█ _ علاء أبو شحاته 2021 حصريا قصة طرق لا تؤدي إلى روما عن دار حروف منثورة للنشر الإلكتروني 2024 روما: الباحثين الأحاسيس الحانية والرومانسية المرهفة زمنٍ طغت فيه المادة والخداع والمشاعر الزائفة محبي الأدب الراقي والكلمة الهادفة يسعدني أن أضع بين يديكم المجموعة القصصية " " راجياً من الله تنال إعجابكم كتب الروايات والقصص مجاناً PDF اونلاين الرواية هي سرد نثري طويل يصف شخصيات خيالية وأحداثاً شكل متسلسلة كما أنها أكبر الأجناس حيث الحجم وتعدد الشخصيات وتنوع الأحداث وقد ظهرت أوروبا بوصفها جنساً أدبياً مؤثراً القرن الثامن عشر والرواية حكاية تعتمد السرد بما وصف وحوار وصراع وما ينطوي عليه ذلك تأزم وجدل وتغذيه كتب قصص اطفال روايات متنوعه وروايات بوليسية عالمية ادب ساخر ساخره لاعظم الكتاب مضحكه واقعيه قصائد وخواطر طويلة قصيرة قصيره
❞ ومضت ربع ساعة من بعد الثامنة مساءًا، يجلس في مكتبه، ويكتب لها الرسالة الخطية رقم 39 مستهلًا كلماتها بشوقٍ ،جارفٍ ولهفةٍ ترنو الى عينيها المحيط :
أسامة : صباحٌ مشرقٌ بنور محياك يا أنا ، صباحٌ ارتسمت عليه رقتك فاستحال عذبًا رقراقا كأسير الحياة ، صباح يرنو بعذوبة صوتك وهمسك الأخاذ .
صباح ٌيتنفس عبقَ هواك ويتعطر بأنفاس صدرك الدافئ دفء َ شمس الشتاء الحانية وضوء القمر حين يحنو على الأرض ،يبدد ظلمتها ،تكسوها بهجة وفتنة، وسحرًا وجمالًا .
صباحٌ يضحك كضحكتك التي أحالت أحزاني فرحًا، وقسوة السنين أملًا وعشقًا ،وبددت آلام قلبي وأوجاع الجراح والحنين .
تبقين أنتِ حبيبتي مهما عاندت الدنيا وأوهمتنا أنه من المستحيل، فلا مستحيل إلا أن نفترق وتنفلت أيدينا عن رباط الحب وعهود العشق والوفاء .
يرسل إليها رسالته منتظرا ردها بلهفة واشتياق .
غزتْ قلبَه واعتلتْ رايتُها بنشوى النصرِ والارتقاءِ .
عصفتْ بحناياه فما عادَ يملكُ من مصيرِ هواه إلا الخضوعَ والإذعانَ وإبرازَ هويةِ الاعترافِ .
قابلها صبيحةِ يوم ٍ من أيامِ هواه المتعطشِ وغرامهِ المرسوم ِعلى شاشاتِ عينيهِ ونبراتِ صوتهِ التي أعياها الشوقُ وأضناها التماسُ السبيلِ لطرحِ ورقاتِ الاعتراف .
طلب منها الحديثَ عن أمر ٍ يلحُ عليه واصطحبها لركنٍ من أركان الكلية التي يدرسانِ فيها حيثُ تراهما الأعينُ وتخفت عنهما الأصواتُ .
بدا عاجزًا عن استجماعِ قواه وإعادةِ سردِ الكلماتِ التي رتّبها مئاتِ المراتِ طوالَ ليلهِ الكليمِ .
أعياه خوفُه أن تصدمَه أو تعصفَ به حيثُ اللاعودةُ لمعاني الحياةِ .
صار كطفلٍ صغيرٍ أصاب ذنبا وقد حبسته أمّه في ركن ٍ من جنًبات ِالاعترافِ فلا كلماتٍ تسعفه ولا حيلًا تُنجّيه من نظراتِ أمّهِ التي تعلمُ كلَ تفاصيلِه وهمساتِه وخلجاتِ الصدرِ المرتجفِ ، فلا مناصَ منها غيرَكاملِ الاعترافِ ومِنْ ثَمّ عذابُ الانتظار، ِوتبعاتُ الإقرارِ .
ظلَّ يستجمعُ كلماتِه ليلحقَ بزمام ِ المبادرةِ لعلَّ نفسَه تسكنُ على شواطئِ هواها العصيّ ِ وعينيها التي تفتك ُ بكلِ مغامرٍ تراوده نفسُه لمعاني الاقتراب ِ .
ما عاد أمامه في ظل حصارِ عينيها ومهارة ِنبرات ِ صوتِها الرخيمِ غيرَ تسليمِها مفاتيحِ قلبِه واستباحة ِالديار . ❝
❞ ˝ بدا الليل وقد وشَّح الدنيا بسواده الحالك وراح يفرضُ سطوته على الشاطئ رويداً رويداً حتى أذعنت مملكةُ الشطآن لسلطانه وقبلت باحتضان صولجانه بين رمالها ولو إلى حين .
تمدّد على كرسيه وجهاً لوجه مع صديقه القديم ، يستمع لصوت أمواجه وهي توشوشه همساً حانياً وقد أغمض عينيه ووضع يده على الكرسي الذي يعانق كرسيه ، يتحسسه ويعاتبه :
كم أخشى أن تخلفَ وعدها لنا أيها الخاوي من نورها الذي يضيئ ظلامنا ، ودفء هواها الحاني الذي يسري في أيدينا فيحيي أجساداً قست عليها دنيا البشر ومتاهات القلوب ، دفءٌ كنورِ شمسٍ في شتاءِ يومٍ عاصفٍ يداوي جراحَ الحب ولوعة الشوق والحنين . ❝
❞ خرج صوتُ أمل ضعيفاً رقيقاً برقتها وابتسامتها التي ما كانت تفارق محياها يوماً ما .
أنا بخير صديقتي وكل قدر الله خير فلا تستسلمي للحزن والخوف حبيبتي .
ريبيكا : كما عاهدتك قوية ومتماسكة حبيبتي ولا زلنا نستلهم منك قوتنا وأملنا حتى وأنت في لحظات المرض والضعف .
أمل : اليوم المساجد بلا مصليين والكنائس بلا مصليين والمعابد أخليت من الناس والكعبة في سكون لا طواف ولا حراك وما عاد للبشرية من خلاص ٍ إلا بالعودة لربها والإذعان له .
تحاول ريبيكا أن تبدو متماسكة أمام صديقة عمرها والتي بدا نورها يخفت رويداً رويداً وقد وضعت إحدى قدميها نحو مشاعل النور ورحابة السماء .
ومع غروبِ شمسِ يومٍ من أيام اللهفةِ ومعاناةِ قسوة ساعات الانتظار جلس خالد ينظر للشمس وهي تذوب عشقاً في مياه البحر الذي أغراها بحبه وبهجة لقائه حتى ابتلع قرصها القرمزي في محيط مياهه الزرقاء . ❝
❞ - قاطعتها..وطبعًا جُنّ جنون النعمان.
- نعم، وقال مقولته التي سطرت نهاية الشاعرين لاحقًا: لقد وصف جسدها وصفَ مَن عاين لا وصف مَن تخيل..هل ما زلتَ تبررُ لها أم أكمل لك تلك الملهاة؟
- لا...شعرت بغثيانٍ وبرودةٍ في جسدي ورنينٍ في أذني ورغبةٍ مُلّحَةٍ في مغادرة الحيرة.
- نظرت لي نظرةً حانيةً..هل ما زلت تدافع عنها؟
- أجبتها بصرامةٍ، وقد ارتفعت نبرة صوتي، الخيانة خيانة، ولا مبرر لها.
- ابتسمت ويدها تغادر مواضع يدي، مدينة الحيرة كالدنيا، ملعونة، ملعونٌ كلُ ما فيها، على رغم جمالها وسحرها، فقد بُنيت على لبنات الخيانة وأحجار الغدر بداية من غدر النعمان بسِنِمَّار المعماريّ البيزنطيّ الذي شيد له قصر الخورنق الذي أراده النعمان أجمل قصرٍ في الإمبراطورية الساسانية، ثم بدعته التي ابتدعها بعدما غدر بنديمَيه، وجعل في العام يومين؛ يوم نعيم ويوم بؤس..مَن دخل الحيرة في يوم نعيمه فاضت عليه الدنيا بخيرها، ومَن دخلها في يوم بؤسه فقدَ حياته، ولطّخ النعمانُ بدمه قبرَ النديمين المغدور بهما . ❝
❞ - قاطعتها مستغربًا ... وكيف تملأ امرأةٌ ما عجز عنه النعمان؟
- هذا هو بيت القصيد، احتلت رقاش فراغ فراش ابن ماء السماء.
- لم أتحمّلُ هول المفاجأة كعادتي في تلقي الصدمات تلو أخواتها، هل تقصدين أنها كانت....
- نعم أيها الأغر، سرعان ما اكتشفا مكامن المتعة في جسدهما، فكانت هند أول امرأة عربية عُرف عنها ذلك الانحراف، ثم...
- بعينٍ مُلِحّةٍ وسؤالٍ حَيّره ما تخفيه عميقة العينين..ثم ماذا؟
- ماتت رقاش فجأةً وبدون أية مقدمات، مخلفةً وراءها جوعًا لا يُشبع، ورغبةً حائرةً لا تنطفئ، حتى رأت الشاعرين النابغة ومُنَخَّلّا في مجلس النعمان..تعلق بها الشاعران سريعًا، وصار كلٌ منهما يتمنى أن يرافقها في سريرها، ولأنّ لا أحدَ يتعلمُ الدرسَ منذ قتل قابيل أخاه من أجل أنثى، دبّت الغيرة بين الصديقين، وصارا يتباريان في إظهار أفضل ما لديهما لينالا رضاها.
- قاطعتها..لكن ما أعلمه أنها أحبت مُنَخَّلًا.
- لا تتعجل حبيبي وقرة عيني كعادتك.. في يومٍ من الأيام ساق القدر النابغة إلى بستان القصر، فصُعق حين شاهد هند وهي تستحم، وقد تجردت تمامًا من كامل ملابسها، لم يتحمل النابغةُ نورَ جمالها الصارخ الذي غرس سهمه في قلبه بدون أملٍ في عودةٍ أو شفاءٍ . ❝
❞ قصةٌ أخرى من قصص الخيانة! ألا تجد سواها أيها المغامر الذي تحاذيه الخبرة والفطنة كشريطي قطارٍ سريعٍ لا يتوقف إلا في محطته الأخيرة ‘ فلا تلتقط عجلاته أنفاسهما المتقطعة ولا القضيبان يلتقيان!
- نظرتُ إليها نظرة الملتاع من قسوة البعاد وعتمة ما بعد الوداع، لا تتعجلي الحكم عليها حبيبتي.
- بريبةٍ لا تخطئها عينٌ، هل أعجبتك هند بنت عامر؟
- تقصدين المتجردة؟ تلك الحورية معتدلة القد، نقيةُ اللونِ والثغر، القمراءُ، البيضاءُ، الكحلاءُ، أسيلةُ الخدين، شهيةُ المقبل، جذلةُ الشعر، عريضةُ الصدرِ، كاعبُ الثدي، ضامرةُ البطن، لفاءُ الفخذين، لم تغد في بؤس....
- قاطعتي بصوت غلفه الحنقُ وغيرةُ النساء.. وماذا أيضا أيها النخاس؟
ذكرتني بقول الأعشى:
غراءُ فرعاءُ مصقولٌ عوارضها
تمشي الهوينا كما يمشي الوَجي الوَحِلُ
ألا ترى أنك قللتَ من شأني كثيرًا حين محوتَ كلَ جميلٍ في روحي وصفاتي متعلقًا فقط بما يُرضِي شبقَ أشباه الرجال!
- لم أجد نفسي أمام ثورتها التي فاقت بركان فيزوف جحيمًا إلا أن أبدي اعتذاري، وأنثر معالم ندمي على عتبات قلبها..خانني اللفظ حبيبتي وغدرت بي الكلمات . ❝
❞ يوم في الحيرة خيرٌ من ترياق النطاسين، هكذا وقع الشعراء في سحرها وجمالها ˝ حلموا بها دون أملٍ، وماتوا فيها بلا ثمنٍ ˝، كانت تلك النداهة التي تغوي الرجال، وتسلبهم إرادتهم قبل عقولهم بعد أن تكون قد أشعلت نيران شهوتهم وأعلت من ثورات الفحولة والذكورة ببناء الطين الهشّ، ˝ ومنذ أن نادتهم وهم يسعون إليها دون أن يسأل أحدهم نفسه: من الذي بني ذلك الفخ بالغ الجمال؟ ˝
النعمان بن المنذر بن امرئ القيس..... آهٍ يا امرأ القيس، يا من تنازعني حبيبتي عنيزة، أيهما المارق العربيد! أشعر شعراء العرب وحامل لوائهم إلى الجحيم..ها هو حفيدك ابن ماء السماء ذو الوجه الأبرش الدميم والشعر المتوهج، وأمه ماوية بنت جشم تلك الحورية التي من فرط جملها سُمّيت بماء السماء، كيف لهذه المهرة العربية الأصيلة تلد هذا البغل الدميم؟
مسيحيًا نسطوريًا، خشنًا فظًا لا صديق له، فيه من الهمجية والقسوة ما ارتجفت به أيدي المؤرخين وتطايرت بشؤمه رؤوس الشعراء، عبيد بن الأبرص الشاعر في يوم بؤسه! والقائمة تطول.
وماذا عن نديمَيه؟ هذين الوغدين اللذين وُجِد ا ليبررا أداة القتل، ككرة النار التي تحرق الدنيا بأسرها دون وخزة ضمير أو نتفة من ألم.. ألا لعنة الله على حاشية الباطل والرياء في كل زمان ومكان . ❝
❞ - هذه شخصية نرجسية بامتياز يا جاسمين.
- نعم هذا ما أدركته لاحقًا، فهو من النوع الذي يحتاج إلى شخصيةٍ تافهةٍ تتبعه وكأنها خُلقت لتكون يدين لا تتقنان سوى الانبطاح له والتصفيق الحاد والمستمر دون توقف، وإغراقه بطوفانٍ عارمٍ من عباراتِ الثناءِ والشكر ِالدائمِ، والشعورِ بالثناء والامتنان له حتى على أتفه الأمور، وذلك لإرضاء ذاته وغروره المتواصل.
- وهل تعلمتِ من التجربة يا جاسمين؟
- ابتسمتُ ابتسامةً باهتةً يضمدها التعافي..ما دمتُ أحكي لكِ الآن، فاعلمي أني أكملتُ مراحل الشفاء، وتجاوزت نفقه المظلم.. تعلمتُ الخلاصَ من العلاقات السامة؛ تلك التي كانت تنتشي بالتقليلِ مني أو إحداثِ ثقوبٍ من السلبية والخيبات في سفينة إبحاري نحو التفوق والنجاح، أو حين تستميتُ كي ترفعَ أعلامَ الفشلِ الكئيبةِ على ساريةِ صروحِ نجاحاتي في الحياة.
- كعادتها الهزلية، يا واش يا واش، حكيم روحاني حضرتك!
- لا أنكر أنها تنجحُ في كلِ مرةٍ في إخراجي من أحلك أوقات حزني بطريقة هزلية لا يجاريها فيها أحد.
- قالت: دعيني أتفقُ معكِ يا جاسمين..لا أخفيكِ أني تعلمتُ منكِ الكثيرَ؛ تعلمتُ ألا بطولة في مواجهةِ الكائناتِ السامةِ، بل الحكمة في الابتعاد، فمجاملة الأفاعي جريمة.
- نظرتُ إليها نظرةً حانية في محاولة لإنهاء هذه الحديث الذي يُقلّبُ عليّ أوجاعًا، والتي أتحاشى ذكرها، فأجبتها . ❝
❞ علاقاتٌ خَطِرة
وصلتُ لعملي في اليوم التالي، وكما توقعت وجدت سارة كعادتها في الإصرار وعدم النسيان خاصة ما يتعلق بي وكأن أمي أوصتها عليّ أو كأنها أم لي من بعد أمّ.
- ماذا وراءك يا عصام؟ بطريقتها الساخرة التي لا تخلو من الاستفزاز.
- علاقة وانتهت يا سارة.
- نظرت لي ملياً..أليس أنطوني ابن خالتك الذي تعاهدت أمك وخالتك أن يكون زوجك وأن مَن يجمعهم الله لا يفرقهم البشر؟ أليس هو الأنسب لكِ دينيًا وطائفيًا؟ أليس هو الذي يعاملك بكل لطافةٍ واهتمامٍ يحسدك عليه كلُ مَن كان يراكما معا ً؟
- تنهدتُ، وقد سرحت بخاطري في تلك العلاقة الخطرة التي أرهقتني وشوهت الكثير من غرفاتِ قلبي، وجعلتها مبعثرةً، لا تقوى على الإقبال على الحياة، فضلًا عن أن أعيشها بأريحية وسلام نفسي.. لا يغرنك يا سارة ما كان يظهره من لطفٍ ومبالغةٍ في المعاملة الراقية، كنتُ في كل مرةٍ يتجاوزُ فيها في حقي، ويتعمد تهميشي والتقليل مني، كنت ألتمسُ له الأعذارَ..كم كنتُ بلهاء عندما يعود معتذرًا، ويجلسُ عند قدمي يبكي كالأطفال، ويعترف بذنبه وتجاوزه الذي لا يليقُ.. لكِ أن تتصوري كم كنت ساذجة . ❝
❞ - ألم يمر عليكِ اعترافها؟ ˝نعم كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني، وكان له وجه طفل وجسد عجوز، عينان من عسل، وغمازة طفل، لم يكن فيه من الخارج ما يشبه صورة البطل التقليدية، والأبطال الحقيقيون يشبهون الرجال العاديين رقة وحزنًا˝..
- ما زلتَ تدافع عنها رغم تهاوي أدلتك!.. أخبرني ما الذي جعلك تتعلق بتلك القصة التي تراها مثالية وتحتذى؟
- نظرتُ في عمق عينيها..يا ليت لي امرأة تحبني كما أحبت غادة السمان غسان كنفاني!.. هذه أمنية مكتومة يا عنيزة في نفوس كثير من الرجال الذين يعادون غادة السمان، ويقفون ضدها ويشوهونها ويجرمونها، وفي نفوس نساء كثيرات يكاد خوفهن يأكلهنّ ويحولهنّ إلى مسوخٍ.
- لم تستطع أن تمنع ضحكها، ساخرة ًمني، وماذا بعد يا سفير ذكورية الرجال وحامل لواء أمانيهم؟
- متجاوزاً سخريتها اللاذعة..لقد تمنيتُ كثيرًا أن تكتبَ عني المرأة التي أحبها كما كتبت وتكتب غادة السمان عن غسان كنفاني.. كم أتمنى أن تبادر تلك المرأة وأن تنشر رسائلي لها، تلك الرسائل التي اشتهيتها فيها، وأخبرتها عن أحلامي بها.. ماذا فعلنا في تلك الليالي المجنونة، لنفعل ما لم نستطع فعله على أرض الواقع.
- حاولت أن تخفي معالم ثورتها قائلةً: ألا تتفضل بقراءة تلك الرسالة التي أوردتها غادة في كتاب الرسائل؟ . ❝
❞ - وكأني أحتمي بها منها.. ˝ أشعرُ بحاجة لا توصف، لا يصدقها العقل، إليكِ أشعر بجوع إلى صدرك، بنهمٍ إلى وجهك ويديكِ ودفئك وفمك وعنقك، إلى عينيك..بنَهَم إليكِ أشعر بجوعٍ وحشيٍّ إلى أخذكِ إلىّ.. احتضانك واعتصارك وإعطائك كل ما فيّ من حاجةٍ إلى أخذ الرعشةِ الإلهيةِ وإعطائها، كياني كله تحفز إليك، إنك تُخيّلين علىّ أفكاري وتلتهمينني˝.
- لم أستطع كتم غيظي هذه المرة واندفعت اندفاع المنتصر....هذه الرسالة ليست لغسان كنفاني.
- صدقت يا علاء، ولكنها موجهة لغادة.
- ماذا تقصدين؟
- هل قرأت كتاب رسائل.....؟
- قاطعتها، عن ظهر قلب.
- لا تتعجل يا حبيبي، هل قرأت كتاب رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمان، والذي صدر عنها سنة 2017؟
- لم أتحمل هذه المرة وقع الخبر، هل تقصدين أن هذه الرسالة الفاضحة أرسلها لها عاشق آخر؟
- نعم وأكثر من ذلك، غادة كاتبة جريئة لذلك لا أستغربُ لو نشرت صورًا حميمةً، فكتاباتها تدل أنها لم تكن تخجل من شيءٍ وهي صغيرة، والآن أيضًا لا تخجل من ذلك وهي كبيرة.. وبالرغم من أنه ليس للرسائل محتوى مهم، فهي كرسائل المراهقين، لكني أعتبرها خيانة أمانة ممن أحبها وأهداها مشاعره برسائل يُفترضُ أن لا يشعر بها غيرها . ❝
❞ هل تظن يا علاء أن زواجه بأخرى وحياتَه العائليّة المستقرّة والخاصة جَعَلاها تتجنّبُ الدخول معه في علاقةٍ جديّة لا أملَ منها؟
- وقع علي ّ كلامها كسكين حاد يتفنن في تمزيق أوصال إيماني بتلك القصة الرومانسية التي ألهمت الكثير من العاشقين..هل تزوج غيرها؟
- دعك من تلك الحقيقة التي فاجأتك، ولكن اقرأ لي الرسالة التالية:
- حاولتُ تجاهل هول المفاجأة وبدأتُ القراءة: ˝ غادة..يقولونَ إنّ علاقتنا هي علاقةٌ من طرفٍ واحدٍ، وإنّني ساقطٌ في الخيبة، قيلَ إنّني سأتعبُ ذاتَ يوم من لعقِ حذائك البعيد..يُقال إنّك لا تكترثينَ بي، وإنّكِ حاولتِ أن تتخلّصي منّي، ولكنّني كنتُ مِلْحاحاً كالعَلَق..يشفقونَ عليّ أمامي، ويسخرونَ منّي ورائي، ويقرأونَ لي كما يقرأونَ نماذجَ للشاعر المجنون..˝، في محاولةٍ يائسة مني حاولت أن أجد مبررًا ومخرجًا لكلا العاشقين.. إذا كانتْ غادة قد أرادتْ من نشر رسائل غسّان لها التشهيرَ به وإرضاء نرجسيّتها وغرورها، وتسليط الضوء عليها، فهي بذلك كشفتْ للكثير من القرّاء عن غسّان كنفاني النبيل، غسّان كنفاني الإنسان.
- بعبثية المنتصر، وثقته في إنهاء جولته مع فريسته سألتني..وما دليك؟ . ❝
❞ - حاولتُ كثيرًا أن أفهم ذلك الغموض الكامن خلف انجذاب روحٍ إلى أخرى، ما الذي يدفع أحدنا للشعور بالانتماء لشخصٍ آخر يشاركه الكوكب ذاته؟ ما سرّ كلّ هذه المشاعر المعقّدة والمتشابكة التي قد تدفع أحدنا لربط سعادته وتعاسته بكائنٍ آخر حتى وإن لم يبادله ذرّة؟ أتساءل وأضع عشرات الإجابات وأختم دائمًا بالإجابة الأكثر منطقية وإراحة لي: لا أعلم.
- هل تشك يا علاء في حبها لغسان، وأنها لم تكن تبادله المشاعر ذاتها التي جعلته أسيرًا لدائرتها؟
- بالعكس فأنا أومن تمامًا أنها أحبته كما أحبها تماما.
- ضحكت ضحكتها الساخرة كعادتها، لا تتعجل الحكم أيها الأغر، فالليل أمامنا لا يزال طويلًا لتتكشف أمامنا الحقائق وتزول عنها عتمتها.
- تمنيتُ أن أصرخَ في وجهها قائلًا: متى تتوقفين عن إفساد كل قصة حب آمنت بها وخلدتها دواوين العاشقين؟
- نظرت نحوي، وهي تعبث بلحيتي .. لستَ في حاجةٍ إلى أن تصرخ يا صغيري، فأنا ملهمتك التي تقرأ ما يدور بخلدك، لا تتعجل النتيجة، ودَعْ القصةَ تفصحْ عن مكنونها، . ❝