█ ها هو يعودُ لرؤيةِ الأحذيةِ الفخمةِ من جديدٍ؛ لكن تلك المرةَ كانت تختلف عن سابقاتها فقد كان صاحبُ الحذاءِ رجلاً مديدَ القامة مفتولَ العضلات ذا عينينِ ضيقتينِ تُشعَّانِ مكراً ودهاءً وأنفٍ حادٍّ ينمُّ شخصيةٍ جادةٍ يقفُ مُستنداً بيديه طاولة ينظر لصيدِه الثمين وهو يتكوَّرُ نفسِه أرضيةِ الغرفة؛ وجسدُه يرتجف كخرافٍ مبتلةٍ ليلةِ شتاءٍ عاصفةٍ! طال الصمتُ بينهما إلى أن قطعه الأوَّلُ يقول بصوتٍ أجش: _ جمال أظنُّ أنك تعلم جيداً ما أنت فيه الآن ! الموتُ آتٍ لا محالةَ فإمَّا أنْ تُنقذَ نفسك وتخبرَني بموضعِ الملفِّ وإمَّا أُرسلَكَ الجحيم هديةً تُردُّ صمت الأخيرُ لوهلةٍ ثم تنهَّدَ بعمقٍ وتحدثَ بكبرياءٍ مُتصنَّعٍ بعدما سيطر دقَّاتِ قلبِه التي أخذت تتسارع نحوَ الهلاك : ومن أخبركَ بأنني حيٌّ ؟! ربما تكونُ بذرةُ الحياةِ الوحيدةُ أرض روحي هي ملفُّكم اضمن لي خروجاً آمناً هذا أضمن لكم بقاء كرسيكم كتاب إرم العهد الحديث مجاناً PDF اونلاين 2024 الحديث رواية يوسف حسين اسكرايب للنشر والتوزيع تنصَّتَتِ الشياطينُ لصراخِ الشرِّ حناجرِ المذنبين النهار خصوصاً حين يلهثُ الطيبونَ وراءَ لُقمِة عيشِهم يُنبتُ القلقُ وجوهِ المذبذبين وينفجرُّ الخوفُ داخلَهم مثل قنبلةٍ حاقدةٍ منذُ صدرَ حكمُ المحكمة الجاسوسِ "جون" لم يستطع العميدُ مصطفى يهنأَ بنومِه وكأن الرجلَ ذنبه الأعظمُ الذي يُؤرِّقه ليلَ نهار ويقف حارساً عند جفنيه مانعاً النومَ يقتربَ حتى أنَّ العميدَ أضحى يُقدِمُ فعلِ أيِّ شيءٍ كي يغتاله وتفضحَ الأسرارُ نفسَها وتُوزَّعَ الاعترافاتُ عليه لِيُفتضَحَ أمرُه الأمرُ بات معقداً جداً كلَّ ساعةٍ تمرُّ والرجلُ قيدِ تنقضي عمر العميد كأنه قادمٌ الإعدامِ بنفسِه حياتُه أصبحت معلقةً برحيلِ الرجلِ عالمنِا أصبح صراعٍ دائمٍ مع النفس تهزمُه تارةً ويعقِدُ هُدنةً معها أخرى زفَّ إليه جلالٌ خبرَ تصديقِ رئيسِ الجمهوريةِ حكمِ إعدامِ الجاسوس تسعه الدنيا الفرحِ فقفز عالياً عدَّةَ مراتٍ كطفلٍ صغيرٍ والدُه نجاحِه الابتدائية وهرول نحو الزنزانةِ آمرَاً السجَّانَ يفتحها دلفَ وخلفه ليريا السجين مضطجعاً جنبه الأيمنِ زاويةٍ الزنزانة فَـهَمَّ به وركلَه بقدمه قائلاً بتوبيخ: انهض يا حقير
❞ تقدموا به حتى أوقفوه على خشبةِ التنفيذ، قيَّدوه بالأحزمة كي يشلُّوا حركته.. حاول أن يصرخَ لكنَّ الصرخاتِ وقفت في حلقِه.. بلَّل ملابسَه من شدة الرعب.. نبضاتُه تضربُ صدرَه بعنف، تُمزِّق ضلوعه.. ركبتاه تتخبَّط تصارعا.. أنفاسُه تغيبُ لثوانٍ ثم تعود.. مِنصَّةُ الحكم بالإعدام أَصبحت جاهزةً.. الحبل ملفوفٌ حول عنقِه.. عيناه بارقتانِ.. الخوفُ من موتٍ محتومٍ جعل أَطرافهُ ترتعشُ؛ حتى خُيِّلَ لهُ أنهُ مات قبل أن يُوضع حبلُ المشنقةِ حوْلَ رقبتِه...! دخل في إغماءٍ، وكأنهُ يرِيدُ أن يمرَّ بسرعةٍ إلى ظلامٍ وسكونٍ أَبَدَيينِ، وُضِع على رأْسِه غطاءٌ أَسْودُ اللَّوْنِ، تمنَّى لدقيقةٍ أن يكونَ كابوساً مزعجاً سيستفيق منه، أو أنَّ أحداً ما يتدخل لإنقاذه من الموت.. فتح عينيه داخل الغطاء ظلامٌ دامسٌ لا يرى سواه.. هز رأسه.. حرَّك قدميه المكبلتين.. شعر بالحبل يضيق على عنقه.. عاد مسرعاً لسكون جسدِه خوفًاً أن يختنق، نهج بشدَّةٍ.. صرخ بينه وبين نفسِه: -أنقذوني- فُتحَتِ الطبليَّةُ أَسفلَ قدميه؛ فسقط في بئرٍ عمقُها أَربعةُ أمتارٍ.. احتقن وجهُه؛ حيثُ مال إلى اللون الأزرق، وبرز لسانُه، ولازال قلبُه يخفق بشدة.. حين أخرجوه لم ينتبهوا أنَّ قلبَه لازال ينبض، لفُّوه ببطانيةٍ ووضعوه خارجَ الغرفة، نظر إليه العميد مصطفى وتنفَّس الصُّعَدَاءَ رغم أنه ما زال يتساءل بذهولٍ:
-كيف عرف...؟
هكذا أرباب الفواحش يعرفون بعضهم البعض؛ وكأن بين جبينهم تكتب معاصيهم ليقرأها كل مبتلٍ بها. إنها الحقيقة التي يتغافل عنها أصحاب القلوب المريضة؛ فلا تظن نفسك قادرًا على إخفائها، فلولا ستر ربك لمَ استطعت أن تقيم ظهرك بعد انحنائه؛ ولمت اختناقا من رائحة ذنوبك النتنة...
إرم العهد الحديث ط5
رواية | يوسف حسين
#معرض_القاهرة_الدولي_للكتاب2024
#اسكرايب #اقرأ #جدد_مكتبتك 📚 . ❝
❞ أحدثت الثورة الرقمية تأثيرات جمَّة في مختلف نواحي الحياة الإنسانية، ولعل ذلك يعود بالأساس إلى قدرتها على تحويل كل المعلومات والبيانات والأنشطة الحياتية بمجملها ومتطلباتها إلى صورة رقمية يسهل تداولها عبر الفضاء السيبراني، مما يعني تحولات جذرية في بنية العالم من المادية إلى الافتراضية، حيث أصبح العالم الآن يعيش بين بنيتين؛ بنية مادية ذاهبة بقوة نحو التضاؤل والاضمحلال، وأخرى افتراضية آتية بسرعة نحو الهيمنة والازدهار.
يتناول الكتاب السيبرانية كتطور حدث للثورة الرقمية وكيفية تحول بينة العالم في إطارها من المادية إلى الافتراضية في الفصلين الأول والثاني، ثم تتتابع فصول الكتاب الباقية لتوضيح التحولات التي حدثت والمتوقع حدوثها في المستقبل في كل من: الكائنات، والآلات، والأزمنة، والأمكنة، والخدمات، والمرافق، والمجتمعات، والاقتصادات، والكيانات، وحتى الحروب، وتحولها من الحالة المادية إلى الحالة الافتراضية، وكيفية التحكم فيها من خلال إمكانات السيبرانية إلكترونياً وعن بعد.
ما بين تفاؤل مطلوب وقلق مشروع، تتعاقب أطروحات الكتاب؛ من مقدمته التي تؤطر للمستقبل السيبراني القادم بقوة من خلال نظرة تفاؤلية، إلى خاتمته التي تحاول أن تزيل القلق من خلال اليقين بأن أبناءنا الذين نشأوا في هذا العالم السيبراني ويقضون جزءاً كبيراً من حياتهم فيه، هم أقل قلقاً مما نحن فيه وأكثر أماني بأن يحمل لهم المستقبل أكثر مما هم فيه الآن، بحيث تبدو سيبرانية اليوم الهائلة بالنسبة لنا ما هي إلا ماضٍ بعيد بالنسبة لهم . ❝