📘 ❞ القرآن الكريم رؤية تربوية ❝ كتاب ــ د.سعيد إسماعيل علي اصدار 2000

كتب علوم القرآن - 📖 ❞ كتاب القرآن الكريم رؤية تربوية ❝ ــ د.سعيد إسماعيل علي 📖

█ _ د سعيد إسماعيل علي 2000 حصريا كتاب القرآن الكريم رؤية تربوية عن دار الفكر العربي بمصر 2024 تربوية: هو دستور الحياة وكتاب نور وعلم وهداية ومنهج شامل وبيان لكل جوانب وما يحتاجه الانسان من معرفة تحدد له أطر العلاقة بربه ونفسه ومجتمعه وهو تربية واعداد سماوي انطلاقا الإيمان بالله الواحد الأحد رب العالمين فالله تعالى العالمين, وكلمة الرب مشتقة التربية وهي تحمل معاني العناية والرعاية والإصلاح والتأديب وعليه فان الله الخالق ذكره المربي والمؤدب الإنسان خلال الإنبياء والرسالات السماوية التي تضمنت أسمى وأرفع القيم الأخلاقية ترتقي بالإنسان وتجعله مؤهلا لمسؤولية خلافة الأرض والى هذا يشير رسول (ص) بقوله: "أدبني ربي فأحسن تأديبي" ورسول الأول لهذه الأمة بالقرآن فقد أشرف جيل الناس فكان ذلك الجيل ظاهرة فريدة عجيبة لم يشهد التاريخ لها مثيلا حتى الآن بحيث استطاع الرجل العظيم أن يعيد بناء الجاهلي ويخرجه ظلمات التصحر الفكري والعقائدي والأخلاقي والإجتماعي الايمان والمعرفة وسمو الخلق وسماحة الذات (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) الجمعة 2 {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ عَزْمِ الأمُورِ} لقمان 17 وفي نجد أهداف ومواضيعها السبعة وهي: العقيدية والتربية الخُلقية الجسمية العقلية النفسية الاجتماعية الجنسية وسوف نفرد بحثا مفصلا موضوع مواضيع القرآنية وأهدافها شاء لاحقا والشواهد كثيرة ولكن قبل استعراضها لا بد الإشارة أمرين أساسيين: الأمر الأول: العبادات وآثارها التربوية الأمر الثاني: الأسلوب التربوي الكريم أولا : التربوية: مما لاشك فيه افترض عباده تأديتها والتزامها تخلو حكمة المتعالية التدبير والتشريع وقد ننظر التشريع وغاياته والمصالح المرجوة منه زوايا متعددة الا اننا قد نغفل أحيانا النظر الجانب الذي أراد تعزيزه العبادة أو فلو أخذنا الصلاة سبيل المثال رأس وعامود الدين وقربان المؤمن ومعراج كل تقي اليها زاوية معينة انها عبادة يراد خلالها التواصل مع واظهار الخضوع والعبودية لو تأملنا وأبعاده أكثر لوجدنا هي بامتياز فهي: أولا شكر لله نعمه الجليلة والشكر سلوك تربوي ايجابي تتبناه الفطرة السليمة ويفرضه العقل ويستحسنه العرف {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} لقمان12 وثانيا تهذيب للنفس وتطويع طاعة والابتعاد المعاصي والموبقات {اتْلُ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ تَنْهَى الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ تَصْنَعُونَ} العنكبوت45 وهي ثالثا: سمة الصلحاء والأتقياء الموصوفين بالخلق العالي والسمعة الطيبة والأفعال الحميدة {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} (الفرقان 63 64) وهكذا بالنسبة لعبادة ثانية الصوم بين الغاية والهدف بقوله {يَا أَيُّهَا آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة183 فالصوم روحية تهذيبية ليس المراد منها صيام البطون الطعام وان كان للجسد نصيبه فوائد (صوموا تصحوا)– وإنما المطلوب الجوارح الحرام الهدف تشير الأحاديث الشريفة الواردة النبي الأكرم والأئمة الهداة (ع) فعن الامام الصادق (ع): "ان الصيام والشراب وحدهما فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم الكذب وغضوا أبصاركم عما حرم عليكم ولا تنازعوا تحاسدوا تغتابوا تماروا تخالفوا تسابوا تشاتموا تظلموا تسافهوا تضاجروا تغفلوا ذكر " وقد أشار خطبة استقبال شهر رمضان وفضله العديد المضامين التربوية تصاحب والتي تستهدف الفرد والمجتمع حد سواء اعتبر تكون منطلقا لحسن حسن منكم الشهر خلقه جواز الصراط يوم تزل الأقدام ومنطلقا للإلتفات بالمحبة والخير وتصدقوا فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم غير الأبعاد تحفل بها واذا الحج أيضا وحاولنا ندرس أبعادها فإننا أنها الشخصية الإنسانية وتتعاهدها بالتربية كون محطة للرجوع ومراجعة فالمناسك الواجبة بدءا بالإحرام فالطواف ثم السعي والرجم وغيرها تريد للإنسان المسلم يخرج ولاء تبعية لغير وأن يطوف داعيا ملبيا نداء التوحيد كبريائه وعلوه يتواضع للناس الذين تجمعه بهم وحدة نقل وتريد هذه العظيمة يرجم شيطان نفسه ويتبرأ الشياطين اينما وجدوا وحلوا! {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ جِدَالَ الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} البقرة197 ثانيا: الكريم: نجد الأساليب الكثيرة والمتعددة الأنماط والأشكال تراعي أحوال الفئات المستهدفة وامكانياتهم وقدراتهم العلمية والإستيعابية نذكر منها: 1 بالترغيب: {وَبَشِّرِ الَّذِين وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا رُزِقْنَا وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ خَالِدُونَ} البقرة25 2 بالترهيب: {قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً} الكهف87 3 بالترغيب والترهيب معا: {فَأَمَّا فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ أَلُيماً يَجِدُونَ لَهُم دُونِ اللّهِ وَلِيّاً نَصِيراً} النساء17 4 بالعقوبة الدنيوية: {إِنَّمَا جَزَاء يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ يُنفَوْاْ خِزْيٌ الدُّنْيَا الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} المائدة33 5 الأخروية: {إِنَّ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} النساء56 6 بالقصة: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} يوسف3 7 بالمثل: {مَّثَلُ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ سَبِيلِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} البقرة261 8 بالجدل (الحوار): {وَقَالَ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} النحل51 9 بالموعظة: يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ تَذَكَّرُونَ} النحل90 10 بالقدوة: {لَقَدْ لَكُمْ رَسُولِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن يَرْجُو وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ كَثِيراً} الأحزاب21 11 بالعبادة: البقرة183 12 بالأحداث: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فصلت13 13 بتدرج الأحكام: {يَسْأَلُونَكَ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ لَكُمُ الآيَاتِ تَتَفَكَّرُونَ} البقرة219 14 بالملاحظة والنظر: {أَفَلَا يَنظُرُونَ الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} الغاشية17 15 بالصحبة: لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} الكهف66 16 تغيير البيئة: تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فِيمَ كُنتُمْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً} النساء97 وغير الوسائل كتب علوم مجاناً PDF اونلاين لعلوم عظيمة وآثار إيجابية معاً فبفضل العلوم مثلا يستطيع تدبر وفهم آياته واستنباط غاياته ومقاصده وأحكامه وبدون الاطلاع يصعب تكوين فهم كامل وشامل لكتاب لأننا حينها نعرف أسباب النزول أحكام النسخ مكامن الإعجاز ومن كذلك التسلح بمعرفتها يساعد محاججة المسلمين ومجادلتهم بالتي أحسن والدفاع ضد الشبهات تثار حوله ومن بتنوعها وغناها وبما تشتمل عليه المعارف والفنون اللغوية والكلامية تساهم تطوير ثقافة فتسمو بروحه وتغذي عقله وتهذب ذوقه وترقى به سماء العلم وفضاء المعرفة فالقرآن خير الكون والاطلاع علومه بطريقة بأخرى واجب مسلم ومسلمة لذلك فإن القسم يحتوى ومباحث قرآنية عامة متنوعة تتحدث ( الكريم) وتدابيره , اسألة واجوبة وتأملات دراسات تهدف إلى الدراسات وخدمة الباحثين فيها

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
القرآن الكريم رؤية تربوية
كتاب

القرآن الكريم رؤية تربوية

ــ د.سعيد إسماعيل علي

صدر 2000م عن دار الفكر العربي بمصر
القرآن الكريم رؤية تربوية
كتاب

القرآن الكريم رؤية تربوية

ــ د.سعيد إسماعيل علي

صدر 2000م عن دار الفكر العربي بمصر
عن كتاب القرآن الكريم رؤية تربوية:
القرآن الكريم هو دستور الحياة وكتاب نور وعلم وهداية، ومنهج شامل وبيان لكل جوانب الحياة وما يحتاجه الانسان من معرفة تحدد له أطر العلاقة بربه ونفسه ومجتمعه، وهو كتاب تربية واعداد سماوي انطلاقا من الإيمان بالله الواحد الأحد رب العالمين، فالله تعالى هو رب العالمين, وكلمة الرب مشتقة من التربية وهي تحمل معاني العناية والرعاية والإصلاح والتأديب،وعليه فان الله الخالق تعالى ذكره هو المربي والمؤدب الإنسان من خلال الإنبياء والرسالات السماوية التي تضمنت أسمى وأرفع القيم الأخلاقية التي ترتقي بالإنسان وتجعله مؤهلا لمسؤولية خلافة الله في الأرض، والى هذا يشير رسول الله (ص) بقوله: "أدبني ربي فأحسن تأديبي". ورسول الله (ص) هو المربي الأول لهذه الأمة بالقرآن، فقد أشرف على تربية جيل من الناس فكان ذلك الجيل ظاهرة فريدة عجيبة لم يشهد التاريخ لها مثيلا حتى الآن، بحيث استطاع هذا الرجل العظيم أن يعيد بناء الإنسان العربي الجاهلي ويخرجه من ظلمات التصحر الفكري والعقائدي والأخلاقي والإجتماعي الى نور الايمان والمعرفة وسمو الخلق وسماحة الذات (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) الجمعة-2.

{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ} لقمان 17

وفي القرآن الكريم نجد أهداف التربية ومواضيعها السبعة وهي: التربية العقيدية، والتربية الخُلقية، والتربية الجسمية، والتربية العقلية، والتربية النفسية، والتربية الاجتماعية، والتربية الجنسية. وسوف نفرد بحثا مفصلا لكل موضوع من مواضيع التربية القرآنية وأهدافها ان شاء الله لاحقا

والشواهد القرآنية على أهداف التربية ومواضيعها كثيرة ولكن قبل استعراضها لا بد من الإشارة الى أمرين أساسيين:

الأمر الأول: العبادات وآثارها التربوية

الأمر الثاني: الأسلوب التربوي في القرآن الكريم

أولا : العبادات وآثارها التربوية:

مما لاشك فيه أن العبادات التي افترض الله على عباده تأديتها والتزامها لا تخلو من أهداف انطلاقا من حكمة الله المتعالية في التدبير والتشريع، وقد ننظر الى حكمة التشريع وغاياته والمصالح المرجوة منه من زوايا متعددة الا اننا قد نغفل أحيانا النظر الى الجانب التربوي الذي أراد الله تعالى تعزيزه من خلال العبادة أو التشريع، فلو أخذنا الصلاة على سبيل المثال وهي رأس العبادات وعامود الدين وقربان المؤمن ومعراج كل تقي، فقد ننظر اليها من زاوية معينة على انها عبادة يراد من خلالها التواصل مع الله واظهار الخضوع والعبودية له، ولكن لو تأملنا في حكمة هذا التشريع وأبعاده أكثر لوجدنا أن الصلاة هي عبادة تربوية بامتياز، فهي:

أولا، شكر لله تعالى على نعمه الجليلة، والشكر هو سلوك تربوي ايجابي تتبناه الفطرة السليمة ويفرضه العقل ويستحسنه العرف {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} لقمان12.

وثانيا، تهذيب للنفس وتطويع لها على طاعة الله والابتعاد عن المعاصي والموبقات الأخلاقية {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} العنكبوت45

وهي ثالثا: سمة الصلحاء والأتقياء الموصوفين بالخلق العالي والسمعة الطيبة والأفعال الحميدة {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} (الفرقان 63 -64).

وهكذا بالنسبة لعبادة ثانية وهي الصوم الذي بين الله تعالى الغاية والهدف منه بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة183

فالصوم عبادة روحية تربوية تهذيبية ليس المراد منها صيام البطون عن الطعام -وان كان للجسد نصيبه من فوائد الصوم (صوموا تصحوا)– وإنما المطلوب صيام الجوارح عن الحرام والى هذا الهدف تشير الأحاديث الشريفة الواردة عن النبي الأكرم (ص) والأئمة الهداة (ع) فعن الامام الصادق (ع): "ان الصيام ليس من الطعام والشراب وحدهما فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب،وغضوا أبصاركم عما حرم الله عليكم، ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا،ولا تغتابوا،ولا تماروا، ولا تخالفوا، ولا تسابوا، ولا تشاتموا، ولا تظلموا، ولا تسافهوا،ولا تضاجروا، ولا تغفلوا عن ذكر الله ".

وقد أشار النبي الكريم في خطبة استقبال شهر رمضان وفضله الى العديد من المضامين التربوية التي لا بد أن تصاحب الصوم والتي تستهدف الفرد والمجتمع على حد سواء فقد اعتبر (ص) أن عبادة الصوم لا بد أن تكون منطلقا لحسن الخلق " من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام "، ومنطلقا للإلتفات الى الناس بالمحبة والخير " وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم ". الى غير ذلك من الأبعاد التربوية التي تحفل بها عبادة الصوم.

واذا أخذنا عبادة الحج أيضا وحاولنا أن ندرس أبعادها التربوية فإننا نجد أنها تستهدف الشخصية الإنسانية وتتعاهدها بالتربية انطلاقا من كون الحج محطة للرجوع الى الله ومراجعة الذات، فالمناسك الواجبة في الحج بدءا بالإحرام فالطواف ثم السعي والرجم وغيرها تريد للإنسان المسلم أن يخرج من كل ولاء أو تبعية لغير الله تعالى وأن يطوف داعيا ملبيا نداء الفطرة نداء التوحيد، ثم تريد له أن يخرج من كبريائه وعلوه وأن يتواضع لله ثم للناس الذين تجمعه بهم وحدة الخلق ان لم نقل وحدة الدين، وتريد له هذه العبادة العظيمة أن يرجم شيطان نفسه ويتبرأ من كل الشياطين اينما وجدوا وحلوا!..{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} البقرة197.

ثانيا: الأسلوب التربوي في القرآن الكريم:

نجد في القرآن الكريم الأساليب التربوية الكثيرة والمتعددة الأنماط والأشكال والتي تراعي أحوال الفئات المستهدفة وامكانياتهم وقدراتهم العلمية والإستيعابية نذكر منها:

1. التربية بالترغيب: {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} البقرة25

2. التربية بالترهيب: {قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً} الكهف87

3. التربية بالترغيب والترهيب معا: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} النساء17

4. التربية بالعقوبة الدنيوية: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} المائدة33

5. التربية بالعقوبة الأخروية: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} النساء56

6. التربية بالقصة: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} يوسف3

7. التربية بالمثل: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} البقرة261

8. التربية بالجدل (الحوار): {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} النحل51

9. التربية بالموعظة: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} النحل90

10. التربية بالقدوة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الأحزاب21

11. التربية بالعبادة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة183

12. التربية بالأحداث: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فصلت13

13. التربية بتدرج الأحكام: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} البقرة219

14. التربية بالملاحظة والنظر: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} الغاشية17

15. التربية بالصحبة: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} الكهف66

16. التربية من خلال تغيير البيئة: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً} النساء97

..وغير ذلك من الوسائل التربوية.
الترتيب:

#2K

0 مشاهدة هذا اليوم

#29K

13 مشاهدة هذا الشهر

#40K

7K إجمالي المشاهدات
عدد الصفحات: 501.
المتجر أماكن الشراء
د.سعيد إسماعيل علي ✍️ المؤلف
مناقشات ومراجعات
دار الفكر العربي بمصر 🏛 الناشر
QR Code
أماكن الشراء: عفواً ، لا يوجد روابط مُسجّلة حاليا لشراء الكتاب من المتاجر الإلكترونية
نتيجة البحث