█ وثالثة الدلائل عظمة القرآن بعد الصمود الذي لا يستطيعه إلا الكتاب الحكيم: أنه كتاب حضارة تندرج تحت لوائه الأمم والشعوب وتستسلم حضاراتها لحضارته فما تلبث أن يحتويها الإطار الشامل للإسلام الرحيب وتتخذ نفس الصفة الشرعية لخير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر داخل النفس وخارجها وداخل الأمة وبين الأخرى وتؤمن بالحق والعدل الله فيصلًا وحكمًا بين الجميع فلا عنصرية ولا عصبية استمساك بالذات؛ بل هو إنكار لها وعمل للمجموع مع الاحتفاظ بكرامة الفرد وكيانه بعيدًا أي لون من ألوان الامتهان أسرار ترتيب مجاناً PDF اونلاين 2024 للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي (849 911هـ) لطيف تناول فيه مؤلفه علوم ألا وهو السور وتناسقها ومناسباتها وإيضاح ما ذلك إعجاز وبيان ومقاصد أنموذج الكتاب قال الإمام السيوطي: «سورة الشمس والليل والضحى أقول:هذه الثلاثة حسنة التناسق جداً لما مطالعها المناسبة والضحى الملابسة ومنها سورة الفجر لكن فُصلت بسورة البلد لنكتة أهم كما فصل الانفطار والانشقاق المسبحات؛ لأن مراعاة التناسب بالأسماء والفواتح وترتيب النزول إنما يكون حيث يعارضها أقوى وآكد ثم إن ظاهرة الاتصال فإنه سبحانه ختمها بذكر أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة أراد الفريقين سبيل الفذلكة [أي مُجمَل فُصِّل وخلاصته] فقوله [في الشمس]: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} هم وقوله: {وَقَدْ خَابَ دَسَّاهَا} الشمس] فكانت هذه السورة فذلكة تفصيل تلك ولهذا قال الإمام: المقصود السورة: الترغيب الطاعات والتحذير المعاصي » لقد تطرق الكاتب إلى كشف سور وهل كان الترتيب الرسول إذ جبريل عرض علىه قبل وفاته فهو وقفي أم اجتهاد صحابة محمد حينما جمعوا القرآن ثم بدأ بالفاتحة وذكر أساب كثيرة تكون فاتحة فهي السبع المثاني ثم عرج البقرة اتصالها واسباب تعقبها الفاتحة ومن خاطبت وما الأمثال ضرب ثم ذكر وجوه الشبه آل عمران كيف قصة آدم مثلاً عيسى حتى يسهل فهمها الأذهان فهكذا المؤلف ينتهي مبيناً كاشفاً سر فهذا وسوف يتجلى لنا خلال هذا الدقائق التي فتح بها مصنِّفه وتلكم اللمحات الزكية التى أكثرها نتاج فكره وولاد نظره وغير فوائد يجنيها القارئ وقد قلَّ اعتناء المفسرين بهذا النوع لدقته وممن أكثر منه فخر الرازي1 تفسيره: لطائف مودعة الترتيبات والروابط وقال بعض الأئمة: محاسن الكلام يرتبط بعضه ببعض؛ لئلا منقطعًا وهذا يهمله أو كثير منهم وفوائده غزيرة القاضي أبو بكر بن العربي1: ارتباط آي بعضها ببعض كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم لم يتعرض له عالم واحد عمل عز وجل فلما نجد حَمَلة ورأينا الخلف بأوصاف البطلة ختمنا عليه وجعلناه بيننا ورددناه إليه2 إنك ترى علمًا أرسخ أصلًا وأبسق فرعًا وأحلى جنًى وأعذب وِرْدًا وأكرم نِتَاجًا وأنور سراجًا البيان الذى لولاه ترَ لسانًا يحوك3 الوَشْيَ ويصوغ الحَلْيَ ويلفظ الدر وينفث السحر ويقري4 الشهد ويريك بدائع الزهر ويجنيك الحلو اليانع الثمر والذى لولا تَحَفِّيه5 بالعلوم وعنايته وتصويره إياها لبقيت كامنة مستورة ولما استبنت يد الدهر6 صورة ولاستمر السرار7 بأهلَّتها واستولى الخفاء جملتها يدركها الإحصاء ومحاسن يحصرها الاستقصاء8 الشيخ عبد السلام9: حسن؛ ولكن يشترط حسن يقع أمر متحد مرتبط أوله بآخره فإن وقع أسباب مختلفة أحدهما بالآخر10 برهان إبراهيم البقاعي1: "وعلم المناسبات الأهم مناسبات وغيره تعرف علل وموضوعه أجزاء الشيء المطلوب مناسبته وثمرته الاطلاع الرتبة يستحقها الجزء بسبب بما وراءه أمامه الارتباط والتعلق كلحمة النسب فعلم أجزائه البلاغة لأدائه تحقيق مطابقة اقتضاه الحال وتتوقف الإجادة معرفة مقصود فيها ويفيد جميع جملها؛ فلذلك العلم غاية النفاسة وكانت نسبته التفسير نسبة النحو"2 أما السور: فقد اختلف العلماء السور: فالقول الأول: إنه توقيفي تولاه النبي صلى وآله وسلم أخبر به ربه فكان عهد مرتَّب مرتب الآيات لدينا اليوم مصحف عثمان يتنازع أحد الصحابة مما يدل عدم المخالفة والإجماع والقول الثاني: باجتهاد الصحابة؛ بدليل اختلاف مصاحفهم الترتيب؛ كمصحف ابن مسعود ومصحف أُبي الثالث: ترتيبه وبعضه ورد النبوة الطوال والحواميم والمفصل حياته الصلاة والسلام ناقش العلماء1 الآراء وانتهى يلي: الرأى الثاني يرى يستند دليل يُعتمد فاجتهاد الخاصة اختيارًا يجمع جمعًا مرتبًا جمع بترتيب والسور حرف واجتمعت تركوا ولو اجتهاديًّا لتمسكوا وحديث عباس رضى عنهما: "قلت لعثمان: حملكم عمدتم الأنفال وهي وإلى براءة المئين فقرنتم بينها "2 الحديث يدور إسناده كل رواياته "يزيد الفارسي" يذكره البخاري الضعفاء وفيه تشكيك إثبات البسملة أوائل السور؛ كأن يثبتها برأيه وينفيها برأيه؛ ولذا أحمد شاكر تعليقه بمسند أحمد: "إنه أصل له" وغاية هاتين السورتين فقط3
❞ لقد عانت حضارة القرآن تسلط قريش، وجبروت الروم، وجدل الفرس، وسلاح الصليبية، ولؤم اليهودية العالمية، وأخيرًا عانت بريق المذاهب السياسية والاقتصادية وأخصها الشيوعية اليهودية، وكان من أبناء الإسلام أعوان لهؤلاء المتآمرين حاولوا قهر الأعزة على أوهام الشيوعية، فأعزوا في سبيل ذلك أهل الأهواء؛ ولكن أولئك جميعًا ذلوا أمام صلابة الحق في القرآن، وذهلوا حينما عجز المال والسلاح والتكتل الدولي عن النيل من إيمان أهل القرآن . ❝
❞ وقد يكون لبعض المكتوبات البشرية سلطان على المشاعر، وجاذبية للنفوس؛ ولكنها لم تصل في ماضي الزمان، ولن تصل في مستقبله إلى أعماق الروح، ولا إلى مستقر الإيمان واليقين، ولا إلى قمة التضحية في سبيلها بالمال والنفس، كما وصل الرواد الأوائل للإسلام إيمانًا بالقرأن، ويقينًا بسلطانه، واستشهادًا في سبيل دعوته، واحتمالًا لما لا يطيقه بشر في سبيل إعلاء كلمته . ❝
❞ قالت الجن حينما سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} 1، واهتزت عقيدة الشرك في قلب رجل من صناديد الكفر هو الوليد بن المغيرة حينما سمع بعض آياته من الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما هو بقول البشر"، وفزع أئمة الكفر من قريش حينما شاهدوا تأثير القرآن على القلوب، فقالوا لزعمائهم: {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} 2، وسعى أهل النباهة من فتيان العرب -من أمثال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله، علمني من هذا القرآن" حينما استأسر قلبه لسلطانه، واستشرف على عتبات الإسلام.
تلك واحدة من دلائل عظمة القرآن هي: سلطانه الروحاني الخفي على القلوب، وولايته المطلقة على مدارك الإنس والجن على السواء، وجاذبيته المضيئة لقلوب المهتدين والجاحدين جميعًا . ❝