريري المنسدل كخيوط الفجر، تسير كأنها لا تنتمي إلى هذا العالم، لم تعلم متى بدأت حديقتها الزاهرة بالذبول، ومتى توغل الديجور في قلبها؟
بارق، شاب في الخامسة والعشرين، يتقاطع في ملامحه العطف والخطر، كأن القدر سكب عليه شيئًا من ضياء، وشيئًا من ظلام، حياته كانت تسير بهدوء حتى التقى بها، ومنذ ذلك الحين، كُتب عليه أن يخوض مغامرة لم يعرف مثلها.
أسير، في الرابعة والعشرين، غامض كليالٍ بلا قمر، في وجهه قسوة لا تترك موضعًا للطمأنينة، وفي عينيه شيء يُربك البصيرة، كأنهما مرآتان تعكسان الجحيم، هو ليس بشرًا تمامًا… هو لوسيفر في هيئة فتى.
هؤلاء أبطالنا.
وهذا عالم لن يتركك كما أنت، فهل أنتم مستعدون للعبور؟
الفصل الأول
في مركز الشرطة
داخل مكتب المقدم بارق، وقفت فتاة ذات هيئة ملائكية، تبدو تائهة، صامتة، تُحدق في الفراغ بينما يعلو صوت المقدم غاضبًا:
بارق (بعصبية): \"فسِّري لي كيف قُتل ثلاثة شبَّان لمجرد أنهم تحدَّثوا معكِ للحظات؟! عن ماذا دار بينكم؟ أجيبيني! هذا الصمت لا يخدمكِ يا آنسة!\"
ورغم حدَّة صوته، ظلت الفتاة على حالها، صمت مطبق، لا دمعة، لا رجفة، لا حتى رمشة.
بارق يضغط على أسنانه، ويوجه كلامه للشرطي الحاضر: \"سَتُحال الآنسة أيسل للفحص النفسي فورًا.\"
ثم بصرخة: \"يا عسكري! خذها إلى الزنزانة حتى إشعارٍ آخر.\"
خرج العسكري وأيسل خلفه، وحده بارق بقي في المكتب، يحدق في أثرها الغامض…
بارق (لنفسه): \"ما قصتكِ يا أيسل…؟\"
في صباح اليوم التالي
اقتيدت أيسل بهدوء إلى مصحة نفسية، جلس الطبيب أمامها، حاول الحديث، طمأنتها، استدراجها بالكلمات، لكن الصمت كان هو السيد.
أسئلة تُطرح، ونظرات تائهة تُقابلها، لم تنبس بكلمة واحدة، وبعد جلسة طويلة دون جدوى، عاد التقرير إلى بارق: \"لا استجابة، الفتاة ترفض التواصل.\"
لم يرضَ بارق بهذا الجمود، شعر أن ما يحدث يتجاوز الطب والمنطق، وقرر أن يبدأ بنفسه رحلة البحث.
وبعد أيامٍ من التنقيب بين الملفات المهجورة، وقع بين يديه ملف يحمل اسمها: \"أيسل... ملفّْ خاص - مُقفل منذ عام.\"
جلس، فتح الصفحة الأولى.
\"ولنعد إلى الماضي.\"
هل سبق أن أَسرتك رائحة الدماء؟ هل شعرت بأنها أكثر صدقًا من العطور؟ أنا لا أتنفس إلا حين يملأ الحديد الصدئ الهواء، لكني اليوم مأسور بعطرٍ آخر… عطر فراشة دخلت عالمي، أربكت حواسي، وقلبتني من الداخل، لم تعد الدماء تكفيني، لقد أصبحتُ أرتوي منها، هي… أيسل، ملاك لا يدرك أنه يرفرف فوق فوهة الجحيم، وها أنا أتبعه، أتنفسه، أملكه، سأحفر أسرارها، أزيح عنها سعادتها، وأحكم قبضتي على روحها، لن يسبقني أحد، لن تبتسم لغيري، حتى لو صبغتُ أيامها بالأحمر، فهو لوني الأثير، ولون عهدي بها.
تذكّري أنتِ لي، تيقني أنا ظلكِ يا ملاكي.
أ.ظ
في مكان تُحيط به أشجار كثيفة، كأنها جدران من الطبيعة، يقبع منزل خشبي على هيئة مثلثٍ قاتم، تطير الغربان فوقه بنعيقها المكرور، كأنها تُقيم طقوسًا غريبة.
داخل ذلك البيت، رجل يرتدي زيًا أسود لا يعكس الضوء، لا يُرى من وجهه سوى الفراغ، يمسك بسكين صغيرة، ويغمسها في وعاء دم،
ثم يكتب على الجدار: \"أيسل،\" وتحت الاسم، نقشٌ مرتجف: \"لن تكوني إلا لي.\"
صرخة انبعثت من الأعماق، زلزلت خشب المنزل، وترددت في صدر الغابة.
في مكان آخر
\"أيسل! أين أنتِ يا فتاة؟\"
صوت والدتها يعلو من الطابق السفلي.
كانت أيسل في الحديقة الخلفية، تتحرك بخفة كأنها ترقص مع الضوء، وملامحها تنسج برقَّة، وشعرها يتمايل كفراشة وسط الزهور، فجأة تتلاشى الحديقة، وتذوب الزهور، كأن الظلام بلع المكان في قضمة واحدة، يُسحب الضوء، تتراجع الألوان، ويهوي جسدها في فراغ سحيق، صرخة تشقّْ قلبها، توقظها من ثباتها، وتوقظ صديقتها لورا في الغرفة المجاورة.
تدخل لورا مذعورة: \"ما بكِ يا أيسل؟! هل رأيتِ كابوسًا آخر؟\"
تقول أيسل، وعيناها تبحثان عن شيء: \"نفس الكابوس، لورا أشعر أنني لا أستيقظ أبدًا منه، كأنه يتسلل إليَّ في يقظتي.\"
تجلس لورا جوارها، تمسك بيدها: \"تماسكي يا فتاة، اقرئي ما تحفظين من آيات، الله معكِ.\"
في صباح اليوم التالي
فتحت أيسل النافذة، لا شيء في الخارج سوى نسيم بارد، لكنه لم يكن يطمئنها.
في طريقها إلى الجامعة، كانت تشعر – كعادتها – بشيءٍ خلفها، خطوات لا تُسمع، لكنها تَشعر، نظرات لا تُرى، لكنها تُثقل الهواء من حولها، رائحة لا تشبه شيئًا، خليط من رماد وصدأ تتسرب إلى صدرها، وتخنق أنفاسها شيئًا فشيئًا، رفعت خطواتها، تسارعت، حتى لمحت وجهًا مألوفًا يلوِّح لها.
لورا: \"لن تستطيعي الاستيقاظ باكرًا، حتى لو كانت حياتكِ على المحك!\"
ابتسمت أيسل دون حماسة: \"سأحاول، فقط لأني بدأت أخاف، هناك من يلاحقني يا لورا.\"
شحب وجه لورا، لكنِّها حاولت التماسك: \"كل شيء يبدو أثقل من المعتاد، كأن هناك شيئًا آتيًا، ولا نعرفه بعد.\"
لكن قبل أن يُكملن حديثهما، اقترب شاب طويل القامة، ملامحه هادئة، استأذن من أيسل أن يتحدث معها.
نظرت إليه باستغراب، لكنه كان مهذبًا، وعيونه صادقة، وافقت.
ابتعدا قليلًا عن الزحام، وبدآ بالكلام، لكن ما لبث أن تغيّر كل شيء، سكون، ثم هواء بارد يعبر من خلفها.
الشاب ارتجف فجأة، كأن شيئًا غير مرئي مرَّ من خلاله، حدَّق في الفراغ خلفها، ثم وضع يده على رأسه، تغير وجهه، تقوَّس جسده، وسقط.
تجمَّدت أيسل مكانها، ربما لم يكن هناك دم، ولا حتى صرخة. فقط صمتٌ ثقيل، ونظرةُ شابٍ مات وهو يرى شيئًا لا يُرى.
ندى العطفي
بيلا. ❝ ⏤Nada Elatfe
❞ الهوس
أيسل، فتاة في الثانية والعشرين، تحمل ملامح الطفولة التي لم يغادرها الزمن، بشعرها الحريري المنسدل كخيوط الفجر، تسير كأنها لا تنتمي إلى هذا العالم، لم تعلم متى بدأت حديقتها الزاهرة بالذبول، ومتى توغل الديجور في قلبها؟
بارق، شاب في الخامسة والعشرين، يتقاطع في ملامحه العطف والخطر، كأن القدر سكب عليه شيئًا من ضياء، وشيئًا من ظلام، حياته كانت تسير بهدوء حتى التقى بها، ومنذ ذلك الحين، كُتب عليه أن يخوض مغامرة لم يعرف مثلها.
أسير، في الرابعة والعشرين، غامض كليالٍ بلا قمر، في وجهه قسوة لا تترك موضعًا للطمأنينة، وفي عينيه شيء يُربك البصيرة، كأنهما مرآتان تعكسان الجحيم، هو ليس بشرًا تمامًا… هو لوسيفر في هيئة فتى.
هؤلاء أبطالنا.
وهذا عالم لن يتركك كما أنت، فهل أنتم مستعدون للعبور؟
الفصل الأول
في مركز الشرطة
داخل مكتب المقدم بارق، وقفت فتاة ذات هيئة ملائكية، تبدو تائهة، صامتة، تُحدق في الفراغ بينما يعلو صوت المقدم غاضبًا:
بارق (بعصبية): ˝فسِّري لي كيف قُتل ثلاثة شبَّان لمجرد أنهم تحدَّثوا معكِ للحظات؟! عن ماذا دار بينكم؟ أجيبيني! هذا الصمت لا يخدمكِ يا آنسة!˝
ورغم حدَّة صوته، ظلت الفتاة على حالها، صمت مطبق، لا دمعة، لا رجفة، لا حتى رمشة.
بارق يضغط على أسنانه، ويوجه كلامه للشرطي الحاضر: ˝سَتُحال الآنسة أيسل للفحص النفسي فورًا.˝
ثم بصرخة: ˝يا عسكري! خذها إلى الزنزانة حتى إشعارٍ آخر.˝
خرج العسكري وأيسل خلفه، وحده بارق بقي في المكتب، يحدق في أثرها الغامض…
بارق (لنفسه): ˝ما قصتكِ يا أيسل…؟˝
في صباح اليوم التالي
اقتيدت أيسل بهدوء إلى مصحة نفسية، جلس الطبيب أمامها، حاول الحديث، طمأنتها، استدراجها بالكلمات، لكن الصمت كان هو السيد.
أسئلة تُطرح، ونظرات تائهة تُقابلها، لم تنبس بكلمة واحدة، وبعد جلسة طويلة دون جدوى، عاد التقرير إلى بارق: ˝لا استجابة، الفتاة ترفض التواصل.˝
لم يرضَ بارق بهذا الجمود، شعر أن ما يحدث يتجاوز الطب والمنطق، وقرر أن يبدأ بنفسه رحلة البحث.
وبعد أيامٍ من التنقيب بين الملفات المهجورة، وقع بين يديه ملف يحمل اسمها: ˝أيسل.. ملفّْ خاص - مُقفل منذ عام.˝
جلس، فتح الصفحة الأولى.
˝ولنعد إلى الماضي.˝
هل سبق أن أَسرتك رائحة الدماء؟ هل شعرت بأنها أكثر صدقًا من العطور؟ أنا لا أتنفس إلا حين يملأ الحديد الصدئ الهواء، لكني اليوم مأسور بعطرٍ آخر… عطر فراشة دخلت عالمي، أربكت حواسي، وقلبتني من الداخل، لم تعد الدماء تكفيني، لقد أصبحتُ أرتوي منها، هي… أيسل، ملاك لا يدرك أنه يرفرف فوق فوهة الجحيم، وها أنا أتبعه، أتنفسه، أملكه، سأحفر أسرارها، أزيح عنها سعادتها، وأحكم قبضتي على روحها، لن يسبقني أحد، لن تبتسم لغيري، حتى لو صبغتُ أيامها بالأحمر، فهو لوني الأثير، ولون عهدي بها.
تذكّري أنتِ لي، تيقني أنا ظلكِ يا ملاكي.
أ.ظ
في مكان تُحيط به أشجار كثيفة، كأنها جدران من الطبيعة، يقبع منزل خشبي على هيئة مثلثٍ قاتم، تطير الغربان فوقه بنعيقها المكرور، كأنها تُقيم طقوسًا غريبة.
داخل ذلك البيت، رجل يرتدي زيًا أسود لا يعكس الضوء، لا يُرى من وجهه سوى الفراغ، يمسك بسكين صغيرة، ويغمسها في وعاء دم،
ثم يكتب على الجدار: ˝أيسل،˝ وتحت الاسم، نقشٌ مرتجف: ˝لن تكوني إلا لي.˝
صرخة انبعثت من الأعماق، زلزلت خشب المنزل، وترددت في صدر الغابة.
في مكان آخر
˝أيسل! أين أنتِ يا فتاة؟˝
صوت والدتها يعلو من الطابق السفلي.
كانت أيسل في الحديقة الخلفية، تتحرك بخفة كأنها ترقص مع الضوء، وملامحها تنسج برقَّة، وشعرها يتمايل كفراشة وسط الزهور، فجأة تتلاشى الحديقة، وتذوب الزهور، كأن الظلام بلع المكان في قضمة واحدة، يُسحب الضوء، تتراجع الألوان، ويهوي جسدها في فراغ سحيق، صرخة تشقّْ قلبها، توقظها من ثباتها، وتوقظ صديقتها لورا في الغرفة المجاورة.
تدخل لورا مذعورة: ˝ما بكِ يا أيسل؟! هل رأيتِ كابوسًا آخر؟˝
تقول أيسل، وعيناها تبحثان عن شيء: ˝نفس الكابوس، لورا أشعر أنني لا أستيقظ أبدًا منه، كأنه يتسلل إليَّ في يقظتي.˝
تجلس لورا جوارها، تمسك بيدها: ˝تماسكي يا فتاة، اقرئي ما تحفظين من آيات، الله معكِ.˝
في صباح اليوم التالي
فتحت أيسل النافذة، لا شيء في الخارج سوى نسيم بارد، لكنه لم يكن يطمئنها.
في طريقها إلى الجامعة، كانت تشعر – كعادتها – بشيءٍ خلفها، خطوات لا تُسمع، لكنها تَشعر، نظرات لا تُرى، لكنها تُثقل الهواء من حولها، رائحة لا تشبه شيئًا، خليط من رماد وصدأ تتسرب إلى صدرها، وتخنق أنفاسها شيئًا فشيئًا، رفعت خطواتها، تسارعت، حتى لمحت وجهًا مألوفًا يلوِّح لها.
لورا: ˝لن تستطيعي الاستيقاظ باكرًا، حتى لو كانت حياتكِ على المحك!˝
ابتسمت أيسل دون حماسة: ˝سأحاول، فقط لأني بدأت أخاف، هناك من يلاحقني يا لورا.˝
شحب وجه لورا، لكنِّها حاولت التماسك: ˝كل شيء يبدو أثقل من المعتاد، كأن هناك شيئًا آتيًا، ولا نعرفه بعد.˝
لكن قبل أن يُكملن حديثهما، اقترب شاب طويل القامة، ملامحه هادئة، استأذن من أيسل أن يتحدث معها.
نظرت إليه باستغراب، لكنه كان مهذبًا، وعيونه صادقة، وافقت.
ابتعدا قليلًا عن الزحام، وبدآ بالكلام، لكن ما لبث أن تغيّر كل شيء، سكون، ثم هواء بارد يعبر من خلفها.
الشاب ارتجف فجأة، كأن شيئًا غير مرئي مرَّ من خلاله، حدَّق في الفراغ خلفها، ثم وضع يده على رأسه، تغير وجهه، تقوَّس جسده، وسقط.
تجمَّدت أيسل مكانها، ربما لم يكن هناك دم، ولا حتى صرخة. فقط صمتٌ ثقيل، ونظرةُ شابٍ مات وهو يرى شيئًا لا يُرى.