█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ أسفل أشعة الشمس الحارقة تمشي سيدة تجر أذيال الخيبة ومن خلفها فتى وفتاة يمشون الهوينى؛ فها هم يتركون موطنهم والزوج تخلى عنهم؛ ليذهبوا لمكان قاحل بالقرب من الصحراء يسمى (أرض النازحين)، ذلك المكان الذي لا يسكنه سوى المطاردين والفقراء والخافين الكثير والكثير من الأسرار، ومنهم من أراد الابتعاد عن كل شيء وهجروا موطنهم وقصدوه هروبا من الحروب والدمار والنرجسية؛ فقد سيطر الطمع على كل البلاد ولم تعد هناك حضارة سوى حضارة واحدة؛ حضارة يصعب إرضاؤها أو فهمها.
توقفت الفتاة ولم تستطع أن تخطو خطوة أخرى، شعرت بها والدتها فنظرت خلفها لتجدها تتطلع برجاء لصديقتها التي تسمى فجر وقد كانتا الاثنتان صديقتان ونشآ معًا.
كانت فجر تقف بصحبة والدتها تنظر إليهم مثل كل أهل القرية، يشاهدونهم وهم يغادرون ويخشون على أطفالهم منهم، وكذلك كانت والدة فجر التي أمسكت بابنتها بقوة تمنعها أن تذهب لتودع صديقتها، ولكنها مع ذلك أفلتت منها وجرت بعزم قوتها نحو صديقتها واحتضنتها بقوة، أخذت جهاد تنظر نحو ابنتها وصديقتها فجر بتأثر، كانت تعلم أن ابنتها تتألم لفراق موطنها وأصدقائها وجيرانها ولكن لم يكن بيدها حيلة؛ فقد لفظها موطنها وناسه على أساس أنها تشكل خطرًا عليهم.
حثت جهاد ابنتها على المُضي قدما في طريقهم ولكن الفتاة أخذت تبكي بقوة ولا تريد المغادرة، أمسكتها جهاد من يديها وحاولت سحبها لكن قدمها تسمرت في الأرض وتتشبث بها بقوة، كانت جهاد تشعر بها وبحالها لأنها تعرضت لمثل حالتها من قبل وهي صغيرة، وكأنهم كُتب عليهم الغربة والتشريد في الأرض.
نظرت جهاد إلى ابنتها في عينيها تحاول التواصل معها بشتى الطرق لتسمعها وتهدأ، وقالت بقوة وتحدي عجيبين لا يتناسب مع موقفهم السيء أبدًا:
ـ سنعود إلى موطننا يومًا، ولكن حينها سنكون في موضع قوة ولن يستطيع أحد أن يتحكم بنا . ❝
❞ عندما عاد سيف إلى المزرعة برفقة دانية وجد هشام في انتظاره فاستأذن منها وذهب مع هشام ليرى ماذا يريد منه؛ بعد أن تأكد من عودتها لمسكنها.
وقف سيف مع هشام بالإسطبل بعد أن تأكد الأخير من خلو أحد به، ثم قال:
- لقد حذرني الأستاذ عز الدين من مغادرة دكتورة دانية المزرعة وعندما علم أنك ذهبت معها في جولة بالقرية؛ ثار للغاية وطلب رؤيتك فور عودتك ليحذرك من أن تفعل ذلك مرةً أخرى.
ـ لقد عرفت منك ماذا يريد مني؛ فلماذا أذهب إليه إذًا؟
ـ وهل ستنفذ مطلبه؟
ـ لقد عرفت ما يريده لكن ليس بالضرورة أن أنفذ كل ما يقوله؛ فأنا لديّ عقل لأفكر به وأعرف عندما أُخطئ.
ـ سيف.. نحن لا نريد أن نفتعل المشاكل مع عز الدين.
ـ لن يحدث شيء، وطالما لا نقترف الأخطاء لا تقلق.
ـ حسنًا وهل كل شيء يسير على ما يرام؟
ـ أعتقد ذلك.
ـ ماذا تعني؟
ـ لقد رآنا اليوم فهد وبنو عمومته.
ـ ماذا تقول.. وكيف لم تخبرني من بداية حديثنا؟!
ـ ولماذا القلق؟!
- إنه لا يعلم بوجودها هنا بالمزرعة عندنا وبأية صفة هي موجودة بالقرية؛ فقد أخبر الأستاذ عز الدين جميع أهل القرية بقدومها، ولكن فهد وبنو عمومته كانوا خارج القرية وقتها.
ـ ومنذ متى ونحن نعمل حسابًا لفهد هذا ذي الشخصية السطحية!
ـ نحن نهتم لوالده يا سيف؛ فهو كبير عائلة السيوفي وله ثقله في القرية.
ـ ونحن لم نُخطئ فقد أعلمنا الجميع بقدومها، وليس خطأنا أن فهد لم يعلم بالأمر لأنه كان خارج القرية؛ فلا تحمل همًا لذلك الأمر.
ـ سأحاول ألّا أقلق.
- ثم إنني لا أريد إثارة المتاعب أكثر منك.
ـ هذا واضح، ولكن يجب أن تعلم أنك من الممكن أن تكون السبب في أذية تلك الفتاة؛ فالناس لن تتقبل وجودها هنا بالقرية بتلك السهولة.
- لن يجرؤ أحد على الاقتراب منها؛ فهي في ضيافة الحاج محمد الرباح.
ـ بلى بالطبع.. هذا شيء مفروغ منه، ولكن هذا لا يمنع أن نأخذ حذرنا.
شرد سيف يفكر في حديث هشام، وما كان صمته سوى تأكيدٍ منه على أن هشام معه حق فيما قاله.
عندما عادت دانية لمنزلها الصغير جاءتها الخادمة بالطعام. كانت جائعة فأكلت بنهمٍ، ولكن تلك المرة شعرت أنّ للطعام مذاقًا جميلًا، لم يكن الطعام مختلفًا عما تأكله بالقاهرة، ولكنه شهي أكثر، أخذت تفكر أن كل شيء بتلك القرية جميل؛ من هوائها لطعامها حتى الخيول التي تُشرف على علاجها تبدو متأصلة ومختلفة، القرية كلها كانت مختلفة عن القاهرة كثيرًا؛ فكانت وكأنها تنتمي للطبيعة كليًا . ❝