█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ حديث عيسى بن هشام
المحكمة الأهلية
قال عيسى بن هشام: ولما حل يوم الجلسة رافقت الباشا إلى المحكمة فوجدنا في ساحتها أقوامًا ذوي وجوه مكفهرَّة، وألوان مصفرَّة، وأنفاس مقطوعة، وأكف مرفوعة، وشاهدنا باطلًا يُذكر، وحقًّا يُنكر، وشاكيًا يتوعد، وجانيًا يتودد، وشاهدًا يتردد، وجنديًّا يتهدد، وحاجبًا يستبد، ومحاميًا يستعد، وأمًّا تنوح، وطفلًا يصيح، وفتاة تتلهف، وشيخًا يتأفف، وسمعنا ألفاظًا متناقضة، وأقوالًا متعارضة، ورأينا المحاميَين، عن الخصمين، يشحذ كل منهما لسانه، ويقدح جنانه، استعدادًا للنزال في ميادين المقال، وتأهبًا للدفاع، في مواقف النزاع، ليخرج كلاهما بغنيمة البراءة في الحكم، ورفع التهمة والجرم، فانزويت بصاحبي، ومحامينا بجانبي، يذكر لنا «أصولًا مرعية»، و«مسائل فرعية» وظروفًا وأحوالًا، وشروحًا وأقوالًا، وموادَّ وفقرات، في الجنح والمخالفات، ثم يتصفح محاضره، ويقلب دفاتره، ويُقسم لنا بوكيد الأيمان، أن الباشا من تهمته في أمان، وأنا أجيب صاحبي عن كل سؤال، بما تقتضيه الحال، ولما سألني عن هذه الملحمة قلت له: هي المحكمة.
الباشا: قد كان العهد بالمحكمة الشرعية وبيت القاضي على غير ما أرى فهل أصابها الدهر فيما أصاب بالتغيير والانقلاب؟
عيسى بن هشام: هذه هي المحكمة الأهلية لا المحكمة الشرعية.
الباشا: وهل للقضاء بين الناس غير المحكمة الشرعية؟
-------
وهذا غيض من فيض في هذه التحفة وغيرها.
إن في الأدب لحكمة توارت عنا إذ نبذناها، وإن في اللسان لتأثير بالغ لمن كان له أذن تسمع وقلب يعقل . ❝