█ _ محمد بن صالح العثيمين 2002 حصريا كتاب تفسير القرآن الكريم سورة الكهف عن دار ابن الجوزي 2024 الكهف: هي سورةٌ مكيةٌ رقمها 18 تسبق مريم وتلحق الإسراء ترتيب سور عدد آياتها 110 آية وهي من السور المكية المتأخرة النزول إذ أن نزولها 69 تتوسط السورة فهي تقع الجزئين الخامس عشر والسادس 8 صفحات نهاية الجزء و3 بداية السادس تتناول عدة مواضيع تدور حول التحذير الفتن والتبشير والإنذار وذكر بعض المشاهد يوم القيامة كما تناولت قصص كقصة أصحاب الذين سُميّت لذكر قصتهم فيها سورة ذوات الفضل وذكرت أحاديث كثيرة ومن أهم فضائلها ما ذكر قراءتها الجمعة نورٌ بين الجمعتين إن سبب نزول ذكره مفسرين كابن كثير وغيره: فعن عباس قال: «بعثت قريش النضر الحارث وعقبة أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة فقالوا لهم: سلوهم وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا الأنبياء فخرجا حتى قدما المدينة فسألوا رسول الله ﷺ ووصفوا أمره وبعض قوله وقالا: إنكم التوراة وقد جئناكم لتخبرونا صاحبنا هذا قال فقالت سلوه ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم سلوه فتية ذهبوا الدهر كان أمرهم قد شأن عجيب وسلوه رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها نبؤه؟ الروح هو؟ بذلك فاتبعوه يخبركم فإنه فاصنعوا بدا لكم فأقبل فقالا: يا معشر بفصل بينكم وبين أمرنا نسأله أمور فأخبروهم بها فجاءوا فقالوا: أخبرنا فسألوه عما أمروهم به فقال ﷺ: غدا سألتم عنه ولم يستثن فانصرفوا ومكث خمس عشرة ليلة لا يحدث له ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل عليه الصلاة والسلام أرجف مكة وقالوا: وعدنا واليوم أصبحنا يخبرنا بشيء سألناه وحتى أحزن مكث الوحي وشق يتكلم ثم جاءه عز وجل بسورة معاتبته إياه حزنه عليهم وخبر سألوه أمر الفتية والرجل الطواف وقول وجل: ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ [الكهف:83]» الأصل دروس ألقاها فضيلة الشيخ عثيمين رحمه الدورة العلمية التي عقدها شهر ربيع عام 1419هـ بالجامع الكبير مدينة عنيزة والتي فسر آيات كتب التفاسير وعلوم مجاناً PDF اونلاين يحتوي القسم الآتي: 1 التفسير يخص لغة: مادته معنى الكشف مطلقا سواء أكان لغموض لفظ أم لغير يقال فسرت اللفظ فسرا باب ضرب ونصر وفسرته تفسيرا شدد للكثرة إذا كشفت مغلقه التفسير اصطلاحا: كشف معانى وبيان المراد منه وهو أعم يكون بحسب المشكل وغيره وبحسب المعنى الظاهر والمقصود 2 علوم العلوم المتعلقة بالقرآن حيث نزوله وترتيبه وجمعه وكتابته وقراءاته وتجويده ومعرفة المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وأسباب وإعجازه وإعرابه ورسمه وعلم غريب وغير ويُعرف أيضًا بأنها جميع والبحوث تتعلق أو كل يتصل يُطلق عليها التنزيل عدّ الزركشي كتابه البرهان 47 علمًا وأوصلها جلال الدين السيوطي الإتقان لـ 80
❞ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (62)
فلما جاوزا يعني الحوت هناك منسيا - أي متروكا - فلما سأل موسى الغداء نسب الفتى النسيان إلى نفسه عند المخاطبة ، وإنما ذكر الله نسيانهما عند بلوغ مجمع البحرين وهو الصخرة ، فقد كان موسى شريكا في النسيان ; لأن النسيان التأخير ; من ذلك قولهم في الدعاء : أنسأ الله في أجلك . فلما مضيا من الصخرة أخرا حوتهما عن حمله فلم يحمله واحد منهما فجاز أن ينسب إليهما لأنهما مضيا وتركا الحوت .
قوله تعالى : آتنا غداءنا فيه مسألة واحدة :
وهو اتخاذ الزاد في الأسفار ، وهو رد على الصوفية الجهلة الأغمار ، الذين يقتحمون المهامة والقفار ، زعما منهم أن ذلك هو التوكل على الله الواحد القهار ; هذا موسى نبي الله وكليمه من أهل الأرض قد اتخذ الزاد مع معرفته بربه ، وتوكله على رب العباد . وفي صحيح البخاري : ( إن ناسا من أهل اليمن كانوا يحجون ولا يتزودون ، ويقولون : نحن المتوكلون ، فإذا قدموا سألوا الناس ، فأنزل الله - تعالى - وتزودوا ) وقد مضى هذا في " البقرة " . واختلف في زاد موسى ; فقال ابن عباس : كان حوتا مملوحا في زنبيل ، وكانا يصيبان منه غداء وعشاء ، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر ، وضع فتاه المكتل ، فأصاب الحوت جري البحر فتحرك الحوت في المكتل ، فقلب المكتل وانسرب الحوت ، ونسي الفتى أن يذكر قصة الحوت لموسى . وقيل : إنما كان الحوت دليلا على موضع الخضر لقوله في الحديث : احمل معك حوتا في مكتل فحيث فقدت الحوت فهو ثم على هذا فيكون تزودا شيئا آخر غير الحوت ، وهذا ذكره شيخنا الإمام أبو العباس واختاره . وقال ابن عطية : قال أبي - رضي الله عنه - ، سمعت أبا الفضل الجوهري يقول في وعظه : مشى موسى إلى المناجاة فبقي أربعين يوما لم يحتج إلى طعام ، ولما مشى إلى بشر لحقه الجوع في بعض يوم .
نصبا أي تعبا ، والنصب التعب والمشقة . وقيل : عنى به هنا الجوع ، وفي هذا دليل على جواز الإخبار بما يجده الإنسان من الألم والأمراض ، وأن ذلك لا يقدح في الرضا ، ولا في التسليم للقضاء لكن إذا لم يصدر ذلك عن ضجر ولا سخط . ❝
❞ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)
قال ابن عباس : ( يريد كفار أهل مكة ) .
وقال علي : ( هم الخوارج أهل حروراء .
وقال مرة : هم الرهبان أصحاب الصوامع ) .
وروي أن ابن الكواء سأله عن الأخسرين أعمالا فقال له : أنت وأصحابك .
قال ابن عطية : ويضعف هذا كله قوله تعالى بعد ذلك : " أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم " . ❝
❞ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا (58)
قوله تعالى : وربك الغفور ذو الرحمة أي للذنوب . وهذا يختص به أهل الإيمان دون الكفرة بدليل قوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به .
ذو الرحمة فيه أربع تأويلات :
[ أحدها ] ذو العفو . [ الثاني ] ذو الثواب ; وهو على هذين الوجهين مختص بأهل الإيمان دون الكفر . [ الثالث ] ذو النعمة . [ الرابع ] ذو الهدى ; وهو على هذين الوجهين يعم أهل الإيمان والكفر ، لأنه ينعم في الدنيا على الكافر ، كإنعامه على المؤمن . وقد أوضح هداه للكافر كما أوضحه للمؤمن وإن اهتدى به المؤمن دون الكافر .
ومعنى قوله : لو يؤاخذهم بما كسبوا أي من الكفر والمعاصي .
لعجل لهم العذاب ولكنه يمهل .
بل لهم موعد أي أجل مقدر يؤخرون إليه ، نظيره لكل نبإ مستقر ، لكل أجل كتاب أي إذا حل لم يتأخر عنهم إما في الدنيا وإما في الآخرة .
لن يجدوا من دونه موئلا أي ملجأ ; قاله ابن عباس وابن زيد ، وحكاه الجوهري في الصحاح . وقد وأل يئل وألا ووءولا على فعول أي لجأ ; وواءل منه على فاعل أي طلب النجاة . وقال مجاهد : محرزا . قتادة : وليا . وأبو عبيدة : منجى . وقيل : محيصا ; والمعنى واحد والعرب تقول : لا وألت نفسه أي لا نجت ; ومنه قول الشاعر :
لا وألت نفسك خليتها للعامريين ولم تكلم
وقال الأعشى :
وقد أخالس رب البيت غفلته وقد يحاذر مني ثم ما يئل
أي ما ينجو . ❝
❞ وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)
قوله تعالى : وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا
قوله تعالى : وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا وهم اليهود ، قالوا عزير ابن الله ، والنصارى قالوا المسيح ابن الله ، وقريش قالت الملائكة بنات الله . فالإنذار في أول السورة عام ، وهذا خاص فيمن قال لله ولد . ❝
❞ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)
وفي قوله : وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره أن مع الفعل بتأويل المصدر ، وهو منصوب بدل اشتمال من الضمير في أنسانيه وهو بدل الظاهر من المضمر ، أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان ; وفي مصحف عبد الله " وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان " . وهذا إنما ذكره يوشع في معرض الاعتذار لقول موسى : ( لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت ; فقال : ما كلفت كثيرا ) فاعتذر بذلك القول .
قوله تعالى : واتخذ سبيله في البحر عجبا يحتمل أن يكون من قول يوشع لموسى ; أي اتخذ الحوت سبيله عجبا للناس ويحتمل أن يكون قوله : واتخذ سبيله في البحر تمام الخبر ، ثم استأنف التعجيب فقال من نفسه : عجبا لهذا الأمر . وموضع العجب أن يكون حوت قد مات فأكل شقه الأيسر ثم حيي بعد ذلك .
قال أبو شجاع في كتاب الطبري : رأيته - أتيت به - فإذا هو شق حوت وعين واحدة ، وشق آخر ليس فيه شيء قال ابن عطية : وأنا رأيته والشق الذي ليس فيه شيء عليه قشرة رقيقة ليست تحتها شوكة .
ويحتمل أن يكون قوله : واتخذ سبيله إخبارا من الله - تعالى - ، وذلك على وجهين : إما أن يخبر عن موسى أنه اتخذ سبيل الحوت من البحر عجبا ، أي تعجب منه وإما أن يخبر عن الحوت أنه اتخذ سبيله عجبا للناس . ومن غريب ما روي في البخاري عن ابن عباس من قصص هذه الآية : ( أن الحوت إنما حيي لأنه مسه ماء عين هناك تدعى عين الحياة ، ما مست قط شيئا إلا حيي ) وفي التفسير : إن العلامة كانت أن يحيا الحوت ; فقيل : لما نزل موسى بعد ما أجهده السفر على صخرة إلى جنبها ماء الحياة أصاب الحوت شيء من ذلك الماء فحيي . وقال الترمذي في حديثه قال سفيان : ( يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ، ولا يصيب ماؤها شيئا إلا عاش ، قال : وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش ) وذكر صاحب كتاب ( العروس ) : أن موسى - عليه السلام - توضأ من عين الحياة فقطرت من لحيته على الحوت قطرة فحيي ; والله أعلم . ❝
❞ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)
قوله تعالى : فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا الضمير في قوله : بينهما للبحرين ; قاله مجاهد . والسرب المسلك ; قاله مجاهد . وقال قتادة : جمد الماء فصار كالسرب .
وجمهور المفسرين أن الحوت بقي موضع سلوكه فارغا ، وأن موسى مشى عليه متبعا للحوت ، حتى أفضى به الطريق إلى جزيرة في البحر ، وفيها وجد الخضر . وظاهر الروايات والكتاب أنه إنما وجد الخضر في ضفة البحر وقوله : نسيا حوتهما وإنما كان النسيان من الفتى وحده فقيل : المعنى ; نسي أن يعلم موسى بما رأى من حاله فنسب النسيان إليهما للصحبة ، كقوله - تعالى - : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وإنما يخرج من الملح ، وقوله : يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم وإنما الرسل من الإنس لا من الجن وفي البخاري ; ( فقال لفتاه : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت ، قال : ما كلفت كثيرا ; فذلك قوله - عز وجل - : وإذ قال موسى لفتاه يوشع بن نون - ليست عن سعيد - قال فبينا هو في ظل صخرة في مكان ثريان إذ تضرب الحوت وموسى نائم فقال فتاه : لا أوقظه ; حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره ، وتضرب الحوت حتى دخل البحر ، فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كأن أثره في حجر ; قال لي عمرو : هكذا كأن أثره في حجر وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما ) وفي رواية ( وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار مثل الطاق ، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به ، فقال له فتاه : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ) وقيل : إن النسيان كان منهما لقوله - تعالى - : نسيا فنسب النسيان إليهما ; وذلك أن بدو حمل الحوت كان منموسى لأنه الذي أمر به ، فلما مضيا كان فتاه الحامل له حتى أويا إلى الصخرة نزلا . ❝
❞ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)
حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة قرأ ابن عاصم وعامر وحمزة والكسائي " حامية " أي حارة . الباقون حمئة أي كثيرة الحمأة وهي الطينة السوداء ، تقول : حمأت البئر حمأ ( بالتسكين ) إذا نزعت حمأتها . وحمئت البئر حمأ ( بالتحريك ) كثرت حمأتها . ويجوز أن تكون " حامية " من الحمأة فخففت الهمزة وقلبت ياء . وقد يجمع بين القراءتين فيقال : كانت حارة وذات حمأة . وقال عبد الله بن عمرو : نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الشمس حين غربت ; فقال : نار الله الحامية لولا ما يزعها من أمر الله لأحرقت ما على الأرض . وقال ابن عباس : ( أقرأنيها أبي كما أقرأه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عين حمئة ; وقال معاوية : هي " حامية " فقال عبد الله بن عمرو بن العاص : فأنا مع أمير المؤمنين ; فجعلوا كعبا بينهم حكما وقالوا : يا كعب كيف تجد هذا في التوراة ؟ فقال : أجدها تغرب في عين سوداء ، فوافق ابن عباس ) وقال الشاعر وهو تبع اليماني :
قد كان ذو القرنين قبلي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المغارب والمشارق يبتغي أسباب أمر من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد
الخلب : الطين : والثأط : الحمأة . والحرمد : الأسود . وقال القفال قال بعض العلماء : ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا وصل إلى جرمها ومسها ; لأنها تدور مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض ، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض ، بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة ، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق ، فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة ، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض ; ولهذا قال : وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم ، بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم . وقال القتبي : ويجوز أن تكون هذه العين من البحر ، ويجوز أن تكون الشمس تغيب وراءها أو معها أو عندها ، فيقام حرف الصفة مقام صاحبه والله أعلم .
ووجد عندها قوما أي عند العين ، أو عند نهاية العين ، وهم أهل جابرس ، ويقال لها بالسريانية : جرجيسا ; يسكنها قوم من نسل ثمود بقيتهم الذين آمنوا بصالح ; ذكره السهيلي . وقال وهب بن منبه : ( كان ذو القرنين رجلا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره وكان اسمه الإسكندر ، فلما بلغ وكان عبدا صالحا قال الله - تعالى - : يا ذا القرنين إني باعثك إلى أمم الأرض وهم أمم مختلفة ألسنتهم ، وهم أمم جميع الأرض ، وهم أصناف : أمتان بينهما طول الأرض كله ، وأمتان بينهما عرض الأرض كله ، وأمم في وسط الأرض منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج ; فأما اللتان بينهما طول الأرض فأمة عند مغرب الشمس يقال لها ناسك ، وأما الأخرى فعند مطلعها ويقال لها منسك . وأما اللتان بينهما عرض الأرض فأمة في قطر الأرض الأيمن يقال لها هاويل ; وأما الأخرى التي في قطر الأرض الأيسر يقال لها تاويل . فقال ذو القرنين : إلهي قد ندبتني لأمر عظيم لا يقدر قدره إلا أنت ; فأخبرني عن هذه الأمم بأي قوة أكاثرهم ؟ وبأي صبر أقاسيهم ؟ وبأي لسان أناطقهم ؟ فكيف لي بأن أفقه لغتهم وليس عندي قوة ؟ فقال الله - تعالى - : سأظفرك بما حملتك ; أشرح لك صدرك فتسمع كل شيء ، وأثبت لك فهمك فتفقه كل شيء ، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء ، وأسخر لك النور والظلمة فيكونان جندا من جنودك ، يهديك النور من أمامك ، وتحفظك الظلمة من ورائك ; فلما قيل له ذلك سار بمن اتبعه ، فانطلق إلى الأمة التي عند مغرب الشمس ; لأنها كانت أقرب الأمم منه وهي ناسك ، فوجد جموعا لا يحصيها إلا الله - تعالى - وقوة وبأسا لا يطيقه إلا الله . وألسنة مختلفة ، وأهواء متشتتة فكاثرهم بالظلمة ; فضرب حولهم ثلاث عساكر من جند الظلمة قدر ما أحاط بهم من كل مكان ، حتى جمعتهم في مكان واحد ، ثم دخل عليهم بالنور فدعاهم إلى الله - تعالى - وإلى عبادته ، فمنهم من آمن به ومنهم من كفر وصد عنه ، فأدخل على الذين تولوا الظلمة فغشيتهم من كل مكان ، فدخلت إلى أفواههم وأنوفهم وأعينهم وبيوتهم وغشيتهم من كل مكان ، فتحيروا وماجوا وأشفقوا أن يهلكوا ، فعجوا إلى الله - تعالى - بصوت واحد : إنا آمنا ; فكشفها عنهم ، وأخذهم عنوة ، ودخلوا في دعوته ، فجند من أهل المغرب أمما عظيمة فجعلهم جندا واحدا ، ثم انطلق بهم يقودهم ، والظلمة تسوقهم وتحرسه من خلفه ، والنور أمامهم يقوده ويدله ، وهو يسير في ناحية الأرض اليمنى يريد الأمة التي في قطر الأرض الأيمن وهي هاويل ، وسخر الله - تعالى - يده وقلبه وعقله ونظره فلا يخطئ إذا عمل عملا ، فإذا أتوا مخاضة أو بحرا بنى سفنا من ألواح صغار مثل النعال فنظمها في ساعة ، ثم جعل فيها جميع من معه من تلك الأمم ، فإذا قطع البحار والأنهار فتقها ودفع إلى كل رجل لوحا فلا يكترث بحمله ، فانتهى إلى هاويل وفعل بهم كفعله بناسك فآمنوا ، ففرغ منهم ، وأخذ جيوشهم وانطلق إلى ناحية الأرض الأخرى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس ، فعمل فيها وجند منها جنودا كفعله في الأولى ، ثم كر مقبلا حتى أخذ ناحية الأرض اليسرى يريد تاويل ، وهي الأمة التي تقابل هاويل بينهما عرض الأرض ، ففعل فيها كفعله فيما قبلها ، ثم عطف إلى الأمم التي في وسط الأرض من الجن الإنس ويأجوج ومأجوج ، فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع الترك من المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس : يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقا من خلق الله - تعالى - كثيرا ليس لهم عدد ، وليس فيهم مشابهة من الإنس ، وهم أشباه البهائم ; يأكلون العشب ، ويفترسون الدواب والوحش كما تفترسها السباع ، ويأكلون حشرات الأرض كلها من الحيات والعقارب والوزغ وكل ذي روح مما خلق الله - تعالى - في الأرض ، وليس لله - تعالى - خلق ينمو نماءهم في العام الواحد ، فإن طالت المدة فسيملئون الأرض ، ويجلون أهلها فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ؟ . . . ) وذكر الحديث ; وسيأتي من صفة يأجوج ومأجوج والترك إذ هم نوع منهم ما فيه كفاية .
قوله تعالى : قلنا ياذا القرنين قال القشيري أبو نصر : إن كان نبيا فهو وحي ، وإن لم يكن نبيا فهو إلهام من الله - تعالى - .
إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال إبراهيم بن السري : خيره بين هذين كما خير محمدا - صلى الله عليه وسلم - فقال : فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ونحوه . وقال أبو إسحاق الزجاج : المعنى أن الله - تعالى - خيره بين هذين الحكمين ; قال النحاس : ورد علي بن سليمان عليه قوله ; لأنه لم يصح أن ذا القرنين نبي فيخاطب بهذا ، فكيف يقول لربه - عز وجل - : ثم يرد إلى ربه ؟ وكيف يقول : فسوف نعذبه فيخاطب بالنون ؟ قال : التقدير ; قلنا يا محمد قالوا يا ذا القرنين . قال أبو جعفر النحاس : هذا الذي قاله أبو الحسن لا يلزم منه شيء . أما قوله : قلنا ياذا القرنين فيجوز أن يكون الله - عز وجل - خاطبه على لسان نبي في وقته ، ويجوز أن يكون قال له هذا كما قال لنبيه : فإما منا بعد وإما فداء ، وأما إشكال فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فإن تقديره أن الله - تعالى - لما خيره بين القتل في قوله - تعالى - : إما أن تعذب وبين الاستبقاء في قوله جل وعز : وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال لأولئك القوم : أما من ظلم أي من أقام على الكفر منكم .
فسوف نعذبه أي بالقتل .
ثم يرد إلى ربه أي يوم القيامة .
فيعذبه عذابا نكرا أي شديدا في جهنم .
وأما من آمن وعمل صالحا أي تاب من الكفر .
. قال أحمد بن يحيى : أن في موضع نصب في إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال : ولو رفعت كان صوابا بمعنى فإما هو ، كما قال :
فسيرا فإما حاجة تقضيانها وإما مقيل صالح وصديق . ❝
❞ ❞ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21)
قوله : وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا
قوله تعالى : وكذلك أعثرنا عليهم أي أطلعنا عليهم وأظهرناهم . و ˝ أعثر ˝ تعدية عثر بالهمزة ، وأصل العثار في القدم .
ليعلموا أن وعد الله حق يعني الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم . وذلك أن دقيانوس مات ومضت قرون وملك أهل تلك الدار رجل صالح ، فاختلف أهل بلده في الحشر وبعث الأجساد من القبور ، فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه وقالوا : إنما تحشر الأرواح والجسد تأكله الأرض . وقال بعضهم : تبعث الروح والجسد جميعا ; فكبر ذلك على الملك وبقي حيران لا يدري كيف يتبين أمره لهم ، حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرع إلى الله - تعالى - في حجة وبيان ، فأعثر الله على أهل الكهف ; فيقال : إنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى المدينة ليأتيهم برزق منها استنكر شخصه واستنكرت دراهمه لبعد العهد ، فحمل إلى الملك وكان صالحا قد آمن من معه ، فلما نظر إليه قال : لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك ، فقد كنت أدعو الله أن يرينيهم ، وسأل الفتى فأخبره ; فسر الملك بذلك وقال : لعل الله قد بعث لكم آية ، فلنسر إلى الكهف معه ، فركب مع أهل المدينة إليهم ، فلما دنوا إلى الكهف قال تمليخا : أنا أدخل عليهم لئلا يرعبوا فدخل عليهم فأعلمهم الأمر وأن الأمة أمة إسلام ، فروي أنهم سروا بذلك وخرجوا إلى الملك وعظموه وعظمهم ثم رجعوا إلى كهفهم . وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدثهم تمليخا ميتة الحق ، على ما يأتي . ورجع من كان شك في بعث الأجساد إلى اليقين . فهذا معنى أعثرنا عليهم . ليعلموا أن وعد الله حق أي ليعلم الملك ورعيته أن القيامة حق والبعث حق إذ يتنازعون بينهم أمرهم . وإنما استدلوا بذلك الواحد على خبرهم وهابوا الدخول عليهم .
فقال الملك : ابنوا عليهم بنيانا ; فقال الذين هم على دين الفتية : اتخذوا عليهم مسجدا . وروي أن طائفة كافرة قالت : نبني بيعة أو مضيفا ، فمانعهم المسلمون وقالوا لنتخذن عليهم مسجدا . وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم وتركهم فيه مغيبين . وروي عن عبد الله بن عمر أن الله - تعالى - أعمى على الناس حينئذ أثرهم وحجبهم عنهم ، فذلك دعا إلى بناء البنيان ليكون معلما لهم . وقيل : إن الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب فأتاه آت منهم في المنام فقال : أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل ; فإنا من التراب خلقنا وإليه نعود ، فدعنا .
وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة ; فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها ، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز ; لما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال : لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج . قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن . وروى الصحيحان عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله - تعالى - يوم القيامة . لفظ مسلم . قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد . وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها لفظ مسلم . أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام . فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك ، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد . وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا : لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا . وروى مسلم عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه . وخرجه أبو داود والترمذي أيضا عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وروى الصحيح عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته - في رواية - ولا صورة إلا طمستها . وأخرجه أبو داود والترمذي . قال علماؤنا : ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطئة . وقد قال به بعض أهل العلم . وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ، ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم ، وذلك صفة قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه - رضي الله عنهما - على ما ذكر مالك في الموطإ - وقبر أبينا آدم - صلى الله عليه وسلم - ، على ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس . وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيما وتعظيما فذلك يهدم ويزال ; فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة ، وتشبها بمن كان يعظم القبور ويعبدها . وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي أن ينبغي أن يقال : هو حرام . والتسنيم في القبر : ارتفاعه قدر شبر ; مأخوذ من سنام البعير . ويرش عليه بالماء لئلا ينتثر بالريح . وقال الشافعي لا بأس أن يطين القبر . وقال أبو حنيفة : لا يجصص القبر ولا يطين ولا يرفع عليه بناء فيسقط . ولا بأس بوضع الأحجار لتكون علامة ; لما رواه أبو بكر الأثرم قال : حدثنا مسدد حدثنا نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال : كانت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلمته بصخرة ; ذكره أبو عمر .
وأما الجائزة : فالدفن في التابوت ; وهو جائز لا سيما في الأرض الرخوة . روي أن دانيال - صلوات الله عليه - كان في تابوت من حجر ، وأن يوسف - عليه السلام - أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج ويلقى في ركية مخافة أن يعبد ، وبقي كذلك إلى زمان موسى - صلوات الله عليهم أجمعين - ; فدلته عليه عجوز فرفعه ووضعه في حظيرة إسحاق - عليه السلام - . وفي الصحيح عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي هلك فيه : اتخذوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا ; كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - . اللحد : هو أن يشق في الأرض ثم يحفر قبر آخر في جانب الشق من جانب القبلة إن كانت الأرض صلبة يدخل فيه الميت ويسد عليه باللبن . وهو أفضل عندنا من الشق ; لأنه الذي اختاره الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - . وبه قال أبو حنيفة قال : السنة اللحد . وقال الشافعي : الشق . ويكره الآجر في اللحد . وقال الشافعي : لا بأس به لأنه نوع من الحجر . وكرهه أبو حنيفة وأصحابه ; لأن الآجر لإحكام البناء ، والقبر وما فيه للبلى ، فلا يليق به الإحكام . وعلى هذا يسوى بين الحجر والآجر . وقيل : إن الآجر أثر النار فيكره تفاؤلا ; فعلى هذا يفرق بين الحجر والآجر . قالوا : ويستحب اللبن والقصب لما روي أنه وضع على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حزمة من قصب . وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل الحنفي - رحمه الله - أنه جوز اتخاذ التابوت في بلادهم لرخاوة الأرض . وقال : لو اتخذ تابوت من حديد فلا بأس به ، لكن ينبغي أن يفرش فيه التراب وتطين الطبقة العليا مما يلي الميت ، ويجعل اللبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد .
قلت : ومن هذا المعنى جعل القطيفة في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فإن المدينة سبخة ، قال شقران : أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر . قال أبو عيسى الترمذي : حديث شقران حديث حسن غريب. ❝ . ❝
❞ قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)
قوله تعالى : قال ستجدني إن شاء الله صابرا أي سأصبر بمشيئة الله .
ولا أعصي لك أمرا أي قد ألزمت نفسي طاعتك وقد اختلف في الاستثناء ، هل هو يشمل قوله : ولا أعصي لك أمرا أم لا ؟ فقيل : يشمله كقوله : والذاكرين الله كثيرا والذاكرات . وقيل : استثنى في الصبر فصبر ، وما استثنى في قوله : ولا أعصي لك أمرا فاعترض وسأل ، قال علماؤنا : إنما كان ذلك منه ; لأن الصبر أمر مستقبل ولا يدرى كيف يكون حاله فيه ، ونفي المعصية معزوم عليه حاصل في الحال ، فالاستثناء فيه ينافي العزم عليه ، ويمكن أن يفرق بينهما بأن الصبر ليس مكتسبا لنا بخلاف فعل المعصية وتركه ، فإن ذلك كله مكتسب لنا ; والله أعلم . ❝
❞ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الكهف
وهي مكية في قول جميع المفسرين . روي عن فرقة أن أول السورة نزل بالمدينة إلى قوله جرزا ، والأول أصح . وروي في فضلها من حديث أنس أنه قال : من قرأ بها أعطي نورا بين السماء والأرض ووقي بها فتنة القبر . وقال إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ألا أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملك ملأ عظمها ما بين السماء والأرض لتاليها مثل ذلك . قالوا : بلى يا رسول الله ؟ قال : سورة أصحاب الكهف من قرأها يوم الجمعة غفر له الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام وأعطي نورا يبلغ السماء ووقي فتنة الدجال ذكره الثعلبي ، والمهدوي أيضا بمعناه . وفي مسند الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال : من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق . وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال . وفي رواية من آخر الكهف . وفي مسلم أيضا من حديث النواس بن سمعان فمن أدركه - يعني الدجال - فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف . وذكره الثعلبي . قال : سمرة بن جندب قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا لم تضره فتنة الدجال . ومن قرأ السورة كلها دخل الجنة .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا
قوله تعالى : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما ذكر ابن إسحاق أن قريشا بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود وقالوا لهما : سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله ; فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء ; فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألا أحبار يهود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ووصفا لهم أمره ، وأخبراهم ببعض قوله ، وقالا لهم : إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا . فقالت لهما أحبار يهود : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، فروا فيه رأيكم ; سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ، ما كان أمرهم ; فإنه قد كان لهم حديث عجب . سلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، ما كان نبؤه . وسلوه عن الروح ، ما هي ; فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي ، وإن لم يفعل فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم . فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط حتى قدما مكة على قريش فقالا : يا معشر قريش ، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها ، فإن أخبركم عنها فهو نبي ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، فروا فيه رأيكم . فجاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا محمد ، أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ، قد كانت لهم قصة عجب ، وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وأخبرنا عن الروح ما هي ؟ قال فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أخبركم بما سألتم عنه غدا ولم يستثن . فانصرفوا عنه ، فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يزعمون خمس عشرة ليلة ، لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل ، حتى أرجف أهل مكة وقالوا : وعدنا محمد غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة ، وقد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ; وحتى أحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث الوحي عنه ، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاءه جبريل - عليه السلام - من عند الله - عز وجل - بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم ، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية ، والرجل الطواف والروح . قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل : لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنا فقال له جبريل : وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا . فافتتح السورة - تبارك وتعالى - بحمده ، وذكر نبوة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لما أنكروا عليه من ذلك فقال : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب يعني محمدا ، إنك رسول مني ، أي تحقيق لما سألوا عنه من نبوتك . ولم يجعل له عوجا قيما أي معتدلا لا اختلاف فيه . لينذر بأسا شديدا من لدنه أي عاجل عقوبته في الدنيا ، وعذابا أليما في الآخرة ، أي من عند ربك الذي بعثك رسولا . ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا أي دار الخلد لا يموتون فيها ، الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم ، وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال . وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا يعني قريشا في قولهم : إنا نعبد الملائكة وهي بنات الله . ما لهم به من علم ولا لآبائهم الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم . كبرت كلمة تخرج من أفواههم أي لقولهم إن الملائكة بنات الله . إن يقولون إلا كذبا فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجوه منهم ، أي لا تفعل . قال ابن هشام : باخع نفسك مهلك نفسك ; فيما حدثني أبو عبيدة . قال ذو الرمة :
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه بشيء نحته عن يديه المقادر
وجمعها باخعون وبخعة . وهذا البيت في قصيدة له . وقول العرب : قد بخعت له نصحي ونفسي ، أي جهدت له . إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا قال ابن إسحاق : أي أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي : وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا أي الأرض ، وإن ما عليها لفان وزائل ، وإن المرجع إلي فأجزي كلا بعمله ; فلا تأس ولا يحزنك ما ترى وتسمع فيها . قال ابن هشام : الصعيد وجه الأرض ، وجمعه صعد . قال ذو الرمة يصف ظبيا صغيرا :
كأنه بالضحى ترمي الصعيد به دبابة في عظام الرأس خرطوم
وهذا البيت في قصيدة له . والصعيد أيضا : الطريق ، وقد جاء في الحديث : إياكم والقعود على الصعدات يريد الطرق . والجرز : الأرض التي لا تنبت شيئا ، وجمعها أجراز . ويقال : سنة جرز وسنون أجراز ; وهي التي لا يكون فيها مطر . وتكون فيها جدوبة ويبس وشدة . قال ذو الرمة يصف إبلا :
طوى النحز والأجراز ما في بطونها فما بقيت إلا الضلوع الجراشع
قال ابن إسحاق : ثم استقبل قصة الخبر فيما سألوه عنه من شأن الفتية فقال : أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أي قد كان من آياتي فيما وضعت على العباد من حجتي ما هو أعجب من ذلك . قال ابن هشام : والرقيم الكتاب الذي رقم بخبرهم ، وجمعه رقم . قال العجاج :
ومستقر المصحف المرقم
وهذا البيت في أرجوزة له . قال ابن إسحاق : ثم قال إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا . ثم قال : نحن نقص عليك نبأهم بالحق أي بصدق الخبر إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا أي لم يشركوا بي كما أشركتم بي ما ليس لكم به علم . قال ابن هشام : والشطط الغلو ومجاوزة الحق . قال أعشى بن قيس بن ثعلبة :
أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق : هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين . قال ابن إسحاق : أي بحجة بالغة . فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه . قال ابن هشام : تزاور تميل ; وهو من الزور . وقال أبو الزحف الكليبي يصف بلدا :
جدب المندى عن هوانا أزور ينضي المطايا خمسه العشنزر
وهذان البيتان في أرجوزة له . وتقرضهم ذات الشمال تجاوزهم وتتركهم عن شمالها . قال ذو الرمة :
إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف شمالا وعن أيمانهن الفوارس
وهذا البيت في قصيدة له . والفجوة : السعة ، وجمعها الفجاء . قال الشاعر :
ألبست قومك مخزاة ومنقصة حتى أبيحوا وحلوا فجوة الدار
ذلك من آيات الله أي في الحجة على من عرف ذلك من أمورهم من أهل الكتاب ممن أمر هؤلاء بمسألتك عنهم في صدق نبوتك بتحقيق الخبر عنهم . من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا . وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد قال ابن هشام : الوصيد الباب . قال العبسي واسمه عبد بن وهب :
بأرض فلاة لا يسد وصيدها علي ومعروفي بها غير منكر
وهذا البيت في أبيات له . والوصيد أيضا الفناء ، وجمعه وصائد ووصد ووصدان . لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا - إلى قوله - الذين غلبوا على أمرهم أهل السلطان والملك منهم لنتخذن عليهم مسجدا سيقولون يعني أحبار اليهود الذين أمروهم بالمسألة عنهم . ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم أي لا تكابرهم . إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا فإنهم لا علم لهم بهم ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا . إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا أي لا تقولن لشيء سألوك عنه كما قلت في هذا إني مخبركم غدا ، واستثن مشيئة الله ، واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لخبر ما سألتموني عنه رشدا ، فإنك لا تدري ما أنا صانع في ذلك . ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا أي سيقولون ذلك . قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا أي لم يخف عليه شيء مما سألوك عنه .
قلت : هذا ما وقع في السيرة من خبر أصحاب الكهف ذكرناه على نسقه . ويأتي خبر ذي القرنين ، ثم نعود إلى أول السورة فنقول : قد تقدم معنى الحمد لله . وزعم الأخفش والكسائي والفراء وأبو عبيد وجمهور المتأولين أن في أول هذه السورة تقديما وتأخيرا ، وأن المعنى : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا . قيما نصب على الحال . وقال قتادة : الكلام على سياقه من غير تقديم ولا تأخير ، ومعناه : ولم يجعل له عوجا ولكن جعلناه قيما . وقول الضحاك فيه حسن ، وأن المعنى : مستقيم ، أي مستقيم الحكمة لا خطأ فيه ولا فساد ولا تناقض . وقيل : قيما على الكتب السابقة يصدقها . وقيل : قيما بالحجج أبدا .
عوجا مفعول به ; والعوج ( بكسر العين ) في الدين والرأي والأمر والطريق . وبفتحها في الأجسام كالخشب والجدار ; وقد تقدم . وليس في القرآن عوج ، أي عيب ، أي ليس متناقضا مختلقا ; كما قال - تعالى - : ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقيل : أي لم يجعله مخلوقا ; كما روي عن ابن عباس في قوله - تعالى - قرآنا عربيا غير ذي عوج قال : غير مخلوق . وقال مقاتل : عوجا اختلافا . قال الشاعر :
أدوم بودي للصديق تكرما ولا خير فيمن كان في الود أعوجا . ❝
❞ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)
قوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر استدل بهذا من قال : إن المسكين أحسن حالا من الفقير ، وقد مضى هذا المعنى مستوفى من سورة " براءة " . وقد قيل : إنهم كانوا تجارا ولكن من حيث هم مسافرون عن قلة في لجة بحر ، وبحال ضعف عن مدافعة خطب عبر عنهم بمساكين ; إذ هم في حالة يشفق عليهم بسببها ، وهذا كما تقول لرجل غني وقع في وهلة أو خطب : مسكين . وقال كعب وغيره : كانت لعشرة إخوة من المساكين ورثوها من أبيهم خمسة زمنى ، وخمسة يعملون في البحر . وقيل : كانوا سبعة لكل واحد منهم زمانة ليست بالآخر . وقد ذكر النقاش أسماءهم ; فأما العمال منهم فأحدهم كان مجذوما ; والثاني أعور ، والثالث أعرج ، والرابع آدر ، والخامس محموما لا تنقطع عنه الحمى الدهر كله وهو أصغرهم ; والخمسة الذين لا يطيقون العمل : أعمى وأصم وأخرس ومقعد ومجنون ، وكان البحر الذي يعملون فيه ما بين فارس والروم ; ذكره الثعلبي . وقرأت فرقة : " لمساكين " بتشديد السين ، واختلف في ذلك فقيل : هم ملاحو السفينة ، وذلك أن المساك هو الذي يمسك رجل السفينة ، وكل الخدمة تصلح لإمساكه فسمي الجميع مساكين . وقالت فرقة : أراد بالمساكين دبغة المسوك وهي الجلود واحدها مسك . والأظهر قراءة مساكين بالتخفيف جمع مسكين ، وأن معناها : إن السفينة لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق عليهم . والله أعلم .
قوله تعالى : فأردت أن أعيبها أي أجعلها ذات عيب ، يقال : عبت الشيء فعاب إذا صار ذا عيب ، فهو معيب وعائب .
وقوله : وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا قرأ ابن عباس وابن جبير ( صحيحة ) وقرأ أيضا ابن عباس وعثمان بن عفان ( صالحة ) . و ( وراء ) أصلها بمعنى خلف ; فقال بعض المفسرين : إنه كان خلفه وكان رجوعهم عليه . والأكثر على أن معنى ( وراء ) هنا أمام ; يعضده قراءة ابن عباس وابن جبير " وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا " . قال ابن عطية : وراءهم هو عندي على بابه ; وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعى بها الزمان وذلك أن الحدث المقدم الموجود هو الأمام ، والذي يأتي بعده هو الوراء وهو ما خلف ، وذلك بخلاف ما يظهر بادي الرأي ، وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد ، فهذه الآية معناها : إن هؤلاء وعملهم وسعيهم يأتي بعده في الزمان غصب هذا الملك ; ومن قرأ " أمامهم " أراد في المكان ، أي كأنهم يسيرون إلى بلد ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : الصلاة أمامك يريد في المكان ، وإلا فكونهم في ذلك الوقت كان أمام الصلاة في الزمان ; وتأمل هذه المقالة فإنها مريحة من شغب هذه الألفاظ ; ووقع لقتادة في كتاب الطبري وكان وراءهم ملك قال قتادة : أمامهم ألا تراه يقول : من ورائهم جهنم وهي بين أيديهم ; وهذا القول غير مستقيم ، وهذه هي العجمة التي كان الحسن بن أبي الحسن يضج منها ; قاله الزجاج .
قلت : وما اختاره هذا الإمام قد سبقه إليه في ذلك ابن عرفة ; قال الهروي قال ابن عرفة : يقول القائل كيف قال " من ورائه " وهي أمامه ؟ فزعم أبو عبيد وأبو علي قطرب أن هذا من الأضداد ، وأن وراء في معنى قدام ، وهذا غير محصل ; لأن أمام ضد وراء ، وإنما يصلح هذا في الأوقات ، كقولك للرجل إذا وعد وعدا في رجب لرمضان ثم قال : ومن ورائك شعبان لجاز وإن كان أمامه ، لأنه يخلفه إلى وقت وعده ; وأشار إلى هذا القول أيضا القشيري وقال : إنما يقال هذا في الأوقات ، ولا يقال للرجل أمامك إنه وراءك ; قال الفراء : وجوزه غيره ; والقوم ما كانوا عالمين بخبر الملك ، فأخبر الله - تعالى - الخضر حتى عيب السفينة ; وذكره الزجاج . وقال الماوردي : اختلف أهل العربية في استعمال وراء موضع أمام على ثلاثة أقوال : [ أحدها ] يجوز استعمالها بكل حال وفي كل مكان وهو من الأضداد قال الله - تعالى - : ومن ورائهم جهنم أي من أمامهم : وقال الشاعر :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا
يعني أمامي . [ والثاني ] أن وراء تستعمل في موضع أمام في المواقيت والأزمان لأن الإنسان يجوزها فتصير وراءه ولا يجوز في غيرها . [ الثالث ] أنه يجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر ولا يجوز في غيرهما ; وهذا قول علي بن عيسى .
واختلف في اسم هذا الملك فقيل : هدد بن بدد . وقيل : الجلندي ; وقاله السهيلي . وذكر البخاري اسم الملك الآخذ لكل سفينة غصبا فقال : هو ( هدد بن بدد والغلام المقتول ) اسمه حيسور ، وهكذا قيدناه في الجامع من رواية يزيد المروزي ، وفي غير هذه الرواية حيسور بالحاء وعندي في حاشية الكتاب رواية ثالثة : وهي حيسون وكان يأخذ كل سفينة جيدة غصبا فلذلك عابها الخضر وخرقها ; ففي هذا من الفقه العمل بالمصالح إذا تحقق وجهها ، وجواز إصلاح كل المال بإفساد بعضه ، وقد تقدم . وفي صحيح مسلم وجه الحكمة بخرق السفينة وذلك قوله : ( فإذا جاء الذي يسخرها وجدها منخرقة فتجاوزها ، فأصلحوها بخشبة . . . ) الحديث . وتحصل من هذا الحض على الصبر في الشدائد ، فكم في ضمن ذلك المكروه من الفوائد ، وهذا معنى قوله : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم . ❝
❞ فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)
قوله تعالى : فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا عبارة عن إلقاء الله - تعالى - النوم عليهم . وهذه من فصيحات القرآن التي أقرت العرب بالقصور عن الإتيان بمثله . قال الزجاج : أي منعناهم عن أن يسمعوا ; لأن النائم إذا سمع انتبه . وقال ابن عباس : ضربنا على آذانهم بالنوم ; أي سددنا آذانهم عن نفوذ الأصوات إليها . وقيل : المعنى فضربنا على آذانهم أي فاستجبنا دعاءهم ، وصرفنا عنهم شر قومهم ، وأنمناهم . والمعنى كله متقارب . وقال قطرب : هذا كقول العرب ضرب الأمير على يد الرعية إذا منعهم الفساد ، وضرب السيد على يد عبده المأذون له في التجارة إذا منعه من التصرف . قال الأسود بن يعفر وكان ضريرا :
ومن الحوادث لا أبا لك أنني ضربت علي الأرض بالأسداد
وأما تخصيص الآذان بالذكر فلأنها الجارحة التي منها عظم فساد النوم ، وقلما ينقطع نوم نائم إلا من جهة أذنه ، ولا يستحكم نوم إلا من تعطل السمع . ومن ذكر الأذن في النوم قوله - صلى الله عليه وسلم - : ذاك رجل بال الشيطان في أذنه خرجه الصحيح . أشار - عليه السلام - إلى رجل طويل النوم ، لا يقوم الليل . وعددا نعت للسنين ; أي معدودة ، والقصد به العبارة عن التكثير ; لأن القليل لا يحتاج إلى عدد لأنه قد عرف . والعد المصدر ، والعدد اسم المعدود كالنفض والخبط . وقال أبو عبيدة : عددا نصب على المصدر . ثم قال قوم : بين الله - تعالى - عدد تلك السنين من بعد فقال : ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا . ❝
❞ قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78)
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ
فعند ذلك قال له الخضر " هذا فراق بيني وبينك " بحكم ما شرطت على نفسك .
وتكريره " بيني وبينك " وعدوله عن بيننا لمعنى التأكيد .
قال سيبويه : كما يقال أخزى الله الكاذب مني ومنك ; أي منا .
وقال ابن عباس : وكان قول موسى في السفينة والغلام لله , وكان قوله في الجدار لنفسه لطلب شيء من الدنيا , فكان سبب الفراق .
وقال وهب بن منبه : كان ذلك الجدار جدارا طوله في السماء مائة ذراع .سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
تأويل الشيء مآله أي قال له : إني أخبرك لم فعلت ما فعلت .
وقيل في تفسير هذه الآيات التي وقعت لموسى مع الخضر : إنها حجة على موسى وعجبا له وذلك أنه لما أنكر أمر خرق السفينة نودي : يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحا في اليم فلما أنكر أمر الغلام قيل له : أين إنكارك هذا من وكزك القبطي وقضائك عليه فلما أنكر إقامة الجدار نودي : أين هذا من رفعك حجر البئر لبنات شعيب دون أجر . ❝
❞ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا قال الزجاج : معناه بالحجارة ، وهو أخبث القتل . وقيل : يرموكم بالسب والشتم ; والأول أصح ، لأنه كان عازما على قتلهم كما تقدم في قصصهم . والرجم فيما سلف هي كانت على ما ذكر قبله [ عقوبة ] مخالفة دين الناس إذ هي أشفى لجملة أهل ذلك الدين من حيث إنهم يشتركون فيها .
في هذه البعثة بالورق دليل على الوكالة وصحتها . وقد وكل علي بن أبي طالب أخاه عقيلا عند عثمان - رضي الله عنه - ; ولا خلاف فيها في الجملة . والوكالة معروفة في الجاهلية والإسلام ; ألا ترى إلى عبد الرحمن بن عوف كيف وكل أمية بن خلف بأهله وحاشيته بمكة ; أي يحفظهم ، وأمية مشرك ، والتزم عبد الرحمن لأمية من حفظ حاشيته بالمدينة مثل ذلك مجازاة لصنعه . روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف قال : كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة ; فلما ذكرت الرحمن ; قال : لا أعرف الرحمن كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية ، فكاتبته عبد عمرو . . . وذكر الحديث . قال الأصمعي : صاغية الرجل الذين يميلون إليه ويأتونه ; وهو مأخوذ من صغا يصغو ويصغى إذا مال ، وكل مائل إلى الشيء أو معه فقد صغا إليه وأصغى ; من كتاب الأفعال .
الوكالة عقد نيابة ، أذن الله سبحانه فيه للحاجة إليه وقيام المصلحة في ذلك ، إذ ليس كل أحد يقدر على تناول أموره إلا بمعونة من غيره أو بترفه فيستنيب من يريحه . وقد استدل علماؤنا على صحتها بآيات من الكتاب ، منها هذه الآية ، وقوله - تعالى - : والعاملين عليها وقوله اذهبوا بقميصي هذا . وأما من السنة فأحاديث كثيرة ; منها حديث عروة البارقي ، وقد تقدم في آخر الأنعام . روى جابر بن عبد الله قال أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له : إني أردت الخروج إلى خيبر ; فقال : إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته خرجه أبو داود . والأحاديث كثيرة في هذا المعنى ، وفي إجماع الأمة على جوازها كفاية .
الوكالة جائزة في كل حق تجوز النيابة فيه ، فلو وكل الغاصب لم يجز ، وكان هو الوكيل ; لأن كل محرم فعله لا تجوز النيابة فيه .
في هذه الآية نكتة بديعة ، وهي أن الوكالة إنما كانت مع التقية خوف أن يشعر بهم أحد لما كانوا عليه من الخوف على أنفسهم . وجواز توكيل ذوي العذر متفق عليه ; فأما من لا عذر له فالجمهور على جوازها . وقال أبو حنيفة وسحنون : لا تجوز . قال ابن العربي : وكأن سحنون تلقفه من أسد بن الفرات فحكم به أيام قضائه ، ولعله كان يفعل ذلك بأهل الظلم والجبروت ; إنصافا منهم وإذلالا لهم ، وهو الحق ; فإن الوكالة معونة ولا تكون لأهل الباطل .
قلت : هذا حسن ; فأما أهل الدين والفضل فلهم أن يوكلوا وإن كانوا حاضرين أصحاء . والدليل على صحة جواز الوكالة للشاهد الصحيح ما خرجه الصحيحان وغيرهما عن أبي هريرة قال : كان لرجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال : أعطوه فطلبوا له سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها ; فقال : أعطوه فقال : أوفيتني أوفى الله لك . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن خيركم أحسنكم قضاء . لفظ البخاري . فدل هذا الحديث مع صحته على جواز توكيل الحاضر الصحيح البدن ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يعطوا عنه السن التي كانت عليه ; وذلك توكيد منه لهم على ذلك ، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - مريضا ولا مسافرا . وهذا يرد قول أبي حنيفة وسحنون في قولهما : إنه لا يجوز توكيل الحاضر الصحيح البدن إلا برضا خصمه ; وهذا الحديث خلاف قولهما .
قال ابن خويز منداد : تضمنت هذه الآية جواز الشركة لأن الورق كان لجميعهم وتضمنت جواز الوكالة لأنهم بعثوا من وكلوه بالشراء . وتضمنت جواز أكل الرفقاء وخلطهم طعامهم معا ، وإن كان بعضهم أكثر أكلا من الآخر ; ومثله قوله - تعالى - : وإن تخالطوهم فإخوانكم حسبما تقدم بيانه في " البقرة " . ولهذا قال أصحابنا في المسكين يتصدق عليه فيخلطه بطعام لغني ثم يأكل معه : إن ذلك جائز . وقد قالوا في المضارب يخلط طعامه بطعام غيره ثم يأكل معه : إن ذلك جائز . وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكل من اشترى له أضحية . قال ابن العربي : ليس في الآية دليل على ذلك ; لأنه يحتمل أن يكون كل واحد منهم قد أعطاه منفردا فلا يكون فيه اشتراك . ولا معول في هذه المسألة إلا على حديثين : أحدهما : أن ابن عمر مر بقوم يأكلون تمرا فقال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاقتران إلا أن يستأذن الرجل أخاه . الثاني : حديث أبي عبيدة في جيش الخبط . وهذا دون الأول في الظهور ; لأنه يحتمل أن يكون أبو عبيدة يعطيهم كفافا من ذلك القوت ولا يجمعهم عليه .
قلت : ومما يدل على خلاف هذا من الكتاب قوله - تعالى - : وإن تخالطوهم فإخوانكم وقوله ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا على ما يأتي إن شاء الله - تعالى - . ❝
❞ قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)
قوله تعالى : قال لا تؤاخذني بما نسيت في معناه قولان :
أحدهما : يروى عن ابن عباس ، قال : ( هذا من معاريض الكلام ) . والآخر : أنه نسي فاعتذر ; ففيه ما يدل على أن النسيان لا يقتضي المؤاخذة ، وأنه لا يدخل تحت التكليف ، ولا يتعلق به حكم طلاق ولا غيره ; وقد تقدم ، ولو نسي في الثانية لاعتذر . ❝
❞ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
قالوا ياذا القرنين أي قالت له أمة من الإنس صالحة .
إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض قال الأخفش : من همز يأجوج فجعل الألفين من الأصل يقول : يأجوج يفعول ومأجوج مفعول كأنه من أجيج النار . قال : ومن لا يهمز ويجعل الألفين زائدتين يقول : " ياجوج " من يججت وماجوج من مججت وهما غير مصروفين ; قال رؤبة :
لو أن ياجوج وماجوج معا وعاد عاد واستجاشوا تبعا
ذكره الجوهري . وقيل : إنما لم ينصرفا لأنهما اسمان أعجميان ، مثل طالوت وجالوت غير مشتقين ; علتاهما في منع الصرف العجمة والتعريف والتأنيث . وقالت فرقة : هو معرب من أج وأجج علتاهما في منع الصرف التعريف والتأنيث . وقال أبو علي : يجوز أن يكونا عربيين ; فمن همز يأجوج فهو على وزن يفعول مثل يربوع ، من قولك أجت النار أي ضويت ، ومنه الأجيج ، ومنه ملح أجاج ، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا مثل رأس ، وأما مأجوج فهو مفعول من أج ، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق ومن لم يهمز فيجوز أن يكون خفف الهمزة ، ويجوز أن يكون فاعولا من مج ، وترك الصرف فيهما للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة . واختلف في إفسادهم ; سعيد بن عبد العزيز : إفسادهم أكل بني آدم . وقالت فرقة : إفسادهم إنما كان متوقعا ، أي سيفسدون ، فطلبوا وجه التحرز منهم . وقالت فرقة : إفسادهم هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر ، والله أعلم . وقد وردت أخبار بصفتهم وخروجهم وأنهم ولد يافث . روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان . وقال كعب الأحبار : احتلم آدم - عليه السلام - فاختلط ماؤه بالتراب فأسف فخلقوا من ذلك الماء ، فهم متصلون بنا من جهة الأب لا من جهة الأم . وهذا فيه نظر ; لأن الأنبياء - صلوات الله عليهم - لا يحتلمون ، وإنما هم من ولد يافث ، وكذلك قال مقاتل وغيره . وروى أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يموت رجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل . يعني يأجوج ومأجوج . وقال أبو سعيد : هم خمس وعشرون قبيلة من وراء يأجوج ومأجوج لا يموت الرجل من هؤلاء ومن يأجوج ومأجوج حتى يخرج من صلبه ألف رجل ذكره القشيري . وقال عبد الله بن مسعود : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : يأجوج ومأجوج أمتان كل أمة أربعمائة ألف أمة كل أمة لا يعلم عددها إلا الله لا يموت الرجل منهم حتى يولد له ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح قيل : يا رسول الله صفهم لنا . قال : ( هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز - شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع - وصنف عرضه وطوله سواء نحوا من الذراع وصنف يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار الشرق وبحيرة طبرية فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس . وقال علي - رضي الله - تعالى - عنه - : ( وصنف منهم في طول شبر ، لهم مخالب وأنياب السباع ، وتداعي الحمام ، وتسافد البهائم ، وعواء الذئاب ، وشعور تقيهم الحر والبرد ، وأذان عظام إحداها وبرة يشتون فيها ، والأخرى جلدة يصيفون فيها ، ويحفرون السد حتى كادوا ينقبونه فيعيده الله كما كان ، فيقولون : ننقبه غدا إن شاء الله - تعالى - فينقبونه ويخرجون ، ويتحصن الناس بالحصون ، فيرمون إلى السماء فيرد السهم عليهم ملطخا بالدم ، ثم يهلكهم الله - تعالى - بالنغف في رقابهم ) . ذكره الغزنوي . وقال علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : يأجوج أمة لها أربعمائة أمير وكذا مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده .
قلت : وقد جاء مرفوعا من حديث أبي هريرة ، خرجه ابن ماجه في السنن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن يأجوج ومأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله - تعالى - أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله - تعالى - فاستثنوا فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع عليها الدم - الذي أحفظ - فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله - تعالى - عليهم نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم قال الجوهري شكرت الناقة تشكر شكرا فهي شكرة ; وأشكر الضرع امتلأ لبنا .
وقال وهب بن منبه : رآهم ذو القرنين ، وطول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا ، لهم مخاليب في مواضع الأظفار وأضراس وأنياب كالسباع ، وأحناك كأحناك الإبل ، وهم هلب عليهم من الشعر ما يواريهم ، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان ، يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى ، وكل واحد منهم قد عرف أجله لا يموت حتى يخرج له من صلبه ألف رجل إن كان ذكرا ، ومن رحمها ألف أنثى إن كانت أنثى . وقال السدي والضحاك : الترك شرذمة من يأجوج ومأجوج خرجت تغير ، فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت في هذا الجانب . قال السدي : بني السد على إحدى وعشرين قبيلة ، وبقيت منهم قبيلة واحدة دون السد فهم الترك . وقاله قتادة .
قلت : وإذا كان هذا ، فقد نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - الترك كما نعت يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما وجوههم كالمجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر في رواية ينتعلون الشعر خرجه مسلم وأبو داود وغيرهما . ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - عددهم وكثرتهم وحدة شوكتهم قال - عليه الصلاة والسلام - : اتركوا الترك ما تركوكم . وقد خرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصيهم إلا الله - تعالى - ، ولا يردهم عن المسلمين إلا الله - تعالى - ، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج أو مقدمتهم . وروى أبو داود عن أبي بكرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له دجلة يكون عليه جسر يكثر أهلها وتكون من أمصار المهاجرين - قال ابن يحيى قال أبو معمر وتكون من أمصار المسلمين فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شاطئ النهر فيتفرق أهلها ثلاث فرق فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية وهلكوا وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء الغائط المطمئن من الأرض والبصرة الحجارة الرخوة وبها سميت البصرة وبنو قنطوراء هم الترك يقال : إن قنطوراء اسم جارية كانت لإبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - ، ولدت له أولادا جاء من نسلهم الترك .
قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا استفهام على جهة حسن الأدب خرجا أي جعلا وقرئ " خراجا " والخرج أخص من الخراج يقال : أد خرج رأسك وخراج مدينتك وقال الأزهري : الخراج يقع على الضريبة ، ويقع على مال الفيء ، ويقع على الجزية وعلى الغلة والخراج اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال . والخرج : المصدر .
وقوله تعالى : على أن تجعل بيننا وبينهم سدا أي ردما ; والردم ما جعل بعضه على بعض حتى يتصل وثوب مردم أي مرقع ، قاله الهروي يقال : ردمت الثلمة أردمها بالكسر ردما أي سددتها والردم أيضا الاسم وهو السد وقيل : الردم أبلغ من السد إذ السد كل ما يسد به والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع ومنه ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض ومنه قول عنترة :
هل غادر الشعراء من متردم
أي من قول يركب بعضه على بعض . وقرئ سدا بالفتح في السين ، فقال الخليل وسيبويه : الضم هو الاسم والفتح المصدر . وقال الكسائي : الفتح والضم لغتان بمعنى واحد وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة : ما كان من خلقة الله لم يشاركه فيه أحد بعمل فهو بالضم ، وما كان من صنع البشر فهو بالفتح . ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرءوا سدا بالفتح وقبله بين السدين بالضم ، وهي قراءة حمزة والكسائي . وقال أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة . وقال ابن أبي إسحاق : ما رأته عيناك فهو سد بالضم وما لا ترى فهو سد بالفتح .
الثانية : في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون ، وحبس أهل الفساد فيها ، ومنعهم من التصرف لما يريدونه ، ولا يتركون وما هم عليه ، بل يوجعون ضربا ويحبسون أو يكلفون ويطلقون كما فعل عمر - رضي الله عنه - . ❝
❞ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)
قوله : وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا
قوله تعالى : وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر الحق رفع على خبر الابتداء المضمر ; أي قل هو الحق . وقيل : هو رفع على الابتداء ، وخبره في قوله من ربكم . ومعنى الآية : قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا : أيها الناس من ربكم الحق فإليه التوفيق والخذلان ، وبيده الهدى والضلال ، يهدي من يشاء فيؤمن ، ويضل من يشاء فيكفر ; ليس إلي من ذلك شيء ، فالله يؤتي الحق من يشاء وإن كان ضعيفا ، ويحرمه من يشاء وإن كان قويا غنيا ، ولست بطارد المؤمنين لهواكم ; فإن شئتم فآمنوا ، وإن شئتم فاكفروا . وليس هذا بترخيص وتخيير بين الإيمان والكفر ، وإنما هو وعيد وتهديد . أي إن كفرتم فقد أعد لكم النار ، وإن آمنتم فلكم الجنة .
إنا أعتدنا أي أعددنا .
للظالمين أي للكافرين الجاحدين .
نارا أحاط بهم سرادقها قال الجوهري : السرادق واحد السرادقات التي تمد فوق صحن الدار . وكل بيت من كرسف فهو سرادق . قال رؤبة :
يا حكم بن المنذر بن الجارود سرادق المجد عليك ممدود
يقال : بيت مسردق . وقال سلامة بن جندل يذكر أبرويز وقتله النعمان بن المنذر تحت أرجل الفيلة :
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه صدور الفيول بعد بيت مسردق
وقال ابن الأعرابي : سرادقها سورها . وعن ابن عباس : حائط من نار . الكلبي : وقال ابن الأعرابي : سرادقها سورها . وعن ابن عباس : حائط من نار . الكلبي : عنق تخرج من النار فتحيط بالكفار كالحظيرة . القتبي : السرادق الحجزة التي تكون حول الفسطاط . وقاله ابن عزيز . وقيل : هو دخان يحيط بالكفار يوم القيامة ، وهو الذي ذكره الله - تعالى - في سورة ( والمرسلات ) . حيث يقول : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب وقوله : وظل من يحموم قاله قتادة . وقيل : إنه البحر المحيط بالدنيا . وروى يعلى بن أمية قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : البحر هو جهنم - ثم تلا - نارا أحاط بهم سرادقها - ثم قال - والله لا أدخلها أبدا ما دمت حيا ولا يصيبني منها قطرة ذكره الماوردي . وخرج ابن المبارك من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لسرادق النار أربع جدر كثف كل جدار مسيرة أربعين سنة . وخرجه أبو عيسى الترمذي ، وقال فيه : حديث حسن صحيح غريب .
قلت : وهذا يدل على أن السرادق ما يعلو الكفار من دخان أو نار ، وجدره ما وصف .
قوله تعالى : وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه قال ابن عباس : المهل ماء غليظ مثل دردي الزيت . مجاهد : القيح والدم . الضحاك : ماء أسود ، وإن جهنم لسوداء ، وماؤها أسود وشجرها أسود وأهلها سود . وقال أبو عبيدة : هو كل ما أذيب من جواهر الأرض من حديد ورصاص ونحاس وقزدير ، فتموج بالغليان ، فذلك المهل . ونحوه عن ابن مسعود قال سعيد بن جبير : هو الذي قد انتهى حره . وقال : المهل ضرب من القطران ; يقال : مهلت البعير فهو ممهول . وقيل : هو السم . والمعنى في هذه الأقوال متقارب . وفي الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله كالمهل قال : كعكر الزيت فإذا قربه إلى وجهه سقطت فروة وجهه قال أبو عيسى : هذا حديث إنما نعرفه من حديث رشدين بن سعد ورشدين قد تكلم فيه من قبل حفظه . وخرج عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ويسقى من ماء صديد يتجرعه قال : يقرب إلى فيه فكرهه فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه وإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره . يقول الله - تعالى - وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم يقول وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا قال : حديث غريب .
قلت : وهذا يدل على صحة تلك الأقوال ، وأنها مرادة ، والله أعلم . وكذلك نص عليها أهل اللغة . في الصحاح " المهل " النحاس المذاب . ابن الأعرابي : المهل المذاب من الرصاص . وقال أبو عمرو . المهل دردي الزيت . والمهل أيضا القيح والصديد . وفي حديث أبي بكر : ادفنوني في ثوبي هذين فإنهما للمهل والتراب .
بئس الشراب وساءت مرتفقا قال مجاهد : معناه مجتمعا ، كأنه ذهب إلى معنى المرافقة . ابن عباس : منزلا . عطاء : مقرا . وقيل مهادا . وقال القتبي : مجلسا ، والمعنى متقارب ; وأصله من المتكأ ، يقال منه : ارتفقت أي اتكأت على المرفق . قال الشاعر :
قالت له وارتفقت ألا فتى يسوق بالقوم غزالات الضحى
ويقال : ارتفق الرجل إذا نام على مرفقه لا يأتيه نوم . قال أبو ذؤيب الهذلي :
نام الخلي وبت الليل مرتفقا كأن عيني فيها الصاب مدبوح
الصاب : عصارة شجر مر . ❝
❞ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)
قَالَ
الخضر .أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
أي إنك يا موسى لا تطيق أن تصبر على ما تراه من علمي ; لأن الظواهر التي هي علمك لا تعطيه , وكيف تصبر على ما تراه خطأ ولم تخبر بوجه الحكمة فيه , ولا طريق الصواب . ❝
❞ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)
قوله تعالى : ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا قوله تعالى : ثم بعثناهم أي من بعد نومهم . ويقال لمن أحيي أو أقيم من نومه مبعوث ; لأنه كان ممنوعا من الانبعاث والتصرف .
قوله تعالى : لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا لنعلم عبارة عن خروج ذلك الشيء إلى الوجود ومشاهدته ; وهذا على نحو كلام العرب ، أي لنعلم ذلك موجودا ، وإلا فقد كان الله - تعالى - علم أي الحزبين أحصى الأمد . وقرأ الزهري " ليعلم " بالياء . والحزبان الفريقان ، والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم الفتية إذ ظنوا لبثهم قليلا . والحزب الثاني أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم ، حين كان عندهم التاريخ لأمر الفتية . وهذا قول الجمهور من المفسرين . وقالت فرقة : هما حزبان من الكافرين ، اختلفا في مدة أصحاب الكهف . وقيل : هما حزبان من المؤمنين . وقيل غير ذلك مما لا يرتبط بألفاظ الآية . وأحصى فعل ماض . وأمدا نصب على المفعول به ; قاله أبو علي . وقال الفراء : نصب على التمييز . وقال الزجاج : نصب على الظرف ، أي أي الحزبين أحصى للبثهم في الأمد ، والأمد الغاية . وقال مجاهد : أمدا معناه عددا ، وهذا تفسير بالمعنى على جهة التقريب . وقال الطبري : أمدا منصوب ب لبثوا . ابن عطية : وهذا غير متجه ، وأما من قال إنه نصب على التفسير فيلحقه من الاختلال أن أفعل لا يكون من فعل رباعي إلا في الشاذ ، وأحصى فعل رباعي . وقد يحتج له بأن يقال : إن أفعل في الرباعي قد كثر ; كقولك : ما أعطاه للمال وآتاه للخير . وقال في صفة حوضه - صلى الله عليه وسلم - : ماؤه أبيض من اللبن . وقال عمر بن الخطاب : فهو لما سواها أضيع . ❝
❞ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36)
وما أظن الساعة قائمة أي لا أحسب البعث كائنا .
ولئن رددت إلى ربي أي وإن كان بعث فكما أعطاني هذه النعم في الدنيا فسيعطيني أفضل منه لكرامتي عليه .
لأجدن خيرا منها منقلبا وإنما قال ذلك لما دعاه أخوه إلى الإيمان بالحشر والنشر . وفي مصاحف مكة والمدينة والشام " منهما " . وفي مصاحف أهل البصرة والكوفة منها على التوحيد ، والتثنية أولى ; لأن الضمير أقرب إلى الجنتين . ❝