█ محمد الورداشي "حينما تبكي الروحُ! " باغتني العياء المتوحش وأنهك جسدي النحيل سكون الليل فأخذت أتقلب سريري المليء بالمنعرجات ويفرُّ النوم من عيني المتعبتين أستلقي ظهري أحس ألما شديدا وأتقلب جانبي الأيسر فأشعر بوجع ممض معدتي ثم أستدير جهة اليمين ولكن لا يزورني ولا يقترب عينيّ قيد أنملة أحاول جاهدا فأغمض رغما عنهما وضدا الأرق فأسمع صوتا مزعجا الشارع أنهض متثاقلا وأطل نافذة المطبخ فلا أرى إلا أشباحا تمضي مسرعة كالبرق وأعيد النظر بعدما حاولت فتح فيتراءى لي قطان أسودان يتعاركان ويصدران أصواتا حزينة ومبهمة فهمها وهتك غموضها ولكني أقرّ رأي واحد تجاه هذه الأصوات التي تمزج بين الحزن والشكوى الإعلان عن الأذى المحدق والتعبير الانزعاج لم يرقني هذا المنظر؛ لأني أحب مشاهدة الحيوانات وهي تنهش جسد بعضها البعض يؤلمني كثيرا أن حيوانا ضعيفا يلحقه قبل حيوان أقوى منه إنسان يكره الحيوان ويرى فيه عدوا يجب اضطهاده حيثما وجد أكره إلى الكائنات الضعيفة تُؤذى الأقوى منها؛ لذلك أغلقت النافذة بهدوء وسرحت ببصري فوقعت عيناي بقايا طعام وفواكه ارتمت كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ محمد الورداشي
˝ كيف ينشر اليوتوب أمراضه في المجتمعات العربية؟˝
كثر إقبال الشعوب العربية على ولوج مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة عامة، وموقع ˝يوتوب˝ خاصة. إذ بتنا نرى تواجدا كبيرا لأشخاص كثيرين بوصفهم مؤثرين بآرائهم وأفكارهم وتصوراتهم. ذلك أن وسائل التكنولوجيا أتاحت للكل إمكانية ولوج عوالم التواصل المختلفة، وتقديم بضاعته كيما تتنافس مع بضاعات أخرى، ليغدو مقياس ومعيار جودة البضاعة هو ما تحققه من نسبة مشاهدات وإعجابات واشتراكات، أي ما تدره من أموال على صاحبها، وليس معيار جودة الأفكار وأصالتها وجدتها، ولا وضوح توجهات المؤثر وتصوراته، أو علمية وموضوعية ˝المعرفة˝، البضاعة˝ التي يعرضها.
بيد أن المشكلة الكبيرة تتمثل في الأمراض الاجتماعية والنفسية والاخلاقية والفكرية والثقافية التي أصبح ˝اليوتوب˝ يبثها في الجسم الاجتماعي للشعوب العربية. على هذا الأساس، سنحاول عرض هذه الأمراض بناء على ما استخلصناه من متابعتنا لبضاعة مؤثرين عديدين، تناولوا قضايا المجتمعات العربية والإسلامية عموما، والمجتمع المغربي خصوصا.
هكذا نجد أمراضا من قبيل:
- ادعاء امتلاك الحقيقة الساطعة التي على المشاهد/المتابع أن يبتلعها دون هضم نقدي، أو تدقيق ومساءلة علمية حقيقية لمشروعية هذه الحقيقة، وانطباقها على المجتمع واستجابتها لمجرياته وتحدياته. حيث يزعم الزاعم أنه سيقدم للمشاهد الحقيقة التي يجهلها، والتي سيسمعها لأول مرة، ومن ثم، ضرورة وحتمية تصديقها ما دام العلماء الحقيقيون قد أخلوا المجال لمدعي المعرفة الشاملة بكل ما حدث ويحدث وسيحدث في العالم.
- بيد أن تقديم هذه ˝الحقيقة المزعومة˝ يستدعي من المشاهد مقابلا؛ وهو تسجيل الاشتراك بالقناة ووضع ملصق إعجاب كيما يتوصل بالجديد. وهكذا، لا يخفي المؤثرون هدفهم الربحي الأساس؛ إذ همهم، الظاهر أو المضمر، هو تحقيق أرباح مادية كبيرة، وليس تقديم معرفة علمية وموضوعية تحقق إضافة للمجتمع، أو تسهم في حل مشاكله.
- تربية المشاهدين الأحداث على التعصب القبلي والفكري، الشيء الذي يترتب عنه رفض للاختلاف في الرأي والفكر والاعتقاد، ومن ثم، يسلبونهم حق النقد والمساءلة والفحص ما دام ما يقدم لهم يدعي ˝المصداقية والموضوعية˝.
هذا ما تعرب عنه الأفعال التي تصدر من أصحاب القناوات؛ إذ يقومون بحظر كل شخص قدم رأيا مخالفا لهم، ويرمونه بالجهل وضيق الأفق والتعصب.. إلخ، دون أن يعلم هؤلاء المؤثرون أنهم هم من يستخف بعقل المتلقي، ويسهم في تسطيح وعيه، وتضييق أفقهم المعرفي والنقدي.
- شخصنة الصراعات الشخصية وإضفاء بعد الوطنية عليها؛ ذلك أن أغلب المؤثرين يزعمون أنهم يدافعون عن أوطانهم، وأن ما يقومون به ما هو إلا خدمة للوطن وشعبه، في حين أنهم يعملون على إحداث التفرقة بين أفراد المجتمع، وخلق الفتنة وتوسيع الصدع، وتفكيك الروابط التي تجمع بين أفراده المختلفين.
- إلهاء الشعوب العربية عن مشاكلها الحقيقية، والزج بها في عالم التفاهة والاقتات على أعراض الناس وأخلاقهم. الشيء الذي يجعل المشاهد غارقا في مشاكل تافهة، وغافلا عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والوجودية التي تتهدد وجوده وكرامته وإنسانيته.
إن الشعوب العربية في غنى عن معارك فارغة، ومشاكل مصطنعة عابرة، وفي حاجة إلى معرفة تنمي منسوب وعيها، وتشحذ عقلها وفكرها النقدي الحر، وتساهم في تحررها فكريا واجتماعيا من براثن الجهل، وسجن الفقر والبطالة.. إلخ.
- التشجيع على النفاق الاجتماعي والسياسي والأخلاقي؛ إذ إن المؤثر ليس له مبدأ ثابت، ولا رأي مستقر، وإنما تتغير مبادئه وآراؤه بتغير أعدائه الوهميين، والأشخاص الذين يغدقون عليه العطاء، ويضفون على كلامه وقناته مشروعية، ويخلقون له أتباعا من أفراد المجتمع الجوعى والغرباء في وطنهم، والنتيجة هي أن المؤثر يساهم في الإلهاء والتجهيل والتسطيح.
- زرع بذور الخلاف والشقاق والنفاق بين أفراد المجتمع، وخلق أتباع ومريدين يدافعون وينافحون عن أفكار المؤثر وتصوراته حتى وإن كانت خاطئة، ومليئة بالديماغوجية والدعاية الفجة. وهكذا، يرى المؤثر في من يتقدم إليه ببضاعته مجرد مستهلكين سلبيين، وينظر إلى عقولهم على أنها مرتع للمخلفات الفكرية، وحاوية للنفايات العرقية والإثنية والعنصرية.
- نزع الخصوصية عن الحياة الشخصية لأفراد المجتمع؛ لأن كل شيء مباح في مواقع التواصل الاجتماعي، وبإمكان أي شخص أن يكشف أسرار الآخرين، ويهتك حجب حياتهم الحميمية لمجرد اختلاف في الرأي والفكر والثقافة والمعتقد، فضلا عن تعامل المؤثر مع متتبعيه بشخصية مزدوجة. فهو لا يظل على سجيته، كما أنه يفرض على نفسه نوعا من الانفصام والازدواجية في الشخصية والمواقف والمبادئ، ويتعامل بنوع مقيت من المجاملة والمواربة؛ إذ يغدو كل المشاهدين إخوة وأخوات له، ومن ثم، يحرك عواطفهم بكلماته العاطفية، ويتلاعب بعقولهم بمغالطاته وخطله المعرفي، والنتيجة أنه يقدم نفسه باعتباره ذا أخلاق مفتقدة، ومحب الخير للجميع، ومساعدا للمشاهدين على حل مشاكلهم.
إن الأمراض التي تتهدد وجود الإنسان العربي بسبب ˝اليوتوب˝ كثيرة ومتعددة، وإن لها تأثيرا كبيرا على الجسد الاجتماعي العليل؛ لأنها تسهم في تعميق الجراح المندملة، والإبقاء على الأوضاع المزرية كما هي. لذلك، على الدول العربية والإسلامية التي تحترم شعوبها، ولا تستخف بعقولها وفكرها، أن تسن قوانين ضابطة للبضاعة التي تعرض على شعوبها تفاديا للنفاق الاجتماعي والسياسي والديني، وصيانة للمجتمع من الشقاق والافتراق شيعا وطوائف عرقية إثنية.
وعلى المثقفين أن يقوموا بدورهم في محاربة التفاهة والتافهين، والحد من سطوتهم على العقول والنفوس الهائمة في أوضاعها الاجتماعية المجحفة. فما دام المسؤولون السياسيون والمدنيون، والمثقفون والمفكرون، والأساتذة والمعلمون، قد أخلوا المجال وغادروا مضمار الصراع الفكري، فإن فعل المؤثرين سيلقى صدا متسرعا من قبل أفراد المجتمع، وسيزيد من محن وإحن الإنسان العربي، وسيربي فيه أخلاق التفاهة، وقيم النفاق والكذب، والتعصب للجماعة واللغة واللون والعرق . ❝
❞ محمد الورداشي
التداوي بالكتابة:
ذات حصة دراسية مخصصة للنصوص القرائية، توقفت رفقة تلاميذي عند نص شعري معنون ب˝قلت للشعر˝، وهو قصيدة شعرية للشاعر التونسي الكبير أبي القاسم الشابي. فحدث أن طرحت سؤالا على التلاميذ في إطار مناقشة القصيدة: لماذا يكتب الأدباء والكتاب والشعراء ليلا؟ ولم يلجأون إلى فعل الكتابة أصلا؟
تعددت الإجابات المقدمة من قبل التلاميذ؛ إذ أجاب بعضهم بأن الليل وقت الهدوء ومن ثم التركيز على فعل التفكير والتذكر..إلخ؟ وقال آخرون إن غياب النوم هو الباعث على فعل الكتابة.
وأمام تعدد الإجابات، ارتأيت أن أبسط سؤالا ثالثا، كان الهدف من طرحه هو معرفة الأنشطة التي يقوم بها التلاميذ الساهرون ليلا، وكيف يصرفون الأرق والملل عن أنفسهم. فكانت الإجابات أيضا متباينة ومختلفة بين من يقضي ليله في مواقع التواصل الاجتماعي، وبين من يشاهد التلفاز، ومن يتأمل سقف غرفته، ومن يعد رسوم السقف وزخرفته.. إلخ. فقلت لهم متسائلا: لماذا لا تكتبون شيئا ما؟ مثلا؛ أن تأخذوا ورقة وقلما، ثم تشرعون في كتابة الخواطر والمشاعر التي تختلج أنفسكم في تلكم اللحظة بالذات.
استرعاني استغراب المتعلمين، واندهاشهم من كلامي. فانطلق أوضح قصدي قائلا: إن ثمة علاجات متعددة ضد الملل والأرق، بل ضد الفراغ الذي يعد مدخلا تتسلل منه مختلف المشاعر السلبية التي تنخر النفس الإنسانية؛ فمثلا، هناك من يجد علاجه في تلاوة القرآن الكريم، ومن يلفاه في الاستماع إلى قطعة موسيقية مفضلة لديه، ومن يسامر قريبا له يسكن معه البيت نفسه، ولكنّ هناك أناسا كثيرين يجدون دواءهم وضالتهم في القراءة والكتابة. وهكذا، نكون أمام التداوي بالكتابة حينما نفرغ كل همومنا ومشاغلنا، ونملأ فراغنا المهول بفعل الكتابة.
أن تكتب معناه أنك ترغب في تفريغ نفسك مما يثقلها، وتسعى إلى مشاركته مع الآخرين علهم يحملون معك قسطا منه، أو يفكرون في حلول فعالة له.
إن الكتابة، أيها التلاميذ وأيتها التلميذات، ملاذ ومأوى آمنان مطمئنان لمن لا مؤنس له ولا رفيق.. إنها بلسم يشفي الجروح العميقة التي تتركها الحياة وبناتها التي تأتي تباعا، ومن ثم، تأتي الكتابة لتحقق للنفس البشرية الهائمة توازنا ما، وتنتشلها من قسوة الفراغ والخواء.
أن تكتب معناه أن لك هما يثقلك، ورسالة محددة تروم إبلاغها إلى الآخرين. والنتيجة أن الكتابة تتحول إلى مصرف للآلام والأوجاع، ومساعد على تحمل عنت الدهر وصروفه.
وما دام الإنسان موجودا، فإن عليه أن يكتب وجوده، ويقدم صورة عن نفسه باعتباره ذاتا حربائية: تحزن وتفرح، تنعم وتشقى، تضحك وتبكي، وترغب وتمل، وتقبل وتدبر.. إلخ. ومنه، تأتي الكتابة بحسبانها فعلا يحتضن تقلبات النفس البشرية، وخلاصا تبتغيه الأنفس التي ضاقت بها الأرض بما رحبت.
اكتبوا ما يحضركم في الليل البهيم، لكي تحققوا كوجيطا متمثلا في المعادلة التالية: أنا أكتب إذن أنا حي. وهذه حكاية أخرى سنقف عليها في فرصة أخرى . ❝