█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ قال الشيخ عبد القادر الجيلاني في القصيدة العينية
وإن ساعد المقدور أو ساقك القضا إلى شيخ ٍ في الحقيقة بـارع
فـقـم في رضـاه واتبع مراده ودع كل ما من قبل كنت تسارع
ولا تعترض فيما جهلت من أمره عليه فـإن الاعتراض تــنازع
ففي قصة الخضر الكريم كــفاية بقتل غلام والكـــليم يدافع
فلما أضاء الصبح عن ليل سـره وسـل حساماً للغياهب قاطـع
أقام له العذر الكـليم وإنه كـذلك علم القوم فيه بدائع
لقد أسس الإمام الجيلاني طريقته وفق الكتاب والسنة ووضع لها ضوابط شرعية حتى لا يكثر الشطط والنقصان والتغيير والابتداع ويدعي المشيخة من يقدر ومن لا يقدر ومن يعلم ومن لا يعلم. فوضع الشيخ ضوابط وشروط ينبغي أن تتوفر بالشيخ المرشد الذي يتصدر للإرشاد وهذه الشروط هي:
إذا لم يكن للشيخ خمـس فوائـد وإلا فدجـالٌ يقــود إلى جهل
عليم بأحكام الشريعة ظـــاهراً ويبحث عن علم الحقيقة عن أصل
ويظهر للورَّادِ بالبشر والقــرى و يخضع للمسكين بالقـول والفعل
فهذا هو الشيخ المعظم قـــدره عليم بأحكام الحـرام من الحــل
يهذب طـلاب الطــريق ونفسه مهذبـة من قبل ذو كـرم كلـي
لقد بين الشيخ في هذه الأبيات بعض شروط الشيخ المربي وهي خمس. فإن لم تتوفر فيه فليس لديه الأهلية للإرشاد وهذه الشروط هي:
أن يكون عالماً بأحكام الشريعة والدين عالم بالحلال والحرام عالم بحدود الشرع وعالم بالسنة النبوية وعالم بما علم من الدين بالضرورة وهذا معنى قول الشيخ (عليم بأحكام الشريعة ظاهراً)
أن يكون عالماً بعلم الحقيقة والطريقة وعالم بأحوال القلوب والنفوس وطرق تزكيتها وخبير بأحوال السالكين وتدرجهم في الطريق إلى الله ويكون قد أخذ هذا العلم من شيخ مرشد كامل عبر سند متصل إلى رسول الله وهذا معنى قول الشيخ (ويبحث عن علم الحقيقة عن أصل).
أن يكون كريماً سخياً مع ضيوفه والسخاء من صفات رب العالمين ومن خلق الرسول الكريم والصالحين فلا يليق بالمرشد أن يكون بخيلاً كما جاء في الحديث ما جبل ولي الله إلا على السخاء وحسن الخلق فيكرم ضيوفه ورواد زاويته دون التقصير بحق ضيافتهم وأن تدوم البسمة على وجهه وان يكون رحب الصدر وهذا معنى قول الشيخ(ويظهر للورَّادِ بالبشر والقرى).
أن يكون متواضعاً للمؤمنين يخضع لهم بالقول والفعل وهذه الخصلة هي من خصال النبي حيث أمره الله فقال له (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ). وكان الشيخ عبد القادر الجيلاني معروفاً بتواضعه للفقراء وكان يجلس معهم ويطاعمهم ويتجنب مجالسة الأغنياء والكبراء والأمراء والوزراء إلا إذا أراد نصح لهم وهذا معنى قول الشيخ (ويخضع للمسكين بالقــول والفعل).
أن يكون قد ناجحاً في تربية المريدين وتزكية نفوسهم ولن يكون له هذا إلا إذا كان قد زكى نفسه قبل ذلك على يد شيخ خبير بارع وأن يكون قد أذن له بالإرشاد والمشيخة من قبل شيخه وفق سند متصل وهذا معنى قول الشيخ (يهذب طلاب الطريق ونفسه مهذبة من قبل ذو كرم كلي) . ❝
❞ بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، أما بعد، أيها المصلون والمصليات، خصال كثيرة، رتب عليها أجور عظيمة، فرط فيها الكثير مع سلامة الجوارح، وقبل ذكر تلك الخصال، أذكر أمرين اثنين، الأمر الأول: يقول بعض أهل العلم: إن جميع المكلفين ينقسمون إلى أقسام ثلاثة، القسم الأول محافظ على الواجبات، مكتف بها عن غيرها.
والقسم الثاني مفرط في الواجبات، والقسم الثالث خير الأقسام، من أدى الواجبات وتكثَّر من النوافل والمستحبات.
واستنبط هذا بعضهم من قوله تعالى في سورة فاطر: ﴿ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه﴾ قالوا: من فرط في الواجبات، ﴿ ومنهم مقتصد﴾، من اكتفى بالواجبات، ﴿ ومنهم سابق بالخيرات﴾، من أدى الواجبات وتكثر من النوافل والمستحبات.
الأمر الثاني أن أفضل الناس بعد الرسل، هم الصحابة رضي الله تعالى عنهم، والصحابة أحرص الناس على الخير، أبر الناس قلوبًا وأصدقهم ألسنة، كان بعضهم إذا بلغه خبرٌ من الخير لم يعمل به ندم، من شواهد ذلك قول ابن عمر لما بلغه الحديث: « من صلى على جنازة فله قيرطان»، أي شيعها، فله قيراط، قال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة، يقول ابن حجر: وهذا من بالغ حرص ابن عمر في طمعه في تحصيل الأجر والثواب، أو كما قال رحمه الله.
سأذكر لي ولكم بعض الخصال، تلك الخصال لا تكلفنا جهدًا بدنيًا ولا ماليًا ومع هذا فالأجر المترتب عليها عظيم.
من هذه الخصال ما يتعلق بيوم الجمعة، يوم الجمعة كما قال عليه الصلاة والسلام: « أفضل الأيام يوم الجمعة، فيها خلق آدم، وفيها أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة».
هذا الحديث الذي سأذكره لكم الآن، يقول العراقي – شيخ الحافظ ابن حجر عليهما رحمة الله – فيما أذكر: إن هذا الحديث هو أكثر حديثٍ في الإسلام أجرًا، وأقله عملاً، لاحظ الخصال المذكورة في الحديث لا تكلفنا تعبًا، الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « من غسل يوم الجمعة واغتسل – الاغتسال – وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب»، يقول ابن العربي المالكي: إذا كان الجامع بعيدًا، أو شمسًا، وهناك شمس، فلو ركب الإنسان وكان قصده المشي، لكن المشقة، له الأجر.
إذن من غسّل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ثم دنى من الإمام وأنصت ولم يلغ، كان له بكل خطوة أجر سنة بصيامها وقيامها.
فالأجر جزيل والرب كريم، لكن العبد هو المطفف.
أيضًا عمل آخر أجره عظيم وهو يسير، قضاء الحاجة للمسلمين، السعي في تخليصهم، أو في تحقيق مطالبهم كل على قدر جهده، وبخاصة ضعفاء المسلمين، ليس لهم رهط، ليس لهم واسطة، ليس لهم حسب ولا جاه في المجتمع، إن خطب لا يزوج، وإن تكلم لا يُسمع له، وإن شفع لا يُشفع، هذا بالدرجة الأولى الأجر فيه عظيم، قال عليه الصلاة والسلام: « ابغوني الضعفاء فيكم، فإنما تنصرون بضعفائكم بدعائهم وإخلاصهم»، يقول بعض أهل العلم: وإنما كان دعاء الضعيف حريًا بالإجابة؛ لأنه يدعو من نياط قلبه، يشعر بالغبن والقهر، وفي المقابل إذا قضيت حاجته، يدعو بإخلاص وإلحاح فيقبل الله دعائه.
قضاء حاجة المسلمين، اسمع إلى هذا الحديث، قال صلى الله عليه وسلم : « لئن أمشي في حاجة أخي حتى أقضيها، أحب إلي من أعتكف في مسجدي هذا شهرًا». الحرم النبي صيام شهر وقيامه، إذا صدق العبد في إخلاصه وفي ابتغائه لمرضاة الله في قضاء حاجة أخيه، فأبشروا بأمر من الله بما يسرك.
ثم من تمام البشرى أن الإنسان منا إذا سعى في شفاعة سواء قبلت أو ردت، الأجر لك حاصل، يقول الله تعالى: ﴿ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها﴾، قد تقبل وقد لا تقبل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « اشفعوا تؤجروا»، يقول القرطبي: فتحصيل الأجر مرتب على وجود الشفاعة لا على قبولها.
أيضًا عمل يسير وأجر يسير، حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من استغفر للمسلمين والمسلمات، كتب الله له حسنة عن كل مسلم ومسلمة»، يشمل الأحياء والأموات، بل ومن يأتي بعده، فلا تحرم نفسك من الخير وأنت قادر على تحصيله.
أيضًا عمل يسير وأجر جزيل: إنظار المعسر، إذا أقرضت إنسانًا قرضًا، ثم قبل حلول الأجل قلت له: وضعت عنك شيئًا من المال، أو زدت في الأجل فسحة، أنت مأجور، إذا حل الأجل المتفق عليه ثم أخرته فالأجر مضاعف لك مرتين، عن أبي اليسر رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: « من أنظر معسرًا أو وضع عنه كان له بكل يوم صدقة - صدقة ما قدرها؟ الله أعلم - فإذا حل الأجل، ثم أنظره، كان له بكل يوم مثله»، يعني مضاعف الأجر عن المرة السابقة.
أيضًا من الأعمال اليسرة التي رتب عليها أجور جزيلة: قراءة الآيتين من آخر البقرة ﴿ آمن الرسول﴾، والآية الأخرى: ﴿ لا يكلف الله﴾، جاء في الحديث عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من قرأ الآيتين الآخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه» يقول أهل العلم: كفتاه عما فاته من قيام الليل، والصحيح كفتاه عن كل شيء، ترد عليه ما يأتيه من السوء، وتعوضه عما فقد من الخير، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
أيضًا من الأعمال اليسرة التي رتب عليها الأجور الكثيرة: زيارة المريض بنية التقرب، لا تظن أن زيارة المريض أمرها يسير، والدليل عظيم الأجر المترتب عليها، عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً».
وحديث أنس الآخر: « شيعه سبعون ألف ملك إن زاره في السماء حتى يصبح – والعكس إن زاره في الصباح حتى يمسي».
وأيضًا من تلك الأعمال اليسرة التي رتب عليها الأجور الجزيلة: المصافحة، السلام سلامان، سلام قولي: إلقاء السلام، وسلام فعلي: المصافحة، قال صلى الله عليه وسلم : « إذا التقى المسلمان فتصافحا تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر»، وفي لفظ: « إلا تحاتت خطاياهما إلا كما تحات الشجرة ورقها»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
بعد هذا أختم في كلمتي هذه وأقول: إن موسمنا هذا، شهر رمضان، هذه الليلة طوينا نصفها، وبقي النصف الآخر، فالله نسأل الله أن يتقبل منا ما مضى، وأن يعيننا، وأن يتقبل منا ما تبقى.
وهذا الشهر كما قال عليه الصلاة والسلام – فيما رواه الطبراني –: « إن لربكم في دهركم لنفحات، فتعرضوا لنفحاته، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يأمِّن روعاتكم».
القلوب مقبلة، والجوارح مهذبة، والنفوس وجلة، ومع ذلك لا يستغل بعض الناس هذا الشهر في التخلص مما تلوثت فيه جوارحه، أو قلبه من الحرمات، فما كان مقصرًا في حق أم أو أب، أو متلوث في مال، أو في مظلمة أي كان نوعها، فإن هذا الشهر من أعظم الفرص الزمانية للتخلص منها، والتحلل من صاحبها، فمن كان مقصرًا فليبادر، وليعلم أن الله لطيف بعباده، وأن الله يقبل توبة من تاب، شكر الله لكم ومعذرة للإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر
https://halakat.taimiah.org/index.aspx?function=item&id=1617 . ❝