هذا الكتاب .. يفتح النافذة على سيرة ومنهج رائدين من رواد التأسيس والتأصيل، كانا من عطاء القرن السابع، عصر التجديد والعطاء، بعد قرنين من الركود والتوقف. فمقاصد الشريعة للإمام الشاطبي، رحمه الله، الذي استقرأ من خلالها خطاب التكليف وانتهى إلى تحديد الأهداف الكبرى، التي من أجلها جاءت النبوة، وربط الفروع الفقهية بكلياتها، وجعل لهذه الكليات مراتب، ورأى أن الشريعة بكل تعاليمها إنما جاءت لتحقيق مصالح العباد في معاشهم ومعادهم. وفي مجال التاريخ أو العلوم الاجتماعية والاقتصاد والعمران تأتي ريادة ابن خلدون، رحمه الله، الذي جعل دراسة التاريخ والنظر في حوادثه وأخباره وتحليلها واختبارها علما قائما بذاته. ونستطيع القول: إن هؤلاء الأعلام العظام، وغيرهم كثير في مواريثنا الثقافية، لم يأخذوا حقهم من الدراسة والبحث، وإننا تنبهنا إلى ريادتهم من اكتشاف (الآخر). وتبقى الخطورة أن نستمر في المراوحة في أمكنتنا، نجتر تاريخنا الثقافي دون أن نتمثله، ونكتفي ونجمد على قوالب ووسائل ومناهج النظر السابقة، دون الإفادة من تطور العلوم والمعارف لقراءة النص الشرعي. إن دراسة حركات التغيير والإصلاح بنفس الوسائل والأدوات السابقة، ومحاولة قولبة المفكرين والعلماء بالقوالب التاريخية نفسها، وإسقاط الألقاب التي كانت لها دلالاتها في حينها سوف لا يحقق جديدا ولا تجديدا، ويجعل (الآخر) أعلم بتاريخنا ومواريثنا الثقافية منا. ولعل في تقديم هذه النماذج المضيئة في تاريخنا الثقافي والمعرفي، التي انعتقت من مناخ الركود والتخلف، وحققت الريادة، ما يشكل بصيرة أمل، ويدلل على أن التخلف ليس قدرا لا يمكن مغالبته.