اقتباس 9 من رواية إيجيكوين 💬 أقوال محمد حسن عبد الجابر 📖 رواية إيجيكوين
- 📖 من ❞ رواية إيجيكوين ❝ محمد حسن عبد الجابر 📖
█ كتاب إيجيكوين مجاناً PDF اونلاين 2024 عندما تصبح أحداث الحياة الأرض أقرب إلى عالم الخيال عندها يمكن للخيال العلمي أن ينزل ويلامس أرض الواقع ويضيف لونه ليطغى ويرتبط بها بحيث يكتسب الوضع الجديد طابعًا مألوفًا يختلط بأحداثه مع بدرجاته فمن الضروري يتم التعامل المعاصر وإن كان خارجًا عن المألوف
وعندما ينشأ الحب مثل هذا الجو يجب يكون مستوى القول يصنع المعجزات والمقصود بالمعجزات هنا فيما يتعلق بالجانب الرومانسي للرواية ليس الأحداث التي تنسب التدخل الإلهي المباشر
بدلاً من تشير كلمة معجزة صمود البطل للظروف والعقبات ساهمت المساعدة الإلهية المقام الأول ثم قدراتهم الخاملة للتغلب عليها وتحملها قدر المستطاع إذا تعريف المعجزة هو أنها قطع واضح يحدث قوانين الطبيعة فإن ما حدث وصفه بأنه شبيه بالمعجزة !! كنت أنوي كتابة ملخص لرواية (إيجيكوين) بالأسلوب التقليدي لكن الكلمات رفضت تتلاءم بعضها
تصارعت الرواية ذهني وخلاصة قرأته للتو إذن تصارعت
إذن
التقليد الأعمى هو النقل الحرفى لكثير من أفعال دول الغرب و محاولة
تطبيقها فى مجتمعاتنا الشرقية رغم تناقضها معها و مع ذلك
تنال أعجاب الكثير و يدعموها !
التقليد المبصر هو مصطلح ظهر حديثاً فى ( مدينتنا ) و يعزى الفضل فى ذلك للجزيرى نتيجة أستبداله للعنصر البشرى بنظيره الألى و تحقيق أنتاج مضاعف لما كان عليه الوضع سالفاً فى مصنعه ..
مما حفز بعضاً من رجال أعمال ( مدينتنا ) للفكرة وراقت لهم كثيرآ بعد ضمان نجاحها من مراقبة تجربة الجزيرى ..
واحداً من هؤلاء الرجال الذين راقت لهم تجربة الجزيرى يدعى منير المنفلوطى و يمتلك مصنع التونة الشهير بـ ( مدينتنا ) و قد أستخدم حيلة خفض مرتبات العمال للنصف بـ داعى خسارة المصنع و عدم توافر بعض الخامات الأساسية مما أجبر عدد كبير من عمال المصنع على تقديم أستقالاتهم و الرحيل للبحث عن لقمة عيش فى مصنع أخر أو شركة أخرى ..
أما القلائل المتبقين و لم يغادروا المصنع فقد تمكن المنفلوطى من أقناعهم أن وضع العمل أصبح من سئ لأسوأ لا سيما بعد رحيل كم هائل من العمال و مغادرتهم المصنع مما أدى لشلل كلى فى دورة العمل ..
المنفلوطى كان يقلد الجزيرى و لكنه يقلد و هو يحسب جيداً لخطواته المقبلة حالماً أن يضاعف أنتاجه فـ تتضاعف ثروته دون الأهتمام لمن سيدهسهم فى طريقه لهدفه ، هو يؤمن فى أعماقه أن العواطف فى البيزنس تقضى على صاحبها و تعرقل خطوات تقدمه !
و عليه قام المنفلوطى بالتواصل مع نفس الشركة اليابانية التى تعامل معها الجزيرى و تعاقد معهم منير المنفلوطى على توريد روبوتات و لكن هذه المرة كانت بقيمة أثنان مليون دولار !!
التقليد سواء كان أعمى أو مبصر يتحول فى معظم النهايات لوباء ..
فهو يمر بمراحل تطور الفيروس من :
ظهور فأنتقال فأنتشار ثم توغل و أكتساح ..
ظاهرة أستبدال العنصر البشرى بـ روبوت بدأت فى الظهور بفضل الجزيرى ثم تطورت لمرحلة الأنتقال و فعلها المنفلوطى ، و أما من يتناول منه الشعلة و تبدأ مرحلة الأنتشار و التوغل ، أو وأد الفتنة فى مهدها و
وقف الزحف الألى على ( مدينتنا) ..
************
محمود كان قابعاً فى غرقته يجلس على كرسيه الخشبى الهزاز يهتز معه و هو ينظر إلى لا شئ .. يسبح بخياله فى أحلامه التى رسمها و بدأ فى تلوينها بمثابة حصوله على أول دفعة محولة لحسابه من الإعلانات الممولة التى جرت كنهر على صفحته و أغدقته بالأموال .. الأن يجلس شارداً مفعماً بالبؤس و يتمنى لو لم يكن قد عرف مذاق تخمة النقود ، فالجوع بعد شبع مؤلم أكثر من الجوع ذاته !
كان موعد الغداء قد حان فى منزل طايع و هذا يعنى أن الحاجة زكية تقف وسط الأبخرة الخانقة فى المطبخ تعد الطعام فى حين أن الحاج طايع فى وضعه الجديد يجلس ساهماً فى غرفة نومه يفكر طويلاً فى ماذا بعد أنتهاء مكافأة نهاية الخدمة التى عوض بها المنفلوطى أخر مجموعة رحلت من العمال
بعد تصفية المصنع و كان طايع واحداً منهم ..
ألتهم التفكير عقله و كان متخبطاً ماذا سيفعل الفترة المقبلة ، دار حوار ذهنى بداخل رأسه عبارة عن سلسلة من التساؤلات .. هل يقدم على فرصة عمل فى مصنع أخر و لكنه لا يدرى إلى أى مدى سينتشر وباء الروبوتات فقد يكتسح كل المصانع .. هل يفكر فى تبنى مشروعاً صغيراً يدر عليه دخلاً مادياً يتيح له المعيشة لكن أين المبلغ المالى الذى سيبدأ به ؟؟
تآكل عقله من الفكر حتى جاء صوت الحاجة زكية من الصالة .. الغدا جاهز يــا حااااج فأفاقه الصوت من كآبته .. ثم تكرر صوت الحاجة زكية و لكن هذه المرة كانت تنادى على محمود .. الغدا يـا فـااااااشــل ..
و هنا أنتبهت أن الكلمة فى هذا الوضع الذى يملؤه التوتر قد يتم ترجمتها خطئاً من قبل زوجها طايع .. خرج محمود أولاً من غرفته و ألتقى بوالدته و أثار قلقها أكثر و قال لها :
أبقى حددى بعد كدة و أنتى بتقولى يا فاشل
لحسن تتفهمى غلط .. دى فيها طلاق دى ..
ردت زكية بعد أن مطت شفتها السفلى فى أسى :
على رأيك بدل عاطل واحد بقوا أتنين ..
هنا خرج عليهم الحاج طايع فـ سـاد الصمت فى الصالة و جلس ثلاثتهم على طاولة السفرة يتناولون وجبتهم فى صمت تام على عكس الوضع سابقاً عندما كان يتناقش طايع فى أمور العمل مع الحاجة زكية ..
كسرت الحاجة زكية الهدوء المريع الذى سيطر على المكان و قالت للحاج طايع : بقولك يا حاج .. المعلم أبو كرش هيفتح محل جديد و محتاج محاسب شاطر يمسك حسابات المحل .. أيه رأيـ ـ ـ
و قبل أن تكمل زكية الكلمة كان وجه طايع قد أحتقن غيظاً و هو ينظر إليها فى زجر ، فقامت زكية عن مقعدها و هى تحمد الله فى أيحاء منها أنها قد أنهت طعامها و سدت جوعها ..
*******************
فى ظل الظروف العصيبة التى يمر بها منزل طايع حيث وجود رب الأسرة فى المنزل دون عمل يتطرق الأمر إلى مشكلات مفتعلة وغير مفتعلة و جو محمل بالأضطرابات يسود المنزل ، و عليه أضطر محمود أن يفعل أشياء على دون رغبة منه لكنه يعتبرها الملاذ للفرار من المنزل و الذى تحول لثكنة عسكرية ..
محمود يمقت مجالسة أصدقائه على المقهى حيث سحب كثيفة من أدخنة الشيش و السجائر و ضوضاء لعب الطاولة و هبد الدومينو و ما شابه ، لكن أصبح هذا الوضع بالنسبة له أهون من تواجده فى المنزل ..
أجرى خالد أتصالاً هاتفياً بصديقه محمود و هما صديقان منذ سنوات طويلة من الطراز اللذان قد لا تجمعهما الظروف لشهور و لكن عند لقائهما يبدوان و كأنهما كانا بصحبة بعضهما بالأمس و هو ممن هاجر إلى ( مدينتنا ) كما فعل محمود .. هذا الطراز من الصداقة الأصيلة موجود و منتشر و يفرض وجوده ..
عبر خالد فى أتصاله الهاتفى بمحمود عن أنه يرغب فى مقابلته على المقهى و هو يعلم أن محمود سيتملص منه لذلك أخبره أن هناك أمر هام يتعلق بحياته يود أخباره به على سبيل الفضفضة ..
لم يضيع محمود هذه الفرصة حيث أصبح
ما كان يفر منه سابقاً هو فرصة يجب أن تقتنص حالياً !
أستجاب محمود لرغبة صديقه و ذهب للمقهى الذى ينتظره فيه خالد و بالفعل وجد خالد فى أنتظاره فهو من طراز نادر من الأصدقاء و الذى يلتزم بمواعيده ..
بعد العناق و القبلات جلس محمود بصحبة صديقه خالد و هو يسأله الأسئلة الروتينية عن أخباره و أحواله و أسرته فجاء رد غير روتينى من خالد و أخبر محمود أنه أنفصل عن زوجته و طلقها و ترك معها الأولاد .. هذه الكلمات صعقت محمود لأنه يعرف أن خالد أنضج صديق له و يمتاز بالحكمة و لديه قدر وافر من الدبلوماسية ، لكن برر له خالد أن ظروف المعيشة باتت صعبة و متطلبات و أحتياجات أسرته تتفاقم و لم تتحمل زوجته الوضع المادى و الذى أصبح غير ملائم للظروف المعيشية المستجدة فطلبت منه الطلاق و هو قد لبى ..
واساه محمود و أبدى حزنه على ما حدث له و أيقن محمود فى أعماقه أنه ليس الأسوأ حظاً فى هذا العالم .. سأل خالد صديقه عن أحواله و عن ( موطن الفاشلين ) الذى فشل ، أجابه محمود بحمده لله على كل حال و أخبره أنه لا يرغب التحدث فى هذا الأمر ، جبر خالد خاطره ببعض العبارات التى تقال فى مثل هذه المواقف مثل ربنا يعوضك و ربنا يوفقك و جمل من هذا القبيل .. ثم أستأذن خالد ليذهب للحمام كى يلبى نداء الطبيعة ، فى حين فتح محمود هاتفه و أستغل مجانية الواى فاى المتاحة بالمقهى و فتح الفيس الخاص به على سبيل التسلية إلى أن يعود صديقه ..
شرع محمود فى تفقد الفيس و أخذ يقلب فى بوستاته دون أكتراث إلى أن يعود خالد ، تارة يقرأ بوست لأحد الأصدقاء و تارة أخرى يفوت العشرات من البوستات حتى أستوقفه بوست ليس لأصدقاء الصفحة و لكن كان لـ ( وردة الجنة ) و كان محمود قد أصر على متابعة صفحتها عندما أكتشف عدم أمكانية أضافتها كصديق و قد أغلقت هذه الصلاحية عن عمد ، كان البوست حزين فكانت
( وردة الجنة التى ذبلت فى جحيم الحياة ) قد أدرجت على صفحتها بوست لأحياء الذكرى الخامسة لوفاة والدتها و كانت تدعى لها بالرحمة و تطلب من قارئى البوست فضلاً و ليس أمراً أن يدعون لوالدتها و أن يصبر الله قلبها المكلوم .. أدرك محمود أن هذه فرصة ثمينة و مدخلاً جيداً لتوطيد التعارف بينهما و عليه أرسل لها رسالة كتابية يعزيها فيها و يناوشها لجذب الكلمات منها فكتب لها بعد تقديم واجب العزاء و الدعاء :
يبدو أنك أكتسبتى هذا الأسم المستعار منذ خمس سنوات ..
فتم الرد برسالة كتابية : أنا بحب الذكاء مش الأستذكاء ..
عاد خالد و جلس على مقعده دون أن يشعر به محمود ، كان الأخير منهمكاً فى مناوشته مع وردة الجنة و مازال جهله بعالم وردة الجنة مستمراً إلى أن أنتزع منها أعترافاً أن حقاً لوفاة والدتها نصيب كبير من أتخاذ أسمها المستعار ..
طال الحوار بينهما حتى مل خالد من الجلوس بمفرده فصاح فى محمود و طلب منه ترك هاتفه فهذه المقابلة تتكرر بينهما على فترات متباعدة ، أعتذر له محمود و طلب منه أن يمهله دقائق فقد أقترب من معرفة أسم الفتاة , فتعجب خالد وسأله أى فتاة التى تتحدث معها و أنت عدو للجنس الناعم بجميع أعماره ؟!
لم ينتبه محمود أصلاً لتنمر خالد عليه و غرق فى المحادثة مرة أخرى و قد وصلت لذروتها عندما سأل الفتاة عن أسمها الحقيقى و قد أشارت له فى معمعة المحادثة أنها ستخبره به ، لقد أنسجم الحوار بينهما فكان محمود يجيد فن أدارة الحوار .. هو يحملق فى الشاشة لملاحظته أنها تكتب له بعد أعادة سؤاله لها عن أسمها .. كان ينتظر و كله لهفة لمعرفة أسم هذه الفتاة و التى تبدو له أنها مختلفة عن باقى جنسها .. توقفت عن الكتابة و ظهر الرد فجأة أمامه ..
أسمى جميلة .. جميلة الجزيرى ..
مازالت هذه الفتاة قادرة فى نهاية كل محادثة مع محمود على أن تتركه و هو يحدق لشاشة موبايله و عيناه مفتوحتان عن أخرهما ..
*********************
مضت شهور قليلة على خطوة الجزيرى الجريئة فى أستبدال العنصر البشرى بنظيره الألى .. شهوراً قليلة كانت كفيلة لأن تحول الفيروس لوباء .. لقد أكتسحت الروبوتات جميع مصانع و شركات الجانب الشرقى فى ( مدينتنا ) و تم تسريح العاملين بهذه الكيانات مما تسبب فى أحتقان الوضع فى الجانب الغربى و تحويله لكتلة غاضبة عاطلة ..
بات الوضع سيئاً للغاية بعد أن طبق رجال أعمال المدينة نظرية مضاعفة الأنتاج بأستخدام الروبوتات و فضلوا مصالحهم الشخصية على حساب العمال و الموظفين أصحاب البيوت ..
تحول الوضع فى الجانب الغربى لبركان خامد لكن بدأ يوحى ظاهره بما فى باطنه كان جوفه يفور بحمم الغضب التى تحفر لنفسها مخارج لتنطلق منها و تخرج عن سكونها ..
الصورة العامة للوضع فى الجانب الغربى بالأحرى فى هذه الفترة بعد أن بات الوضع الأقتصادى خيالياً و أصبحت الأسعار حرة طليقة لا يسيطر عليها أحد و تتنامى بتضخم مرضى ملحوظ ، أصبح الحال عبارة عن تزايد فى عدد حالات الطلاق .. بدء ظاهرة العنف التى تتطور للجريمة فى أحياناً كثيرة .. ظهر عم ضياء مرة أخرى الذى لا يكف عن الأعتراض و حث المتضررين الذين يقعون فى طريقه على المطالبة بتغيير الأوضاع .. ظهر العديد من الشخصيات أمثال عم ضياء و سلكوا نفس الأتجاه و أنشغلوا بالبحث عن المتضررين لحشدهم .. كان التجاوب معهم أيجابياً للغاية فكان مواطنين الجانب الغربى على أهبة الأستعداد النفسى للثورة ، فقط كانوا ينتظرون من يحركهم و يوجههم ..
أتفق عم ضياء و أمثاله من مجلس قيادة الثورة فى ( مدينتنا ) على حشد مواطنين الجانب الغربى فى ( ميدان العاصمة ) و هو أكبر ميدان فى الجانب الشرقى و يسع لأكثر من عشرة ألاف شخص ..
هكذا دغدغ مجلس قيادة ثورة ( مدينتنا ) الطبقة السطحية لبركان الغضب لدى المواطنين مما أدى لتهتك قشرة الصبر لديهم فأنطلقت حمم الغضب لتملأ الأجواء و تم بالفعل فى اليوم الذى تم تحديده من قبل ( مجلس قيادة ثورة المدينة ) الحشد و التجمهر للأعتصام فى ( ميدان العاصمة ) مما دق ناقوس الخطر و بشدة فى الجانب الشرقى فأدى ذلك لزلزلة أرض الأستقرار تحت أقدام رجال أعمال ( مدينتنا ) و بدأ مواطنين الجانب الشرقى يطالبون بحفظ الأمن و الأمان للجانب الشرقى و للمدينة بأكملها بعد أن أنتقل التوتر و القلق من الجانب الغربى للجانب الشرقى ليعم المدينة بأكملها و قد حذر العديد من مواطنيها العقلاء و أكدوا على ضرورة السيطرة على الوضع قبل أن تنتشر الفوضى فتطول كل مكان !!
*******************
تحركت قوات الشرطة من مركز شرطة ( مدينتنا ) و أتجهت إلى ( ميدان العاصمة ) بالجانب الشرقى فور وصول البلاغ الأول عن وجود أعتصام بالميدان الرئيسى للمدينة و قد تم أعلان المعتصمين عن أستمرار الأعتصام لأيام أو لأسابيع و ربما لشهور و هذا يتوقف على مدى الأستجابة لمطالبهم ..
بدا ذلك جلياً من اليفط التى يرفعها المعتصمين .. مئات البلاغات توالت تباعاً على مركز الشرطة مما دعا لطلب تعزيزات أمنية تحسباً لأي تطورات قد تطرأ ..
وصلت قوات الأمن للميدان و قد بدا المشهد مهيباً بالنسبة لهم لذلك تم الأتصال بالقيادات لتعجيل التعزيزات الأمنية ، كما حضر عدد لا بأس به من رتب أمنية لمحاولة أحتواء الوضع القائم .. تم مخاطبة ألاف المعتصمين مرات عديدة و لكنهم لم يستجيبوا لفض الأعتصام و عرضوا مطالبهم بكل سلمية و شرطهم الوحيد لفض الأعتصام هو تلبية مطالبهم و هو أيضاً مطلب وحيد وهو أيجاد مصدر رزق أخر بدلاً من الذى خسروه .. أمرتهم القوات الأمنية بالتفرق و سيتم بحث المشكلة مع المسؤلين و أيجاد حل فى أقرب فرصة لأن حلول مثل هذه النوعية من المشكلات يتطلب بالتأكيد لأكثر من يوم و أكدوا لهم أنهم لم و لن يوافقوا على أستمرار الأعتصام فى الشارع لأنه يهدد الأمن العام ..
لم يبالى المعتصمين بالكلام بل أكدوا أنهم لن يعودوا لمنازلهم إلا بعد الألتزام أمامهم بوعود حقيقية واقعية تضمن لهم توفير فرص عمل
تعينهم على المعيشة ..
لم يكن أمام القوات الأمنية خيارات ، فكان الأمر محسوماً لهم فالمعتصمين ليس لهم أى أغراض غير مقبولة كما أنهم سلميين و يحافظون على ذلك فلا خيار أمامهم أذن غير الأجتماع بكبار رجال أعمال المدينة المتسببين فيما وصل إليه الوضع الراهن لألزامهم بأيجاد حل يطفأ لهيب الغضب الذى أصاب المعتصمين ..
بالفعل بعد مرور ساعاتان تم عقد أجتماع عاجل بفيلا أحمد الماظة بحضور كلاً من رجل الأعمال الجزيرى و رجل الأعمال المنفلوطى و عدد لا بأس به من رجال أعمال المدينة المساهمين فى أضطراب الوضع الراهن , و حضر الأجتماع عدد من القيادات الأمنية العليا و التى دعت لهذا الأجتماع و قد لخصوا للحضور من رجال الأعمال الوضع الحالى و المستقبلى لأمن المدينة فلابد من إيجاد حلول جذرية و سريعة لمعاونة المتضررين بدلاً من تطور الأمور و اللجوء لتدخل مكاتب العمل من خارج المدينة و فرض عقوبات قد تغرمهم بتعويضات كبيرة مما يؤدى لعرقلة عجلة العمل بمصانعهم و شركاتهم ..
بعد شد و جذب بين الطرفين .. طرف رجال الأعمال و الطرف الآخر و هو القوات الأمنية و قد شاعت موجة غضب بين رجال الأعمال لما أعتبروه من تهديد صريح لهم و كادت أن تتدهور لغة الحوار و التفاهم بين الطرفين لكن كان فى كلاً من الطرفين رجلاً رشيداً أستطاع ان يتمسك بنقط التفاهم فى الحوار و وصلوا لضرورة إيجاد فرص عمل بديلة للمعتصمين و لكن طلب الرجل الرشيد فى رجال الأعمال و كان أحمد الماظة من الرجل الرشيد فى قوات الأمن أن يمنحوهم أسبوعاً على الأقل ليتمكنوا من حل هذه المشكلة ..
وافقت القوات الأمنية و لكنها أشترطت على بعض رجال الأعمال مرافقتهم لموقع الأعتصام للتأكيد على جدية حل المشكلة أمام المعتصمين و بالفعل كان الرجل الرشيد فى القوات الأمنية رشيداً و مقنعاً لثوار لقمة العيش حيث تعهد أمامهم أنه فى غضون أسبوع سيتوفر حل مرضى للجميع و عليه فيتوجب عليهم فض الأعتصام و أن يعودوا أدراجهم لمنازلهم و إن لم يحدث تغيير بعد أسبوع و هذا مستحيلاً .. فهم يعرفون طريق الميدان فلهم الحق للأعتصام وقتها و سيكون أعتصامهم تحت حماية القوات الأمنية !!
بعد الخطبة المعسولة من هذا القائد و بعد تأكيد رجال الأعمال الحاضرين على كلامه لم يكن أمام الثوار أى أختيار غير الإستجابة لمناشدة القائد الأمنى و بالفعل بدأت جموع المتضررين فى التفرق شيئاً فشيئاً حتى تلاشت تماماً فعادت للميدان رئته ليتنفس بحريته مرة أخرى ..
هم رجال الأعمال أيضاً بالرحيل و كذلك قوات الأمن ، فعزم أحمد الماظة على الجزيرى بتناول فنجان قهوة بمكتبه الخاص فى فيلته بأرض الرخاء فرحب الجزيرى بذلك و أستقل الماظة سيارته برفقة الجزيرى و توجها إلى أرض الرخاء مع سماع أغنية لكوكب الشرق و كلاً منهما يحمل سيجار سميك بين أصبعيه فى أنسجام مع الجو العام حتى تفاجأ الماظة بظهور مفاجئ لسيارة حاولت تفادى التصادم معه و توقفت على فاصل سم واحد تقريباً مع سيارته ، نزل من السيارة المتهورة شاب قد ضربه مخدر الحشيش بقوة و يؤكد هذا سيجارة الحشيش التى نزل بها و نزلت من سيارة الشاب فتاة شبه عارية تترنح أثر سيجارة حشيش أيضاً كانت تسحب منها ثم تنفث سحب كثيفة من الدخان ، كان الشاب يقف فى حالة عدم أتزان و يوجه إتهامات بصورة غير لائقة لألماظة حتى نزل ألماظة من سيارته ليتحقق من الشاب المسطول لكن الجزيرى داخل السيارة كان قد تحقق بالفعل من هذا الشاب أنه .. نهاوند ..
نزل الجزيرى من السيارة و عيناه ثاقبتان لا يرفعهما عن نهاوند
حتى تلاقت نظراتهما ، هنا تحقق الماظة أنه نهاوند الجزيرى ..
الماظة بالطبع يعلم أن فيلا نهاوند تقع فى نفس محيط فيلته و الطريق المؤدى لكلا الفيلتين واحد لكنه لم يكن يعلم أنه سيقابله بهذه الطريقة و فى هذا التوقيت ..
نظرات الجزيرى لنهاوند كانت ثاقبة و مؤثرة بقوة سكب جردل من الماء المثلج على رأس نهاوند الذى أبتلع لسانه و تمنى
لو أنشقت الأرض من تحته و أبتلعته فى هذه اللحظة ..
أشاح الجزيرى بوجهه بما يعنى أنه ليس هناك فائدة ، ثم أدار ظهره لنهاوند و عاد للسيارة و هو يقول لألماظة :
يلا نمشى من هنا ..
*****************
كانت لأجابة فتاة ( وردة الجنة ) على سؤال محمود عن أسمها
واقع السحر عليه .. هو لم يتوقع أطلاقا أن ( موطن الفاشلين ) المنهار كان يخبئ بين مواطنيه شخصيات بارزة أمثال أبنة الجزيرى أنجح رجال أعمال ( مدينتنا ) .. راودته الأسئلة و سيطرت عليه الحيرة و سأل نفسه كيف لهذه البرنسيسة أن تطأ قدميها أرض الفقراء و البائسين الفاشلين
و تتعامل على أنها واحدة منهم ؟؟
هل جميلة تعمل صحفية أم أنه فضول منها أو قد يكون بدافع التسلية أم أن هناك أغراض أخرى لم تفصح عنها بعد ؟؟
كان يسأل دون أن يتلقى أي أجابة و مع ذلك أستمر هذا التحقيق الذاتى لكنه أنتبه و أجاب على واحد من عشرات الأسئلة التى وجهها لنفسه و أخبر نفسه أنها كانت تشارك ببوستات عديدة و كانت البوستات يشوبها الحزن و يتخللها بصيصاً من الأمل ، فعاد يحلل الموقف و لكن بأسئلة جديدة فيسأل ذاته كيف لهذه الفتاة و العالم بين يديها أن تكون حزينة بائسة
و تشعر بالأمان فى ( موطن الفاشلين ) !!
هى غامضة و كان لغموضها الفضل فى خلق كيمياء من المشاعر و الأحاسيس بداخله تجاهها و تتطور طرديا مع كل محادثة معها ، لكن الأن بعد معرفة أنها من الجانب الشرقى و بالأحرى أبنة رجل الأعمال الناجح الجزيرى ، فلابد من ترجيح كفة المنطق على كفة الكيمياء التى تكونت بداخله حتى
لا يرسب فى هذا الأختبار .. أختبار جميلة الجزيرى ..
بعد هذا التحقيق المجهد الذى قام به محمود مع ذاته قرر أستدعاء الطرف الأخر لسماع أقواله ليهتدى لحقيقة الأمر فى قضيته الخاصة .. بالفعل فتح محمود الماسنجر و دخل مباشرة على المحادثة الخاصة بجميلة و لحسن الحظ كانت النقطة الخضراء بجانب أسمها مضيئة مما حمسه على فتح المحادثة و محاورتها و مازالت الأسئلة طازجة برأسه ..
ألقى السلام أولاً فـ ردت جميلة السلام ثم أرسلت له أيموشن ضحك فأرسل إليها أيموشن تعجب فأجابته بسؤال و كتبت له :
أين ذهبت بعد معرفة أسمى ؟ أنا ظننت أنك قرأتها لوسيفر و ليس جميلة .. و كان هذا سبب فزعك !
فأجابها : كيف ملاك مثلك يقارن ب شيطان .. و بدأ تجاذب أطراف الحديث حتى وصل محمود لنقطة مناسبة لأنطلاق أسئلته و عند هذه اللحظة أنهال محمود على جميلة بحيرته و تخبطه و كان ينتظر الهداية فى أجاباتها ليهدى ضالته ..
أخبرته جميلة أن ليس للثروة و لا للجاه مذاق بعد فقدان والدتها لا سيما فى حالتها و قد كانت والدتها هى الدنيا و ما فيها .. كانت فى ناظريها الثروة و القوة و الحنان و الأمان .. كانت الصديقة و الأم و الأخت و السند كانت مرتبطة بها أرتباط مرضى , لذلك لم تتحمل مغادرتها للحياة و لم تقوى على مفارقتها .. كان لخبر الوفاة أثر قوى عليها أدى وقتها لأرتفاع ضغط الدم مما زاد من التأثير و الضغط على الأوعية الدموية فوصل الأمر إلى تمزق الأوعية الدموية مما أدى لأصابتها بالشلل و أخبرته أنها أصبحت بعدما فقدت والدتها
جليسة كرسى متحرك !
مازالت جميلة قادرة على جعل محمود فى نهاية كل محادثة معها أن يحدق لشاشة موبايله و عيناه مفتوحتان عن أخرهما !!!
*******************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الثالث
- 3 -
التقليد الأعمى هو النقل الحرفى لكثير من أفعال دول الغرب و محاولة
تطبيقها فى مجتمعاتنا الشرقية رغم تناقضها معها و مع ذلك
تنال أعجاب الكثير و يدعموها !
التقليد المبصر هو مصطلح ظهر حديثاً فى ( مدينتنا ) و يعزى الفضل فى ذلك للجزيرى نتيجة أستبداله للعنصر البشرى بنظيره الألى و تحقيق أنتاج مضاعف لما كان عليه الوضع سالفاً فى مصنعه ..
مما حفز بعضاً من رجال أعمال ( مدينتنا ) للفكرة وراقت لهم كثيرآ بعد ضمان نجاحها من مراقبة تجربة الجزيرى ..
واحداً من هؤلاء الرجال الذين راقت لهم تجربة الجزيرى يدعى منير المنفلوطى و يمتلك مصنع التونة الشهير بـ ( مدينتنا ) و قد أستخدم حيلة خفض مرتبات العمال للنصف بـ داعى خسارة المصنع و عدم توافر بعض الخامات الأساسية مما أجبر عدد كبير من عمال المصنع على تقديم أستقالاتهم و الرحيل للبحث عن لقمة عيش فى مصنع أخر أو شركة أخرى ..
أما القلائل المتبقين و لم يغادروا المصنع فقد تمكن المنفلوطى من أقناعهم أن وضع العمل أصبح من سئ لأسوأ لا سيما بعد رحيل كم هائل من العمال و مغادرتهم المصنع مما أدى لشلل كلى فى دورة ....... [المزيد]
( مول المستقبل ) هو أحد أكبر مولات ( مدينتنا ) أن لم يكن أكبرهم بالفعل و لكنه أحدثهم تشييداً ، هو بالطبع يقع فى الجانب الشرقى ..
تم الإنتهاء من تشطيب الثلاثة طوابق الأولى من المول و تسليم المحلات المصنوعة بالكامل من الزجاج السيكوريت
لملاكها أو لمستأجريها على حسب التعاقد ..
أما بالنسبة للثلاث طوابق المتبقين لم يتم الإنتهاء من تشطيبهم بشكل كامل و تم تأجيل هذه المهمة سالفاً لأكثر من مرة ..
لقد وقع الإختيار من قبل رجال أعمال ( مدينتنا ) على ( مول المستقبل ) و بالأحرى تم الأتفاق على تخصيص هذه الطوابق الثلاثة المتبقية للمهمات المُقبلة ، من إقامة الدورات التدريبية إلى صيانة الروبوتات و .. إلخ .
بدأت تهيئة المكان كـ ورش فنية لممارسة الوظيفة الجديدة ..
صيانة الروبوتات ..
تم العمل على قدم وساق لإنجاز تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية فى زمن قياسى .. تم تكريس الوقت و مضاعفة المجهود حتى تم الإنتهاء بالفعل
من تنفيذ التصميم المعدل لهذه الطوابق بما يتماشى
مع المهمة الجديدة التى يتم تجهيزهم من أجلها ..
******************
تم التواصل مع المواطنين الذين سجلوا أسماءهم فى الدورة التدريبية للصيانة فور الإنتهاء من تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية بالمول ، و تم أخبارهم بضرورة الحضور فى الموعد الذى تم تحديده لبدء الدورات التدريبية ، هذا بعد الأتفاق مع المدربين اليابانيين و تخصيص فيلا لهم ليقيموا فيها حتى الإنتهاء من المدة المحددة للدورات ..
كان عدد هائل من المواطنين قد تقدموا بتسجيل أسماءهم فى الدورة و قد حضروا فعلياً فى اليوم المحدد لبدء الدورة .. تم تقسيمهم و توزيعهم و مع كل مجموعة مدرب متخصص لضمان وصول المعلومة بسهولة و يسر ..
أستغرقت الدورات التدريبية حوالى أسبوعاً حتى أنتهى المدربين اليابانيين من تدريب المواطنين المصريين نظرياً و عمليا على كيفية إكتشاف العطل الذى يصيب الروبوتات و كيفية التعامل معه لحل المشكلة ..
يتبقى امراً واحداً و هو الإختبار الذى سيحدد مصير المتدربين لتحديد من منهم جدير بالوظيفة .. هذا الأختبار تم وضعه و سيتم الإشراف عليه و تقييمه من قبل هؤلاء المدربين اليابانيين دون تدخل أى عنصر مصرى .. و ذلك لضمان شفافية الدورة و دقة أختيار من سيصلحون حقآ لهذه الوظيفة ..
*******************
داخل فيلا الجزيرى تجد الرفاهية و الرخاء متجسدان فى كل الأمور الحياتية
بكل ركن فيها .. تشعر بلذة النعيم و مذاق الراحة
فى غضون خمس دقائق من دخولك مملكة الجزيرى ..
على طاولة الطعام كان يجلس الجزيرى برفقة أبنته جميلة ، كانت تجلس على يمينه و هذا هو مقعدها المفضل على هذه السفرة و التى تمتد مساحتها لأمتار عديدة و تكسوها قشرة من الذهب الخالص بالكامل , حتى مقاعدها لم تخلو من هذه القشرة الذهبية .. شردت جميلة و ثبت ناظريها على المقعدين المواجهين لها ، على واحداً منهما والذى يقع على يسار الجزيرى أعتادت زوجته - رحمها الله - الجلوس عليه و المقعد المجاور لها كان يجلس نهاوند ..
لاحظ الجزيرى حالة جميلة و أنتبه الى عيناها
و هى تبدوان زجاجيتان أثر رشح الدموع بها ..
أنزعج و حاول التحكم فى نبرة صوته و هو يخاطبها مازحاً :
ماذا أصابك يا صغيرتى .. لماذا هذه الدموع ؟ هل البصل زائد فى السلطة ؟!
أبتسمت جميلة أبتسامة فاترة و قالت بصوت متحشرج و هى تنظر للمقعد الذى على يسار والدها .. لقد وحشتنى كثيراً .. حقآ أفتقدها ..
ترحم عليها الجزيرى و قد امتلأ بالحزن و الأسى أثر ذكرها على مسامعه ، و دعا لجميلة بالشفاء و العمر المديد .. فهى الحياة و الأمل الذى يحيا من أجله و قد مسح براحة يديه على شعرها برفق ..
قالت له جميلة : نهاوند وحشنى جداً.. وحشتنى لمتنا على السفرة و مناكفته ليا .. نفسى يرجع يعيش معانا تانى !
هنا أمتقع وجه الجزيرى و صارت نظراته صارمة و خاطب جميلة بصوتا أجش :
هو أختار حياته الضايعة و أنا أختارت حياتنا من غيره و علشان يدخل هنا تانى لازم ينضف .. و مش عايز أفتح الموضوع دة تانى يا جميلة .. فهمانى ؟؟
تسلل اليأس لقلب جميلة و تملكه بشأن شقيقها نهاوند و عودته للفيلا .. هى تعرف جيداً صرامة قرارات والدها .. حاولت جميلة ترطيب الجو بعد تعكيره و سألت والدها بخصوص العمل و الأتجاه الجديد الذى يسلكوه بخصوص الروبوتات و الدورات و الوظائف المرتبطة بها ..
رد الجزيرى بأبتسامة مصطنعة و قال لجميلة : تمت الدورة بنجاح و خضع الآلاف للأختبار الذى وضعه المدربين اليابانيين و لم ينجو بسلام من هذا الاختبار إلا حوالى نصف العدد المتقدم لهذه الدورة !!
قالت جميلة فى أندهاش : هل كان الأختبار تعجيزياً ؟!
رد الجزيرى فى حماس : بالعكس .. فهناك من تجاوزوا الإختبار فى سهولة كما يوجد شاب برع فى هذا الأختبار و تمكن من الحصول على الدرجات النهائية فيه بكل يسر .. أرى فى هذا الشاب مستقبلاً منيراً فى هذا المجال .. أثق فى ذلك ..
سألت جميلة و كلها فضول : ما أسم هذا الشاب ؟!
رد الجزيرى بنفس درجة الحماس :
أسمه محمود .. على ما أتذكر .. محمود طايع ..
****************
قرر الجزيرى رد عزومة فنجان القهوة الكولومبى لصديقه الماظة ، أتصل به هاتفياً و طلب منه المجئ لمكتبه بالمصنع لتناول فنجان القهوة معه
أن كان وقته يسمح بذلك ..
لم يتأخر الماظة على صديقه و أستجاب لدعوته و ذهب بالفعل لتناول فنجان القهوة مع الجزيرى فى مكتبه ..
جذب الماظة أطراف الحديث فيما يخص الدورة التدريبية و مستوى الأشخاص الذين أجتازوا هذه الدورة ولابد من العمل على رفع مستواهم و كفاءاتهم .. حتى دخل عليهم عامل البوفيه و هو من العناصر البشرية ، و هم قلائل جداً الباقين فى المصنع .. قدم القهوة لكلاً من الماظة و الجزيرى و بعد أن أنهى طقوس السرفيس أنصرف ، لم يرفع الماظة ناظريه عن فنجان القهوة .. كان الجزيرى يراقبه فى صمت حتى كسر الماظة الصمت بسؤاله : ايه القهوة دى ؟
رد الجزيرى : مالها يا صديقى ؟
رشف الماظة منها و قال : هى لذيذة بس مش فاهمها ! و شاكك فى حاجة كدة !
ضحك الجزيرى و قال له : سيبك من اللى فى دماغك .. المهم المذاق ؟
شحب وجه الماظة و قال له : يعنى اللى فى دماغى صح ؟ دة البن اللى حكيتلى عليه و قولتلى جبته معاك من أمريكا مع آخر سفرية ؟!
مازال الجزيرى مبتسماً أثر أشمئزاز الماظة من فنجان القهوة و قال له : الفنجان اللى قدامك دة سعره يعدى الـ ٥٠ دولار أمريكى !!
صعق الماظة و قال دون تعقل : مش دة البن اللى بيعملوه من
فضلات حيوان ( الكوبى لواك ) ؟!!
رد الجزيرى و قد أتسعت الأبتسامة على وجهه : بالظبط هو دة ..
تقلص وجه الماظة و هو يحاول أن يفهم فسأل الجزيرى : كيف لقهوة أن ُتصنع من فضلات حيوان و أن تصبح أبهظ قهوة بالعالم !
قال له الجزيرى : ( الكوبى لواك ) دة اللى هو ( قطط الزباد ) .. بتعيش فى شرق آسيا و بتتغذى على البن دة طعامها ، علشان كدة بيستخدموا فضلاتها لتصنيع أغلى أنواع البن فى العالم !!
و هنروح بعيد ليه أنت مش واخد بالك احنا فين ؟؟
ركز كدة هتلاقى أن فضلات النحل بتتاكل و من أشهى و أفيد الأطعمة !!
ثم رن هاتف الجزيرى فكسر جو التسامر السائد بينهما ، كان المتصل هو منير المنفلوطى .. أستجاب الجزيرى للأتصال لكنه لاحظ من نبرة صوت المنفلوطى أنه ليس على ما يرام فسأله ماذا أصابك ؟
فرد المنفلوطى بصوتاً مفزوعاً : قصدك ماذا أصاب الروبوتات .. الروبوتات هيست !!
فسأله الجزيرى مندهشاً : أزاى دة حصل ؟؟
عامة متقلقش بقى عندنا مركز صيانة جاهز للطوارئ ..
رد المنفلوطى بنفس حالة الفزع التى تملكته :
الروبوتات مش بتستجيب للتعليمات و الشغل بدأ يتعطل !
مازال الجزيرى مندهشاً و قال له : متقلقش هيتم السيطرة على الوضع .. لقد أصبح لدينا مراكز صيانة بها أمهر المهندسين و الفنيين ..
أنهى الجزيرى المكالمة و قبل أن يشارك الماظة فى الحوار أنهالت عليه الأتصالات من رجال أعمال المدينة يشكون نفس المشكلة
من تهييس الروبوتات بمصانعهم و شركاتهم !!
هنا أيقن الماظة و الجزيرى أن هناك حلقة مفقودة و غامضة .. و زاد يقينهما عندما دخل عليهما المسئول عن متابعة الروبوتات فى مصنع الجزيرى و كان يقف كالملسوع و صدره يعلو ويهبط بغير أنتظام و أخبر الجزيرى أن هناك أمراً غامضاً قد أصاب عدداً كبيراً من الروبوتات !!
*****************
نشأ مناخ رومانسى بين محمود و جميلة و أخذ ينمو من حولهما حتى تطورت العلاقة بينهما ، كاد محمود أن يتمكن من أقناع جميلة أن ترسل له رقم هاتفها ، لكنها رفضت فى بادئ الأمر فحاول محمود الأتصال بجميلة عبر الماسنجر مرات عديدة و لكن كانت تتحول كلها لدى جميلة فى النهاية إلى مكالمات فائتة ، حتى جاء يوم كانت جميلة على درجة مرتفعة من الأكتئاب فقبلت الأتصال و ردت على محمود عبر الماسنجر و لم يصدق محمود نفسه وقتها من الفرحة ..
و تطور الأمر فيما بعد ، و نجح محمود فى أن تتحول أتصالاته
من الماسنجر إلى الهاتف ..
و كان لذلك الفضل فى أن تتوطد بينهما العلاقة و أن يتجرأ محمود و يبدى لجميلة رغبته فى مقابلتها ! و أنه يتوق لرؤيتها وجها لوجه !!
أرتبكت جميلة على الفور أثر طلبه المفاجئ ، و بدا ذلك من صوتها عبر الهاتف و أكدت لمحمود أن هذا مستحيل يحدث و وبخته لأنه نسى أن من أشد العقبات لإتمام ذلك أنها قعيدة على كرسى متحرك !
كما أنها مستحيل أن تخرج من الفيلا بمفردها !
قالت له فى المكالمة الهاتفية : هذا جناااان !
رد محمود فى ثقة عالية : لدى خطة لتنفيذ ذلك بسهولة ..
قالت له جميلة بملء فيها : أنت حقاً مجنووووون !!
***********************
بعد أن ضربت ظاهرة ( جنون الروبوتات ) المدينة و أنتشرت الظاهرة بين الروبوتات المستخدمة فى مصانع و شركات الجانب الشرقى ، تم شحن و إرسال الروبوتات المخبولة إلى ( مول المستقبل ) حيث مراكز الصيانة المستجدة
و أول أختبار حقيقى لها !
تم أشراف الجزيرى و الماظة و المنفلوطى بأنفسهم على عمليات الصيانة للروبوتات ، كان يتجول كلاً منهم بمفرده فى طوابق الصيانة بالمول .. يتابعون بأنفسهم محاولات المهندسين البائسة التى لم تصل لشئ حتى بعد مرور عشر ساعات عمل تكاد تكون متواصلة !!
بدأ يشعر الثلاثة أنهم تورطوا فى تأسيس مراكز الصيانة التى كلفتهم مبالغ مالية كبيرة .. يمر الوقت دون جدوى تقريباً مما دعا الجزيرى لأقتراح فكرة التواصل مع الشركة اليابانية لإيجاد حل سريع حتى لا تتكبد مصانعهم و شركاتهم خسائر فادحة ، كان المنفلوطى مؤيداً للفكرة بينما أضاف الماظة ضرورة مراسلة الشركة اليابانية و أخبارها أن المبالغ التى تحملوها من تجهيزات لإجراء الدورة ذهبت هباءً و أنهم لم ينتفعوا بمجئ الخبراء اليابانيين بل خسروا ما دفعوه لهم أيضاً ..
حالة تخبط و أستياء سيطرت على رجال الأعمال و قد أجتمعوا فى مكتب الإدارة بالمول ، سمعوا طرقات على الباب فكان موظف الأمن .. دخل ليخبرهم أن هناك أحد المهندسين يود مقابلتهم لأمر بالغ الأهمية !
دخل المهندس و كانت نشوة الإنتصار تكسو وجهه .. كان يقف أمامهم و كانوا يفحصوه بنظراتهم ثم سمحوا له بالحديث ..
أخبرهم المهندس أنه أكتشف سبب العطل الذى أدى لهذه المشكلة .. هنا أعتدل الثلاثة في جلستهم و أنتبهوا لكلماته ، سأله الجزيرى فى شغف :
ما هو سبب العطل ؟!!
فاجأهم المهندس أن العطل مفتعل ! و أخبرهم أن هناك من تعمد نقل فيروس مصنع .. هذا الفيروس يظل خاملاً و ينشط بعد مدة معينة يحددها من صنع هذا الفيروس ، و هذا السبب لما حدث لهذه الروبوتات ..
جن جنون الماظة و قال له : و من فعل ذلك ؟
أخبره المهندس أنه بعد صعوبة بالغة تمكن من صيد هذا الفيروس الألكترونى و عند التعامل معه كانت الشفرة المستخدمة به بلغة معقدة و غير مفهومة ، بعد البحث عنها أكتشف أنها من حروف يابانية !
صعقت الصدمة رجال الأعمال الثلاثة و شرد الماظة ثم نظر بحدة للجزيرى و قال له : هل كان رفضنا للعرض اليابانى بتعيين مجموعة من الخبراء اليابانيين بأجور ثابتة فى مراكز الصيانة لدينا ، له علاقة بما حدث ؟!
رد عليه الجزيرى بعينان شاخصتان : الشعب اليابانى يتميز بأنه شعب منظم و مؤدب و خجول .. لكن معروف عن اليابانيين أيضاً أن ليس لديهم سياسة دوبلوماسية أو أقتصادية واضحة !!
أكد المنفلوطى شكوكهم عندما ذكرهم بطلب الخبراء اليابانيين بزيارة المصانع و الشركات بحجة التشييك على الروبوتات .. كان هذا الطلب بعد أعتذارهم عن إقتراح الشركة اليابانية بتثبيت خبراء يابانيين لديهم بمراكز الصيانة !
بعد أن أستنتجوا سيناريو لما حدث ، طلب الجزيرى من المهندس الذهاب معه و مشاهدة الروبوتات المُفيرسة بعد إصلاحها ..
بالفعل أنتقل الأربعة إلى موقع الحدث و شاهد الثلاثة بأنفسهم كيف تمكن المهندس المصرى من التفوق على نظيره اليابانى بعد أن حاول الأخير تضليلهم مما جعلهم ينبهرون بهذا المهندس !
سأله الجزيرى عن أسمه فأجاب المهندس :
محمود .. أسمى محمود طايع ..
أبتسم الجزيرى و قال : أتذكر اسمك .. لقد نجحت فى أجتياز الدورة بأمتياز .. أعلم ذلك ..
شارك الجزيرى الرأى مع الماظة و المنفلوطى فى تنصيبه لمحمود مديراً لمركز صيانة ( مول المستقبل ) .. فدعم الأثنان قرار الجزيرى بكل أقتناع ..
***********************
كان الأتجاه الذى سلكه رجال أعمال المدينة لمجابهة أزمة البطالة التى أجتاحت ( مدينتنا ) قد أنشطر إلى محورين ..
محور خاص بالصناعة و هو ما يخص الروبوتات و الصيانة و ما شابه .. و محور خاص بالزراعة فى محاولة لأستغلال الأراضى الصحراوية داخل ( مدينتنا ) و فى المحيط الخارجى للمدينة ..
تم التواصل من قبل اللجنة المتخصصة لفحص أفكار المشروعات مع خالد صاحب فكرة مشروع أستصلاح الأراضى الصحراوية و أستثمارها فى زراعة بعض المحاصيل الأساسية و من أهمها القمح ..
تم أخباره بالموافقة على دعم مشروعه و أنه لن يكون مشروعاً خاصاً به بل يخص المدينة بأكملها , تم تنصيب خالد على الإشراف العام على المشروع و متابعته له خطوة بخطوة لوضع حجر الأساس لهذا المشروع العملاق ..
تم تحديد و تخصيص المساحات التى وقع عليها الإختيار لتنفيذ المشروع عليها.. تم أختيار البذور السليمة بعناية فائقة لأستخدامها فى الزراعة .. تم أيضاً تجهيز الأسمدة اللازمة لهذه المهمة من
أسمدة نيتروجينية و أسمدة فوسفورية و أسمدة البوتاسيوم ..
كانت الأمور تسير ضمن خطة مُحكمة مدروسة لضمان نجاح المشروع ..
كانت فكرة معالجة مياه الصرف الصحى لأستخدامها فى الرى تحتاج لمجهود ضخم لأتمامها .. تم التواصل من رجال أعمال المدينة مع وزارة ( الموارد المائية و الرى ) لأنشاء محطة معالجة مياه الصرف الصحى ، لكنهم فوجئوا بأن أنشاء المحطة سيستغرق حوالى ستة أشهر لأتمامه
و هذه المدة تعتبر قياسية لأنجاز هذا الأمر !
لكنها ليست كذلك بالنسبة للقائمين على المشروع ..
كما أنهم مازالوا فى حاجة لأستيراد المعدات الكهروميكانيكية من الخارج لأستخدامها فى المعالجة الثلاثية و هذا بدوره يستغرق شهوراً طويلة للحصول على الأعتمادات الفنية التى تحتاج وقتاً طويلاً للفحص من الجهات المسئولة ..
بدأ عامل الوقت يمثل العاقبة لأتمام نجاح المشروع ناهيك عن الأموال الطائلة التى سيتطلبها تنفيذ هذا المشروع ، لكن كانت العرقلة الأكبر تكمُن فى الوقت المُستغرق لأنهاء أساسيات المشروع ..
************************
كان الجزيرى يشعر بالسلام النفسى و يجد أيضاً لذة فى مجالسة أبنته جميلة ..
كانا يجلسان على طقم راتان مكون من ترابيزة و ثلاثة مقاعد فى حديقة الفيلا ، كان مكان المقعد الرابع خالياً تأهباً لملأه بمقعد جميلة المتحرك الذى يعمل بالكهرباء .. أستقرت جميلة بمقعدها و أمامها كان يجلس والدها .. كانا يتناولان وجبة الإفطار و كانا يتسامران فطلبت جميلة من والدها الجزيرى طلباً كان قادراً على جعله متفاجئاً ..
جميلة كانت تنفذ خطوات الخطة التى وضعها محمود .. أخبرت جميلة والدها أنها ترغب فى كسر الملل الذى تعيش فيه و تشاهد الناس و تتعامل معهم .. أخبرته أنها ترغب فى الهروب من محبسها النفسى ..
لطالما كان يطلب منها الجزيرى ذلك كى تتحدى أزمتها و تتمكن من أن تخطيها و لكنها كانت تتملص منه فى كل مرة ، رحب الجزيرى برغبتها و عرض عليها أن يسافران للتنزه فى أوروبا ، لكنها نجحت للمرة الثانية على التوالى
فى أن تصيبه بالمفاجأة ..
طلبت منه جميلة أن يأخذها فى رحلة أستكشافية لـ ( مول المستقبل ) و لمراكز الصيانة بالتحديد بعد أن أخبرها بما حدث للروبوتات ..
لم يجد الجزيرى ما يمنع من موافقته على رغبتها و ايضاً لا تمنع موافقته من أن يبدى لها أندهاشه من تفضيلها ( مول المستقبل ) على السفر لأوروبا !!
****************
قام الجزيرى بزيارة مفاجئة لـ ( مول المستقبل ) برفقة جميلة .. كانت الزيارة حقاً مفاجأة لكل العاملين بالمول عدا محمود بالتأكيد ، و الذى كان ينتظر هذه الزيارة على أحر من الجمر .. أعترف محمود أمام نفسه أنه نجح فعلاً فى إدارة حالته النفسية لكنه فشل تماماً فى أدارة حالته العاطفية كما كان ينوى !
حدثت اللحظة المُنتظرة على شوق عميق و وصل الجزيرى مع جميلة لمركز الصيانة الذى يعمل به محمود ..
ظهر محمود للجزيرى فقام الأخير بتقديمه لجميلة ..
تلاقت نظراتهما فـ سرت قشعريرة فى جسد محمود و كأنه لمس سلك كهربائى عارى .. كان يبدو من الخارج ثابتاً لكن عيناه كانت تخبر بعكس ذلك تماماً !
بينما جميلة أستشعرت أنها ذاقت إكسير الحياة .. جريت فى عروقها أنتعاشة أشعرتها بأن مازال للحياة مذاق لذيذ .. لقد باحت عيناها بكل شئ !
كسر الجزيرى اللحظة التاريخية التى يمر بها كلاً من محمود و جميلة عندما سألهما : هل بينكما سابق معرفة ؟!
هنا أنتفضا الأثنان و أرتبكا .. برر محمود ما أصابه و قال للجزيرى :
هذا شرف بعيد المنال .. لكن أبنة حضرتك على وجهها أعتى آيات الجمال .. مما أجبرنى على الوقوف ساهماً .. ربنا يحفظها لحضرتك ..
**********************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الخامس
- 5 -
( مول المستقبل ) هو أحد أكبر مولات ( مدينتنا ) أن لم يكن أكبرهم بالفعل و لكنه أحدثهم تشييداً ، هو بالطبع يقع فى الجانب الشرقى ..
تم الإنتهاء من تشطيب الثلاثة طوابق الأولى من المول و تسليم المحلات المصنوعة بالكامل من الزجاج السيكوريت
لملاكها أو لمستأجريها على حسب التعاقد ..
أما بالنسبة للثلاث طوابق المتبقين لم يتم الإنتهاء من تشطيبهم بشكل كامل و تم تأجيل هذه المهمة سالفاً لأكثر من مرة ..
لقد وقع الإختيار من قبل رجال أعمال ( مدينتنا ) على ( مول المستقبل ) و بالأحرى تم الأتفاق على تخصيص هذه الطوابق الثلاثة المتبقية للمهمات المُقبلة ، من إقامة الدورات التدريبية إلى صيانة الروبوتات و .. إلخ .
بدأت تهيئة المكان كـ ورش فنية لممارسة الوظيفة الجديدة ..
صيانة الروبوتات ..
تم العمل على قدم وساق لإنجاز تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية فى زمن قياسى .. تم تكريس الوقت و مضاعفة المجهود حتى تم الإنتهاء بالفعل
من تنفيذ التصميم المعدل لهذه الطوابق بما يتماشى
مع المهمة الجديدة التى يتم تجهيزهم من أجلها ....... [المزيد]