التاريخ يكتبه أصحاب الذاكرة في أبواب مادلين 💬 أقوال أشرف الصباغ 📖 كتاب أبواب مادلين

- 📖 من ❞ كتاب أبواب مادلين ❝ أشرف الصباغ 📖

█ التاريخ يكتبه أصحاب الذاكرة أبواب مادلين كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024 مجموعة قصصية للروائي والقاص المصري "أشرف الصباغ" تضم بين صفحاتها خمس قصص تختلف فيما بينها من حيث الطول وإن كانت جميعها طويلة نسبياً ومن هذه القصص "أبواب مادلين" "سيدة الحج تزور المنام" "باب الوصول"

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات

التاريخ يكتبه أصحاب الذاكرة في "أبواب مادلين"

منقول من annaharar.com ، مساهمة من: ̍آيۧاٺ اڵيۧمۘنۍ (صمۘٺ) 💜
خمس قصص تشكّل المتن السردي في مجموعة "أبواب مادلين" للقاصّ والروائيّ المصريّ أشرف الصباغ (دار روافد)، وتتفاوت النصوص الخمسة فيما بينها في المساحة الكمية التي يشغلها السرد، وتحتلّ القصة المركزية التي تحمل المجموعة اسمها "أبواب مادلين" مساحة كمية أكبر من القصص الأخرى، وتليها قصة "سيدة الحجب تزور مادلين في المنام"، وهما يمثلاّن معًا وحدتين سرديتين متجادلتين، من جهةً، ويكشفان عن وجوه متعددة لمادلين/ روزا/ الدكتورة ماجدة) من جهة ثانية.

ثمة استراتيجية في البناء الشكلي إذن للقصص، التي تبدأ بنصّ مفتاحي "يبعثون بنا إلى الحرب فنضئ كالشمس في ملكوت أبينا"، يمثل مهادًا رؤيويًا للمجموعة ككل، بدءًا من استهلاله الإخباري الكاشف عن جوهر التصورات المعرفية والقيمية التي يحملها السارد الرئيسي داخل المجموعة: "لا أحب الحرب، ولا أحب من يحبها"( ص7)، ثم تأتي بعدها القصة الثانية "باب الوصول" بدخولها الناعم والحميم في أجواء الأمكنة التي تستدعيها الذاكرة، التي تعد أساسًا مركزيًا في التخييل السردي، وخلق العالم القصصي هنا، وصولا إلى القصة الخامسة والأخيرة "الحوض المرصود" التي تبلور تيمة المكان/ البطل داخل المجموعة.
ثمة تناص في عنوان القصة الأولى "يبعثون بنا إلى الحرب فنضئ كالشمس في ملكوت أبينا"، مع الكتاب المقدس حيث يقول "حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم"، ويبدو الاستهلال السردي دالا في القصة، ويعتمد الصباغ التقسيم المقطعي في بناء نصوصه بما يتيح له حرية الحراك الزماني والمكاني، والانتقال السلس بين المواقف السردية والشخوص أيضا.
تحمل قصة "باب الوصول" روحًا متماهية مع الموجودات، وتسعى الى استحضار أكبر قدر من السلام الروحي، لذا تتعدد زياراتها إلى مقام السيدة فاطمة النبوية، وإلى كنيسة السيدة مريم العذراء، وفي كلا المكانين يجد السارد البطل روحه التي تخنقها الفوضى والتحولات العبثية من حوله، وتفضي باب الوصول إلى "أبواب مادلين" حيث النص في قلب الذاكرة.

التاريخ والذاكرة

هل التاريخ يكتبه المنتصر؟! تبدو هذه المقولة الشائعة سؤالًا فكريًا وجماليًا متواترًا داخل المجموعة. وبلا تعقيدات تأتي القصة المركزية "أبواب مادلين" فيجعلها الكاتب عنوانا كليا للمجموعة لتسائل ذلك النمط من المقولات السيارة، وتعيد النظر في المصكوكات التي دشنتها القرون. فالتاريخ لا يكتبه المنتصرون، ولا المهزومون، حيث ليس ثمة نصر مطلق، وليس ثمة هزيمة كاملة، وإنما التاريخ يكتبه من يملك الذاكرة. وأصحاب الذاكرة هم ملح الأرض الحقيقي: "كانت أمي صفية فرج ترى أن المنتصرين لا يكتبون التاريخ، بل يكتبه لهم المهزومون مقابل العفو عنهم. لكنّ مادلين الملعونة ترى أن التاريخ الحقيقي هو حكايات الناجين من أتون الحرب، أولئك الذين فلتوا من بين المطرقة والسندان، واحتفظوا بذاكرتهم في حالة جيدة. هؤلاء بالذات لم ينتصروا أو ينهزموا".(ص51).

كامو وصفية فرج

"اليوم ماتت أمي، وربما بالأمس.. لست أدري" هذه هي جملة البطل المركزي (ميرسو) في رواية ألبير كامو الشهيرة "الغريب"، وهي جملة تختزل جوهر النص، حيث الإحساس العارم باللاجدوي واللامبالاة. ويتناص الكاتب أشرف الصباغ في قصته المركزية "أبواب مادلين" مع جملة بطل كامو، لكنه يخرج من متون دلالاتها المستقرة في نص (كامو) إلى أفق مغاير، يبدو تكئة للحكي عن الأم إحدى الدوال / المفردات المركزية في المجموعة ككل، وليس في قصتها المركزية فحسب:"لم تتحدث فيتلك الليلة عن الحياة أو الموت، لأنها لم تكن بثقافة كامو أو بطله ميرسو..".(ص41).
يعاين الكاتب فكرة الحقيقة هنا، هذا المعنى المراوغ الملتبس الذي عدته الفلسفة معنى نسبيا بامتياز، وتصبح الحوارات السردية الدالة بين مادلين وميمون ابن صفية فرج مقاربة دلالية من قبل مادلين لطبيعة الحقيقة التي تراها كامنة خلف أبواب البيوت وزجاج النوافذ، في الشوارع والأزقة والحارات، والحقيقة لو أن هناك ثمة حقيقة فهي واسعة باتساع الحياة، والعالم وتصوراتنا عنهما.
ثمة تيمة أخرى تتجلى داخل المجموعة، وتتمحور حول جدل الاغتراب والانتماء، ومن اللافت هنا تعدد المستويات اللغوية تبعا لمسارات الحكي وإحالاته النفسية، وهمومه الواقعية، ففضلا عن اللغة التي تصيب هدفها مباشرة، والأخرى التداولية التي توظف بعض التعبيرات العامية فتضفي حسا ساخرا تارة، أو معبرا عن واقع الحال تارة ثانية، فإن ثمة نزوعا شعريا في اللغة المستخدمة أحيانا من قبيل :" قلبها، يا روزا يا حبيبتي، هو حائط الصد الأخير، والوديعة التي لا تفنى ولا تعرف العدم، وروحها التي وهبتها لك، ذات محنة وذات فتنة وذات وجع، هي آخر الصبر وأول الأمل".( ص67).

المكان بطلاً

تنهض قصة "سيدة الحجب تزور مادلين في المنام" على آليتي الحلم، والاحتفاء بالمكان وتفاصيله، وتعد مقاربة المكان جغرافيًا وتاريخيًا وإنسانيًا، من السمات المركزية داخل المجموعة ككل، حيث تتجلى الأمكنة بتغيراتها وتناقضاتها الكاشفة عن بنية أخرى اعتمدت عليها المجموعة كثيرا، وهي جدل المكان والإنسان، وهذه الجدلية يتأسس عليها تكنيك فني لا يتعامل مع الأمكنة باعتبارها فضاءات مادية، فحسب، ولكن بوصفها فضاءات إنسانية ونفسية بالأساس تسع انفعالات البشر وهواجسهم وذكرياتهم بل وأحلامهم المقموعة أيضا. وهذا ما يتجلي على نحو بارز فى القصة الأخيرة "الحوض المرصود" الذي يمكن تتبع مساراته داخلها، بل ويمكن تتبع المسار القصصي في الوصول إليه منذ القصة الأولى حيث يأتي ذكره تقريبا في جميع القصص، بل إن هناك تهيئة مضمرة للمتلقي في قصة "سيدة الحجب تزور مادلين في المنام" بأن السارد الرئيسي مقبل على الحكي عن الحوض المرصود الذي أسسه المماليك وتواصلت عليه الحقب والأزمان، قطعة الأرض التي تقع خلف المستشفى ورغبة الأم في بنائها، ووصيتها الي مادلين في قصة أبواب مادلين تشيران الي ذلك. إذن ثمة تأزر على المستوى البنائي للقصص، وتعضيد للمعنى داخلها.
ثمة مفردات ودوال مركزية تلوح في كل قصة، وتمثل جانبا مهما في جوهرها وحركة التفاعلات الاجتماعية داخلها، والتصورات المعرفية أيضا فتلوح مفردات (الأم /الأبواب/ الخالة/ومادلين/ شارع بورسعيد/ الزيتون/ الحوض المرصود/ الحياة /الحقيقة)، وهذه المفردات لا تتواتر على مستوى الصيغ الأسلوبية التي تحضر فيها فحسب، ولكن على مستوى التآزر الدلالي الذي أشير إليه، ومن مجموع ذلك كله تتشكل رؤية العالم لدى الكاتب بحسها الإنساني واتساعها الثري.
في "أبواب مادلين" ثمة رغبة عارمة في استدعاء الأمكنة ببناياتها، واستحضار تفاصيلها الدقيقة، فتبدو الكتابة هنا استجابة جمالية للإثبات وليس المحو، لتحفيز الذاكرة الوطنية، عبر لغة شجية تنبئ عن عالم يقف على شفا الخديعة، والانكسار، لكنه لم يزل يحيا بالمحبة، والذاكرة، بمادلين، والأم، بشارع بورسعيد، والحوض المرصود، وروح التراكم، والاستمرار.
1
0 تعليقاً 0 مشاركة
نتيجة البحث