█ _ محسن الوكيلي 2021 حصريا رواية أسير البرتغاليين حكاية الناجي عن دار ميم للنشر 2024 الناجي: رفعتُ وجهي إلى السماء كان لونها كئيباً؛ أصفر وعكراً أقرب لون القيح خضت الطرقات ماتت فاس التي عهدتُ هرب الكثير من الناس الجبال وأقفلت البقية الباقية الأبواب والنوافذ نفسها تنتظر آجالها دفعت دفة باب دارنا ودخلت فهجامتني رائحة العفونة البهو تابعتُ أخي عبد الصمد ينط كقرد زائغ النظرات ومن عنقه المذبوح يسيل دم سابغ "الذي مات مغدوراً يعود الدنيا الهيئة رحل عليها" قالت أمي ما كانت تحسب أن المغدور أبناؤها وأن الغادر زوجها أحبت أدبية متنوعة مجاناً PDF اونلاين ركن خاص بكتب مجانيه للتحميل
❞ ولمَ يتقاتل المسلمون والنّصارى؟
ردّت أمّي:
- لأنّهم يريدون بالله ما لا يريد الله.
- نعيمة؟
- نعم يا إبراهيم.
- وماذا يريد الله؟
- ما لا يريد الذين يتقاتلون باسم الله . ❝
❞ شرعت المدينة في استعادة عافيتها متغافلة أحزانَ الأمسِ عاد البديّون إلى عاداتهم القديمة فركبوا دوابّهُم وعبروا في دكنة الفجر المسالك يقصِدُون عاصمة النّظام والفوضى والعلم والجهالة ومربط الإيمان والمجون وموطن الكدّ واللّهو سيمضون، كما كانوا يفعلون دهرا، عّبر الدّرُوب، على عتبات البيوت، ويتنفسّون روائح المطابخ العابقة ويسترقون النّظرَ من فجوات الأبواب المواربة والشّرفات المشرعة للشّمس وعيون الفضوليّين ليعايروا زوجاتهم مساء بشطارة نساء فاسيات لا تضاهيهنّ بقيّة نساء الدّنيا في شيء.ساداتي، إنّها فاس التي لا يكتمل سلطان ملك دونها، ولا علم عالم جليل ما لم يطأ أرضها؛ المدينة التي تراود أحلام الأفارقة من بلاد البيضان إلى بلاد السودان، وتغازل شرقا شبق الترك التواقين لأرض المغارب وتستثير لواجع الرّوم غربا فيأتون إليها راغبين صاغرين . ❝
❞ لا أحد يبقى كما كان بعد الجائحة حضرة الضّابط لمّا يرحل الطّاعون يحاول النّاس جاهدين أن ينسوه، ينزلون إلى الحقول ويعمّرون المحلات والأسواق ويُجهّزون القوافل ويسيّرونها نحو سجلماسة وبوداغوست وبلاد السّودان ويستقدمون المزيد من العبيد كي يبنوا منازل وقناطر ويرفعون أسوارا أعلى يقاربون أحلامهم الأولى بحياة زاهية فيعود إليهم الوباء، تأتي طلائعه ريحا حارّة يعقبها الصّمت الأوّل يتسلّل الخوف ببطء فيبدأ الشّكّ، يشرع النّاس في ادّخار الحنطة والزّيت والثّمار المجفّفة، تمتلئ المساجد أكثر فأكثر، ثمّ تأتي أولى الأخبار عن رجال سقطوا هنا وهناك . ❝
❞ «لا تبكوا»، تقولُ الأمّهات للأبناء، «حتّى لا ينتبِهَ الطّاعونُ إلينا فيقرَعَ بابنا». لكنّ الطّاعون لا يأبَهُ بوصايا الأمّهات ولا يهتمّ لخوف الأطفال. سيقرَعُ البابَ تلو البابِ، ينتقي ما طاب له، يوفِّرُ ما شاء، ويقفِزُ إلى بيوتِ أخرى . ❝
❞ كان سجين الذّاكرة وسجين ضيق الحيلة وسجين أسوار فاس وسجين المخاوف. اليوم تجلّى سجنُهُ في الأسر. «لا يختلف أسر عن أسر»، فكّر. يعي جيّدا أنه صار بين سجنين لا أكثر؛ الذي يحمله داخله والذي يوجد خلف قضبانه . ❝
❞ لا أحد يبقى كما كان بعد الجائحة حضرة الضّابط لمّا يرحل الطّاعون يحاول النّاس جاهدين أن ينسوه، ينزلون إلى الحقول ويعمّرون المحلات والأسواق ويُجهّزون القوافل ويسيّرونها نحو سجلماسة وبوداغوست وبلاد السّودان ويستقدمون المزيد من العبيد كي يبنوا منازل وقناطر ويرفعون أسوارا أعلى يقاربون أحلامهم الأولى بحياة زاهية فيعود إليهم الوباء، تأتي طلائعه ريحا حارّة يعقبها الصّمت الأوّل يتسلّل الخوف ببطء فيبدأ الشّكّ، يشرع النّاس في ادّخار الحنطة والزّيت والثّمار المجفّفة، تمتلئ المساجد أكثر فأكثر، ثمّ تأتي أولى الأخبار عن رجال سقطوا هنا وهناك . ❝
❞ تغلق أبواب المدن في وجه الأغراب وتدفع المزاليج في الأبواب فيكفّ النّاس عن زيارة النّاس وبلا حول ولا قوّة يستسلم الخلق يموتون فرادى وجماعات، تقفر الشّعاب وتخلوا القرى وتخرب المدن ويرتفع صوتُ الموتِ الأسودِ وحيدا وقد صمتت المآذِنُ وانحنت الأعناق . ❝
❞ مع الأيّام يبس عُودُها وغارتْ عيناها وبرزت أسنانُها. الجوع يغيّر كلّ شيء سيّدي، يعجن وجه المدينة ويعيد رسم وجوه النّاس؛ يخرج من القلوب أسوأ ما فيها فيصير الرّجلُ المسالمُ وحشا والمرأةُ الطيّبةُ شيطانا . ❝
❞ هل زرتَ فاس من قبل؟
ستشعر بأرواح الذين ماتوا خلْف الأسوار وداخلها تحفّك كالفراش فجأة، وأنت تعبُرُ باب الفتوح يمتلئ صدرُك بأفكار كثيرة وأحاسيس لم تراودك من قبل إنّهُمُ الرّاسِخُونَ إلى الأبد، الباقون معلّقين في كلّ شيءٍ، التّوّاقون للتّجلّي في فوضى الخواطِر مع كلّ زائِرٍ يعبُرُ أبوابَ المدينَةِ إلى ذاكرتِها.
كلا، فاس ليست ككلّ المدن سيدي، ذلك لأنّها بأكثر من روح، وأكثر من وجه، تولي شطر الجنوب فتتلوّنُ برمال الصّحراء، لا بُدّ أن ترى القوافل تفيض بملثمي الوجوه والجِمالَ المُحمّلةِ بالتّبر والملح تجري مجرى الماء في الوادي، تتيمُّم شطرَ الغرب فتلوح قِمَمُ الأطلس بأوشحة الثلجِ البيضاء. تُلامسُ مع كلّ هبّة ريح حرّ بلاد التّكرور الشّاسعة وبردَ جليد أراضي الشّمال . ❝