█ العبادات كلها من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة وتعلم وتعليم, وجهاد للنفس للعدو وغير ذلك إنما هي وسائل لتهذيب النفس وليست أنفسها غايات فإذا لم يحصل بها التهذيب المطلوب فهي لغو لا قيمة لها, يزاد أنها تدل عدم إخلاص فاعلها وريائه ومخادعته لله ولعباده المؤمنين كتاب أخلاق الشباب المسلم مجاناً PDF اونلاين 2024 يقول المؤلف: قال الله تعالى سورة (الإسراء: 70) : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} قال القاسمي تفسيره: آدَمَ} "أي بالنطق والتمييز والعقل والمعرفة والصورة والتسلط ما الأرض والتمتع به, {وَحَمَلْنَاهُمْ وَالْبَحْرِ} أي يسّرنا لهم أسباب المعاش والمعاد بالسير طلبها فيهما وتحصيلها {وَرَزَقْنَاهُمْ الطَّيِّبَاتِ} فنون المستلذات التي يرزقها غيرهم المخلوقات {وَفَضَّلْنَاهُمْ عظيما, فحقّ عليهم أن يشكروا هذه النعم بأن يعبدوا المتفضل وحده ويقيموا شرائعه وحدوده" فتفضيل للإنسان وتكريمه له بجعله الحاكم المتصرف وتسخيره حيوان ونبات وجماد يتصرف فيه كيف يشاء ويسيّره خدمته يكن بقوة الجسم ولا بخواص الأعضاء فإن كثيراً الحيوان كالأسد والنمر والفيل والدب والفرس والبعير أقوى منه بكثير وللحيوان مزايا خلقه ليست فمنه أعطي مزية السرعة الجري والسبق كالنعامة والغزال ومنه حاسة الشم أو البصر السمع يفوق الإنسان فالمزية الكبرى والنعمة العظمى وهبها وفضّله العقل والأدب كما قال الشاعر: ما وهب لامريء هبة أفضل عقله ومن أدبه هما جمال الفتى فُقِدا ففقده للحياة أجمل به والمراد بالأدب هنا الأدب النفسي وهو الخلق الحسن وبه تتفاوت الأمم ارتقاء وانحطاط وقوة وضعفا, وسيادة وعبودية فما أمة كثر حظها خلق إلاّ بلغت أوج الرقي وغاية السعادة وإن كانت قليلة العدد, أرضها ضيقة الغناء والخير غير صالحة للزرع والضرع الحواصل والثمرات ضعيفة الغلات جميع الخيرات والبركات يحمل إليها تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} المراد بالقرية أهلها وهم الأمة والشعب وكما حكى عن إبراهيم الخليل دعائه لأهل مكة (البقرة: 126) {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ الثَّمَرَات} , وفي (إبراهيم: 57) {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} ومن أقام شرّفها حتى قبل عصر الطائرات يرى فيها فواكه الهند وأندونيسيا والشام ومصر يكاد عجبه ينقضي مع أرض جبلية قاحلة البلاد البريطانية أكثر يؤكل ويلبس ويقتنى ويتخذ للزينة مجلوباً أطرف الدنيا وهي جزائر البحر ضيّقة الرقعة شديدة البرد لو اقتصر يخرج أرضهم لوقعوا مسغبة
❞ يمكن أن يقول القائل: إن التربية في هذا الزمان قد بلغت عند الأمم الراقية درجة عالية، وهي تقتضي عدم ضرب الصبيان، فهناك وسائل أخرى في الترغيب والترهيب والثواب والعقاب تغني عن الضرب، وتحبّب إلى الناشيء التعلم والعمل المثمر, فأقول في جوابه: هذا رأي يقال، والعمل في الأمم الراقية على خلافه، ففي البلاد الألمانية يفرض على كل التلميذات الحضور إلى الكنيسة مع معلمه يوم الأحد، ويشهد الصلاة والوعظ، فإن لم يحضر بلا عذر أدّب على ذلك بالضرب، وإن ترك الصلاة في الكنيسة ثلاثة آحاد متوالية طرد من المدرسة، أما الأيام الستة الباقية من الأسبوع فإن الكنيسة تبعث القسّيسين إلى المدارس يصلّون بالتلاميذ في داخل المدرسة، ويعلّمونهم دينهم ساعتين في كل يوم، ولا يستطيع التلميذ أن يتغيب في هاتين الساعتين إلاّ إذا كان على دين آخر غير المسيحية . ❝
❞ وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ
قال ابن كثير في تفسيره: "يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "لا تنظر إلى ما فيه هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة ونعمة حائلة، ليختبرهم بذلك أَيَشْكرون أم يكفرون، وقليل من عبادي الشكور، وقال مجاهد: {أَزْوَاجاً مِنْهُمْ} : "يعني الأغنياء"، فقد آتاك الله خيرا مما آتاهم,
وكذلك ما ادّخره الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في الآخرة أمر عظيم لا يحد ولا يوصف، كما قال تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} , ولهذا قال: وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى . ❝
❞ وقد رأينا محمد علي كلاي الملاكم العالمي المشهور إذا أراد أن ينازل بطلا من أبطال الملاكمة يصلّي ويدعو الله تعالى ويستمدّ منه قوة على خصمه فينصره الله ويهزم عدوه, فهذا هو الأدب المحمدي الذي ينجح في كل زمان ومكان . ❝