█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ إن الحروب الدامية التي جرت بين المسلمين وبين أعدائهم لم تكن أهدافها ـ بالنسبة إلى المسلمين ـ مصادرة الأموال وإبادة الأرواح، وإفناء الناس، أو إكراه العدو على اعتناق الإسلام، وإنما كان الهدف الوحيد الذي يهدفه المسلمون من هذه الحروب هو الحــرية الكاملة للناس فـي العــقيدة والــدين {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُر} . ❝
❞ ولكل منا وجه إلى الناس ووجه إلى الله، وذلك الوجه
الثاني هو سره. وانتهاك هذا الوجه عدوان، وطمع
من الحبيب فيما ليس له.
ولهذا أشعر دائما بأن من يحاول أن يقتحم المسافة بيني وبينه باسم الحب، إنما يفعل ذلك بحكم الكراهية وليس الحب، وذلك هو الحب الأناني الذي يريد في واقع الأمر
أن يتخلّص مني ويستهلكني ويستنفرني ويقضي علي
وتلك هي القسوة المقنعة التي نتبادلها باسم الحب
والعدوان الذي نباشره باسم العشق ولهذا ضرب الله
لنا مثلا على الكمال باسمه العزيز فهو سبحانه العزيز
الذي لا يَنَال.
وعلى من يريد أن يكون كاملاً أن يكون هو الآخر عزيزاً
لا يَنَال؛ فالعزة والمنعة من صفات الكمال، والشيوع والانكشاف من صفات الابتذال، ومن هنا وجب أن تكون
هناك مسافة بين الأحباء، وأن يكون الحب قرباً وليس اقتحاماً.
وتلك المسافة هي التي أسميتها الاحترام، حيث يحترم
كل واحد سر الآخر، فلا يحاول أن يتجسس عليه ويحترم ماضيه ويحترم ما يخفيه في جوانبه، ويحترم خصوصيته وخلوته وصمته، ويحاول أن يكون ستراً وغطاءً، لا هتكاً وتدخلاً وتلصصاً ونشلاً
فالحب عطاء اختياري حر، وليس مصادرة قهرية
وسلباً واغتصاباً، وفي هذه الحرية جوهر . ❝
❞ الله للجميع، ولا يحق لأحد مصادرة حق أي مخلوق مهما بلغ عصيانه وطغيانه في مناجاة ربه أو دعائه.
فطالما أن الله استاجب دعاء إبليس فليس هنالك أي شخص بمعزل عن الدعاء والإجابة . ❝
❞ و من دلائل عظمة القرآن و إعجازه أنه حينما ذكر الزواج، لم يذكر الحب و إنما ذكر المودة و الرحمة و السكن.
سكن النفوس بعضها إلى بعض.
و راحة النفوس بعضها إلى بعض.
و قيام الرحمة و ليس الحب.. و المودة و ليس الشهوة.
(( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً )) ( الروم – 21 )
إنها الرحمة و المودة.. مفتاح البيوت.
و الرحمة تحتوي على الحب بالضرورة.. و الحب لا يشتمل على الرحمة، بل يكاد بالشهوة أن ينقلب عدوانا.
و الرحمة أعمق من الحب و أصفى و أطهر.
و الرحمة عاطفة إنسانية راقية مركبة، ففيها الحب، و فيها التضحية، و فيها إنكار الذات، و فيها التسامح، و فيها العطف، و فيها العفو، و فيها الكرم.
و كلنا قادرون على الحب بحكم الجبلة البشرية.
و قليل منا هم القادرون على الرحمة.
و بين ألف حبيبة هناك واحدة يمكن أن ترحم، و الباقي طالبات هوى و نشوة و لذة.
و لذلك جاء كتاب الحكمة الأزلية الذي تنزل علينا من الحق.. يذكرنا عند الزواج بالرحمة و المودة و السكن.. و لم يذكر كلمة واحدة عن الحب، محطما بذلك صنم العصر و معبوده الأول، كما حطم أصنام الكعبة من قديم.
و الذين خبروا الحياة و باشروا حلوها و مرّها، و تمرسوا بالنساء يعرفون مدى عمق و أصالة و صدق هذه الكلمات المنزلة.
و ليس في هذه الكلمات مصادرة للحب، أو إلغاء للشهوة و إنما هي توكيد، و بيان بأن ممارسة الحب و الشهوة بدون إطار من الرحمة و المودة و الشرعية هو عبث لابد أن ينتهي إلى الإحباط.
و الحيوانات تمارس الحب و الشهوة و تتبادل الغزل.
و إنما الإنسان وحده هو الذي امتاز بهذا الإطار من المودة و الرحمة و الرأفة، لأنه هو وحده الذي استطاع أن يستعلي على شهواته؛ فيصوم و هو جائع و يتعفف و هو مشتاق.
و الرحمة ليست ضعفا و إنما هي غاية القوة، لأنها استعلاء على الحيوانية و البهيمية و الظلمة الشهوانية.
الرحمة هي النور و الشهوة هي النار.
و أهل الرحمة هم أهل النور و الصفاء و البهاء، و هم الوجهاء حقا.
و القسوة جبن و الرحمة شجاعة.
و لا يؤتى الرحمة إلا كل شجاع كريم نبيل.
و لا يشتغل بالانتقام و التنكيل إلا أهل الصغار و الخسة و الوضاعة.
و الرحمة هي خاتم الجنة على جباه السعداء الموعودين من أهل الأرض.. تعرفهم بسيماهم و سمتهم و وضاءتهم.
و علامة الرحيم هي الهدوء و السكينة و السماحة، و رحابة الصدر، و الحلم و الوداعة و الصبر و التريث، و مراجعة النفس قبل الاندفاع في ردود الأفعال، و عدم التهالك على الحظوظ العاجلة و المنافع الشخصية، و التنزه عن الغل و ضبط الشهوة، و طول التفكير و حب الصمت و الائتناس بالخلوة و عدم الوحشة من التوحد، لأن الرحيم له من داخله نور يؤنسه، و لأنه في حوار دائم مع الحق، و في بسطة دائمة مع الخلق.
و الرحماء قليلون، و هم أركان الدنيا و أوتادها التي يحفظ بها الله الأرض و من عليها.
و لا تقوم القيامة إلا حينما تنفد الرحمة من القلوب، و يتفشى الغلّ، و تسود المادية الغليظة، و تنفرد الشهوات بمصير الناس، فينهار بنيان الأرض و تتهدم هياكلها من القواعد.
اللهم إني أسألك رحمة..
اللهم إني أسألك مودة تدوم..
اللهم إني أسألك سكنا عطوفا و قلبا طيبا..
اللهم لا رحمة إلا بك و منك و إليك..
من مقال / الحب لا . . . الرحمة نعم
كتاب / عصر القرود
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝