انبرى أهل الحقِّ للدِّفاع عنه، وأقاموا الحججَ والبينات لإعلاء كلمة الحق والذبِّ عنها، فجاهدوا في الله حقَّ جهاده، وأبطلوا كلَّ شبهة يتعلق بها أهل الباطل، فتوافرت كتبهم، وانتشرَت في الآفاق أقوالهم، فانهدمَت حصون الشرك والشبهات ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾ [الرعد: 17]. ومن هؤلاء الأئمة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله؛ فقد جدَّد ما اندرَس من معالِم هذا الدين، وأبطل اللهُ بدعوته كلَّ بدعةٍ وضلالةٍ يَدعو إليها كلُّ شيطانٍ رجيم، فأقام الله به عَلَمَ الجهاد، وأدحض به شُبه كل مفسدٍ ومرتاب، وانتشرَت دعوته ومؤلفاته في الآفاق، حتى أقرَّ له بالفضل مَن كان من أهل الشقاق، وفتح الله بدعوته أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وشرح الله صدورَ الناس لدعوته، فدخل الإسلامُ كلَّ بيتٍ ودار، وتركوا ما كانوا يعبدونه من أحجارٍ وأشجار. فقام أهل الباطل في صدِّه، وإقامة الشُّبه حوله، وتشويه صورة دعوته، فانبرى أئمةُ الإسلام للدِّفاع عنه، وبيَّنوا حقيقةَ دعوته، وأنَّها امتداد لدَعوة الأنبياء والمرسلين، عليهم أفضل الصلاة والتسليم. وكان من هؤلاء الأئمة الذين دافعوا عنه العلامة المجاهد سليمان بن سحمان رحِمه الله؛ فبيَّن حقيقةَ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وكشف زيفَ تلك الدَّعاوى التي نصبَت العداءَ لدعوته في مؤلفاتٍ عديدة، ومن جملة مؤلفاته رحمه الله كتاب: "كشف غياهب الظلام، عن أوهام جلاء الأوهام". وقد رغبتُ في تحقيق الكتاب بعد استشارتي لكثيرٍ من مشايخي الفضلاء. وزادَت رغبتي أيضًا بعد أن حثَّني معالي مدير الجامعة الإسلامية سابقًا الشيخ الدكتور/ صالح بن عبدالله العبود حفظه الله على تحقيقه وخدمته. فأحمد الله عزَّ وجلَّ على توفيقه لي بأن أتممتُ تحقيقَ هذا الكتاب، وأن يكون ذلك على الوجه الذي يرضيه عنَّا، وأن يغفر لمؤلِّفه، وأن يسكنه فسيحَ جنَّاته، إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. أسباب اختيار الموضوع: 1- رغبتي الشخصيَّة في خدمة تراث أئمَّة الدعوة، وإظهار جهودهم الكريمة. 2- أنَّ معظم المواضيع التي تطرَّق لها المؤلف هي في توحيد الألوهيَّة، وهو الذي من أجله أُنزلَت الكتب وأُرسلَت الرسل. 3- أنَّ هذا الكتاب فيه بيان لحقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وأنها امتداد لدعوة الأنبياء والمرسلين، والرد على الشبه المثارة حول دعوته. 4- أنَّ الشبه المثارة حول دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله التي ردَّ عليها الشيخ ابن سحمان - ما زالت موجودة في عصرنا الحاضر، ومنتشرة في كثيرٍ من الأقطار، فإظهار الرد عليها من كلام أئمَّة الدعوة لا شك في أفضليَّته؛ لكون أولئك الأئمة جهابذة في العلم، ولقربهم من عصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى. 5- أنَّ في هذا الكتاب تصحيحًا لبعض المفاهيم الخاطئة، ومن ذلك: ♦ دعواهم أنَّ منبع التكفير هو كتب أئمَّة الدعوة. ♦ دعواهم أنَّ الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله لما تمكَّنَت دعوته من البلاد شرع في سفك دماء الناس بغير حق. ♦ دعواهم أنَّ الوهَّابية لا يجيزون الصلاةَ على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنها أعظم إثمًا من الزنا. وغيرها من الإفك والزُّور والبهتان، ففي إخراج هذا الكتاب دحض لهذه المفتريات. لهذه الأسباب وغيرها اخترتُ أن يكون بَحثي هو تحقيق كتاب (كشف غياهب الظلام، عن أوهام جلاء الأوهام).