█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69)
قوله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين
قوله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له فيه أربع مسائل :
الأولى : أخبر تعالى عن حال نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ورد قول من قال من الكفار إنه شاعر ، وإن القرآن شعر ، بقوله : وما علمناه الشعر وما ينبغي له وكذلك كان رسول الله صلى عليه وسلم لا يقول الشعر ولا يزنه ، وكان إذا حاول إنشاد بيت قديم متمثلا كسر وزنه ، وإنما كان يحرز المعاني فقط صلى الله عليه وسلم . من ذلك أنه أنشد يوما قول طرفة :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك من لم تزوده بالأخبار
وأنشد يوما وقد قيل له من أشعر الناس ؟ فقال : الذي يقول :
ألم ترياني كلما جئت طارقا وجدت بها وإن لم تطيب طيبا
وأنشد يوما :
أتجعل نهبي ونهب العبي د بين الأقرع وعيينة
وقد كان - عليه السلام - ربما أنشد البيت المستقيم في النادر . روي أنه أنشد بيت [ عبد الله بن رواحة ] :
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وقال الحسن بن أبي الحسن : أنشد النبي - عليه السلام - :
كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا
فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : يا رسول الله إنما قال الشاعر :
هريرة ودع إن تجهزت غاديا كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فقال أبو بكر أو عمر : أشهد أنك رسول الله ، يقول الله - عز وجل - : وما علمناه الشعر وما ينبغي له . وعن الخليل بن أحمد : كان الشعر أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كثير من الكلام ، ولكن لا يتأتى له . الثانية : إصابته الوزن أحيانا لا يوجب أنه يعلم الشعر ، وكذلك ما يأتي أحيانا من نثر كلامه ما يدخل في وزن ، كقوله يوم حنين وغيره :
هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
وقوله :
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
فقد يأتي مثل ذلك في آيات القرآن ، وفي كل كلام ، وليس ذلك شعرا ولا في معناه ، كقوله تعالى : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وقوله : نصر من الله وفتح قريب وقوله : وجفان كالجواب وقدور راسيات إلى غير ذلك من الآيات . وقد ذكر ابن العربي منها آيات وتكلم عليها وأخرجها عن الوزن ، على أن أبا الحسن الأخفش قال في قول : " أنا النبي لا كذب " ليس بشعر . وقال الخليل في كتاب العين : إن ما جاء من السجع على جزأين لا يكون شعرا . وروي عنه أنه من منهوك الرجز . وقد قيل : لا يكون من منهوك الرجز إلا بالوقف على الباء من قوله : " لا كذب " ، ومن قوله : " عبد المطلب " . ولم يعلم كيف قاله النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن العربي : والأظهر من حاله أنه قال : " لا كذب " الباء مرفوعة ، ويخفض الباء من عبد المطلب على الإضافة . وقال النحاس قال بعضهم : إنما الرواية بالإعراب ، وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعرا ، لأنه إذا فتح الباء من البيت الأول أو ضمها أو نونها ، وكسر الباء من البيت الثاني خرج عن وزن الشعر . وقال بعضهم : ليس هذا الوزن من الشعر . وهذا مكابرة العيان ، لأن أشعار العرب على هذا قد رواها الخليل وغيره . وأما قوله : " هل أنت إلا إصبع دميت " فقيل إنه من بحر السريع ، وذلك لا يكون إلا إذا كسرت التاء من ( دميت ) ، فإن سكن لا يكون شعرا بحال ، لأن هاتين الكلمتين على هذه الصفة تكون ( فعول ) ، ولا مدخل لفعول في بحر السريع . ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالها ساكنة التاء أو متحركة التاء من غير إشباع . والمعول عليه في الانفصال على تسليم أن هذا شعر ، ويسقط الاعتراض ، ولا يلزم منه أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - عالما بالشعر ولا شاعرا - أن التمثل بالبيت النزر وإصابة القافيتين من الرجز وغيره ، لا يوجب أن يكون قائلها عالما بالشعر ، ولا يسمى شاعرا باتفاق العلماء ، كما أن من خاط خيطا لا يكون خياطا .
قال أبو إسحاق الزجاج : معنى : وما علمناه الشعر وما علمناه أن يشعر ، أي : ما جعلناه شاعرا ، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئا من الشعر . قال النحاس : وهذا من أحسن ما قيل في هذا . وقد قيل : إنما خبر الله - عز وجل - أنه ما علمه الله الشعر ولم يخبر أنه لا ينشد شعرا ، وهذا ظاهر الكلام . وقيل : فيه قول بين ، زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة ، وذلك أنهم قالوا : كل من قال قولا موزونا لا يقصد به إلى شعر فليس بشعر ، وإنما وافق الشعر . وهذا قول بين . قالوا : وإنما الذي نفاه الله عن نبيه - عليه السلام - فهو العلم بالشعر وأصنافه ، وأعاريضه وقوافيه والاتصاف بقوله ، ولم يكن موصوفا بذلك بالاتفاق . ألا ترى أن قريشا تراوضت فيما يقولون للعرب فيه إذا قدموا عليهم الموسم ، فقال بعضهم : نقول إنه شاعر . فقال أهل الفطنة منهم : والله لتكذبنكم العرب ، فإنهم يعرفون أصناف الشعر ، فوالله ما يشبه شيئا منها ، وما قوله بشعر .
وقال أنيس أخو أبي ذر : لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم أنه شعر . أخرجه مسلم ، وكان أنيس من أشعر العرب ، وكذلك عتبة بن أبي ربيعة لما كلمه : والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ، على ما يأتي بيانه من خبره في سورة [ فصلت ] إن شاء الله تعالى . وكذلك قال غيرهما من فصحاء العرب العرباء ، واللسن البلغاء . ثم إن ما يجري على اللسان من موزون الكلام لا يعد شعرا ، وإنما يعد منه ما يجري على وزن الشعر مع القصد إليه ، فقد يقول القائل : حدثنا شيخ لنا وينادي يا صاحب الكسائي ، ولا يعد هذا شعرا . وقد كان رجل ينادي في مرضه وهو من عرض العامة العقلاء : اذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى .
الثالثة : روى ابن القاسم عن مالك أنه سئل عن إنشاد الشعر فقال : لا تكثرن منه ، فمن عيبه أن الله يقول : وما علمناه الشعر وما ينبغي له قال : ولقد بلغني أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - - كتب إلى أبي موسى الأشعري : أن اجمع الشعراء قبلك ، وسلهم عن الشعر ، وهل بقي معهم معرفة ، وأحضر لبيدا ذلك ، قال : فجمعهم فسألهم فقالوا : إنا لنعرفه ونقوله . وسأل لبيدا فقال : ما قلت شعرا منذ سمعت الله - عز وجل - يقول : الم ذلك الكتاب لا ريب فيه . قال ابن العربي : هذه الآية ليست من عيب الشعر ، كما لم يكن قوله : وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك من عيب الكتابة ، فلما لم تكن الأمية من عيب الخط ، كذلك لا يكون نفي النظم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عيب الشعر .
روي أن المأمون قال لأبي علي المنقري : بلغني أنك أمي ، وأنك لا تقيم الشعر ، وأنك تلحن . فقال : يا أمير المؤمنين ، أما اللحن فربما سبق لساني منه بشيء ، وأما الأمية وكسر الشعر فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكتب ولا يقيم الشعر . فقال له : سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتني رابعا وهو الجهل ، يا جاهل! إن ذلك كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - فضيلة ، وهو فيك وفي أمثالك نقيصة ، وإنما منع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لنفي الظنة عنه ، لا لعيب في الشعر والكتابة .
الرابعة : قوله تعالى : وما ينبغي له أي : وما ينبغي له أن يقوله . وجعل الله - جل وعز - ذلك علما من أعلام نبيه - عليه السلام - لئلا تدخل الشبهة على من أرسل إليه ، فيظن أنه قوي على القرآن بما في طبعه من القوة على الشعر . ولا اعتراض لملحد على هذا بما يتفق الوزن فيه من القرآن وكلام الرسول ، لأن ما وافق وزنه وزن الشعر ، ولم يقصد به إلى الشعر ليس بشعر ، ولو كان شعرا لكان كل من نطق بموزون من العامة الذين لا يعرفون الوزن شاعرا ، على ما تقدم بيانه . وقال الزجاج : معنى وما ينبغي له أي : ما يتسهل له قول الشعر لا الإنشاء . إن هو إلا ذكر وقرآن مبين أي : هذا الذي يتلوه عليكم إلا ذكر وقرآن مبين . ❝
❞ الفقه مبنيٌ على قواعدِ خمسٌ هي الأمور بالمقاصد ِ :
الفقه مبنيٌ على قواعد كلية أو أغلبية، والقاعدة في اللغة: الأساس، وفي الاصطلاح: حكم أغلبي تندرج تحته جزيئات كثيرة.
والفرق بين أصول الفقه وقواعد الفقه: أن أصول الفقه هي الأحكام الكلية التي يُستدل بها لاستنباط الأحكام الجزئية، وقواعد الفقه هي الأحكام العامة التي تجمع المسائل المتشابهة من الأحكام الجزئية.
• وأشهر كتب القواعد الفقهية: قواعد ابن رجب الحنبلي- والأشباه والنظائر للسيوطي الشافعي- والفروق للقرافي المالكي- والأشباه والنظائر لابن نُجيم الحنفي.
القاعدة الأولى: الأمور بمقاصدها: وفيها خمس مسائل:
المسألة الأولى: معناها:
الأمور: جمع أمر ٍ، وهو الحال والشأن، والمقاصد جمع مقصد، وهي النيِّة والإرادة، والمراد أن الحكم الذي يترتب على أمر ٍ يكون موافقًا لما هو المقصود من ذلك الأمر.
المسألة الثانية: من صيغها:
قولهم: الوسائل لها أحكام المقاصد.
المسألة الثالثة: من أدلتها:
قوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [الأحزاب: 5]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ˝ إنما الأعمال بالنيات˝ متفق عليه.
المسألة الرابعة: من أمثلتها:
♦ حكم النكاح: فمن قصد به العفاف كان مندوبًا، ومن قصد به التحليل كان حرامًا.
♦ وحكم الوصية: إن قصد بها نفع الفقراء كانت مندوبة، وإن قصد بها إضرار الورثة كانت محرمة.
الدرس الرابع:
رابعها فيما يُقال الضررُ يُزال قولاً ليس فيه غررُ
الدرس الخامس:
خامسُها العادة قل: محكمة فهذه الخمسُ جميعًا محكمة
القاعدة الخامسة: العادة محكمة: وفيها خمس مسائل:
المسألة الأولى: معناها:
العادة: هي ما استقر في النفوس من الأمور المتكررة المقبولة عند ذوي الطباع السليمة، محكمة: أي يُحكم بها عند التنازع ما لم تخالف الشريعة أو اتفاق المتعاقدين، والمراد أن العادة الغالبة على الناس يُرجع إليها في تقييد تصرفات المكلفين أو تقدير الحدود التي لم تحدها الشريعة.
المسألة الثانية: من صيغها:
قولهم: الأحكام تعتبر بالعوائد.
المسألة الثالثة: من أدلتها:
قوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان لما جاءته تسأل عن النفقة: ˝خذي ما يكفيك ِ وولدك ِ بالمعروف ˝ متفق عليه.
المسألة الرابعة: من أمثلتها:
♦ تحديد قدر السفر الذي تُُقصر فيه الصلاة بحسب عرف الناس.
♦ تمييز الألفاظ التي يقصد بها الطلاق من غيرها بحسب أعراف الناس.
المسألة الخامسة: من فروعها:
1 - المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا؛ فإذا لم يتفق الزوجان على مقدار المهر؛ فُرض للزوجة مهر مثلها بحسب العرف.
2 - الممتنع عادة كالممتنع حقيقة؛ فلو ادعى فقير أنه أقرض غنيًا مالاً كبيرًا لم تُسمع دعواه.
3 - قد تغير الفتوى بتغير الأحوال؛ فتقدر نفقة الزوجة بحسب حال كل زمان ٍ ومكان . ❝
❞ المواقيت
أولا: المواقيت الزمانية للجح والعمرة:
المواقيت الزمانية للعمرة:
يجوز أداء العمرة في أي وقت من السنة، حتى في أشهر الحج، لا فرق في ذلك بين أن ينوي الحج في عامه أو لا ينوي ذلك.
وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات، كلهن في شهر ذي القعدة، وهو من أشهر الحج التي هي شوال وذو القعدة وذو الحجة. ولم يحج إلا مع عمرته الأخيرة في حجة الوداع.
وإذا أداها في أشهر الحج وحج بعدها من عامه فهو متمتع بالعمرة إلى الحج، وإذا أداها مع حجه كان قارناً بين الحج والعمرة ([1]).
المواقيت الزمانية للحج:
وهي أشهر الحج الثلاثة: شوال وذو القعدة وذو الحجة، ومعنى كونها أشهر الحج أن الحج لابد أن يقع فيها لا قبلها ولا بعدها، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].
وذهب بعض العلماء إلى أن أشهر الحج شوال، وذو القعدة وعشر ذي الحجة ([2]).
ثانيا: المواقيت المكانية للحج والعمرة:
حدد النّبي صلّى الله عليه وسلّم مواقيت مكانيّة يحرم منها من أراد الحج والعمرة، فجاء في حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلّم - لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ. قَالَ «فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَا فَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا»([3]).
وقد أجمع الفقهاء على هذه المواقيت، وعلى أنّها لأهلها، ولمن أتى عليها ([4]).
وعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق)([5]).
وعليه فالمواقيت خمسة:
1-ذو الحليفة. 2- الجحفة. 3- قرن المنازل. 4- يلملم. 5- ذات عرق.
وهي على التفصيل من حيث الموقع والبعد عن مكة كما يلي:
(ذو الحليفة): ميقات أهل المدينة ومن مر عليها ممن يريد الحج أو العمرة، وهي قرية تبعد عنها ستة أميال أو سبعة، وهي أبعد المواقيت عن مكة، بينهما عشر مراحل أو أقل أو أكثر بحسب اختلاف الطرق، فإن منها إلى مكة عدة طرق، وتسمى وادي العقيق.
(الجحفة): وهي قرية كانت قديمة معمورة وكانت تسمى مهيعة وهي اليوم خراب؛ ولهذا صار الناس يحرمون قبلها من المكان الذي يسمى رابغًا، وهي ميقات أهل الشام ومصر، وسائر المغرب، لكن إذا اجتازوا بالمدينة النبوية أحرموا من ميقات أهل المدينة ([6]).
(قرن المنازل): واسمه الآن السيل الكبير تلقاء مكة على يوم وليلة وهو ميقات أهل نجد.
(يلملم): المسماة اليوم بالسعدية، وهي موضع على ليلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلاً وهي ميقات أهل اليمن وكل من جاء من الجنوب عن طريق الساحل كأهل الباحة. ([7])
(ذات عرق): وتسمى الضريبة، مكان بالبادية وهو الحد الفاصل بين نجد وتهامة، بينه وبين مكة اثنان وأربعون ميلاً، وهو ميقات أهل العراق ([8]).
وأما من كان دون المواقيت كأهل جدة وحدة وبحرة؛ فإنهم يحرمون من بيوتهم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) ([9]).
وأما أهل مكة فيحرمون من مكة من خارج الحرم، للحديث السابق.
ثالثا: مسائل متعلقة بالمواقيت:
حكم من تجاوز الميقات ولم يحرم منه؟
من تجاوز الميقات ولم يحرم منه وجب عليه الرجوع ليحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم بعد مجاوزته للميقات فعليه دم، فيذبح شاة في مكة ويوزعها على المساكين.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: ˝من جاوز الميقات لحجٍّ أو عمرة ولم يحرم وجب عليه الرجوع والإحرام بالحج والعمرة من الميقات...˝ ([10]).
والعبرة ليست بالمسجد الذي وضع في تلك المواقيت، بل العبرة بالموضع الذي يصدق عليه اسم ذلك الميقات ([11]).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ˝والقاعدة: إذا تجاوز الإنسان الميقات وقد أراد الحج أو العمرة ولم يحرم منه، فإن أحرم من مكانه الذي دون الميقات لزمه الدم، وإذا رجع إلى الميقات وأحرم منه فلا شيء عليه.
وبناء على ذلك لو فرضنا أنه ركب طائرة من مطار القصيم وهو يريد العمرة، ثم نزل إلى جدة قبل أن يحرم، نقول له: إما تذهب إلى ذي الحليفة السيل الكبير وتحرم منه، وإن أحرمت من جدة فعليك دم˝ ([12]).
متى يُحرم راكب الطائرة؟
يجب الإحرام من الميقات لمن مَرَّ به، فإن لم يمر به وجب عليه الإحرام إذا حاذاه براً أو بحراً أو جواً. وراكب الطائرة يحرم منها إذا حاذي الميقات، ونظراً لأن الطائرة تمر على الميقات بسرعة فلا بأس أن يحرم قبله بقليل احتياطاً.
قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله: ˝ومن لم يكن في طريقه ميقات: أحرم إذا حاذى أقربها إليه سواء كان طريقه برّاً أو بحراً أو جوّاً ويحرم راكب الطائرة إذا حاذى الميقات أو يحتاط قبله حتى لا يجاوزه قبل إحرامه، فمن أحرم بعد ما جاوز الميقات فعليه دم جبران ([13])، والله أعلم˝ ([14]).
من أين يحرم من لم يمر على ميقات من المواقيت؟
من كان لا يمر بشيء من المواقيت فإنه ينظر إلى حذو الميقات الأقرب إليه (فيحرم منه)، فإذا مر في طريق بين يلملم وقرن المنازل ينظر أيهما أقرب إليه، فإذا حاذى أقربهما إليه أحرم من محاذاته، ويدل لذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه أهل العراق وقالوا: يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً، وإنها جَوْر عن طريقنا - يعني فيها ميول وبعد عن طريقنا - فقال رضي الله عنه: انظروا إلى حذوها من طريقكم. فأمرهم أن ينظروا إلى محاذاة قرن المنازل ويحرموا، هكذا جاء في صحيح البخاري.
وفي حكم عمر رضي الله عنه= هذا فائدة جليلة، وهي أن الذين يأتون عن طريق الطائرات وقد نووا الحج أو العمرة ويمرون بهذه المواقيت إما فوقها أو عن يمينها أو يسارها يجب عليهم أن يحرموا إذا حاذوا هذه المواقيت، ولا يحل لهم أن يؤخروا الإحرام حتى ينزلوا في جدة، كما يفعله كثير من الناس ([15]).
هل يجوز الاستعداد للإحرام قبل الميقات بنحو (3) ساعات؟
نعم يجوز ذلك، لكن يؤخر الإحرام إلى لحظة المرور بالميقات أو محاذاته.
وقد سئل الشيخ ابن باز عمن يبعد عن مكة (350) كيلو متر ويسافر إليها بالسيارة هل يجوز له أن يستعد للإحرام في بلده بالاغتسال ولبس ثياب الإحرام؟ وهل يجوز أن يحرم من بلده؟
فأجاب: ˝لا حرج في الاغتسال ولبس ملابس الإحرام والتطيب من منازلهم لقربهم من الميقات بواسطة السيارات لكن المشروع لهم ألا يحرموا إلا من الميقات، والإحرام هو نية الدخول في النسك هذا هو الإحرام، ثم يشرع لهم مع النية التلفظ بالنسك فيقول لبيك عمرة أو لبيك حجاً، ثم يلبي التلبية الشرعية وهي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وفق الله الجميع لما فيه رضاه ˝ ([16]).
هل تحرم الحائض من الميقات.
إذا مرت الحائض بالميقات وهي تريد الحج فإنها تحرم من الميقات ثم إذا أتت مكة فإنها تفعل جميع أفعال الحج غير الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ˝والمرأة التي تريد العمرة لا يجوز لها مجاوزة الميقات إلا بإحرام حتى لو كانت حائضاً ، فإنها تحرم وهي حائض وينعقد إحرامها ويصح، والدليل لذلك أن أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر - رضي الله عنهما – ولدت والنبي صلى الله عليه وسلّم نازل في ذي الحليفة يريد حجة الوداع، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلّم كيف أصنع؟ قال: (اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي) .
ودم الحيض كدم النفاس، فنقول للمرأة الحائض - إذا مرت بالميقات وهي تريد العمرة أو الحج نقول لها -: اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي، والاستثفار معناه: أنها تشد على فرجها خرقة وتربطها ثم تحرم سواء بالحج أو بالعمرة، ولكنها إذا أحرمت ووصلت إلى مكة لا تأتي إلى البيت ولا تطوف به حتى تطهر˝ ([17]).
العبرة بميقات الوكيل.
من أدى النسك عن غيره فهل العبرة بمقياته أو بميقات من وكله؟
الصحيح من قولي العلماء أن العبرة بميقات النائب عن غيره وهو الذي يباشر الحج بنفسه، وليست العبرة بميقات من يحج ويعتمر عنه، وعلى هذا يجوز أن توكلوا من يحج عن والدكم من أهل مكة ونحوها من البلاد القريبة من الحرم ([18]).
من كان له سكنان أحدهما خارج الميقات والثاني دون الميقات فمن أين يحرم؟
من له سكنان أحدهما خارج الميقات والثاني دون الميقات، وأراد السفر إلى مكة لأداء المناسك فله أن يحرم من البعيد أو القريب، والأولى أن يحرم من البعيد.
قال ابن قدامه رحمه الله: ˝ إذا كان للمتمتع قريتان، قريبة بعيدة... له أن يحرم من القريبة... وقال القاضي: له حكم القرية التي يقيم بها أكثر˝ ([19]).
وهذا الذي اختاره القاضي هو مذهب الشافعية ([20]).
قال في مطالب أولى النهى (2/298): ˝ومن له منزلان, جاز أن يحرم من أقربَ لمكة وإحرامه من أبعدَ عن مكة أفضل , لأنها أشق على النفس˝.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا طالب أدرس في المنطقة الشرقية وأهلي في جدة وأريد الحج فمن أين أحرم هل من قرن المنازل أو من سكني في جدة؟
فأجاب :˝أنت مخير ما دمت من سكان جدة دون الميقات، وإذا أحرمت من قرن المنازل فهو أفضل وأولى لكونك وافداً وأخذت بالأكمل والأحوط، وإن قصدت أهلك ثم أحرمت منهم فلا بأس˝ انتهى ([21]).
من سكان الجبيل وله أهل بمكة فمن أين يحرم بالحج؟
إذا كانت إقامته دائمة في الجبيل، وسافر لزيارة أهله، وهو حينها عازم على الحج، فيلزمه أن يحرم من الميقات الذي يمر عليه؛ لما جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) ([22]).
إذا كان إقامته مؤقتة في الجبيل، فهو مخير بين الإحرام الميقات الذي يمر عليه، أو إنشاء الحج من مكة.
أحوال وأحكام من قصد ˝جدة˝ لعمل أو زيارة ثم اعتمر.
لا يخلو من قصد جدة للعمل، واعتمر من حالين:
الأولى: أن ينوي العمرة قبل وصوله لها، فيكون في سفره إلى جدة قاصداً العمل والعمرة معاً، بقطع النظر أيهما يكون أولاً.
والثانية: أن يقصد جدة ولم ينو العمرة، ثم يبدو له أن يعتمر.
ففي الحال الأولى يجب عليه أن يُحرم من الميقات، ثم يقضي عمله في جدة، ثم يعتمر، والأفضل له أن يبدأ بالاعتمار.
فإن تعذر عليه أن يبدأ بالعمرة، وشق عليه أن يبقى أياما في جدة بثياب الإحرام فله ألا يحرم من الميقات عند مروره عليه، لكن إذا أراد الإحرام بالعمرة بعد انتهاء عمله في جدة وجب عليه أن يخرج إلى الميقات ليحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم من جدة، فقد ترك واجباً من واجبات الإحرام، ويجب عليه أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على فقراء الحرم.
وأما الحال الثانية: فلا يلزمه أن يُحرم في الميقات؛ لأنه لا يقصد العمرة أصلاً، ولو نوى العمرة بعد انتهاء عمله في جدة: فإنه يُحرم من مكانه في جدة ([23]).
ومثل الحال الثانية: شأن المتردد غير الجازم في نيته بعد، فهذا إن نوى النسك فإنه يحرم من جدة، يقول الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله:
الحالة الثانية: أن يذهب إلى جدة متردداً، يقول: لا أدري هل يسعني الوقت أو لا يسعني، فمثل هذا يجوز له ألا يحرم من ميقات المدينة.
مثلاً: شخص عنده معاملة في جدة، ولا يدري هل يسعه الوقت فيعتمر أو لا يسعه؟ فمن يشك في الوقت يجوز له أن يذهب إلى جدة وهو غير محرم ويقضي حاجته في جدة، ثم يحرم من جدة إذا أنشأ العمرة منها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن كان دون ذلك؛ فإحرامه من حيث أنشأ).
فهذا الذي لم تتمحض نيته بالعمرة من المدينة، وأصبح شاكاً متردداً: يعطى حكم الأصل من أنه لا يلزمه الإحرام حتى يتحقق من كونه معتمراً˝ انتهى ([24]).
أقاموا في جدة ثلاثة أيام ثم أحرموا منها وهم عازمون على الحج أو العمرة قبل القدوم إليها، فهل يصح ذلك؟
هذا الفعل غير صحيح، والواجب عليهم أن يحرموا من الميقات، فإذا تجاوزوه من غير إحرام وجب عليهم الرجوع إليه ليحرموا منه، فإذا لم يفعلوا وأحرموا من جدة فعليهم ذبح شاة، تذبح وتوزع في مكة على المساكين.
وقد سئل الشيخ ابن باز عن هذه المسألة، فأجاب:
˝يلزمهم أن يعودوا إلى ميقاتهم إذا كانوا قادمين للحج أو العمرة ولا يجوز لهم تجاوز الميقات بدون إحرام؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما وقّت المواقيت لأهل المدينة والشام ونجد واليمن وغيرهم قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة) فلا بد أن يحرموا من الميقات الذي يمرون عليه إذا كانوا قاصدين الحج أو العمرة فيحرموا منه، فإذا تجاوزوه فإن عليهم الرجوع إليه، فإن تجاوزوه ولم يرجعوا وأحرموا بعده لزمهم دم، وهكذا إن عجزوا عن الرجوع إليه أحرموا من مكانهم وعليهم دم يجزئ في الأضحية يذبح في مكة للفقراء ويقسم بينهم ˝([25]).
ثالثا: مواقيت بعض البلدان والأماكن
ميقات أهل أثيوبيا والصومال والسودان:
أهل أثيوبيا والصومال والسودان إذا جاءوا من الجنوب فإنهم يحاذون يلملم التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن، فيحرمون إذا حاذوها، وإن جاءوا من شمال جدة فميقاتهم الجحفة التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام، وجعل الناس بدلاً منها رابغ، لأنها خربت، أما إذا جاءوا من بين ذلك قصداً إلى جدة فإن ميقاتهم جدة، لأنهم يصلون إلى جدة قبل محاذات الميقاتين المذكورين، وكذلك أهل السودان إذا جاءوا قصداً إلى جدة فميقاتهم جدة، وإن جاءوا من الناحية الشمالية فإن ميقاتهم إذا حاذوا الجحفة أو رابغاً، وإن جاءوا من الناحية الجنوبية فإن ميقاتهم إذا حاذوا يلملم، فيكون ميقات أهل تلك البلاد مختلف بحسب الطريق الذي جاءوا منه. هذا إذا جاءوا للعمرة أو للحج ([26]).
ميقات حجاج استراليا.
يجب أن يحرموا إذا مروا جواً فوق أول ميقات يمرون عليه قاصدين إلى مكة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـمَّا وقت المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة)، وبإمكانهم أن يسألوا مُضِيف الطائرة قبل المرور عليه، وإن نووا الدخول في الإحرام بالحج أو العمرة ولبوا بذلك قبل الميقات الذي سيمرون عليه خشية أن يتجاوزوه غير محرمين فلا بأس، أما التهيؤ للإحرام بتنظيف أو غسل أو ارتداء ملابس الإحرام فيجوز في أي مكان ([27]).
ميقات أهل حضرموت إذا جاءوا مكة عن طريق شرورة.
الأصل أن من جاء من اليمن (البلد المعروف)، أو من جهته، فإنه يحرم من ميقات أهل اليمن، وميقاتهم (يلملم).
والإحرام من (يلملم)، إنما يكون لمن جاء عن طريق الساحل.
وأما من جاء عن طريق الباحة الطائف، أو عن طريق شرورة، ثم وادي الدواسر الرياض، فهذا يحرم من ميقات (السيل الكبير). ([28])
ميقات أهل الحدود الشمالية (عرعر ونحوها).
من كان من أهل الشمال جهة العراق، كأهل منطقة الحدود الشمالية (عرعر)، فالأصل أن ميقاتهم ميقات أهل العراق، وميقات أهل العراق: ذات عرق، لكن لما كان الطريق إلى ذات عرق في الوقت الحالي غير معبد ولا مسلوك، صار الناس من تلك الجهات يحرمون من ذي الحليفة، وهو ميقات أهل المدينة، وقد يسلك بعضهم طريق الرياض، فيحرم من ميقات أهل نجد، من قرن المنازل (السيل الكبير) ([29]).
والله أعلم
([1]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (42507)، ورقم: (36808).
([2]) ينظر: ˝فتاوى اللجنة الدائمة˝ (11/316)، وموقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (22658).
([3]) أخرجه البخاريّ (1524) ، ومسلم (1181).
([4]) ينظر: الإشراف لابن المنذر (3/177) ، ومراتب الإجماع (ص42)، والاستذكار (11/76)، والمغني (5/56).
([5]) أخرجه أبو داود (1739) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1531).
([6]) مجموع الفتاوى (26/ 100)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب جواب السؤال رقم: (96758)، (135298).
([7]) ينظر موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (204400)، (109295)، (107988).
([8]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (223579).
([9]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (106595).
([10]) فتاوى إسلامية (2/201).
([11]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤالين رقم: (33798)، (240422).
([12]) ينظر ˝مجموع فتاوى ابن عثيمين˝ (21/302).
([13]) دم جبران: هو الدم الذي يُجبر به ترك الواجب أو فعل المحظور في الحج أو العمرة، وهو ذبح شاة.
([14]) فتاوى إسلامية (2/198)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (4635).
([15]) ˝فتاوى ابن عثيمين˝ (12/276).
([16]) فتاوى ابن باز (17/51) ، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (36402).
([17])˝ 60سؤالاً في الحيض˝ (السؤال 54)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (40608).
([18]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (36946).
([19]) المغني، لابن قدامة (3/246).
([20]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (111778).
([21]) ينظر: ˝مجموع الفتاوى˝ (17/54)، موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (93418).
([22]) رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181).
([23]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (106771).
([24]) ينظر: ˝شرح زاد المستقنع˝، وموقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (191827).
([25]) فتاوى الشيخ ابن باز (17/36)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (36646).
([26]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (41978).
([27]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (34183).
([28]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (204400).
([29]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (223579) . ❝
❞ - وما رأيك في كلام القرآن عن العلم الإلهي ؟ :
( إن الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدرى نفس ماذا تكسب غداً و ما تدرى نفس بأي أرض تموت ) 34- لقمان
يقول القرآن إن الله اختص نفسه بهذا العلم لا يعلمه غيره :
( و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) 51- الأنعام
فما بالك الآن بالطبيب الذي يستطيع أن يعلم ما بالأرحام ، ويستطيع أن يتنبأ إن كان ذكراً أم أنثى .. و ما بالك بالعلماء الذين أنزلوا المطر الصناعي بالأساليب الكيماوية .
- لم يتكلم القرآن عن إنزال المطر وإنما عن إنزال الغيث ، و هو المطر الغزير الكثيف الذي ينزل بكميات تكفى لتغيير مصير أمة و إغاثتها و نقلها من حال الجدب إلى حال الخصب و الرخاء .. و المطر بهذه الكميات لا يمكن إنزاله بتجربة .
أما علم الله لما في الأرحام فهو علم كلي محيط و ليس فقط علماً بجنس المولود هل هو ذكر أو أنثى ، و إنما علم بمن يكون ذلك المولود و ما شأنه و ماذا سيفعل في الدنيا ، و ما تاريخه من يوم يولد إلى يوم يموت : و هو أمر لا يستطيع أن يعلمه طبيب .
- و ما حكاية كرسي الله الذي تقولون إنه وسع السموات والأرض .. و عرش الله الذي يحمله ثمانية .
- إن عقلك يسع السموات والأرض و أنت البشر الذي لا تذكر .. فكيف لا يسعها كرسي الله .. و الأرض و الشمس و الكواكب و النجوم وا لمجرات محمولة بقوة الله في الفضاء .. فكيف تعجب لحمل عرش ..
- و ما هو الكرسي و ما العرش ؟
- قل لي ما الإلكترون أقل لك ما الكرسي ؟ قل لي ما الكهرباء ؟ قل لي ما الجاذبية ؟ قل لي ما الزمان ؟ إنك لا تعرف ماهية أي شيء لتسألني ما الكرسي و ما العرش ؟ إن العالم مملوء بالأسرار و هذه بعض أسراره .
- و النملة التي تكلمت في القرآن و حذرت بقية النمل من قدوم سليمان و جيشه :
( قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده ) 18- النمل
- لو قرأت القليل عن علم الحشرات الآن لما سألت هذا السؤال .. إن علم الحشرات حافل بدراسات مستفيضة عن لغة النمل و لغة النحل .
و لغة النمل الآن حقيقة مؤكدة .. فما كان من الممكن أن تتوزع الوظائف في خلية من مئات الألوف و يتم التنظيم و تنقل الأوامر و التعليمات بين هذا الحشد الحاشد لولا أن هناك لغة للتفاهم ، و لا محل للعجب في أن نملة عرفت سليمان .. ألم يعرف الإنسان الله ؟
- و كيف يمحو الله ما يكتب في لوح قضائه :
( يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب ) 38- الرعد
أيخطيء ربكم كما نخطيء في الحساب فنمحو و نثبت .. أم يراجع نفسه كما نراجع أنفسنا ؟!
- الله يمحو السيئة بأن يلهمك بالحسنة ويقول في كتابه :
( إن الحسنات يذهبن السيئات ) 114- هود
و يقول عن عباده الصالحين : ( و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة ) 73- الأنبياء
و بذلك يمحو الله دون أن يمحو و هذا سر الآية 39 من سورة الرعد التي ذكرتها .
- و ما رأيك في الآية ؟
( و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) 56- الذاريات
هل كان الله في حاجة لعبادتنا ؟!
- بل نحن المحتاجون لعبادته .. أتعبد المرأة الجميلة حباً بأمر تكليف ، أم أنك تلتذ بهذا الحب و تنتشي و تسعد لتذوقك لجمالها ؟
كذلك الله و هو الأجمل من كل جميل إذا عرفت جلاله و جماله و قدره عبدته ، و وجدت في عبادتك له غاية السعادة و النشوة .
إن العبادة عندنا لا تكون إلا عن معرفة .. والله لا يعبد إلا بالعلم .. و معرفة الله هي ذروة المعارف كلها ، و نهاية رحلة طويلة من المعارف تبدأ منذ الميلاد و أول ما يعرف الطفل عند ميلاده هو ثدي أمه ، و تلك أول لذة ، ثم يتعرف على أمه وأبيه و عائلته و مجتمعه و بيئته ، ثم يبدأ في استغلال هذه البيئة لمنفعته ، فإذا هي ثدي آخر كبير يدر عليه الثراء و المغانم و الملذات ، فهو يخرج من الأرض الذهب و الماس ، و من البحر اللآليء ، و من الزرع الفواكه و الثمار ، و تلك هي اللذة الثانية في رحلة المعرفة .
ثم ينتقل من معرفته لبيئته الأرضية ليخرج إلى السموات و يضع رجله على القمر ، و يطلق سفائنه إلى المريخ في ملاحة نحو المجهول ليستمتع بلذة أخرى أكبر هي لذة استطلاع الكون ، ثم يرجع ذلك الملاح ليسأل نفسه .. و من أنا الذي عرفت هذا كله .. ليبدأ رحلة معرفة جديدة إلى نفسه .. بهدف معرفة نفسه و التحكم في طاقاتها و إدارتها لصالحه و صالح الآخرين ، و تلك لذة أخرى ..
ثم تكون ذروة المعارف بعد معرفة النفس هي معرفة الرب الذي خلق تلك النفس .. و بهذه المعرفة الأخيرة يبلغ الإنسان ذروة السعادات ، لأنه يلتقى بالكامل المتعال الأجمل من كل جميل .. تلك هي رحلة العابد على طريق العبادة .. و كلها ورود و مسرات ..
و إذا كانت في الحياة مشقة ، فلأن قاطف الورود لابد أن تدمي يديه الأشواك .. و الطامع في ذرى اللانهاية لابد أن يكدح إليها .. و لكن وصول العابد إلى معرفة ربه و انكشاف الغطاء عن عينيه .. ما أروعه .
يقول الصوفي لابس الخرقة : " نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف "
تلك هي لذة العبادة الحقة .. و هي من نصيب العابد .. و لكن الله في غنى عنها و عن العالمين .. و نحن لا نعبده بأمر تكليف و لكنا نعبده لأننا عرفنا جماله و جلاله .. و نحن لا نجد في عبادته ذلاً بل تحرراً و كرامة .. تحرراً من كل عبوديات الدنيا .. تحرراً من الشهوات و الغرائز و الأطماع و المال .. و نحن نخاف الله فلا نعود نخاف أحداً بعده و لا نعود نعبأ بأحد ..
خوف الله شجاعة .. و عبادته حرية .. و الذل له كرامة .. و معرفته يقين و تلك هي العبادة ..
نحن الذين نجني أرباحها و مسراتها .. أما الله فهو الغني عن كل شيء .. إنما خلقنا الله ليعطينا لا ليأخذ منا .. خلقنا ليخلع علينا من كمالاته فهو السميع البصير ، و قد أعطانا سمعاً و بصراً و هو العليم الخبير ، و قد أعطانا العقل لنتزود من علمه ، و الحواس لنتزود من خبرته و هو يقول لعبده المقرب في الحديث القدسى : ( عبد أطعني أجعلك ربانيا تقول للشيء كن فيكون ) ..
ألم يفعل هذا لعيسى عليه السلام .. فكان عيسى يحي الموتى بإذنه و يخلق من الطين طيراً بإذنه و يشفى الأعمى و الأبرص بإذنه .
العبودية لله إذن هي عكس العبودية في مفهومنا .. فالعبودية في مفهومنا هي أن يأخذ السيد خير العبد ، أما العبودية لله فهي على العكس ، أن يعطى السيد عبده ما لا حدود له من النعم ، و يخلع عليه ما لا نهاية من الكمالات .. فحينما يقول الله : ( و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فمعناها الباطن ما خلقت الجن والإنس إلا لأعطيهم و أمنحهم حباً و خيراً ، و كرامة و عزة ، و أخلع عليهم ثوب التشريف و الخلافة .
فالسيد الرب غني مستغن عن عبادتنا .. و نحن المحتاجون إلى هذه العبادة و الشرف ، و المواهب و الخيرات التي لا حد لها .
فالله الكريم سمح لنا أن ندخل عليه في أي وقت بلا ميعاد ، و نبقى في حضرته ما شئنا و ندعوه ما وسعنا .. بمجرد أن نبسط سجادة الصلاة و نقول "الله أكبر" نصبح في حضرته نطلب منه ما نشاء .
أين هو الملك الذي نستطيع أن ندخل عليه بلا ميعاد و نلبث في حضرته ما نشاء ؟!
و في ذلك يقول مولانا العبد الصالح الشيخ محمد متولي الشعراوي في شعر جميل :
حسب نفسي عزاً إنني عبد
يحتفل بي بلا مواعيد رب
هو في قدسه الأعز و لكن
أنا ألقى متى وحين أحب
و يقول : أرونى صنعة تعرض على صانعها خمس مرات في اليوم "يقصد الصلوات الخمس " و تتعرض للتلف !
و هذه بعض المعاني الباطنة في الآية التي أثارت شكوكك : ( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ) و لو تأملتها لما أثارت فيك إلا الذهول و الإعجاب .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝