❞ إن للإسلام فضلاً علينا ، و ليس لأحد فضل على الإسلام ... الفضل للإسلام في أنه زودنا بشخصية صلبة أبت أن تذوب أمام الميوعة و الاباحية التي وفد بها سماسرة الغزو الثقافي من كل ناحية .. ❝ ⏤لا حول ولا قوة الا بالله
❞ إن للإسلام فضلاً علينا ، و ليس لأحد فضل على الإسلام .. الفضل للإسلام في أنه زودنا بشخصية صلبة أبت أن تذوب أمام الميوعة و الاباحية التي وفد بها سماسرة الغزو الثقافي من كل ناحية. ❝
❞ صارت لافيلكا، الشبح الأنثى، ولوني، الفتاة من بني الإنس، صديقتين. لكن كان على لافيلكا أن تخفي عن والديها أنَّها قد اتَّخذت صديقةً من البشر.
لا يمكن لشبحٍ أن يتَّخذ من إنسانٍ صديقًا! – هكذا تعلَّمت منهم.
صحيحٌ أنَّه لم يكن الموضوع إنسانًا فحسب، بل أكثر من ذلك بكثيرٍ، كان الأمر يتعلَّق بلوني التي تعزف، بناءً على طلب لافيلكا ومزاجها، على البيانو لها. قالت لافيلكا إنَّ أصوات البيانو العالية تروي عطشها، أمَّا الأصوات العميقة فتشبع جوعها.
هزَّت لوني رأسها غير مصدِّقةٍ، ووقف شعرُها الطويل الأشقر من تلقاء نفسه، ثمَّ تجدَّل في ضفيرةٍ مرَّةً أخرى. كانت تلك هي لعبة لوني المفضَّلة. وهي تفعل ذلك دومًا وربَّما دون قصدٍ بالأساس. ضحكت كلاهما.
- وكيف تأكلين! سوف أعلِّمك كيف تأكلين!
ارتعدت لافيلكا بعض الشيء وقالت: حاولتُ من قبل. كان ذلك من حوالي مئتي عامٍ، عندما كنتُ صغيرةً. تناولت صبَّارًا. كان مرعبًا. سبَّب لي خمسين فتحةً وألمًا، وكادت روحي أن تُزهق.
- أكلتِ صبَّارًا؟ ليس غريبًا أنَّه لم يعجبك.
ضحكت لوني، واقشعرَّت ممَّا سمعته.
- من جهة أنَّني استطعمتُه فقد استطعمتُه، لكن والديَّ أخبراني أنَّه من غير المفيد أن نأكل.
- جيِّدٌ أنَّه غير مفيدٍ فحسب. على الأقلَّ فهو ليس ممنوعًا.
- لكنَّه غير مرغوبٍ فيه بشدَّةٍ. كلُّ شيءٍ نتناوله يُطبق على معدتنا.
اعترفت لافيلكا بذلك.
- إذن أطهو لكِ فطيرة (كريب) أمريكيٍّ!
اقترحت لوني.
- لماذا، أهذه الفطيرة لا تُطبق على معدة الأشباح؟
- لم تؤذ معدتي من قبل، على الرغم من أنَّني أحيانًا أتناول منها خمسًا أو ستًّا بالنوتيللا أو بمربَّى التوت.
- التوت أيضًا به أشواكٌ تؤلم، أليس كذلك؟
- يا لكِ من حمقاء صغيرةٍ، يا لافيلكا! أغصانه المتفرِّعة توخز، لكن ثمرته لا. ومنها أيضًا يمكن عمل المربَّى.
- ومن أين لنا الآن بالتوت؟ يجب أن ننتظره نصف عامٍ! ليست هناك مشكلةٌ... يمكنني أن أتحمَّل هذا الجوع، لكنَّني أضحيتُ فضوليَّة للغاية حياله.
- لا يجب علينا نحن عمل المربَّي. فقد صنعها كانوتس ناجي في الصيف.
- إذًا وماذا ستفعلين أنتِ؟
- كم أنتم جهلةٌ، أيُّها الأشباح! سوف أطهو الفطيرة.
- بل أنت الجاهلة! جرت العادة لدينا نحن أنَّ كلَّ واحدٍ منَّا يقوم بعمل كلِّ شيءٍ بمفرده، نعم يقوم بكافَّة مراحل العمل وحده. لا يليق أن نقبل مساعدة الآخرين.
قطبت لافيلكا وجهها، بينما كانت تحاول إعادة وجهها المرتبك إلى طبيعته.
- لذلك يجب عليكم أن تعيشوا طويلًا. لأنَّ حتَّى أبسط الأشياء لا تستطيعون الانتهاء منها.
- لحسن الحظِّ لا يلزمنا أيُّ شيءٍ.
قالت لوني بعد أن وعت الأمر: حسنًا، لنرَ ما الذي يلزمنا لعمل عجينة الفطير!
- عجينةٌ! لمَ؟
- سنصنع من العجينة فطيرةً لنطهوها. والخلاصة؛ يلزمنا 200 جرامٍ من الدقيق، وملعقتا سكَّرٍ وبيضتان ونصفُ ملعقة ملحٍ صغيرةٍ.
- ملحٌ وسكَّرٌ معًا؟!
ارتسمت على لافيلكا ملامح عدم الفهم.
- إذن لنضع بها القليل من السكر، ولا يلزم الملح، ليقلَّ مستوى حلاوتها.
- همهم! كلامكِ مقنعٌ. لكن إن أردنا أن ينجح هذا الأمر، فينبغي علينا أن نلتزم بما ورد في الوصفة بالضبط.
- يا لكِ من صغيرةٍ وقليلة الخبرة، يا لوني! رأسك من الخشب!
هدَّأتها لوني بقولها: أما أنتِ فرأسكِ هشُّ كالسحاب. نريد أيضًا خميرةً وفانيليا.
- لن أسألك عن الفارق بين الفانيليا والسكَّر.
- سأخبركِ. الفارق بينهما يكمن في الطعم.
- الطعم؟ وماذا يعني هذا الطعم؟
- ألم يكن للصبَّار طعمٌ؟
- ماذا؟! وهل هذا يخِز أيضًا؟
- مطلقًا!
ضحكت لوني، وأخذت بالملعقة قليلًا من الفانيليا وقلَّبته في رأس لافيلكا.
- سوف تعلمين ما هو هذا الطعم. هل يوجعك؟
استعادت لافيلكا نفسها بتحدٍّ وهدوءٍ.
- لا. بل على العكس.
- يلزم أيضًا 180 ملليلترًا من اللبن، ونصف مقدار ذلك من الماء.
- سوائل! أحبُّها.
- سوف تختفي من الفطيرة.
- لماذا، ألن تكون الفطيرة سائلةً؟ لا أطيق الأشياء الصلبة.
- يا لافيلكا، لا تسألي كثيـرًا على هذا النحو، وإلَّا فلن ننتهي أبدًا ممَّا نفعل.
- أمامي شهران حصلتُ عليهما من والدي كراحةٍ للتنزُّه. هل هذا الوقت يكفي لعمل الفطير؟
- شهران؟ خلال ذلك الوقت، سوف أموتُ من الجوع إن لم آكل. بالطبع هذا وقتٌ كافٍ.
- لا تتعجَّلي، يا لوني!
- حسنًا، لديك حقٌّ. أعتذر لك! على كلِّ حالٍ، يجب عليَّ إعادة التفكير فيما يلزمنا للطهي. يلزمنا أيضًا القليل من قشر الليمون المبشور والبيض.
- ما كلُّ هذا؟ لماذا نضع كلَّ هذه الأشياء الكثيرة معًا هكذا؟
- كلَّما كثر واختلط الكثير من المذاقات، كلَّما صار الطعام أكثر شهيَّةٍ وطيبةٍ.
- أها! الخلاصة أنَّه سيكون شهيًّا طيِّبًا. أنا لا أحبُّ الأشياء الشهيَّة الطيِّبة.
- لا تكوني هكذا، يا لافيلكا!
- وكيف سنجمع ونحضِّر كلَّ هذه الأشياء؟
قالت لوني: يوجد لدينا في البيت دقيقٌ وسكَّرٌ ولبنٌ.
ثمَّ بدأت في البحث في دولاب المطبخ. ثمَّ قامت بالاتِّصال بوالدتها، التي كانت في تلك اللحظة في محلِّ عملها، وبعد أن تحدَّثتا وتناقشتا طويلًا، أخبرتها أنَّ كلَّ شيءٍ موجودٌ، لكن يجب عليها أن تذهب لشراء الخميرة من الدكَّان الموجود على ناصية الشارع. قامت بالفعل بارتداء حذائها.
قالت لافيلكا: انتظري! سأصل إلى هناك بسرعةٍ! وتسلَّلت بالفعل عبر الحائط، ونزلت عبر الشقَّة السفليَّة، وقفزت خارجةً إلى الشارع من على ارتفاع الطابق الثاني، ثمَّ جرت حتَّى النهاية عبر وصلات التروللي إلى أن وصلت إلى ناصية الشارع، ثمَّ قفزت في الفاترينات، وصارت تطوف بين أرفف المحل. لم يلحظها أحدٌ، إلا كلبٌ أوسكار عملاقٌ نبح عليها، وعندها عرضت عليه بنتٌ صغيرةٌ في الدكَّان مصَّاصتها.
لم تمض سوى دقيقةٍ واحدةٍ وإلا وقد عادت ومعها الخميرة المطلوبة.
- ياه، لقد كان الأمر سريعًا بالفعل!
أثنت عليها لوني. ألم يكن هناك أيُّ أحدٍ عند الكاشير؟
- الكاشير؟ ما هذا؟
- هل سرقتِ الخميرة، يا لافيلكا ؟
- لا ... لا ... لا. لقد تركتُ منها في المحلِّ ولم آخذها كلَّها. كان هناك الكثير، تركتُه للآخرين، فلا تقلقي!
- ألا تعرفين ما هي النقود؟
- ياه، لا تكوني متعجرفةً هكذا! وكيف لا أعرفها! لكن لا يمكنني الوقوف في الطابور، كوني شبحًا بسبب هذه الخميرة الصغيرة، أليس كذلك؟
- معذرةً، حقًّا. لم أفكِّر في هذا. في المرَّة القادمة سوف أذهب بنفسي.
- حسنًا، لكنَّ الأمر كان عاجلًا لكِ.
عجنت لوني العجينة، وما إن صارت متماسكةً، وضعت عليها القليل من اللبن والماء.
- لنترك العجينة لتختمر لمدة ساعتين من الآن.
قالت لوني.
- هكذا فقط؟ هل ستتركينها تختمر دون أن نراقبها؟ ما الذي سيحدث إذا هبطت دون إذنٍ منَّا؟
- يا لافيلكا، قولي كلامًا معقولًا! اشتغلي واهتمِّي بشيءٍ آخر إلى أن أنتهي من كتابة الدرس! نلتقي بعد ساعتين في المطبخ.
ثمَّ أغلقت لوني الباب على صديقتها. ومن هول المفاجأة بكت لافيلكا.
تساءلت: هل يستحقُّ الأمر هذا العناء لي؟ ثمَّ غرزت إصبعها في العجينة ومصَّته فأعجبها مذاقه.
- همهمهم، ربَّما يستحقُّ الأمر.
ثمَّ أقبلت على شيءٍ آخر. وباختصارٍ هذا يعني أنَّها أحبتها.
صارت العجينة وقتها جيِّدةً للغاية. عندما عادت لوني إلى المطبخ بعد أن كتبت الواجب، صبَّت الزيت في المقلاة، ثمَّ أشعلت الموقد.
تعجبت لافيلكا قائلةً: ماذا تفعلين؟ ولماذا كلُّ هذا؟
- يجب أن نسخِّن المقلاة جيِّدًا.
- انتظري فحسب! لا يلزم كلُّ هذا الصخب. سوف أجعل المقلاة تسخن جيِّدًا!
قالت ذلك، ثمَّ أخذت الوعاء من على شعلة الموقد، وأرقدته في راحة يدها. وصارت درجة حرارته تبلغ المئتين!
- حان دور العجينة إذن!
ثم قامت لوني من خلال هذه الكتلة الكثيفة من العجين بعمل فطائر أسمك وأصغر من الفطائر المعتادة، وكانت تقلِّبها بمهارةٍ، ولم تواجه مشكلاتٍ في ضبط درجة السخونة، وخلال ربع ساعةٍ فقط كانت قد طهت 13 فطيرةً. عندها أخرجت من الثلاجة النوتيللا والمربَّى، ثم فردت لوني الأولى، وأعطتها للافيلكا التي التهمتها، ومن فرط سعادتها قفزت لتبلغ لمبة المطبخ.
- إنَّها لذيذةٌ!
قهقهت لوني من فرحتها.
- هل أعجبكِ مذاقها؟
- شهية جدًّا! أريد منها في المرَّة القادمة أيضًا! غريبة! ونحن، لمَ لا نأكل أبدًا؟
ثمَّ انطلقت هي ذاتها نحو الثلاث عشرة فطيرة، وأكلت معها علبتي مربَّى، ونصف عبوَّة نوتيللا، علاوةً على لترين من المياه. وبالمصادفة لعقت الكوب أيضًا فصار نظيفًا لامعًا. وقد ذهلت لوني مما رأت، صار كأنَّه خرج لتوِّه من غسَّالة الأطباق. قامت لوني بوضعه في الدولاب إلى جانب رفاقه التي تم تنظيفها.. ❝ ⏤إشتفان فوروش
❞ صارت لافيلكا، الشبح الأنثى، ولوني، الفتاة من بني الإنس، صديقتين. لكن كان على لافيلكا أن تخفي عن والديها أنَّها قد اتَّخذت صديقةً من البشر.
لا يمكن لشبحٍ أن يتَّخذ من إنسانٍ صديقًا! – هكذا تعلَّمت منهم.
صحيحٌ أنَّه لم يكن الموضوع إنسانًا فحسب، بل أكثر من ذلك بكثيرٍ، كان الأمر يتعلَّق بلوني التي تعزف، بناءً على طلب لافيلكا ومزاجها، على البيانو لها. قالت لافيلكا إنَّ أصوات البيانو العالية تروي عطشها، أمَّا الأصوات العميقة فتشبع جوعها.
هزَّت لوني رأسها غير مصدِّقةٍ، ووقف شعرُها الطويل الأشقر من تلقاء نفسه، ثمَّ تجدَّل في ضفيرةٍ مرَّةً أخرى. كانت تلك هي لعبة لوني المفضَّلة. وهي تفعل ذلك دومًا وربَّما دون قصدٍ بالأساس. ضحكت كلاهما.
- وكيف تأكلين! سوف أعلِّمك كيف تأكلين!
ارتعدت لافيلكا بعض الشيء وقالت: حاولتُ من قبل. كان ذلك من حوالي مئتي عامٍ، عندما كنتُ صغيرةً. تناولت صبَّارًا. كان مرعبًا. سبَّب لي خمسين فتحةً وألمًا، وكادت روحي أن تُزهق.
- أكلتِ صبَّارًا؟ ليس غريبًا أنَّه لم يعجبك.
ضحكت لوني، واقشعرَّت ممَّا سمعته.
- من جهة أنَّني استطعمتُه فقد استطعمتُه، لكن والديَّ أخبراني أنَّه من غير المفيد أن نأكل.
- جيِّدٌ أنَّه غير مفيدٍ فحسب. على الأقلَّ فهو ليس ممنوعًا.
- لكنَّه غير مرغوبٍ فيه بشدَّةٍ. كلُّ شيءٍ نتناوله يُطبق على معدتنا.
اعترفت لافيلكا بذلك.
- إذن أطهو لكِ فطيرة (كريب) أمريكيٍّ!
اقترحت لوني.
- لماذا، أهذه الفطيرة لا تُطبق على معدة الأشباح؟
- لم تؤذ معدتي من قبل، على الرغم من أنَّني أحيانًا أتناول منها خمسًا أو ستًّا بالنوتيللا أو بمربَّى التوت.
- التوت أيضًا به أشواكٌ تؤلم، أليس كذلك؟
- يا لكِ من حمقاء صغيرةٍ، يا لافيلكا! أغصانه المتفرِّعة توخز، لكن ثمرته لا. ومنها أيضًا يمكن عمل المربَّى.
- ومن أين لنا الآن بالتوت؟ يجب أن ننتظره نصف عامٍ! ليست هناك مشكلةٌ.. يمكنني أن أتحمَّل هذا الجوع، لكنَّني أضحيتُ فضوليَّة للغاية حياله.
- لا يجب علينا نحن عمل المربَّي. فقد صنعها كانوتس ناجي في الصيف.
- إذًا وماذا ستفعلين أنتِ؟
- كم أنتم جهلةٌ، أيُّها الأشباح! سوف أطهو الفطيرة.
- بل أنت الجاهلة! جرت العادة لدينا نحن أنَّ كلَّ واحدٍ منَّا يقوم بعمل كلِّ شيءٍ بمفرده، نعم يقوم بكافَّة مراحل العمل وحده. لا يليق أن نقبل مساعدة الآخرين.
قطبت لافيلكا وجهها، بينما كانت تحاول إعادة وجهها المرتبك إلى طبيعته.
- لذلك يجب عليكم أن تعيشوا طويلًا. لأنَّ حتَّى أبسط الأشياء لا تستطيعون الانتهاء منها.
- لحسن الحظِّ لا يلزمنا أيُّ شيءٍ.
قالت لوني بعد أن وعت الأمر: حسنًا، لنرَ ما الذي يلزمنا لعمل عجينة الفطير!
- عجينةٌ! لمَ؟
- سنصنع من العجينة فطيرةً لنطهوها. والخلاصة؛ يلزمنا 200 جرامٍ من الدقيق، وملعقتا سكَّرٍ وبيضتان ونصفُ ملعقة ملحٍ صغيرةٍ.
- ملحٌ وسكَّرٌ معًا؟!
ارتسمت على لافيلكا ملامح عدم الفهم.
- إذن لنضع بها القليل من السكر، ولا يلزم الملح، ليقلَّ مستوى حلاوتها.
- همهم! كلامكِ مقنعٌ. لكن إن أردنا أن ينجح هذا الأمر، فينبغي علينا أن نلتزم بما ورد في الوصفة بالضبط.
- يا لكِ من صغيرةٍ وقليلة الخبرة، يا لوني! رأسك من الخشب!
هدَّأتها لوني بقولها: أما أنتِ فرأسكِ هشُّ كالسحاب. نريد أيضًا خميرةً وفانيليا.
- لن أسألك عن الفارق بين الفانيليا والسكَّر.
- سأخبركِ. الفارق بينهما يكمن في الطعم.
- الطعم؟ وماذا يعني هذا الطعم؟
- ألم يكن للصبَّار طعمٌ؟
- ماذا؟! وهل هذا يخِز أيضًا؟
- مطلقًا!
ضحكت لوني، وأخذت بالملعقة قليلًا من الفانيليا وقلَّبته في رأس لافيلكا.
- سوف تعلمين ما هو هذا الطعم. هل يوجعك؟
استعادت لافيلكا نفسها بتحدٍّ وهدوءٍ.
- لا. بل على العكس.
- يلزم أيضًا 180 ملليلترًا من اللبن، ونصف مقدار ذلك من الماء.
- سوائل! أحبُّها.
- سوف تختفي من الفطيرة.
- لماذا، ألن تكون الفطيرة سائلةً؟ لا أطيق الأشياء الصلبة.
- يا لافيلكا، لا تسألي كثيـرًا على هذا النحو، وإلَّا فلن ننتهي أبدًا ممَّا نفعل.
- أمامي شهران حصلتُ عليهما من والدي كراحةٍ للتنزُّه. هل هذا الوقت يكفي لعمل الفطير؟
- شهران؟ خلال ذلك الوقت، سوف أموتُ من الجوع إن لم آكل. بالطبع هذا وقتٌ كافٍ.
- لا تتعجَّلي، يا لوني!
- حسنًا، لديك حقٌّ. أعتذر لك! على كلِّ حالٍ، يجب عليَّ إعادة التفكير فيما يلزمنا للطهي. يلزمنا أيضًا القليل من قشر الليمون المبشور والبيض.
- ما كلُّ هذا؟ لماذا نضع كلَّ هذه الأشياء الكثيرة معًا هكذا؟
- كلَّما كثر واختلط الكثير من المذاقات، كلَّما صار الطعام أكثر شهيَّةٍ وطيبةٍ.
- أها! الخلاصة أنَّه سيكون شهيًّا طيِّبًا. أنا لا أحبُّ الأشياء الشهيَّة الطيِّبة.
- لا تكوني هكذا، يا لافيلكا!
- وكيف سنجمع ونحضِّر كلَّ هذه الأشياء؟
قالت لوني: يوجد لدينا في البيت دقيقٌ وسكَّرٌ ولبنٌ.
ثمَّ بدأت في البحث في دولاب المطبخ. ثمَّ قامت بالاتِّصال بوالدتها، التي كانت في تلك اللحظة في محلِّ عملها، وبعد أن تحدَّثتا وتناقشتا طويلًا، أخبرتها أنَّ كلَّ شيءٍ موجودٌ، لكن يجب عليها أن تذهب لشراء الخميرة من الدكَّان الموجود على ناصية الشارع. قامت بالفعل بارتداء حذائها.
قالت لافيلكا: انتظري! سأصل إلى هناك بسرعةٍ! وتسلَّلت بالفعل عبر الحائط، ونزلت عبر الشقَّة السفليَّة، وقفزت خارجةً إلى الشارع من على ارتفاع الطابق الثاني، ثمَّ جرت حتَّى النهاية عبر وصلات التروللي إلى أن وصلت إلى ناصية الشارع، ثمَّ قفزت في الفاترينات، وصارت تطوف بين أرفف المحل. لم يلحظها أحدٌ، إلا كلبٌ أوسكار عملاقٌ نبح عليها، وعندها عرضت عليه بنتٌ صغيرةٌ في الدكَّان مصَّاصتها.
لم تمض سوى دقيقةٍ واحدةٍ وإلا وقد عادت ومعها الخميرة المطلوبة.
- ياه، لقد كان الأمر سريعًا بالفعل!
أثنت عليها لوني. ألم يكن هناك أيُّ أحدٍ عند الكاشير؟
- الكاشير؟ ما هذا؟
- هل سرقتِ الخميرة، يا لافيلكا ؟
- لا .. لا .. لا. لقد تركتُ منها في المحلِّ ولم آخذها كلَّها. كان هناك الكثير، تركتُه للآخرين، فلا تقلقي!
- ألا تعرفين ما هي النقود؟
- ياه، لا تكوني متعجرفةً هكذا! وكيف لا أعرفها! لكن لا يمكنني الوقوف في الطابور، كوني شبحًا بسبب هذه الخميرة الصغيرة، أليس كذلك؟
- معذرةً، حقًّا. لم أفكِّر في هذا. في المرَّة القادمة سوف أذهب بنفسي.
- حسنًا، لكنَّ الأمر كان عاجلًا لكِ.
عجنت لوني العجينة، وما إن صارت متماسكةً، وضعت عليها القليل من اللبن والماء.
- لنترك العجينة لتختمر لمدة ساعتين من الآن.
قالت لوني.
- هكذا فقط؟ هل ستتركينها تختمر دون أن نراقبها؟ ما الذي سيحدث إذا هبطت دون إذنٍ منَّا؟
- يا لافيلكا، قولي كلامًا معقولًا! اشتغلي واهتمِّي بشيءٍ آخر إلى أن أنتهي من كتابة الدرس! نلتقي بعد ساعتين في المطبخ.
ثمَّ أغلقت لوني الباب على صديقتها. ومن هول المفاجأة بكت لافيلكا.
تساءلت: هل يستحقُّ الأمر هذا العناء لي؟ ثمَّ غرزت إصبعها في العجينة ومصَّته فأعجبها مذاقه.
- همهمهم، ربَّما يستحقُّ الأمر.
ثمَّ أقبلت على شيءٍ آخر. وباختصارٍ هذا يعني أنَّها أحبتها.
صارت العجينة وقتها جيِّدةً للغاية. عندما عادت لوني إلى المطبخ بعد أن كتبت الواجب، صبَّت الزيت في المقلاة، ثمَّ أشعلت الموقد.
تعجبت لافيلكا قائلةً: ماذا تفعلين؟ ولماذا كلُّ هذا؟
- يجب أن نسخِّن المقلاة جيِّدًا.
- انتظري فحسب! لا يلزم كلُّ هذا الصخب. سوف أجعل المقلاة تسخن جيِّدًا!
قالت ذلك، ثمَّ أخذت الوعاء من على شعلة الموقد، وأرقدته في راحة يدها. وصارت درجة حرارته تبلغ المئتين!
- حان دور العجينة إذن!
ثم قامت لوني من خلال هذه الكتلة الكثيفة من العجين بعمل فطائر أسمك وأصغر من الفطائر المعتادة، وكانت تقلِّبها بمهارةٍ، ولم تواجه مشكلاتٍ في ضبط درجة السخونة، وخلال ربع ساعةٍ فقط كانت قد طهت 13 فطيرةً. عندها أخرجت من الثلاجة النوتيللا والمربَّى، ثم فردت لوني الأولى، وأعطتها للافيلكا التي التهمتها، ومن فرط سعادتها قفزت لتبلغ لمبة المطبخ.
- إنَّها لذيذةٌ!
قهقهت لوني من فرحتها.
- هل أعجبكِ مذاقها؟
- شهية جدًّا! أريد منها في المرَّة القادمة أيضًا! غريبة! ونحن، لمَ لا نأكل أبدًا؟
ثمَّ انطلقت هي ذاتها نحو الثلاث عشرة فطيرة، وأكلت معها علبتي مربَّى، ونصف عبوَّة نوتيللا، علاوةً على لترين من المياه. وبالمصادفة لعقت الكوب أيضًا فصار نظيفًا لامعًا. وقد ذهلت لوني مما رأت، صار كأنَّه خرج لتوِّه من غسَّالة الأطباق. قامت لوني بوضعه في الدولاب إلى جانب رفاقه التي تم تنظيفها. ❝
❞ أفضل المطارق أكثرها تعرُّضًا للنار، وأنبل الناس أكثرهم ملاقاةً للمصاعب. تمامًا مثل الألماس؛ كلما كانت الألماسة صلبة عصية على الاستخراج كلما كانت ساطعة براقة،. ❝ ⏤أوريزون سويت ماردن
❞ أفضل المطارق أكثرها تعرُّضًا للنار، وأنبل الناس أكثرهم ملاقاةً للمصاعب. تمامًا مثل الألماس؛ كلما كانت الألماسة صلبة عصية على الاستخراج كلما كانت ساطعة براقة،. ❝
❞ سؤال وجواب عن معاني الشعر:
أتتني رسالة من صديقي عبد الرحمن السعيد يقول فيها: \"صبحك الله بالخير يا صاح!
قال الشاعر:
ولا بد للقلب من آلة •• ورأي يصدع صمَّ الصفا.
ما الآلة؟\".
وقلتُ في جوابي: \"الآلة هي الأداة التي بها يُستطاع الفِعل:
فالقلم -مثلًا- آلة الكتابة، والعين آلة النظر، والكفّ آلة التربيت أو البطش، والهاتف آلة التواصل مع الآخرين. وكل شيء تتوصَّل أنتَ به إلى فعل شيء آخر فهو آلة.
وقال الجاحظ إن فقهاء المدينة كانوا يقيمون الحدّ على مَن يَحمِل زِقًّا (وِعاءً من الجِلْد/زَمْزميَّة باللغة المصرية المعاصرة) وكانوا يقولون: لأن الزِّقَّ آلة شرب الخمر والإسكار.
وهنا صاح الجاحظ على هذه الفتوى غاضبًا وقال: هلَّا أقاموا حدَّ الزِّنا على كل رجل. إذ إن كل رجل لا يمشي إلا وهو يحمل معه آلة الزنا (يقصد الذَّكَر)؟!
وأعود إلى قول الشاعر فأقول: لا بد للقلب مِن عقلٍ ورأي صوابٍ نافذ، ولا بد للقلب من أعضاءٍ تُحقِّق ما يريده.
و\"صم الصفا\" هي الصخور الصماء. والصخرة الصماء هي الصخرة الصلبة التي لا تسمع لها رنَّة إذا قرعتَها. ومضادها: صخرة جوفاء، وهي الصخرة التي بداخلها فجوة. وإذا شِئتَ مزيد بيانٍ فجرِّد أرضية الشقة التي تسكن فيها من البساط، وانقر بأصابعك على بلاطها: بلاطةً بلاطةً، فإن سمعتَ رنةً وشعرتَ بأن تحت إحدى البلاطات مساحة فارغة لم يملأها مُبلِّط السيراميك بالأسمنت فقل: هذه بلاطة جوفاء!
والفعل \"يُصدّع\" معناه: يُشقِّق.
والرأي الذي يشقق الصخور الصلبة رأي حازمٌ نافذ حكيم قويّ غالبٌ بلا شك.
والبيت من وزن المتقارب:
فَعُوْلُنْ فعولن فعولن فَعو •• فعولن فعولن فعولن فعو
وفي العروض والضرب وقع الحذف فصارت (فعولن) فعو.
وهو منسوب إلى أبي الطيب المتنبي، وبعده:
وَمَن يَكُ قَلبٌ كَقَلبي لَهُ •• يَشُقُّ إِلى العِزِّ قَلبَ التَوَى
تَوِيَ الإنسانُ يَتوَىٰ تَوًىٰ: هَلَكَ. التَّوَىٰ: الهلاك. وقد استعار للهلاك قلبًا يشُقُّه الشاعرُ.
والمعنى: ومَن كان له قلبٌ كقلبي فإنه يخوض المنايا والمهالِك حتى يَبلغ العِزّ والمجد والشرف.
ثم أتتني من صديقي رسالة نصها: \"صديقي أشكرك كل الشكر على توضيحك وتبيينك اليسير، وما زدتنيه من مفاهيم وتفسيرات شقت ضروب جهلي! أحسنت القول وأفضت وعلمتني ما لم أكن أعلم. لا فُضَّ فوك يا صاح وسلمت أناملك!
قال الشاعر:
فلا برحت لعين الدهر إنسانا
ما إنسان العين؟ وهل غرض الشاعر هنا المدح أو الهجاء؟\".
فكتبتُ إليه أنَّ \"العين فيها سوادان: سواد داخل سواد، يحيط بهما بياض.
إنسان العين هو تلك الدائرة الصغيرة التي تنتصف سواد العين، والبعض يعتقد أن هذه الدائرة الصغيرة هي المسئولة عن عملية الإبصار.
العين غالية ونفيسة، ولكن أجزاء العين متفاوتة من حيث القيمة، فسواد العين خير من بياضها، وإنسان العين لا يُسوَّىٰ بينَهُ وبين سواد العين.
انظر في سواد عينك في المرآة وسوف تجد تلك النقطة السوداء داخله.
قال أبو العلاءِ المعري:
لَمْ نَلْقَ غَيْرَكَ إِنْساناً يُلاذُ بهِ •• فَلا برحْتَ لِعيْنِ الدهْر إِنْسانا
بين \"إِنْسانا\" و\"إنسانا\" جناس تامّ.
الشاعر هنا يمدح، ويلعب بالألفاظ.
وقد قال المتنبي يومًا لممدوحه:
الدهر لفظ أنتَ معناهُ.
ورُوِيَ أن جريراً اجتمع مع الفرزدق في مجلس عبد الملك، فقال الفرزدق: النوار بنت مجاشع طالق ثلاثاً إن لم أقل بيتاً لا يستطيع ابن المَراغة أن ينقضه أبداً، ولا يجد في الزيادة عليه مذهباً، فقال عبد الملك: ما هو؟ فقال:
فإني أنا الموت الذي هو واقعٌ •• بنفسك فانظر كيف أنت مزاولُهْ
وما أحد يا ابنَ الأتان بوائلٍ •• من الموت إن الموت لاشك نائله
فأطرق جرير قليلاً ثم قال: أم حَرزة طالق مني ثلاثاً إن لم أستطع نقضه والزيادة عليه. فقال عبد الملك: هاتِ فقد - والله - طلَّق أحدُكما لا محالة، فأنشد جريرٌ:
أنا البدر يُعشي نورَ عينَيك فالتمِسْ •• بكفَّيك يا ابنَ القَين هل أنت نائلُه؟
أنا الدهر يَفنَىٰ الموتُ والدهرُ خالدٌ •• فجئني بمثلِ الدهرِ شيئاً يُطاوله
فقال عبد الملك: غلبَكَ والله يا أبا فِراس. فقال الفرزدق: فما ترى يا أمير المؤمنين؟ فقال: وايمُ الله لا تَريم حتى تكتب إلى النوار بطلاقها. فتأنى ساعة، فزجره عبد الملك، فكتب بطلاقها، وقال في ذلك:
نَدِمتُ ندامةَ الكُسَعيِّ لمَّا •• غَدَتْ مِنِّي مُطلَّقةً نَوارُ
ومعنى قول أبي العلاء:
لم نجد أحدًا نلجأ إليه غيرك.
ثم دعا له فقال:
لا برحتَ لعين الدهر إنسانا
أيْ: أبقاك اللهُ في تلك المنزلة الرفيعة التي أنت فيها.
والدهر عند العرب شيء قاهر يشتكون دائمًا منه، فإذا كان إنسانٌ مَّا جزءًا من الدهر نفسه فمعنى هذا أنْ لا شيءَ يُخافَ عليه منه. إذ إنه في صفّ الغالب القاهر.
قال مِهيار الديلميّ يشكو الدهر:
أفصخرةٌ يا دهرُ هذا القلبُ أمْ •• هُوَ لِلْهُمُومِ السَّارِياتِ قَرارُ؟
قوله: \"لا برحتَ\" أسلوب دعاء.
كما تقول:
لا بارك الله لك فيها!
لا أزال الله مُلكَكَ!
لا عَدمتُكَ!
لا فضَّ الله فاكَ!
ومن الأدعية المشهورة أن يدعو عليك شخص فيقول: لا كنتَ!
وهو كما ترى دعاء بالهلاك!
وقد افتتح أحد الشعراء قصيدته فقال:
لا زارَ عيني الكَرَىٰ لا مَسَّني الطَّرَبُ •• إنْ كنتُ يومًا لِغيرِ العُرْبِ أنتسِبُ\".. ❝ ⏤محمد سيد عبد الفتاح
❞ سؤال وجواب عن معاني الشعر:
أتتني رسالة من صديقي عبد الرحمن السعيد يقول فيها: ˝صبحك الله بالخير يا صاح!
قال الشاعر:
ولا بد للقلب من آلة •• ورأي يصدع صمَّ الصفا.
ما الآلة؟˝.
وقلتُ في جوابي: ˝الآلة هي الأداة التي بها يُستطاع الفِعل:
فالقلم -مثلًا- آلة الكتابة، والعين آلة النظر، والكفّ آلة التربيت أو البطش، والهاتف آلة التواصل مع الآخرين. وكل شيء تتوصَّل أنتَ به إلى فعل شيء آخر فهو آلة.
وقال الجاحظ إن فقهاء المدينة كانوا يقيمون الحدّ على مَن يَحمِل زِقًّا (وِعاءً من الجِلْد/زَمْزميَّة باللغة المصرية المعاصرة) وكانوا يقولون: لأن الزِّقَّ آلة شرب الخمر والإسكار.
وهنا صاح الجاحظ على هذه الفتوى غاضبًا وقال: هلَّا أقاموا حدَّ الزِّنا على كل رجل. إذ إن كل رجل لا يمشي إلا وهو يحمل معه آلة الزنا (يقصد الذَّكَر)؟!
وأعود إلى قول الشاعر فأقول: لا بد للقلب مِن عقلٍ ورأي صوابٍ نافذ، ولا بد للقلب من أعضاءٍ تُحقِّق ما يريده.
و˝صم الصفا˝ هي الصخور الصماء. والصخرة الصماء هي الصخرة الصلبة التي لا تسمع لها رنَّة إذا قرعتَها. ومضادها: صخرة جوفاء، وهي الصخرة التي بداخلها فجوة. وإذا شِئتَ مزيد بيانٍ فجرِّد أرضية الشقة التي تسكن فيها من البساط، وانقر بأصابعك على بلاطها: بلاطةً بلاطةً، فإن سمعتَ رنةً وشعرتَ بأن تحت إحدى البلاطات مساحة فارغة لم يملأها مُبلِّط السيراميك بالأسمنت فقل: هذه بلاطة جوفاء!
والفعل ˝يُصدّع˝ معناه: يُشقِّق.
والرأي الذي يشقق الصخور الصلبة رأي حازمٌ نافذ حكيم قويّ غالبٌ بلا شك.
والبيت من وزن المتقارب:
فَعُوْلُنْ فعولن فعولن فَعو •• فعولن فعولن فعولن فعو
وفي العروض والضرب وقع الحذف فصارت (فعولن) فعو.
وهو منسوب إلى أبي الطيب المتنبي، وبعده:
وَمَن يَكُ قَلبٌ كَقَلبي لَهُ •• يَشُقُّ إِلى العِزِّ قَلبَ التَوَى
تَوِيَ الإنسانُ يَتوَىٰ تَوًىٰ: هَلَكَ. التَّوَىٰ: الهلاك. وقد استعار للهلاك قلبًا يشُقُّه الشاعرُ.
والمعنى: ومَن كان له قلبٌ كقلبي فإنه يخوض المنايا والمهالِك حتى يَبلغ العِزّ والمجد والشرف.
ثم أتتني من صديقي رسالة نصها: ˝صديقي أشكرك كل الشكر على توضيحك وتبيينك اليسير، وما زدتنيه من مفاهيم وتفسيرات شقت ضروب جهلي! أحسنت القول وأفضت وعلمتني ما لم أكن أعلم. لا فُضَّ فوك يا صاح وسلمت أناملك!
قال الشاعر:
فلا برحت لعين الدهر إنسانا
ما إنسان العين؟ وهل غرض الشاعر هنا المدح أو الهجاء؟˝.
فكتبتُ إليه أنَّ ˝العين فيها سوادان: سواد داخل سواد، يحيط بهما بياض.
إنسان العين هو تلك الدائرة الصغيرة التي تنتصف سواد العين، والبعض يعتقد أن هذه الدائرة الصغيرة هي المسئولة عن عملية الإبصار.
العين غالية ونفيسة، ولكن أجزاء العين متفاوتة من حيث القيمة، فسواد العين خير من بياضها، وإنسان العين لا يُسوَّىٰ بينَهُ وبين سواد العين.
انظر في سواد عينك في المرآة وسوف تجد تلك النقطة السوداء داخله.
قال أبو العلاءِ المعري:
لَمْ نَلْقَ غَيْرَكَ إِنْساناً يُلاذُ بهِ •• فَلا برحْتَ لِعيْنِ الدهْر إِنْسانا
بين ˝إِنْسانا˝ و˝إنسانا˝ جناس تامّ.
الشاعر هنا يمدح، ويلعب بالألفاظ.
وقد قال المتنبي يومًا لممدوحه:
الدهر لفظ أنتَ معناهُ.
ورُوِيَ أن جريراً اجتمع مع الفرزدق في مجلس عبد الملك، فقال الفرزدق: النوار بنت مجاشع طالق ثلاثاً إن لم أقل بيتاً لا يستطيع ابن المَراغة أن ينقضه أبداً، ولا يجد في الزيادة عليه مذهباً، فقال عبد الملك: ما هو؟ فقال:
فإني أنا الموت الذي هو واقعٌ •• بنفسك فانظر كيف أنت مزاولُهْ
وما أحد يا ابنَ الأتان بوائلٍ •• من الموت إن الموت لاشك نائله
فأطرق جرير قليلاً ثم قال: أم حَرزة طالق مني ثلاثاً إن لم أستطع نقضه والزيادة عليه. فقال عبد الملك: هاتِ فقد - والله - طلَّق أحدُكما لا محالة، فأنشد جريرٌ:
أنا البدر يُعشي نورَ عينَيك فالتمِسْ •• بكفَّيك يا ابنَ القَين هل أنت نائلُه؟
أنا الدهر يَفنَىٰ الموتُ والدهرُ خالدٌ •• فجئني بمثلِ الدهرِ شيئاً يُطاوله
فقال عبد الملك: غلبَكَ والله يا أبا فِراس. فقال الفرزدق: فما ترى يا أمير المؤمنين؟ فقال: وايمُ الله لا تَريم حتى تكتب إلى النوار بطلاقها. فتأنى ساعة، فزجره عبد الملك، فكتب بطلاقها، وقال في ذلك:
نَدِمتُ ندامةَ الكُسَعيِّ لمَّا •• غَدَتْ مِنِّي مُطلَّقةً نَوارُ
ومعنى قول أبي العلاء:
لم نجد أحدًا نلجأ إليه غيرك.
ثم دعا له فقال:
لا برحتَ لعين الدهر إنسانا
أيْ: أبقاك اللهُ في تلك المنزلة الرفيعة التي أنت فيها.
والدهر عند العرب شيء قاهر يشتكون دائمًا منه، فإذا كان إنسانٌ مَّا جزءًا من الدهر نفسه فمعنى هذا أنْ لا شيءَ يُخافَ عليه منه. إذ إنه في صفّ الغالب القاهر.
قال مِهيار الديلميّ يشكو الدهر:
أفصخرةٌ يا دهرُ هذا القلبُ أمْ •• هُوَ لِلْهُمُومِ السَّارِياتِ قَرارُ؟
قوله: ˝لا برحتَ˝ أسلوب دعاء.
كما تقول:
لا بارك الله لك فيها!
لا أزال الله مُلكَكَ!
لا عَدمتُكَ!
لا فضَّ الله فاكَ!
ومن الأدعية المشهورة أن يدعو عليك شخص فيقول: لا كنتَ!
وهو كما ترى دعاء بالهلاك!
وقد افتتح أحد الشعراء قصيدته فقال:
لا زارَ عيني الكَرَىٰ لا مَسَّني الطَّرَبُ •• إنْ كنتُ يومًا لِغيرِ العُرْبِ أنتسِبُ. ❝