█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ كان ذلك من زمن بعيد لست أذكره .. ربما كنت أدرج من الثالثة عشرة إلى الرابعة عشرة وربما قبل ذلك .. في مَطَالِعْ المراهقة .. حينما بدأت أتساءل في تمرد :
- تقولون إن الله خلق الدنيا لأنه لابد لكل مخلوق من خالق ولا بد لكل صنعة من صانع ولا بد لكل موجود من موجِد .. صدقنا وآمنا .. فلتقولوا لي إذن مَن خلق الله .. أم أنه جاء بذاته ؟! .. فإذا كان قد جاء بذاته وصحّ في تصوركم أن يتم هذا الأمر .. فلماذا لا يصح في تصوركم أيضاً أن الدنيا جاءت بذاتها بلا خالق وينتهي الإشكال .
كنت أقول هذا فتصفر من حولي الوجوه وتنطلق الألسُن تمطرني باللعنات وتتسابق إليّ اللكمات عن يمين وشمال .. ويستغفر لي أصحاب القلوب التقية ويطلبون لي الهدى .. ويتبرأ مني المتزمتون ويجتمع حولي المتمردون .. فنغرق معاً في جدل لا ينتهي إلا ليبدأ ولا يبدأ إلا ليسترسل .
وتغيب عني تلك الأيام الحقيقة الأولى وراء ذلك الجدل .
إن زهوي بعقلي الذي بدأ يتفتح وإعجابي بموهبة الكلام ومقارعة الحجج التي انفردت بها .. كان هو الحافز دائماً .. وكان هو المشجِع .. وكان هو الدافع .. وليس البحث عن الحقيقة ولا كشف الصواب .
لقد رَفَضْتُ عبادة الله لأني إستغرقت في عبادة نفسي وأُعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي وبداية الصحوة من مهد الطفولة .
كانت هذه هي الحالة النفسية وراء المشهد الجدلي الذي يتكرر كل يوم . وغابت عني أيضاً أصول المنطق وأنا أعالج المنطق .. ولم أدرك أني أتناقض مع نفسي إذ كيف أعترف بالخالق ثم أقول : ومن خلق الخالق فأجعل منه مخلوقاً في الوقت الذي أسميه خالقاً .. وهي السفسطة بعينها .
ثم إن القول بسبب أول للوجود يقتضي أن يكون هذا السبب واجب الوجود في ذاته وليس معتمداً ولا محتاجاً لغيره لكي يوجد . أما أن يكون السبب في حاجة إلى سبب فإن هذا يجعله واحدة من حلقات السببية ولا يجعل منه سبباً أول .
هذه هي أبعاد القضية الفلسفية التي إنتهت بأرسطو إلى القول بالسبب الأول والمحرك الأول للوجود .
ولم تكن هذه الأبعاد واضحة في ذهني في ذلك الحين .
ولم أكُن قد عرفت بعد من هو أرسطو ولا ما هي القوانين الأولى للمنطق والجدل .
واحتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب وآلاف الليالي من الخلوةِ والتأمل والحوار مع النفس وإعادة النظر ثُمَّ إعادة النظر في إعادة النظر ..
ثُمَّ تقليب الفكر على كل وجه لأقطع فيه الطريق الشائكة من ( الله والإنسان ) إلى ( لغز الحياة ) إلى ( لغز الموت ) إلى ما أكتب من كلمات على درب اليقين ، لم يكن الأمر سهلاً .. لأني لم أشأ أن آخذ الأمر مأخذاً سهلاً .
ولو أني أصغيت إلى صوت الفطرة وتركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي من عناء الجدل .. ولقادتني الفطرة إلى الله ..
ولكنني جئت في زمن تَعَقّدِتْ فيه كل شيء وضَعِفَ صوت الفطرة حتى صار همساً وإرتفع صوت العقل حتى صار لجاجة وغروراً واعتداداً ..
والعقل معذور في إسرافه إذ يرى نفسه واقفاً على هرم هائل من المنجزات وإذ يرى نفسه مانحاً للحضارة بما فيها من صناعة وكهرباء وصواريخ وطائرات وغواصات وإذ يرى نفسه قد اقتحم البر والبحر والجو والماء وما تحت الماء .. فتصور نفسه القادر على كل شيء وزج نفسه في كل شيء وأقام نفسه حاكماً على ما يعلم وما لا يعلم .
وغرقت في مكتبة البلدية بطنطا وأنا صبي أقرأ لشبلي شميل وسلامة موسى وأتعرف على فرويد وداروين .
وشغفت بالكيمياء والطبيعة والبيولوجيا .. وكان لي معمل صغير في غرفتي أجضر فيه غاز ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وأقتل الصراصير بالكلور وأشرِّح فيه الضفادع ، وكانت الصيحة التي غمرت العالم هي .. العلم .. العلم .. العلم .. ولا شيء غير العلم !!
النظرة الموضوعية هي الطريق .
لنرفض الغيبيات ولنكُف عن إطلاق البخور وترديد الخرافات .
من يعطينا دبابات وطائرات ويأخذ منا الأديان والعبادات ؟؟
وكان ما يصلنا من أنباء العلم الغربي باهراً يخطف أبصارنا وكنا نأخذ عن الغرب كل شيء .. الكتب والدواء والملابس والمنسوجات والقاطرات والسيارات .. وحتى الأطعمة المعلبة .. حتى قلم الرصاص والدبوس والإبرة .. حتى نظم التعليم وقوالب التأليف الأدبي من قصة ومسرحية ورواية .. حتى ورق الصحف .
وحول أبطال الغرب وعبقرياته كنا ننسج أحلامنا ومُثُلِنا العليا .. حول باستير وماركوني ورونتجن وأديسون .. وحول نابليون وإبراهام لنكولن .. وكرستوفر كولمبس وماجلان .
كان الغرب هو التقدم ، وكان الشرق العربي هو التخلف والضعف والتخاذل والإنهيار تحت أقدام الإستعمار ، وكان طبيعيّاً أن نتصور أن كل ما يأتينا من الغرب هو النور والحق .. وهو السبيل إلى القوة والخلاص .
ودخلت كلية الطب لأتلقى العلوم بلغة إنجليزية وأدرس التشريح في مراجع إنجليزية وأتكلم مع أستاذي في المشفى باللغة الإنجليزية .. ليس لأن إنجلترا كانت تحتل القناة لكن لسبب آخر مشروع وعادل .. هو أن علم الطب الحديث كان صناعة غربية تماماً .. وما بدأه العرب في هذه العلوم أيام ابن سينا , كان مجرد أوليّات لا تفي بحاجات العصر .
وقد التقط علماء الغرب الخيط من حيث انتهى ابن سينا والباحثون العرب ثم استأنفوا الطريق بإمكانيات متطورة ومعامل ومختبرات وملايين الجنيهات المرصودة للبحث , فسبقوا الأولين من العرب والفُرس والعُجم , وأقاموا صرح علم الطب الحديث والفسيولوجيا والتشريح والباثولوجيا وأصبحوا بحق مرجعاً .
وتعلمت ما تعلمت في كتب الطب .. النظرة العلمية .. وأنه لا يصح إقامة حكم بدون حيثيات من الواقع وشواهد من الحس .
وأن العلم يبدأ من المحسوس والمنظور والملموس وأن العلم ذاته هو عملية جمع شواهد واستخراج قوانين ، وما لا يقع تحت الحس فهو في النظرة العلمية غير موجود ، وأن الغيب لا حساب له في الحكم العلمي .
بهذا العقل العلمي المادي البحت بدأت رحلتي في عالم العقيدة وبالرغم من هذه الأرضية المادية والإنطلاق من المحسوسات الذي ينكر كل ما هو غيب فإني لم أستطع أن أنفي أو أستبعد القوة الإلهية .
كان العلم يقدم صورة عن الكون بالغة الإحكام والإنضباط .. كل شيء من ورقة الشجر إلى جناح الفراشة إلى ذرة الرمل فيها تناسق ونظام وجمال الكون كله مبني وفق هندسة وقوانين دقيقة .
وكل شيء يتحرك بحساب من الذرة المتناهية في الصغر إلى الفلَك العظيم إلى الشمس وكواكبها إلى المجرة الهائلة التي يقول لنا الفَلك إن فيها أكثر من ألف مليون مجرة .
كل هذا الوجود اللامتناهي من أصغر إلكترون إلى أعظم جرم سماوي كنت أراه أشبه بمعزوفة متناسقة الأنغام مضبوطة التوزيع كل حركة فيها بمقدار .. أشبه بالبدن المتكامل الذي فيه روح .
كان العلم يمدني بوسيلة أتصور بها الله بطريقة مادية .
وفي هذه المرحلة تصورت أن الله هو الطاقة الباطنة في الكون التي تنظمه في منظومات جميلة من أحياء وجمادات وأراضٍ وسماوات .. هو الحركة التي كشفها العلم في الذرة وفي البروتوبلازم وفي الأفلاك ..
هو الحيوية الخالقة الباطنة في كل شيء ..أو بعبارة القديس توماس " الفعل الخالص الذي ظل يتحول في الميكروب حتى أصبح إنساناً ومازال يتحول وسيظل يتحول إلى ما لانهاية " .
والوجود كان في تصوري لامحدوداً لانهائياً . إذ لا يمكن أن يحد الوجود إلا العدم .. والعدم معدوم .. ومن هنا يلزم منطقياً أن يكون الوجود غير محدود ولانهائي .
ولا يصح أن نسأل .. مَن الذي خلق الكون . إذ أن السؤال يستتبع أن الكون كان معدوماً في البداية ثم وُجِد .. وكيف يكون لمعدوم كيان ؟! .
إن العدم معدوم في الزمان والمكان وساقط في حساب الكلام ولا يصح القول بأنه كان .
وبهذا جعلت من الوجود حدثاً قديماً أبدياً أزلياً ممتداً في الزمان لا حدود له ولا نهاية .
وأصبح الله في هذه النظرة هو الكل ونحن تجلياته .
الله هو الوجود .. والعدم قبله معدوم .
هو الوجود المادي الممتد أزلاً وأبداً بلا بدء وبلا نهاية .
وهكذا أقمت لنفسي نظرية تكتفي بالموجود .. وترى أن الله هو الوجود .. دون حاجة إلى افتراض الغيب والمغيبات .. ودون حاجة إلى التماس اللامنظور .
وبذلك وقعت في أسر فكرة وحدة الوجود الهندية وفلسفة سبينوزا .. وفكرة برجسون عن الطاقة الباطنة الخلاّقة ..
وكلها فلسفات تبدأ من الأرض .. من الحواس الخمس .. ولا تعترف بالمغيبات ، ووحدة الوجود الهندية تمضي إلى أكثر من ذلك فتلغي الثنائية بين المخلوق والخالق .. فكل المخلوقات في نظرها هي عيني الخالق .
وفي سفر اليوبانيشاد صلاة هندية قديمة تشرح هذا المعنى في أبيات رقيقة من الشعر ...
إن الإله براهماً الذي يسكن قلب العالم يتحدث في همس قائلاً :
إذا ظن القاتل أنه قاتل ......
والمقتول أنه قتيل .........
فليسا يدريان ما خفي من أساليبي ....
حيث أكون الصدر لمن يموت ........
والسلاح لمن يقتل .......
والجناح لمن يطير ......
وحيث أكون لمن يشك في وجودي ......
كل شيء حتى الشك نفسه ....
وحيث أكون أنا الواحد .....
وأنا الأشياء .....
إنه إله يشبه النور الأبيض .. واحد .. وبسيط .. ولكنه يحتوى في داخله على ألوان الطيف السبعة ، وعشت سنوات في هذا الضباب الهندي وهذه الماريجوانا الصوفية ومارست اليوجا وقرأتها في أصولها وتلقيت تعاليمها على أيدي أساتذة هنود .
وسيطرَت عليَّ فكرة التناسخ مدة طويلة وظهرت روايات لي مثل ( العنكبوت ) و ( الخروج من التابوت ) ، ثم بدأت أفيق على حالة من عدم الرضا وعدم الإقتناع .
واعترفت بيني وبين نفسي أن هذه الفكرة عن الله فيها الكثير من الخلط . ومرة أخرى كان العلم هو دليلي ومنقذي ومرشدي ، عكوفي على العلم وعلى الشريحة الحية تحت الميكروسكوب قال لي شيئاً آخر .
وحدة الوجود الهندية كانت عبارة شعرية صوفية .. ولكنها غير صادقة ..
والحقيقة المؤكدة التي يقولها العلم أن هناك وحدة في الخامة لا أكثر .. وحدة في النسيج والسُنن الأولية والقوانين .. وحدة في المادة الأولية التي بُنيَ منها كل شيء .. فكل الحياة من نبات وحيوان وإنسان بنيت من تواليف الكربون مع الآيدروجين والأكسجين .. ولهذا تتحول كلها إلى فحم بالإحتراق .. وكل صنوف الحياة تقوم على الخلية الواحدة ومضاعفاتها .
ومرة أخرى نتعلم من الفلَك والكيمياء والعلوم النووية أن الكربون ذاته وكذلك جميع العناصر المختلفة جاءت من طبخ عنصر واحد في باطن الأفران النجمية الهائلة هو الآيدروجين .
الآيدروجين يتحول في باطن الأفران النجمية إلى هليوم وكربون وسليكون وكوبالت ونيكل وحديد إلى آخر قائمة العناصر وذلك بتفكيكه وإعادة تركيبه في درجات حرارة وضغوط هائلة ، وهذا يرد جميع صنوف الموجودات إلى خامة واحدة .. إلى فتلة واحدة حريرية غُزِل منها الكون في تفصيلات وتصميمات وطُرُز مختلفة .
والخلاف بين صنف وصنف وبين مخلوق ومخلوق هو خلاف في العلاقات الكيفية والكمية .. في المعادلة والشفرة التكوينية .. لكن الخامة واحدة .. وهذا سر الشعور بالنَسَب والقرابة والمصاهرة وصلة الرحم بين الإنسان والحيوان وبين الوَحش ومُروِضه وبين الأنف التي تشم والوهرة العاطرة وبين العين ومنظر الغروب الجميل .
هذا هو سر الهارموني والإنسجام ، إن كل الوجود أفراد أسرة واحدة من أب واحد ، وهو أمر لا يستتبع أبداً أن نقول إن الله هو الوجود , وأن الخالق هو المخلوق فهذا خلط صوفيّ غير وارد .
والأمر شبيه بحالة الناقد الذواقة الذي دخل معرضاً للرسم فاكتشف وحدة فنية بين جميع اللوحات .. واكتشف أنها جميعاً مرسومة على الخامة نفسها .. وبذات المجموعة الواحدة من الألوان , وأكثر من هذا أن أسلوب الرسم واحد .
والنتيجة الطبيعية أن يقفز إلى ذهن الناقد أن خالق جميع هذه اللوحات واحد . وأن الرسّام هو بيكاسو أو شاجال أو موديلياني .. مثلاً ، فالوحدة بين الموجودات تعني وحدة خالقها .
ولكنها لا تعني أبداً أن هذه الموجدات هي ذاتها الخالق ، ولا يقول الناقد أبداً إن هذه الرسوم هي الرسّام ، إن وحدة الوجود الهندية شطحة صوفيّة خرافية .. وهي تبسيط وجداني لا يصادق عليه العلم ولا يرتاح إليه العقل .
وإنما تقول النظرة العلمية المتأملة لظواهر الخلق والمخلوقات , إن هناك وحدة بينها .. وحدة أسلوب ووحدة قوانين ووحدة خامات تعني جميعها أن خالقها واحد لم يشرك معه شريكاً يسمح بأسلوب غير أسلوبه .
وتقول لنا أيضاً إن هذا الخالق هو عقل كلّي شامل ومحيط , يُلهم مخلوقاته ويهديها في رحلة تطورها ويسلّحها بوسائل البقاء , فهو يخلق لبذور الأشجار الصحراوية أجنحةً لتستطيع أن تعبر الصحاري الجرداء بحثاً عن ماء وعن ظروف إنبات موالية .
وهو يزود بيضة البعوضة بكيسين للطفو لتطفو على الماء لحظة وضعها ولا تغرق . وما كان من الممكن للبعوضة أن تدرك قوانين أرشميدس للطفو فتصنع لبيضها تلك الأكياس .
وإنما هو العقل الكلي الشامل المحيط الذي خلق .. هو الذي يزود كل مخلوق بأسباب حياته .. وهو خالق متعالٍ على مخلوقاته .. يعلم ما لا تعلم ويقدر على ما لا تقدر ويرى ما لا ترى ، فهو واحد أحد قادر عالم محيط سميع بصير خبير .. وهو متعال يعطي الصفات ولا تحيط به صفات .
* * *
والصلة دائماً معقودة بين هذا الخالق ومخلوقاته فهو أقرب إليها من دمها الذي يجري فيها ، وهو المبدِع الذي عزف الإبداع هذه المعزوفة الكونية الرائعة ، هو العادل الذي أحكم قوانينها وأقامها على نواميس دقيقة لا تخطئ ، وهكذا قدم لي العلم الفكرة الإسلامية الكاملة عن الله .
* * *
أما القول بأزلية الوجود لأن العدم معدوم والوجود موجود , فهو جدل لفظي لا يقوم إلا على اللعب بالألفاظ ، والعدم في واقع الأمر غير معدوم ، وقيام العدم في التصور والفكر ينفي كونه معدوماً .
والعدم هو على الأكثر نفي ٌ لما نعلم ولكنه نفياً مطلقاً مساوياً للمحو المطلق . وفكرة العدم المطلق فرضية مثل فرضية الصفر الرياضي .. ولا يصح الخلط بين الإفتراض والواقع ولا يصح تحميل الواقع فرضاً نظرياً , فنقول اعتسافاً إن العدم معدوم , ونعتبر أن هذا الكلام قضية وجودية نبني عليها أحكاماً في الواقع .. هذا تناقض صريح وسفسطة جدلية ، وبالمثل القول بأن الوجود موجود .. هنا نفس الخلط .. فالوجود تجريد ذهني والموجود واقع حسيّ ..
وكلمة العدم وكلمة الوجود تجريدات ذهنية كالصفر ،واللانهاية لا يصح أن نخلط بينها وبين الواقع الملموس المتعيَّن ،والكون الكائن المحدد أمام الحواس ،، الكون إذن ليس أزليا ً،، وإنما هو كون مخلوق كان لا بد له بدء بدليل آخرمن قاموس العلم هو ما نعرفه باسم القانون الثاني للديناميكا الحرارية ،، ويقرر هذا القانون أن الحرارة تنتقل من الساخن إلى البارد من الحرارة الأعلى إلى الحرارة الأدنى حتى يتعادل المستويان فيتوقف التبادل الحراري .
ولو كان الكون أبديا أزليا بدون ابتداء لكان التبادل الحراري قد توقف في تلك الآباد الطويلة المتاحة وبالتالي لتوقفت كل صور الحياة ولبردت النجوم وصارت بدرجة حرارة الصقيع والخواء حولها وانتهى كل شيء ،،إن هذا القانون هو ذاته دليل على أن الكون له بدء .
والقيامة الصغرى التي نراها حولنا في موت الحضارات وموت الأفراد وموت النجوم وموت الحيوان والنبات وتناهي اللحظات والحُقَبْ والدهور .. هي لمحة أُخرى تدلنا على القيامة الكبرى التي لابد أن ينتهي إليها الكون ..
إن العلم الحَق لم يكن أبداً مناقضاً للدين بل إنه دالٌ عليه مؤكَد بمعناه .
وإنما نصف العلم هو الذي يوقع العقل في الشبهة والشك ..
وبخاصة إن كان ذلك العقل مزهوّاً بنفسه معتدّاً بعقلانيته .. وبخاصة إذا دارت المعركة في عصر يتصور فيه العقل أنه كلّ شيء .. وإذا حاصرت الإنسان شواهد حضارة ماديّة صارخة تزأر فيها الطائرات وسفن الفضاء والأقمار الصناعيّة .. هاتفةً كلّ لحظة :
أنا المادة ....
أنا كل شيء ....
مقال / اللــــــّـــــه
من كتاب / رحلتي من الشك إلى الإيمان
للدكتور / مصطفى محمود ( رحمه الله ) . ❝
❞ الجزء الثالث
(عفتي والديوث )
جري تجاهها وقال لها :هو انا غلطان اني عاوزك ترتاحي وتبقي تجي بعدين شغلك وبعدين ما انا اللي خبطت لولي اني حسيت انك مش هتروح معايا لدكتور لوحدنا و مش هتاخدي فلوس لعلاجك كنت علمتها
نظرت له بحيره شديده وظلت تنقل عيونها بين عيونه
فأحس أنه تايه في هذه العيون التي تشبه عيون القطط كثيرا وهو يعشق القطط وخصوصا القطط البريه مثلها
فتنحنحت وخرجت دون كلمه واحده
وظل هو ينظر للفراغ مكانها واحس بشي غريب يخترق قلبه
لم يحس بيه قط
~~~~~~~~~~~
في صباح اليوم التالي
عن مريم
صحت علي صراخ أشهب وهو ينغز بها ويقول :قومي يلا كفايه ضيعتي علينا زبون مهم امبارح هتفضلي كده نايمه قومي يلا انت يا زفته
ففتحت عيونها ببطء شديده من أثر المنوم
مريم :نعم في ايه
أشهب:انتي ليكي عين تقولي في ايه
مريم:عين ايه ورجل ايه مش كل ده بسببك
أشهب:سببي انا ولا بسبب قله ادبك
مريم :قله ادبي اني عاوزه اكون محترمه انت راجل انت فين أشهب بتاع زمان اللي كان بيغير عليا موت اللي كان دائما يتخناق معايا لو بس لبست بنطلون أو حاجه ضيقه فين اللي لو حد سألني بالغلط عن حاجه يقلب الدنيا ويضربه فين فين فين
قالت كلماتها وظلت تبكي بكاءا حارا يقطع القلب ولكن ليس اي قلب فهذا الاشهب لا يرق قلبه ابدا فهو يعاملها اسوء من الخادمه ويستثمر بيه
نظر إليها نظره لم تحددها هي
أشهب:بتحسبي هتاثر يا حلوه لا طبعا يلا قومي البسي عندك شغل
قامت وهي تضغط علي نفسها لأنها تعرف جيده غضب اشهب
مريم:طيب يلا سابني وأخرج علشان احضر نفسي وابعتلي داده روحيه
أشهب:كان في وخلص
مريم :يعني ايه
أشهب:يعني طردتها
مريم دمعت وقالت:ليه كده حرام عليك هي عملتلك ايه
أشهب:الست هانم بتدافع عنك هي فاكره نفسها ايه
مريم :رجعها علشاني
أشهب:علي اساس انتي مهمه عندي
مريم :متشكره جدا بس انا مش هنزل من هنا الا لما هي تجي
أشهب:طيب ياست البرنسيسه هفكر انا خارج وربع ساعه والاقيكي قدامي
مريم دلفت الي الحمام توضات وصلت فرضها وارتدت فستان قصير قط بلون البمبي ووضعت بعض مساحيق التجميل مع انها من دونها جميله جدا ورفعت شعرها ذيل حصان
وآمنت علي اغراضها ولكن وجدت شي انتها وتضايقت جداااااا لأن داده روحيه هي التي كانت تجلبه لها من الصيدليه ظناا أنه لها وقالت بينها وبين حالها إنها هتجيبه وهي ماشيه ونزلت الي الاسفل فوجدت أشهب في غرفه المكتب وسمعت صوته وهو يتكلم مع أحد
ويقول له:انت اكيد اتجنينت ازاي يعني يعني هي بتستغفلني ده انا هوريها
طرقت الباب ودخلت بكل دلع مريم:مساء الخير هروح فين انهارده
أشهب: اعطها عنوان وقال لها ده زبون مهم ولازم يتنعنش علي الاخر مش ينام هااااا
مريم اخذت الورقه وهي قلقانه وتقول بينها وبين نفسها هو عرف حاجه ولا هو بيخمن من نفسه يارب استر انت عارف اني مش حابه اكون كده
خرجت وذهبت الي الصيدليه لتشتري ما ترتديه فعملها لا يتكمل من دونه
~~~~~~~~~~~
في هذه الأثناء كانت رونال ذهبت الي المنزل ولم تدرك أن شخص يراقبها
دخلت الي منزلها وهي لا تقدر أن تحمل علي قدمها فوجدها بهذا الحال ادهم ابن خالتها(شاب قمحوي اللون جسمه رياضي ذات شارب ولحيه تعطيه جمالا ) فهي تعتبره بمثابه اخ لها ولكن هو لا يبادلها نفس الشعور
ادهم :ايه مالك يا رورو
رونال :مفيش بس واحد خبطني بعربيته
ادهم :مين الحيوان ده
رونال: خلاص بقا انت هتفضل تحاكي معايا وانت مش قادره اقف
ادهم :طيب هاتي اديك اساعدك تطلعي ولا عاوزه اشيلك
رونال:ضربته بكتفه وقالت له بعينك
أخذ يديها وصعودا الدرج معا
وكان هناك من يغلي غضبا ولا يعرف من هذا الذي وقف معاها ولما هو متضايق هكذا وشغل محرك سيارته ومشي وهو لا يري الا صورتها أمامه وهي تضرب الشاب بكتفه إلي أن وصل فيلته
~~~~~~~~~~~
في فيلا راقيه وفخمه جداااااا دلفت مريم لأن الطريق كان أمامها مفتوح اذا كان من الحارس أو البودي جارد لمعرفتهم أنها علي وصول
دخلت الي الهول الكبير وجدت شخص خمسيني ملامحه يبان عليها الوقار
فهمست لروحها ده شكله راجل محترم ازاي يكون عاوزه محظيه كده
ابتسمت ابتسامه جميله
وقالت :ميمي هنا ازاي البيت يكون هادي كده
فابتسم الراجل وقال:تعالي اتفضلي ده مفيش احلي من ميمي في الدنيا علشان تقضي معايا الليله
ميمي:طيب ايه انت بخيل ولا ايه مش هتشربني حاجه ولا تحب اشربك انا فين البار
فشاور لها الي جنب في الهول
وراحت تجاهه وحضرت كاسين وأخرجت من حقيبه يديها شي ودوبته في كأس منهم
يتبع . ❝
❞ هل تعلمون ما معنى أن الله موجود ؟
معناه أن العدل موجود و الرحمة موجودة و المغفرة موجودة
معناه أن يطمئن القلب و ترتاح النفس و يسكن الفؤاد و يزول القلق فالحق لابد واصل لأصحابه
معناه لن تذهب الدموع سدى و لن يمضي الصبر بلا ثمرة و لن يكون الخير بلا مقابل و لن يمر الشر بلا رادع و لن تفلت الجريمة بلا قصاص
معناه أن الكرم هو الذي يحكم الوجود و ليس البخل .. و ليس من طبع الكريم أن يسلب ما يعطيه .. فإذا كان الله منحنا الحياة ، فهو لا يمكن أن يسلبها بالموت .. فلا يمكن أن يكون الموت سلبا للحياة .. و إنما هو انتقال بها إلى حياة أخرى بعد الموت ثم حياة أخرى بعد البعث ثم عروج في السماوات إلى ما لا نهاية
معناه أنه لا عبث في الوجود و إنما حكمة في كل شيء.. و حكمة من وراء كل شيء .. و حكمة في خلق كل شيء .. في الألم حكمة و في المرض الحكمة و في العذاب حكمة و في المعاناة حكمة و في القبح حكمة و في الفشل حكمة و في العجز حكمة و في القدرة حكمة
معناه ألا يكف الإعجاب و ألا تموت الدهشة و ألا يفتر الانبهار و ألا يتوقف الإجلال
فنحن أمام لوحة متجددة لأعظم المبدعين
معناه أن تسبح العين و تكبر الأذن و يحمد اللسان و يتيه الوجدان و يبهت الجنان
معناه أن يتدفق القلب بالمشاعر و تحتفل الأحاسيس بكل لحظة و تزف الروح كل يوم جديد كأنه عرس جديد
معناه ألا نعرف اليأس و لا نذوق القنوط
معناه أن تذوب همومنا في كنف رحمة الرحيم و مغفرة الغفار
ألا يقول لنا ربنا (( إن مع العسر يسرا )) .. و أن الضيق يأتي و في طياته الفرج فأي بشرى أبعث للاطمئنان من هذه البشرى
و لأن الله سبحانه واحد .. فلن يوجد في الوجود إله آخر ينقض وعده و لن ننقسم على أنفسنا و لن تتوزعنا الجهات و لن نتشتت بين ولاء لليمين و ولاء لليسار و تزلف للشرق و تزلف للغرب و توسل للأغنياء و ارتماء على أعتاب الأقوياء .. فكل القوة عنده و كل الغنى عنده و كل العلم عنده و كل ما نطمح إليه بين يديه .. و الهرب ليس منه بل إليه .. فهو الوطن و الحمى و الملجأ و المستند و الرصيد و الباب و الرحاب
و ذلك الإحساس معناه السكن و الطمأنينة و راحة البال و التفاؤل و الهمة و الإقبال و النشاط و العمل بلا ملل و بلا فتور و بلا كسل و تلك ثمرة ((لا إله إلا الله)) في نفس قائلها الذي يشعر بها و يتمثلها ، و يؤمن بها و يعيشها و تلك هي أخلاق المؤمن بلا إله إلا الله
و تلك هي الصيدلية التي تداوي كل أمراض النفوس و تشفى كل علل العقول و تبرئ كل أدواء القلوب
و تلك هي صيحة التحرير التي تحطم أغلال الأيدي و الأرجل و الأعناق و هي أيضاً مفتاح الطاقة المكنوزة في داخلنا و كلمة السر التي تحرك الجبال و تشق البحور و تغير ما لا يتغير
و لم يخلق إلى الآن العقار السحري الذي يحدث ذرة واحدة من هذا الأثر في النفس و كل عقاقير الأعصاب تداوي شيئاً و تفسد معه ألف شيء آخر .. و هي تداوي بالوهم و تريح الإنسان بأن تطفئ مصابيح عقله و تنومه و تخدره و تلقى به إلى قاع البحر موثوقا بحجر مغمى عليه شبه جثة
أما كلمة لا إله إلا الله فإنها تطلق الإنسان من عقاله و تحرره من جميع العبوديات الباطلة و تبشره بالمغفرة و تنجيه من الخوف و تحفظه من الوسواس و تؤيده بالملأ الأعلى و تجعله أطول من السماء هامة و أرسخ من الأرض ثباتا.. فمن استودع همه و غمه عند الله بات على ثقة و نام ملء جفنيه .
و لأن الله هو خالق الكون و مقدر الأقدار و محرك المصائر .. فليس في الإمكان أبدع مما كان .. لأنه المبدع بلا شبيه .. لا يفوقه في صنعته أحد .. فلن تعود الدنيا مسرحاً دموياً للشرور و إنما درساً رفيعاً من دروس الحكمة
و لأن الله موجود فإنك لست وحدك.. و إنما تحف بك العناية حيث سرت و تحرسك المشيئة حيث حللت
و ذلك معناه شعور مستمر بالإئتناس و الصحبة و الأمان .. لا هجر .. و لا غدر .. و لا ضياع .. و لا وحدة .. و لا وحشة و لا اكتئاب و ذلك حال أهل لا إله إلا الله ، يذوقون شميم الجنة في الدنيا قبل أن يدخلوها في الآخرة و هم الملوك بلا عروش و بلا صولجان.. و هم الراسخون المطمئنون الثابتون لا تزلزهم الزلازل و لا تحركهم النوازل
تلك هي الصيدلية الإلهية لكل من داهمه القلق .. فيها علاجه الوحيد .. و فيها الإكسير و الترياق و ماء الحياة الذي لا يظمأ بعده شاربه .. و فيها الرصيد الذهبي و المستند لكل ما نتبادل على الأرض من عملات ورقية زائلة متبدلة .. و فيها البوصلة و المؤشر و الدليل
و فيها الدواء لكل داء
■ ■ ■
من كتاب : علم نفس قرآني جديد
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله ) . ❝
❞ (حِجابٌ من موتٍ بالطيران)..
روى الشيخ الدكتور خالد سيد علي قصة واقعية يقول فيها:
في عام 1979، قررَ جدّي أن يهاجر إلى أمريكا تاركاً خلفه وطنه الحبيب سوريا ليبدأ حياةً جديدةً هناك..
كانت الترتيبات تقضي أن يسافر جدّي في البداية لوحده، ثم تلحق به جدتي وأبناؤهم السبعة بعد ذلك..
كانت رحلتهم إلى أميركا بتاريخ ٢٥/٥/١٩٧٩م تتضمن النزول أولاً في نيويورك ثم السفر إلى شيكاغو قبل محطتهم الأخيرة إلى كاليفورنيا.
كان قرار الجهات الأمنية في نيويورك يُلزم جميع المهاجرين عند وصولهم تعبئة طلب الإقامة الدائمة ˝الغرين كارد˝ قبل السفر للمحطة التالية.
كانت عمّتي ˝هالة˝ في ذلك الوقت قد تحجّبت منذ فترة بسيطة..
طلب منها الموظف المختص أن تخلع حجابها من أجل التقاط صورة شخصية لها لإتمام المعاملة، لكنها رفضتْ !!
أوضَح لها الموظفون أنها لن تحصل على ˝الغرين كارد˝ .. ولن تسافر إلى محطتها التالية .. إلا إذا تصورت حاسرةَ الرأس.. وبالتالي فإنها لن تستطيع اللحاق بالرحلة التالية!
بدأت جدتي المرهقةُ من السفر الطويل تفقدُ صبرَها .. فلم يبقَ إلا الوقتُ القليل على إقلاع طائرتهم التي اشتروا تذاكرها بكل ما يملكونه من مال.. كانت تتوسل لابنتها ˝هالة˝ أن توافق على خلع الحجاب لأخذ الصورة (من باب الاضطرار).. ولكن عمّتي هالة ظلت مُصرَّةً على موقفها..
استدعى الموظفون بعضَ المسؤولين الكبار في المطار كمحاولة لاقناعها.. ولكنها كانت ثابتةً على موقفها وقالت لهم: لا يهمّ مَنْ تستدعون.. فلن أخلع حجابي!..
وبعد مرور 3 ساعات ساخنة من الحوار مع مسؤولي الأمن.. وافقوا أخيراً على التقاط صورتها وهي مرتديةٌ الحجاب!..
ولكن بعد ماذا؟
بعد أن فات الوقتُ وأقلعتْ طائرتُهم المتجهة لشيكاغو .. واضطروا عندها لشراء تذاكرَ جديدةٍ والبقاء ليلةً كاملة في نيويورك!.
كانت جدتي في تلك اللحظات تصبُّ جامَ غضبها على عمتي.. وتتذمر مما فعلتْ.. ومن عنادها الذي كلَّفهم فواتَ رحلتهم إلى مكان استقرارهم في كاليفورنيا مع جدي.
وفي اليوم التالي.. وصلتْ رحلتُهم إلى كاليفورنيا.. وكان جدي باستقبالهم وهو يبكي غيرَ مصدّق أنه يراهم أمامه أحياء!!
كان يقول لهم وسط دموعه: اللهم لك الحمد أنّكم على قيد الحياة !!
كانوا مستغربين من لهفته تلك ..وتعجّبه من أنهم ما زالوا أحياء.. فكان رده الصادم : رحلتُكم الأصلية التي حجزتم عليها أمس (رحلة رقم 191) على الخطوط الأمريكية (AA)، تحطمتْ الطائرةُ نتيجة خلل في المحرك .. ومات جميع الركاب الذين كانوا على متنها وعددهم (285) راكباً!!!
كانت الصدمة والدهشة.. والفرحة والبكاء.. والشكر لله .. سيدَ الموقف في تلك اللحظات .. لأن الله نجّاهم بفضله وكرمه.. ثم بسبب بركات (حجاب عمّتي)!..فإصرارها على الحجاب أنقذ –بفضل الله- ثم بها حياتَها وحياةَ أسرتها.. إنها صورةٌ حية لفخرِ فتاةٍ مسلمة بحجابها . ❝