📘 ❞ السلطان محمد الفاتح ❝ كتاب ــ محمد سالم الرشيدي اصدار 2013

التراجم والأعلام - 📖 ❞ كتاب السلطان محمد الفاتح ❝ ــ محمد سالم الرشيدي 📖

█ _ محمد سالم الرشيدي 2013 حصريا كتاب السلطان الفاتح عن دار البشير للثقافة والعلوم 2024 : صاحب البِشارة الملكُ المُجاهد والسُلطان الغازي أبي الفتح والمعالي مُحمَّد خان الثاني بن مُراد العُثماني (بالتُركيَّة العُثمانيَّة: بِشارۀ غازى سُلطان ثانى عُثمانى؛ وبالتُركيَّة المُعاصرة: Sultan II Mehmed Han ben Gazi Murad) ويُعرف اختصارًا باسم وبِلقبه الأشهر أو فاتح مُحمَّد؛ Fatih Mehmed)؛ هو سابع سلاطين آل عُثمان وخامس من تلقَّب بِلقب سُلطانٍ بينهم بعد والده وجدُّه الأوَّل وجدَّاه بايزيد ومُراد وثاني لُقِّب بِالـ«ثاني» وأوَّل حمل لقب «قيصر الروم» الحُكَّام المُسلمين عُمومًا والسلاطين العُثمانيين خُصوصًا يُلقَّب بِـ«صاحب البِشارة» اعتقادًا جُمهُور أنَّ نُبُوءة الرسول القائلة بِفتح القُسطنطينيَّة قد تحققت يديه كما أوروپَّا بِـ«التُركي الكبير» (باللاتينية: Grand Turco) و«إمبراطور التُرك» Turcarum Imperator) نظرًا لِأهميَّة وعظمة إنجازاته وانتصاراته العسكريَّة التي حققها حساب القوى المسيحيَّة علمًا بِأنَّ المقصود بِـ«التُركي» هُنا «المُسلم» وليس التُركي عرقيًّا لأنَّ التسميتان كانتا تعنيان شيئًا واحدًا المفهوم الأوروپي آنذاك (1) جلس عرش الدولة العُثمانيَّة مرَّتين: الأولى بُعيد وفاة شقيقه الأكبر علاء الدين واعتزال الحياة السياسيَّة تلقيه هزيمة نكراء يد تحالُفٍ صليبيٍّ فانقطع لِلعبادة تكيَّة مغنيسية وترك شُؤون الحُكم لِولده وفي تلك الفترة كان السُلطان الجديد ما يزال قاصرًا فلم يتمكَّن الإمساك بِمقاليد إمساكًا متينًا لا سيَّما وأنَّ الدوائر الحاكمة استغلَّت حداثة سن ففسخت الهدنة أبرمتها مع وجهَّزوا جُيُوشًا لِمُحاربة فأُجبر الخُرُوج عُزلته والعودة إلى السلطنة لِإنقاذها الأخطار المُحدقة بها فقاد جيشًا جرَّارًا والتقى بِالعساكر الصليبيَّة عند مدينة وارنة (ڤارنا) البُلغاريَّة وانتصر عليها انتصارًا كبيرًا ثُمَّ عاد لكنَّهُ لم يلبث طويلًا هذه المرَّة أيضًا عساكر الإنكشاريَّة ازدروا بِالسُلطان الفتى وعاثوا فسادًا العاصمة أدرنة فعاد وأشغل جُنُوده بِالحرب وبِالأخص الأرناؤوط لِإخماد فتنة إسكندر بك الذي شقَّ عصا الطاعة وثار لكنَّ المنيَّة وافت قبل أن يُتم مشروعه بِالقضاء الثائر المذكور فاعتلى ابنه العرش لِلمرَّة الأُخرى قُدِّر لها تكون مرحلةً ذهبيَّة التاريخ الإسلامي ولمَّا تولَّى المُلك أبيه يكن بِآسيا الصُغرى خارجًا سُلطانه إلَّا جُزءٌ بلاد القرمان وبعض مُدن ساحل بحر البنطس (الأسود) وإمبراطوريَّة طرابزون الروميَّة وصارت الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة قاصرة وضواحيها وكان إقليم المورة مُجزَّأ بين البنادقة وعدَّة إمارات صغيرة يحكُمُها بعض أعيان الروم الإفرنج الذين تخلَّفوا إخوانهم انتهاء الحُرُوب وبلاد وإپيروس حمى العاصي البُشناق مُستقلَّة والصرب تابعة لِلدولة تابعيَّة سياديَّة وقسمٌ كبير ممَّا بقي شبه الجزيرة البلقانيَّة داخلًا تحت السُلطة وقد سعى الشاب تحقيق وصيَّة ورغب بِتتميم فتح البلقان حتَّى أملاكه مُتصلة يتخلَّلُها أعداءٌ وثغراتٌ أمنيَّة سنة 857هـ المُوافقة لِسنة 1453م حاصر حشد لِقتال البيزنطيين عظيمًا مُزوَّدًا بِالمدافع الكبيرة وأُسطُولًا ضخمًا وبِذلك حاصرهم ناحيتيّ البر والبحر معًا والواقع استماتوا الدفاع عاصمتهم ولكنَّ جُهُودهم ذهبت أدراج الريح فما انقضى شهرٌ الحصار تهدَّمت أجزاء الأسوار كانت تحمي المدينة وتدفَّق العُثمانيُّون خلال الثغرات قلب فسقطت أيديهم وأصبحت جُزءًا ديار الإسلام وشكَّل سُقُوطُ نهاية استمرَّت أحد عشر قرنًا ونيفًا وعدَّ المُؤرِّخون الغربيُّون هذا الحدث العُصُور الوُسطى وبداية الحقبة الحديثة ومُنذ عُرفت «إستانبول إسلامبول» «الآستانة» ولُقِّب بـ«الفاتح» وعُدَّ مُنذُ ذلك الوقت أبطال ومن كبار القادة الفاتحين انسابت موجات الفُتُوحات الإسلاميَّة بِقيادة سُقُوط أثار مخاوف الدُول الأوروپيَّة فشنَّت حربًا طويلة بِزعامة جُمهُوريَّة البُندُقيَّة وحاولت التحالف أعداء آسيا تمكَّن وأجبر توقيع مُعاهدة صُلحٍ حوالي 16 القتال تميَّز عهد بِالتمازج الحضاري والمسيحي بعدما هضمت الكثير مؤسسات وعملت إحياء بعضها وصبغه بِصبغة إسلاميَّة جديدة فانتعشت عاصمة العتيقة إحدى أهم المراكز الثقافيَّة العالم ابتنى فيها عدَّة مدارس ومكتبات وتكايا ومُؤسساتٍ خيريَّةٍ ووقفيَّة وأبقى أبنائها الأصليين المسيحيين واليهود سبيل الاستفادة خبراتهم وشجَّع الانتقال إليها مزاياها التجاريَّة وعلم أهلها ظهر بِمظهر راعي بطريركيَّة الأرثوذكسيَّة المسكونيَّة مُواجهة البابويَّة والكنيسة الكاثوليكيَّة وشهد دُخُول أعدادٍ كبيرةٍ الأرناؤوطيين والبُشناقيين قُدَّر لِبعض هؤلاء يلعب أدوارًا بارزةً الميادين والمدنيَّة لاحقًا عالي الثقافة تحدَّث لُغات جانب لُغته التُركيَّة الأُم وهي: العربيَّة والفارسيَّة والعبرانيَّة والروميَّة واللاتينيَّة والصربيَّة تمتع بِمهاراتٍ إداريَّةٍ فذَّة فأصدر القوانين العُرفيَّة لِتنظيم دولته له اهتمامات وهوايات عديدة كالبستنة وصناعة الخواتم شغفهُ الحقيقيّ رسم الخرائط تقيًّا صالحًا مُلتزمًا بِحُدُود الشريعة يقول المُؤرِّح أحمد يُوسُف القرماني: « وَهُوَ السُّلطَانُ الضِّلِّيلُ الفَاضِلُ النَّبِيلُ أَعظَمَ المُلُوكِ جِهَادًا وَأَقوَاهُم إِقدَامًا وَاجتِهَادًا وَأَكثَرُهُم تَوَكُّلًا عَلَى اللهِ تَعَالَىٰ وَاعتِمَادًا الذِي أَسَّسَ مُلكَ بَنِي عُثمَان وَقَنَّنَ لَهُم قَوَانِين صَارَت كَالطَّوقِ فِي أَجيَادِ الزَّمَانِ وَلَهُ مَنَاقِبَ جَمِيلَة ومَزَايَا فَاضِلَة جَلِيلَة وَآثَارٌ بَاقِيَةٌ صَفَحَاتِ اللَّيَالِي وَالأَيَّام وَمَآثِرٌ لَا يَمحُوهَا تَعَاقُب السِّنِينِ وَالأَعوَام» توفى " لكنَّ آثاره تبقى شاهدة قام به خدمات للإسلام والمسلمين محقِّقا بشِّر النبي صلى الله عليه وسلم حديثه لَتفتحنَّ القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش وفي سكرات موته أخذ يوصي بايريد بوصايا توحي مدلولها بمدى صلاح الرجل إذ له: يا بني إن نشر الأرض واجب الملوك فاعمل دين حيثما استطعت اجعل كلمة فوق كلكلام وإياك تغفل أي أمر أمور وأبعد عنك يهتمون بأمر تجري وراء البدع المنكرة قرب منك العلماء وارفع شأنهم؛ فإنهم ذخيرة الأمة المُلمّات" حكم نيفا وثلاثين عاما تعد الفترات تاريخ العلاقات السياسية والحربية والنصرانية وبين الشرق والغرب ولا تنحصر أهمية أعمال الحربية النصرانية التليدة والتي قامت عشرة قرون بأسوارها الضخمة المنيعة تدفع نفسها غزوات الغزاة عظم خطورته وبعد إلا واحد فتوحاته العديدة الكثيرة أوروبا وآسيا أما فقد قضى البقية الإمارات والقلاع القائمة الصغرى وجعل البقعة برمتها سيادة عثمانية خالصة على حروب تكن حروبا أسيوية محضة أعنى أ ها العثمانية دول وإمارات آسيوية فحسب بل دخلت عناصر وعوامل أخرى مختلفة امتزجت امتزاجا عجيبا أثره الغريب ضد إسلامية وأرثوذكسية البابوية الدول الأوروبية الكاثوليكية والتجارية الغرب التراجم والأعلام مجاناً PDF اونلاين علم العلم يتناول سير حياة الأعلام الناس عبر العصور المختلفة وهو دقيق يبحث أحوال الشخصيات والأفراد تركوا آثارا المجتمع ويتناول كافة طبقات الأنبياء والخلفاء والملوك والأمراء والقادة والعلماء شتى المجالات والفقهاء والأدباء والشعراء والفلاسفة وغيرهم ويهتم بذكر حياتهم الشخصية ومواقفهم وأثرهم وتأثيرهم ويعتبر عموما فرعا فروع اهتم المسلمون بعلم اهتماما كبيرا بدأت العناية بهذا عندهم بزمن يسير حيث حرص حماية وصيانة المصدر مصادر التشريع الحديث النبوي حرصوا صيانته الكذب والتزوير والغش والتلفيق والدس فنشأ كقاعدة تلقّي الأخبار وبالأخص فيما يتعلق بالحديث أولا ثم الآثار المروية الصحابة والتابعين وباقي خصوصا والناس روى مسلم صحيحه مجاهد قال: «جاء بشير العدوي ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول يأذن لحديثه ينظر إليه فقال: مالي أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك تسمع؟ فقال عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا ابتدرته أبصارنا وأصغينا بآذاننا فلما ركب الصعب والذلول نأخذ نعرف » واستمر العمل القاعدة ضرورة معرفة الرجال ناقلي بسبب حال نقلة النبوية وذلك لما ينبني المعرفة قبول والتعبد بما لله تعالى رد والحذر اعتبارها ديناً وروى سيرين «لم يكونوا يسألون الإسناد وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر فلا يؤخذ حديثهم» وجاءت عبارات الأئمة بيان الرواة صريحة وواضحة الأهمية بمكان البحث نواح تفصيلية الراوي ونواح استنتاجية (تُستنتج وطريقته التحديث) مباحث العلم: ميلاد وتاريخ طلبه للعلم وممن سمع سِنِيِّ هم الشيوخ عنهم (من منهم حدث عنه سماعاً دلس شيئاً أرسل عنه) وما مدة ملازمته لكلّ شيخ شيوخه وكيف ذاك وكم منه الأحاديث والآثار روى ذلك؛ وهل كثير الضعفاء والمجاهيل؟ ورحلاته العلمية حدّث به؛ ومتى يحدِّث؟ حفظه أم كتابه؛ سماعٌ عرض؛ المستملون والوراقون استخدمهم؟) إقبال عدد الحاضرين عنده؟ هي الأوهام وقع والسَّقطات أُخذت عليه؟ أخلاق وعبادته ومهنته؛ يأخذ أجراً التحديث؟ عسِراً التحديث سمحاً بعلمه متساهلاً ؟ وتفرّع وانبثق علوم كثيرة متعلّقة الباب منها تفرّدته الإسلامية باقي الأمم مصطلح ناحية العدالة والتوثيق والضبط العلل الجرح والتعديل وغيرها أقسام التراجم هنالك تقسيمات متنوعة لعلم والكتب المؤلفة فمنها: التراجم الطبقات التراجم الحروف الوفيات القرون البلدان وقسّمهم البعض الآخر أبواب منها: التراجم المتعلقة معيّن المتعلّقة بمذهب بفنّ بشخص الترجمة الذاتية وقد أسهب التأليف الأبواب يكاد يخلوا باب وصنّفت فيه عشرات الكتب وهذا ركن خاص بكتب مجانيه للتحميل وتراجم ومذكرات فيشمل حول المجال

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
السلطان محمد الفاتح
كتاب

السلطان محمد الفاتح

ــ محمد سالم الرشيدي

صدر 2013م عن دار البشير للثقافة والعلوم
السلطان محمد الفاتح
كتاب

السلطان محمد الفاتح

ــ محمد سالم الرشيدي

صدر 2013م عن دار البشير للثقافة والعلوم
عن كتاب السلطان محمد الفاتح :
صاحب البِشارة الملكُ المُجاهد والسُلطان الغازي أبي الفتح والمعالي مُحمَّد خان الثاني بن مُراد بن مُحمَّد العُثماني (بالتُركيَّة العُثمانيَّة: صاحب بِشارۀ الملكُ المُجاهد غازى سُلطان مُحمَّد خان ثانى بن مُراد بن مُحمَّد عُثمانى؛ وبالتُركيَّة المُعاصرة: Sultan II. Mehmed Han ben Gazi Murad)، ويُعرف اختصارًا باسم مُحمَّد الثاني، وبِلقبه الأشهر مُحمَّد الفاتح (بالتُركيَّة العُثمانيَّة: مُحمَّد ثانى أو مُحمَّد فاتح أو فاتح سُلطان مُحمَّد؛ وبالتُركيَّة المُعاصرة: II. Mehmed أو Fatih Sultan Mehmed)؛ هو سابع سلاطين آل عُثمان وخامس من تلقَّب بِلقب سُلطانٍ بينهم بعد والده مُراد وجدُّه مُحمَّد الأوَّل وجدَّاه بايزيد ومُراد، وثاني من لُقِّب بِالـ«ثاني» من سلاطين آل عُثمان، وأوَّل من حمل لقب «قيصر الروم» من الحُكَّام المُسلمين عُمومًا والسلاطين العُثمانيين خُصوصًا. يُلقَّب بِـ«صاحب البِشارة» اعتقادًا من جُمهُور المُسلمين أنَّ نُبُوءة الرسول مُحمَّد القائلة بِفتح القُسطنطينيَّة قد تحققت على يديه، كما لُقِّب في أوروپَّا بِـ«التُركي الكبير» (باللاتينية: Grand Turco) و«إمبراطور التُرك» (باللاتينية: Turcarum Imperator) نظرًا لِأهميَّة وعظمة إنجازاته وانتصاراته العسكريَّة التي حققها على حساب القوى المسيحيَّة، علمًا بِأنَّ المقصود بِـ«التُركي» هُنا هو «المُسلم» عُمومًا، وليس التُركي عرقيًّا، لأنَّ التسميتان كانتا تعنيان شيئًا واحدًا في المفهوم الأوروپي آنذاك.(1)

جلس مُحمَّد الثاني على عرش الدولة العُثمانيَّة مرَّتين: الأولى بُعيد وفاة شقيقه الأكبر علاء الدين واعتزال والده مُراد الحياة السياسيَّة بعد تلقيه هزيمة نكراء على يد تحالُفٍ صليبيٍّ، فانقطع لِلعبادة في تكيَّة مغنيسية وترك شُؤون الحُكم لِولده، وفي تلك الفترة كان السُلطان الجديد ما يزال قاصرًا، فلم يتمكَّن من الإمساك بِمقاليد الحُكم إمساكًا متينًا، لا سيَّما وأنَّ الدوائر الحاكمة في أوروپَّا استغلَّت حداثة سن السُلطان ففسخت الهدنة التي أبرمتها مع والده، وجهَّزوا جُيُوشًا لِمُحاربة الدولة العُثمانيَّة، فأُجبر السُلطان مُراد على الخُرُوج من عُزلته والعودة إلى السلطنة لِإنقاذها من الأخطار المُحدقة بها، فقاد جيشًا جرَّارًا والتقى بِالعساكر الصليبيَّة عند مدينة وارنة (ڤارنا) البُلغاريَّة وانتصر عليها انتصارًا كبيرًا، ثُمَّ عاد إلى عُزلته لكنَّهُ لم يلبث بها طويلًا هذه المرَّة أيضًا، لأنَّ عساكر الإنكشاريَّة ازدروا بِالسُلطان مُحمَّد الفتى، وعاثوا فسادًا في العاصمة أدرنة، فعاد السُلطان مُراد إلى الحُكم وأشغل جُنُوده بِالحرب في أوروپَّا، وبِالأخص في الأرناؤوط، لِإخماد فتنة إسكندر بك الذي شقَّ عصا الطاعة وثار على الدولة العُثمانيَّة، لكنَّ المنيَّة وافت السُلطان قبل أن يُتم مشروعه بِالقضاء على الثائر المذكور، فاعتلى ابنه مُحمَّد العرش لِلمرَّة الأُخرى، التي قُدِّر لها أن تكون مرحلةً ذهبيَّة في التاريخ الإسلامي.

ولمَّا تولَّى مُحمَّد الثاني المُلك بعد أبيه لم يكن بِآسيا الصُغرى خارجًا عن سُلطانه إلَّا جُزءٌ من بلاد القرمان وبعض مُدن ساحل بحر البنطس (الأسود) وإمبراطوريَّة طرابزون الروميَّة. وصارت الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة قاصرة على مدينة القُسطنطينيَّة وضواحيها. وكان إقليم المورة مُجزَّأ بين البنادقة وعدَّة إمارات صغيرة يحكُمُها بعض أعيان الروم أو الإفرنج الذين تخلَّفوا عن إخوانهم بعد انتهاء الحُرُوب الصليبيَّة، وبلاد الأرناؤوط وإپيروس في حمى العاصي إسكندر بك، وبلاد البُشناق مُستقلَّة والصرب تابعة لِلدولة العُثمانيَّة تابعيَّة سياديَّة، وقسمٌ كبير ممَّا بقي من شبه الجزيرة البلقانيَّة داخلًا تحت السُلطة العُثمانيَّة. وقد سعى السُلطان الشاب إلى تحقيق وصيَّة والده بِفتح القُسطنطينيَّة ورغب بِتتميم فتح ما بقي من بلاد البلقان أيضًا حتَّى تكون أملاكه مُتصلة لا يتخلَّلُها أعداءٌ وثغراتٌ أمنيَّة. وفي سنة 857هـ المُوافقة لِسنة 1453م، حاصر السُلطان مُحمَّد القُسطنطينيَّة بعد أن حشد لِقتال البيزنطيين جيشًا عظيمًا مُزوَّدًا بِالمدافع الكبيرة، وأُسطُولًا ضخمًا، وبِذلك حاصرهم من ناحيتيّ البر والبحر معًا. والواقع أنَّ البيزنطيين استماتوا في الدفاع عن عاصمتهم، ولكنَّ جُهُودهم ذهبت أدراج الريح، فما انقضى شهرٌ على الحصار حتَّى تهدَّمت بعض أجزاء الأسوار التي كانت تحمي المدينة، وتدفَّق العُثمانيُّون من خلال الثغرات إلى قلب القُسطنطينيَّة، فسقطت في أيديهم وأصبحت جُزءًا من ديار الإسلام، وشكَّل سُقُوطُ المدينة نهاية الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة بعد أن استمرَّت أحد عشر قرنًا ونيفًا، وعدَّ المُؤرِّخون الغربيُّون هذا الحدث نهاية العُصُور الوُسطى وبداية الحقبة الحديثة، ومُنذ تلك الفترة عُرفت القُسطنطينيَّة باسم «إستانبول أو إسلامبول» أو «الآستانة»، ولُقِّب السُلطان مُحمَّد بـ«الفاتح»، وعُدَّ مُنذُ ذلك الوقت أحد أبطال الإسلام ومن كبار القادة الفاتحين في التاريخ. انسابت موجات الفُتُوحات الإسلاميَّة في البلقان بِقيادة السُلطان مُحمَّد بعد سُقُوط القُسطنطينيَّة، ممَّا أثار مخاوف الدُول الأوروپيَّة، فشنَّت على العُثمانيين حربًا طويلة بِزعامة جُمهُوريَّة البُندُقيَّة، وحاولت هذه القوى التحالف مع بعض أعداء السلطنة في آسيا، لكنَّ مُحمَّد الفاتح تمكَّن من هزيمة هذا التحالف، وأجبر البنادقة على توقيع مُعاهدة صُلحٍ مع العُثمانيين بعد حوالي 16 سنة من القتال.

تميَّز عهد مُحمَّد الفاتح بِالتمازج الحضاري الإسلامي والمسيحي، بعدما هضمت الدولة العُثمانيَّة الكثير من مؤسسات الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، وعملت على إحياء بعضها وصبغه بِصبغة إسلاميَّة جديدة، فانتعشت عاصمة الروم العتيقة، وأصبحت إحدى أهم المراكز الثقافيَّة في العالم الإسلامي، لا سيَّما بعدما ابتنى فيها السُلطان عدَّة مدارس ومكتبات وتكايا ومُؤسساتٍ خيريَّةٍ ووقفيَّة، وأبقى فيها الكثير من أبنائها الأصليين من المسيحيين واليهود في سبيل الاستفادة من خبراتهم، وشجَّع المُسلمين على الانتقال إليها في سبيل الاستفادة من مزاياها التجاريَّة وعلم أهلها. وقد ظهر السُلطان مُحمَّد بِمظهر راعي بطريركيَّة القُسطنطينيَّة الأرثوذكسيَّة المسكونيَّة في مُواجهة البابويَّة والكنيسة الكاثوليكيَّة. وشهد عهد مُحمَّد الفاتح أيضًا دُخُول أعدادٍ كبيرةٍ من الأرناؤوطيين والبُشناقيين في الإسلام، وقد قُدَّر لِبعض هؤلاء أن يلعب أدوارًا بارزةً في الميادين العسكريَّة والمدنيَّة في التاريخ العُثماني لاحقًا. وكان السُلطان مُحمَّد عالي الثقافة، وقد تحدَّث عدَّة لُغات إلى جانب لُغته التُركيَّة الأُم، وهي: العربيَّة والفارسيَّة والعبرانيَّة والروميَّة واللاتينيَّة والصربيَّة. كما تمتع مُحمَّد الفاتح بِمهاراتٍ إداريَّةٍ فذَّة، فأصدر الكثير من القوانين العُرفيَّة لِتنظيم الحُكم في دولته، وكان له اهتمامات وهوايات عديدة، كالبستنة وصناعة الخواتم، لكنَّ شغفهُ الحقيقيّ كان رسم الخرائط. وكان مُحمَّد الفاتح تقيًّا صالحًا مُلتزمًا بِحُدُود الشريعة الإسلاميَّة، وفي ذلك يقول المُؤرِّح أحمد بن يُوسُف القرماني: «...وَهُوَ السُّلطَانُ الضِّلِّيلُ، الفَاضِلُ النَّبِيلُ، أَعظَمَ المُلُوكِ جِهَادًا، وَأَقوَاهُم إِقدَامًا وَاجتِهَادًا، وَأَكثَرُهُم تَوَكُّلًا عَلَى اللهِ تَعَالَىٰ وَاعتِمَادًا. وَهُوَ الذِي أَسَّسَ مُلكَ بَنِي عُثمَان، وَقَنَّنَ لَهُم قَوَانِين، صَارَت كَالطَّوقِ فِي أَجيَادِ الزَّمَانِ. وَلَهُ مَنَاقِبَ جَمِيلَة، ومَزَايَا فَاضِلَة جَلِيلَة، وَآثَارٌ بَاقِيَةٌ فِي صَفَحَاتِ اللَّيَالِي وَالأَيَّام، وَمَآثِرٌ لَا يَمحُوهَا تَعَاقُب السِّنِينِ وَالأَعوَام».

توفى " محمد الفاتح " لكنَّ آثاره تبقى شاهدة على ما قام به من خدمات للإسلام والمسلمين، محقِّقا ما بشِّر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه : لَتفتحنَّ القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش ".

وفي سكرات موته أخذ يوصي ابنه " بايريد " بوصايا توحي في مدلولها بمدى صلاح هذا الرجل، إذ يقول له: " يا بني إن نشر الإسلام في الأرض واجب الملوك على الأرض، فاعمل على نشر دين الله حيثما استطعت .. يا بني اجعل كلمة الدين فوق كلكلام، وإياك أن تغفل عن أي أمر من أمور الدين، وأبعد عنك الذين لا يهتمون بأمر الدين، وإياك أن تجري وراء البدع المنكرة .. يا بني قرب منك العلماء، وارفع من شأنهم؛ فإنهم ذخيرة الأمة في المُلمّات".

حكم السلطان محمد الفاتح نيفا وثلاثين عاما تعد من أهم الفترات في تاريخ العلاقات السياسية والحربية بين الإسلام والنصرانية وبين الشرق والغرب، ولا تنحصر أهمية أعمال الفاتح الحربية في فتح القسطنطينية عاصمة النصرانية التليدة في الشرق، والتي قامت خلال عشرة قرون بأسوارها الضخمة المنيعة تدفع عن نفسها غزوات الغزاة من الشرق والغرب، فما هذا الفتح، على عظم خطورته وبعد آثاره، إلا واحد من فتوحاته العديدة الكثيرة في أوروبا وآسيا.

أما في آسيا فقد قضى السلطان الفاتح على البقية من الإمارات والقلاع القائمة في آسيا الصغرى وجعل هذه البقعة برمتها تحت سيادة عثمانية خالصة.

على أن حروب السلطان الفاتح في آسيا لم تكن حروبا أسيوية محضة، أعنى أ،ها لم تكن بين الدولة العثمانية وبين دول وإمارات آسيوية فحسب بل دخلت فيها عناصر وعوامل أخرى مختلفة امتزجت امتزاجا عجيبا كان من أثره ذلك التحالف الغريب ضد الدولة العثمانية بين إمارات إسلامية وأرثوذكسية في الشرق وبين البابوية وبعض الدول الأوروبية الكاثوليكية والتجارية في الغرب.
الترتيب:

#6K

0 مشاهدة هذا اليوم

#44K

15 مشاهدة هذا الشهر

#35K

7K إجمالي المشاهدات
عدد الصفحات: 378.
المتجر أماكن الشراء
محمد سالم الرشيدي ✍️ المؤلف
مناقشات ومراجعات
دار البشير للثقافة والعلوم 🏛 الناشر
QR Code
أماكن الشراء: عفواً ، لا يوجد روابط مُسجّلة حاليا لشراء الكتاب من المتاجر الإلكترونية
نتيجة البحث