█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ ومن جهة أخرى فإن إدمان متابعة الوقائع والأحداث والمجادلات الشبكية المتوالية يصوغ نمطا من «التفكير الأفقي» لا يبصر إلا الغلاف والقشرة الخارجية من المتغيرات، ولا يعرف إلا المنتج النهائي من التصورات الذي يقدم للمستهلك العام، لأنه بكل اختصار غادر معامل الإنتاج إلى رفوف التسوق، وبالتالي فلا يمكن ترميم هذا النمط واستصلاحه إلا بإعادته للعيش التأهيلي في «عالم الإنتاج» وملامسة تفاصيله وصعوباته ومكابداته، وعالم الإنتاج هو الخبرات العلمية والتجارب الإصلاحية
. ❝
❞ وبينما كان ينتظر أن يغادر، تلاقت موجات اللغات الأجنبيَّة فوق رأسه زخَّاتٍ زخَّاتٍ: كلماتٍ وجملًا، وصيحاتٍ في خلطٍ مشوَّشٍ يخلو من المعاني المفهومة. قال شابا في ميناء زارا: ˝إن نجوتُ من هذه الرحلة، فسأصلِّي في المنـزل حتَّــى يغشى عليَّ تمامًا˝. كاد أن ينهار حقًّا، فالأصوات المحيطة به مزَّقت طبلة أذنيه. ساعده رجاله على سطح السفينة وفي القارب، وكذا عند الشراع. ˝آمل أن أتذكَّر كلَّ شيءٍ إذا نجوتُ˝. فوق الأمواج تطفو الأذرع والأصوات الغريبة، وأحد الأصابع قد علق في مسبحة الشابِّ والآخر في ساعته. اعتقد أنَّه ربَّما سيموت في الطريق، وحتَّــى قبل أن يصل. بيد أنَّه لم يمت، فقد دفعَته العديد من الأكواع إلى السطح، ورأى بالفعل مرافقين خلفه؛ الشمَّاس المذعور، والسكرتيـر، والمنشدَين الدينيَّين: الآن لم يكن الغرباء هم من دفعوه إلى السطح، بل أولئك. أغمض جفنيه، ولجأ بسرعةٍ إلى الصلاة والدعاء. ما الذي يمكن أن يخطر ببال هؤلاء البحَّارة غيـر المتعلِّمين، هكذا فكَّر، وهو يـراقب الركَّاب والسلال والصناديق، ومعهم شروق الشمس، من أسفل جفونه المتدلِّية التـي تشبه الغشاء الرفيع الرقيق، لأنَّ السماء تـرقب الحركات في زارا بحذرٍ تمامًا مثل شابا، الذي قضى في هذا العالم زهاء خمسةٍ وسبعين عامًا.
˝بمجرَّد بزوغ الفجر، سنغادر˝. كانت هذه هي الجملة الوحيدة التـي فهمها، وقد قيلت وحدها بالمجريَّة. ردَّدها أحد المنشدَين الدينيَّين بسعادةٍ. اتكأ شابا على صندوقه وتظاهر بأنَّه ميتٌ. كان يعتقد أنَّ هذا الوضع هو دائمًا الأكثـر أمانًا. يعلم أنَّ كبار مسؤولي زارا ينتظرون على الشاطئ كي يلوِّح لهم مبعوث الملك المجريَّ، لكنَّ شابا اعتقد أنَّه سيكون أكثـر كرامةً إذا لم يلوِّح لهم من الأساس، وإنَّما يتشبَّث بالصدور وكلمات الصلاة، مثل رئيس كهنةٍ قلقٍ وعاجزٍ. يكفي أن نرى من الشاطئ أنَّ رئيس الكهنة، الذي يذهب في مهمَّةٍ مقدَّسةٍ، يشيـر بوجهه إلى الأمام، ويحيِّي أولئك من على متن السفينة، هذا في حين لم يقرِّر بعدُ متـى سيسعد قائد الدفَّة والجموع المنتظرين في المرفأ بأشعَّة الشمس. تلا تلك الملابسات، انبثاق لهجاتٍ لاتينيَّةٍ من زوايا الشفاه، والتقاط بضع كلماتٍ لاتينيَّةٍ مشوَّشة من خلف ظهره، فهم منها جيِّدًا أنَّ رجلًا ذا صوتٍ معدنيٍّ يبحث عن بضاعته، وسدَّادة زجاجة النبيذ الخاصَّة به، وسمع شـخصًا آخر أجاب على ذات الصوت غيـر الواضـح. قال شابا إنَّ هذا الشـخص الآخر لاتينيٌّ أيضًا، على الرغم من أنَّه لم يفهم أيّ شيءٍ من الإجابة. تساءل كيف يمكن أن يكون هذا، وتعجَّب بشدَّةٍ، بينما أصابعه تمسك المسبحة بإرهاقٍ... لم أفهم سوى جملةٍ واحدةٍ. حاول أن يبصر الأمر بأذنيه، ويفكُّ تشابك الجمل والكلمات بصبـرٍ، بينما يعلم أنَّ كبار المسؤولين يتظاهرون بالصبـر على الشاطئ وينتظرون تحيَّة رئيس الكهنة العجوز. ربَّما يكون هذا ما يتحدَّثون عنه، كما اعتقد شابا، لأنَّه يوجد دائمًا شيءٌ يجب التفكيـر فيه، فالأناس قليلو العقل محدودو الفكر لا يفعلون سوى أن يقصِّروا حياتنا فقط . ❝
❞ قال صديقي: إن المسيح قال: «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ». (يوحنا 14/9)
قلت: المسيح، عليه السلام، كان يحدثهم عن الرب لذلك قال لهم قبلها «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي"
ولكنهم لم يفهموا معنى كلامه فقالوا له : «قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا"
فقال المسيح: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ"
«أنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ"
بمعنى: من فهم المسيح وفهم الرب ما كان سيطلب طلبًا كهذا!
فهذه لغة «مجازية» قد استعملها المسيح مرارًا بسبب قلة فهم من حوله. فقد قال: «مِنْ أَجْلِ هذَا أُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَال، لأَنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لاَ يَسْمَعُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ». (متي 13/13) . ❝
❞ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)
قوله تعالى : وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا قال مقاتل : لما عاد أبو جهل إلى أصحابه ، ولم يصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسقط الحجر من يده ، أخذ الحجر رجل آخر من بني مخزوم وقال : أقتله بهذا الحجر . فلما دنا من النبي - صلى الله عليه وسلم - طمس الله على بصره فلم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه ، فهذا معنى الآية . وقال محمد بن إسحاق في روايته : جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل وأمية بن خلف ، يرصدون النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبلغوا من أذاه ، فخرج عليهم - عليه السلام - وهو يقرأ ( يس ) وفي يده تراب فرماهم به وقرأ : وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأطرقوا حتى مر عليهم عليه السلام . وقد مضى هذا في سورة ( سبحان ) ومضى في ( الكهف ) الكلام في " سدا " بضم السين وفتحها ، وهما لغتان . وقال الضحاك : وجعلنا من بين أيديهم سدا أي : الدنيا ، ومن خلفهم سدا أي : الآخرة ، أي : عموا عن البعث وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا ، قال الله تعالى : وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم أي : زينوا لهم الدنيا ودعوهم إلى التكذيب بالآخرة . وقيل : على هذا من بين أيديهم سدا أي : غرورا بالدنيا ، ومن خلفهم سدا أي : تكذيبا بالآخرة . وقيل : من بين أيديهم الآخرة ومن خلفهم الدنيا . فأغشيناهم أي : غطينا أبصارهم ، وقد مضى في أول [ البقرة ] .
وقرأ ابن عباس وعكرمة ويحيى بن يعمر " فأعشيناهم " بالعين غير معجمة ، من العشاء في العين ، وهو ضعف بصرها حتى لا تبصر بالليل . قال :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
وقال تعالى : ومن يعش عن ذكر الرحمن الآية . والمعنى متقارب ، والمعنى أعميناهم ، كما قال :
ومن الحوادث لا أبا لك أنني ضربت علي الأرض بالأسداد
لا أهتدي فيها لموضع تلعة بين العذيب وبين أرض مراد
فهم لا يبصرون أي الهدى ، قاله قتادة . وقيل : محمد حين ائتمروا على قتله ، قاله السدي . وقال الضحاك : وجعلنا من بين أيديهم سدا أي : الدنيا ، ومن خلفهم سدا أي : الآخرة . أي عموا عن البعث وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا ، قال الله تعالى : وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم أي : زينوا لهم الدنيا ودعوهم إلى التكذيب بالآخرة . وقيل : على هذا من بين أيديهم سدا أي : غرورا بالدنيا ، ومن خلفهم سدا أي : تكذيبا بالآخرة . وقيل : من بين أيديهم الآخرة ومن خلفهم الدنيا . ❝
❞ “أيُّها الْيأْس كُنْ رَحْمَةً أيُّها الْموْتُ كُنْ
نِعْمةً للْغَريبِ الذي يبصرُ الغيب أوضح من
واقع لم يعد واقعاً سَوْفَ أَسْقُطُ منْ نَجْمَةٍ
في السماءِ إلى خَيْمةً في الطَّريق إلى أَيْن ؟
أَيْنَ الطَّريقُ إلى أيِّ شْيءٍ ؟ أرى الغيْبَ أَوْضَح منْ
شارع لم يَعُدْ شارعي مَنْ أَنا بَعْدَ ليل الْغَريبةْ ؟
كُنْتُ أَمْشي إلى الذّات في الآخرين ،وها أنذا
أَخْسرُ الذاتَ والآخرينَ حِصاني على ساحل الأطْلسيّ اختفي
وحصاني على ساحل المُتَوسِّط يُغْمد رُمْحَ الصَّليبيِّ فيّ
مَنْ أنا بَعْدَ لَيْل الْغريبة ؟ لا أسْتطيعُ الرُّجوعَ إلى
إِخْوَتي قُرْب نخْلَة بَيْتي القَديم ، ولا أسْتطيعُ النُّزولَ إلى
قاع هاوِيتي” . ❝