❞ الليل الطويل
كان قد ترك مسكنه في الكوربة وحيداً كعادته إلا أنه هذه المرة قصد سوق الأسماك بضاحية صلاح الدين. على آثار ضوء خافت كان يمشي ببطء. يتذكر آخر رحلاتهما سوياً. وكان الوقت ليلاً أيضاً. وجيه يس؟! لن ينساه. ولا تلك الجلسات الحميمية في كافيه»بالميرا». والتنزه في»الميريلاند» وتلك الحدائق المورقة المخيفة والتي كلما سارا سوياً فيها انقبض قلبه من دون سبب معلوم. يخشى هفهفات الجذوع الخفيفة التي تترنح بين أشجار السرو العالية والتي تتمايل مع الريح في العتمة، فيدق قلبه رغم بعده عن موقع تلك الأشجار. وكأن قتيلاً مجهولاً سيهوي فوق رأسه، وهذا القتيل قريب منه. يعرفه في شكل حميمي كأنه شقيقه الأكبر الذي بات يشفق عليه كثيراً في الأيام الأخيرة خصوصاً أن»بُرهان» أجريت له العملية الثانية في عينه اليسرى منذ يومين. يتذكر موت شقيقه التوأم، ظله في التل الكبير وقت قضاء خدمته العسكرية في فرقة الاستطلاع. أسفل أشجار السرو أيضاً وقت أن كان يحرس ليلاً قرب مخزن الذخيرة خلف أكوام الرمال الكثيفة والتي تركض فوقها الأرانب الجبلية البيضاء السمينة هاوية في الظلمة كالضليلة التي تساق إلى طريق تعلمه ولكنها لا تراه. تفر بخفة عكس الريح في لمح البصر. صارت عقدته تتعاظم كلما رأى تلك الأشجار. حتى وهو مع حبيبته ذات الأصول الإيطالية التي تقطن مصر الجديدة والتي هاتفته منذ ساعة ونصف على غير العادة وقالت له في عجالة:» نفسي نتمشى سوا في الليل. لوحدنا وفي شارع طويل مالوش نهاية يودينا لآخر الدنيا. بعيد عن هنا”.. ❝ ⏤حسين عبدالرحيم
❞ الليل الطويل
كان قد ترك مسكنه في الكوربة وحيداً كعادته إلا أنه هذه المرة قصد سوق الأسماك بضاحية صلاح الدين. على آثار ضوء خافت كان يمشي ببطء. يتذكر آخر رحلاتهما سوياً. وكان الوقت ليلاً أيضاً. وجيه يس؟! لن ينساه. ولا تلك الجلسات الحميمية في كافيه»بالميرا». والتنزه في»الميريلاند» وتلك الحدائق المورقة المخيفة والتي كلما سارا سوياً فيها انقبض قلبه من دون سبب معلوم. يخشى هفهفات الجذوع الخفيفة التي تترنح بين أشجار السرو العالية والتي تتمايل مع الريح في العتمة، فيدق قلبه رغم بعده عن موقع تلك الأشجار. وكأن قتيلاً مجهولاً سيهوي فوق رأسه، وهذا القتيل قريب منه. يعرفه في شكل حميمي كأنه شقيقه الأكبر الذي بات يشفق عليه كثيراً في الأيام الأخيرة خصوصاً أن»بُرهان» أجريت له العملية الثانية في عينه اليسرى منذ يومين. يتذكر موت شقيقه التوأم، ظله في التل الكبير وقت قضاء خدمته العسكرية في فرقة الاستطلاع. أسفل أشجار السرو أيضاً وقت أن كان يحرس ليلاً قرب مخزن الذخيرة خلف أكوام الرمال الكثيفة والتي تركض فوقها الأرانب الجبلية البيضاء السمينة هاوية في الظلمة كالضليلة التي تساق إلى طريق تعلمه ولكنها لا تراه. تفر بخفة عكس الريح في لمح البصر. صارت عقدته تتعاظم كلما رأى تلك الأشجار. حتى وهو مع حبيبته ذات الأصول الإيطالية التي تقطن مصر الجديدة والتي هاتفته منذ ساعة ونصف على غير العادة وقالت له في عجالة:» نفسي نتمشى سوا في الليل. لوحدنا وفي شارع طويل مالوش نهاية يودينا لآخر الدنيا. بعيد عن هنا. ❝