█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ *طقوس الردىٰ*
المنايا كأس دهاق سيسقى منه الجميع، ويتجرعون ألم الفراق، والردىٰ كنصل سيفٍ حاد يمزق القلب، يفتت الحنايا، ويحوّلها إلى أشلاء وبقايا رُفات، أرىٰ البعض مغرمًا بعيشه الرغيد، يسير على الغبراء بغرور، كأنه ملك الدنيا، انظر إلى الأجساد البالية، والثياب الرثة، تطلع بكريمتيك إلى من رحلوا، أين الملوك التي عظمت سلطتها؟ أين كسرى ملك الفرس وقوته؟ وأين جالوت ومُلكه؟ كلهم تحت التُراب، مالي أراك وَجِلت من المنية؟ ألا تعلم أن سهام الموت نافذةٌ؟ انظر إلى الطبيب الذي زارته المنايا بالمرض الذي داوىٰ منه الكثير، لم ينفعه علمه، ولم يؤخر قضاء الله؛ فالثكل هو المصيبة الكُبرى، والوجع الأشد فتكًا بالقلوب، ألم تُبصر أهل فلسطين وهم كل يومٍ يقتلون؟ لا يعلمون من سيأتي دوره بعد لحظات، فقدوا ذويهم، وتحولوا إلى أشلاء، كلٌ منا فاقد لشيءٍ يحبه، أتذكر اليوم الذي ودعت فيه جزءًا من قلبي مع رحيلها، بكيت حتى جفت الدموع من المُقل، شعرت حينها أنهم نزعوا قلبي، وتوارىٰ في التراب، منذ ذلك الوقت وأنا أعلم ما هو شعور الفقدان؛ فهو الخِنجر الذي يمزق دواخلي، يجعلني أنتحب بشدة، هوىٰ قلبي في غياهب الجُب، لقد انهارت قوتي التي كانت تشبه الرواسي الشاهقات، وانقطع رجائي، هناك أشخاص بأمراضٍ عِضال ما زالوا عَلَىٰ قيد الحياة؛ فلا المال ينجي من الموت، ولا السّقم يجلبه؛ فلمقادير قد كُتِبت منذُ قرون، ورُفِعت الأقلام، وجفت الأحبار، وقُضي الأمر، وجميعنا سيأتي يوم رحيلنا لا محالة مهما طال بنا العُمر؛ ننزف كمدًا عندما يرحل عنا من نحب، لكن ما باليد شيء؛ فنحن أيضًا سيحين دَورنا، وسيتألم علينا من عرفونا، وبعد وقتٍ سينسوننا، ولن نجول بخاطرهم سوى ذكرى قديمة مضت مع الرياح؛ فعمل خيرًا في دنياك تفُز بالآخرة.
*ک/أسماء عبد العاطي بركة*
*«أكاسيا»* . ❝