█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ الجابري ادعى أن التاريخ منهجا و رواية تغير تماما على يد ابن خلدون ، و أصبح منهجه النقدي يقوم على طائفة من المقومات ، منها : الاحتكام إلى طبائع العمران ،و التفريق بين الخبر الشرعي الذي يكفي فيه الجرح و التعديل ، و الخبر البشري الذي لا يكفي فيه ذلك ، و لا بد من عرضه على قانون المطابقة حسب طبائع العمران البشري .
و قوله هذا يتضمن مجموعة أخطاء ، أولها إن منهج النقد التاريخي عند ابن خلدون لم يتغير إلى الأحسن أصلا ، لأن منهج نقد الخبر كان موجودا قبله بشكل كامل ، ضبطا و تقعيدا ، فعمد إليه ابن خلدون فجزّأه و أخذ منه جانب نقد المتن و ضخّمه و بالغ فيه ، و أهمل جانب نقد الإسناد و قزّمه ، فشوّه بذلك منهج نقد الخبر ، و لم يأت بشيء جديد صحيح من عنده ، الأمر الذي يدل على أن ابن خلدون لم تكن له معرفة كافية بمنهج نقد الخبر ، و لم تكن له دراية تطبيقية بطريقته النقدية .
و أما عمله في منهج النقد التاريخي على المستوى التطبيقي ، فإن ابن خلدون لم يُقدم لنا عملا جديدا له قيمة كبيرة ، لأن معظم الروايات التي انتقد فيها بعض المؤرخين السابقين كما ذكرها في المقدمة ، سبقه إلى نقدها نقاد آخرون .و في كتابه العبر لم يلتزم فيه بتطبيق منهجه –الناقص- الذي عرضه في المقدمة ، فجاء معظم كتابه عاديا تقليديا ، فيه كثير من الأخطاء . ❝
❞ أما الباحث محمد عابد الجابري ، فأخطاؤه في الكتابة العلمية هي أيضا كثيرة ، أذكر منها طائفة ، أولها عدم توثيق كثير من الأخبار التي أوردها في مؤلفاته- التي أطلعتُ عليها ، منها إنه ذكر أخبارا عن الشعوبية زمن الأمويين و العباسيين ، من دون توثيق لها-أي لم يذكر مصادره- . و أورد أخبارا عن المفاخرات بين القبائل بلا توثيق . و ذكر أخبارا كثيرة عن نشأة الفقه الإسلامي وتطوره ، و لم يُوثق معظمها . و أورد أخبارا كثيرة عن المنطق الصوري ، و الترجمة في بغداد بلا توثيق .و ذكر أخبارا خطيرة عن علاقة المتكلم هشام بن الحكم (ت198ه) ، بجعفر الصادق ( 148ه) ، من دون أن يُوثقها . و ذكر خبرا خطيرا أيضا زعم فيه أن عليا و طلحة و الزبير-رضي الله عنهم- كانوا منافسين دائمين للخليفة عثمان –رضي الله عنه- لأنهم من بقية أهل الشورى ، و لم يذكر لنا المصدر الذي استقى منه هذا الخبر .
و ذكر أيضا أن بني أمية حرموا الموالي-المسلمون من غير العرب- من حقهم في الغنيمة ، حتى و لو شاركوا في الفتح جنودا، و لم يُوثق من أين أخذ خبره هذا . كما أنه أورد أخبارا و معلومات كثيرة عن اليونان بلا توثيق . مع العلم أن المنهجية العلمية الصحيحة تفرض على الباحث توثيق مادته العلمية ، كما أنه من حق القارئ عليه أن يُوثق مادته ليُمكنه من العودة إليها للاستزادة ، أو للتأكد منها . ❝
❞ و الخطأ الثاني هو أنه –أي الجابري- ادعى أن مؤلفات المؤرخين قبل ابن خلدون لم يكن فيها مجال للممارسة العقلية في التدوين التاريخي . و هذا قول غير صحيح من وجهين ، الأول إننا إذا أخذنا بما قاله الجابري من أن المؤرخين قبل ابن خلدون حققوا أسانيد الروايات جرحا و تعديلا ، فهذا يتضمن حتما ممارسة للنقد التاريخي العقلي ، لأن نقد الإسناد يقوم على أسس منطقية ، و ممارسته يستلزم ممارسة عقلية عميقة ، كما سبق أن بيناه فيما تقدم .
و الوجه الثاني هو أنه إذا أخذنا بما ذكرناه من أنه لا توجد كتب تاريخية مسندة مُحققة أسانيدها ، فإنه وُجدت طائفة من كبار المؤرخين المسلمين كالذهبي ، و ابن كثير ، مارست نقد كثير من الروايات التي ذكرتها مُسندة ، في كتبها غير المسندة في الغالب الأعم ؛ و بما أنها مارست نقد الأسانيد ، فإن عملها هو ممارسة نقدية عقلية بالضرورة . ❝
❞ و المغالطة الثانية هي أنه -أي أركون- كثيرا ما يُوجه انتقادات للمستشرقين في تعاملهم مع الإسلام ، منهجا و تطبيقا، مما يُوهم بأنه يُخالفهم مخالفة جذرية منهجا و تطبيقا ، و هذا مجرد وهم ، و تضليل ، و تغليط ، لأن أركون كثير المدح للمستشرقين و الالتزام بمنهجهم ، و الاعتماد على تراثهم . و أما انتقاداته للمستشرقين ، فبعضها انتقادات شكلية سطحية ، و بعضها الآخر انتقادات مشبوهة ماكرة ، تتعلق بحثهم أكثر على التركيز على طرق هدم الإسلام و إثارة الشبهات حوله ، و هذا سنقيم عليه الأدلة الدامغة على صدقه في الفصول الآتية من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى . و هو-أي أركون- في حقيقته تلميذ وفي للمستشرقين و تراثهم ، و مؤلفاته شاهدة عليه، و تدينه بقوة . ❝
❞ و الخطأ الرابع – من أخطاء الكتابة العلمية- هو كثرة المبالغات في مؤلفات أركون ، و هي متعددة الأشكال ، فمن ذلك : المبالغة في مدح و تعظيم ما يدعو إليه ، و الحط من قيمة ما يدعو إليه مخالفوه ، فيندد باتجاهاتهم المذهبية و الدينية و الوضعية ، و يُبالغ في تمجيد فكره ، بالمنهاج النقدي التفكيكي . ❝