█ حصرياً جميع الاقتباسات من أعمال المؤلِّف ❞ زكريا الأنصاري محمد بن الجزري ❝ أقوال فقرات هامة مراجعات 2024 أحمد هو قاضٍ محدث فقيه ومفسر شافعي ❰ له مجموعة الإنجازات والمؤلفات أبرزها الدقائق المحكمة شرح المقدمة الجزرية الدرة المضية القراءات الثلاث المتممة للعشر المرضية طيبة النشر العشر الناشرين : دار الهدي للطباعة والنشر والتوزيع الإمام مالك ❱
لقد كان القاضي زكريا بن محمد الأنصاري مضرب المثل في وقته في حسن الخلق، والتحلي بمكارم الأخلاق وفضائلها، لا يدع باباً إليها إلا دخله، قال العلائي (هو متأخر، غير الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي الشهير): "قد جمع من أنواع العلوم والمعارف والمؤلفات المقبولة ومكارم الأخلاق وحسن السمت والتؤدة والأخذ عن الأكابر ما لم يجمعه غيره".
ولعل أبرز صفاته التي كان يتحلى بها أنه كان حافظاً للجميل شاكراً لصنيع المحسنين إليه، ويدل على ذلك أن الشيخ ربيع بن عبد الله كان صاحب الفضل عليه في توجهه إلى طلب العلم وسفره إلى القاهرة، فكان رد المترجم على ذلك أنه: "إذا ورد عليه الشيخ ربيع أو زوجته أو أحد من أقاربه يجعله في زمن صمدته ومنصبه، وكان يقضي حوائجهم ويعترف بالفضل لهم، وربما مازحته زوجة الشيخ ربيع التي ربته".
وكان في النهاية من الانهماك في طلب العلم، لا يجعل لنفسه متنفسا سواه، حتى أشغله عن مأكله ومشربه، فحكى عن نفسه، قال: "جئت من البلاد وأنا شاب فلم أعكف على الاشتغال بشيء من أمور الدنيا ولم أعلق قلبي بأحد من الخلق، قال: وكنت أجوع في الجامع كثيراً، فأخرج في الليل إلى الميضأة وغيرها، فأغسل ما أجده من قشيرات البطيخ حوالي الميضأة وآكلها، وأقنع بها عن الخبز".
وكان على درجة من اليقين بالله وتفويض الأمور إليه، فروى من حاله أنه قال: "فلما أتممت شرحها - يعني: "البهجة" - غار بعض الأقران، فكتب على بعض نسخ الشرح: كتاب الأعمى والبصير؛ تعريضاً بأني لا أقدر أشرح البهجة وحدي، وإنما ساعدني فيه رفيق أعمى كنت أطالع أنا وإياه، قال: فاحتسبت بالله تعالى، ولم ألتفت إلى مثل ذلك". وكان من أخلاقه أنه كان صداعا بالحق، لم يثنه الخوف على المنصب أو هيبة سلطان عن زجر الظالم أو إنذار العاصي، حتى أن الغزي يذكر أن سبب عزله عن القضاء: "بسبب خطه على السلطان بالظلم، وزجره عنه تصريحاً وتعريضاً... ومتع بالقول على ملازمة العلم والعمل ليلاً ونهاراً، مع مقارنة مئة سنة من عمره من غير كلل ولا ملل، مع عروض الانكفاف له، بحيث شرح البخاري جامعاً فيه ملخص عشرة شروح، وحشى تفسير البيضاوي في هذه الحالة".
والمترجم ممن قاسى مرارة الحرمان وعاش مصاعبها؛ لذا كان يعرف لوعة المحرومين وضيق ذات يد المعدمين، فكان كثير البر بطلبته وتفقد أحوالهم، مع ما كان عليه من كثرة الصدقة والمبالغة في إخفائها، وكان له جماعة يرتب لهم من صدقته ما يكفيهم إلى يوم وإلى أسبوع وإلى شهر، وإذا جاءه سائل - بعد أن أصيب بالعمى - يقول لمن عنده من جماعته: هل هنا أحد؟ فإن قال له: لا، أعطاه، وإن قال له: نعم، قال له: قل له: يأتينا في غير هذا الوقت.
وقد أورد الغزي كلمة جامعة في بيان أخلاقه، فقال: "وكان صاحب الترجمة مع ما كان عليه من الاجتهاد في العلم اشتغالاً واستعمالاً وإفتاءً وتصنيفاً ومع ما كان عليه من مباشرة القضاء ومهمات الأمور، وكثرة إقبال الدنيا، لا يكاد يفتر عن الطاعة ليلاً ونهاراً، ولا يشتغل بما لا يعنيه، وقوراً مهيباً مؤانساً ملاطفاً، يصلي النوافل من قيام مع كبر سنه وبلوغه مئة سنة وأكثر، ويقول: لا أعود نفسي الكسل. حتى في حال مرضه كان يصلي النوافل قائماً، وهو يميل يميناً وشمالاً لا يتمالك أن يقف بغير ميل للكبر والمرض، فقيل له في ذلك، فقال: يا ولدي، النفس من شأنها الكسل، وأخاف أن تغلبني وأختم عمري بذلك. وكان إذا أطال عليه أحد في الكلام يقول له: عجِّل قد ضيعت علينا الزمان، وكان إذا أصلح القارئ بين يديه كلمة في الكتاب الذي يقرأ ونحوه، يشتغل بالذكر بصوت خفي قائلا: الله الله، لا يفتر عن ذلك حتى يفرغ، وكان قليل الأكل لا يزيد على ثلث رغيف، ولا يأكل إلا من خبز خانقاه سعيد السعداء، ويقول: إنما أخص خبزها بالأكل لأن صاحبها كان من الملوك الصالحين".
وفرت البداية المبكرة للقاضي زكريا في طلب العلم فسحة من الوقت، استطاع خلالها تنويع مصادر معرفته، ولم يغفل هذه النقطة، بل استثمرها على وجهها الصحيح، فجنى ثمارها، قال الغزي: وكان -رضي الله تعالى عنه- بارعاً في سائر العلوم الشرعية وآلاتها حديثاً وتفسيراً وفقهاً وأصولاً وعربية وأدباً ومعقولاً ومنقولاً. ومرَّ بنا في نشأته أنه درس صنوف فنون العلم، ومن بين تلك العلوم التي أفنى في طلبها ردحا من عمره المديد:
وظف القاضي زكريا الأنصاري معرفته العلمية في التأليف إلى جانب التدريس، وخلال المئة سنة التي عاشها استطاع أن يترك لنا جملة كبيرة من المصنفات، الأمر الذي دفع الشوكاني للقول بأن: "له شرح ومختصرات في كل فن من الفنون". وقد عنى الشوكاني بكلمته هذه، أن القاضي خاض غمار فنون العلوم على اختلاف ماهياتها فمن اللغة إلى المنطق، ومن الكلام إلى الحديث، ومن الفقه إلى القراءات، ومن التصوف إلى التفسير، ومن أصول الفقه إلى الفرائض، وهكذا تنوعت طبيعة مؤلفاته. وليس عجبا أن تكثر مصنفاته، فعلى حد تعبير الغزي إذ يقول: "وجملة مؤلفاته 41 مؤلفا تقريبا"، إذ كان شغله الشاغل التدريس والتصنيف.
له تصانيف كثيرة تصل لحوالي 50 مصنفا أو أكثر في شتى صنوف المعرفة، منها: