█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا قال الزجاج : معناه بالحجارة ، وهو أخبث القتل . وقيل : يرموكم بالسب والشتم ; والأول أصح ، لأنه كان عازما على قتلهم كما تقدم في قصصهم . والرجم فيما سلف هي كانت على ما ذكر قبله [ عقوبة ] مخالفة دين الناس إذ هي أشفى لجملة أهل ذلك الدين من حيث إنهم يشتركون فيها .
في هذه البعثة بالورق دليل على الوكالة وصحتها . وقد وكل علي بن أبي طالب أخاه عقيلا عند عثمان - رضي الله عنه - ; ولا خلاف فيها في الجملة . والوكالة معروفة في الجاهلية والإسلام ; ألا ترى إلى عبد الرحمن بن عوف كيف وكل أمية بن خلف بأهله وحاشيته بمكة ; أي يحفظهم ، وأمية مشرك ، والتزم عبد الرحمن لأمية من حفظ حاشيته بالمدينة مثل ذلك مجازاة لصنعه . روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف قال : كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة ; فلما ذكرت الرحمن ; قال : لا أعرف الرحمن كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية ، فكاتبته عبد عمرو . . . وذكر الحديث . قال الأصمعي : صاغية الرجل الذين يميلون إليه ويأتونه ; وهو مأخوذ من صغا يصغو ويصغى إذا مال ، وكل مائل إلى الشيء أو معه فقد صغا إليه وأصغى ; من كتاب الأفعال .
الوكالة عقد نيابة ، أذن الله سبحانه فيه للحاجة إليه وقيام المصلحة في ذلك ، إذ ليس كل أحد يقدر على تناول أموره إلا بمعونة من غيره أو بترفه فيستنيب من يريحه . وقد استدل علماؤنا على صحتها بآيات من الكتاب ، منها هذه الآية ، وقوله - تعالى - : والعاملين عليها وقوله اذهبوا بقميصي هذا . وأما من السنة فأحاديث كثيرة ; منها حديث عروة البارقي ، وقد تقدم في آخر الأنعام . روى جابر بن عبد الله قال أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له : إني أردت الخروج إلى خيبر ; فقال : إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته خرجه أبو داود . والأحاديث كثيرة في هذا المعنى ، وفي إجماع الأمة على جوازها كفاية .
الوكالة جائزة في كل حق تجوز النيابة فيه ، فلو وكل الغاصب لم يجز ، وكان هو الوكيل ; لأن كل محرم فعله لا تجوز النيابة فيه .
في هذه الآية نكتة بديعة ، وهي أن الوكالة إنما كانت مع التقية خوف أن يشعر بهم أحد لما كانوا عليه من الخوف على أنفسهم . وجواز توكيل ذوي العذر متفق عليه ; فأما من لا عذر له فالجمهور على جوازها . وقال أبو حنيفة وسحنون : لا تجوز . قال ابن العربي : وكأن سحنون تلقفه من أسد بن الفرات فحكم به أيام قضائه ، ولعله كان يفعل ذلك بأهل الظلم والجبروت ; إنصافا منهم وإذلالا لهم ، وهو الحق ; فإن الوكالة معونة ولا تكون لأهل الباطل .
قلت : هذا حسن ; فأما أهل الدين والفضل فلهم أن يوكلوا وإن كانوا حاضرين أصحاء . والدليل على صحة جواز الوكالة للشاهد الصحيح ما خرجه الصحيحان وغيرهما عن أبي هريرة قال : كان لرجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال : أعطوه فطلبوا له سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها ; فقال : أعطوه فقال : أوفيتني أوفى الله لك . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن خيركم أحسنكم قضاء . لفظ البخاري . فدل هذا الحديث مع صحته على جواز توكيل الحاضر الصحيح البدن ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يعطوا عنه السن التي كانت عليه ; وذلك توكيد منه لهم على ذلك ، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - مريضا ولا مسافرا . وهذا يرد قول أبي حنيفة وسحنون في قولهما : إنه لا يجوز توكيل الحاضر الصحيح البدن إلا برضا خصمه ; وهذا الحديث خلاف قولهما .
قال ابن خويز منداد : تضمنت هذه الآية جواز الشركة لأن الورق كان لجميعهم وتضمنت جواز الوكالة لأنهم بعثوا من وكلوه بالشراء . وتضمنت جواز أكل الرفقاء وخلطهم طعامهم معا ، وإن كان بعضهم أكثر أكلا من الآخر ; ومثله قوله - تعالى - : وإن تخالطوهم فإخوانكم حسبما تقدم بيانه في " البقرة " . ولهذا قال أصحابنا في المسكين يتصدق عليه فيخلطه بطعام لغني ثم يأكل معه : إن ذلك جائز . وقد قالوا في المضارب يخلط طعامه بطعام غيره ثم يأكل معه : إن ذلك جائز . وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكل من اشترى له أضحية . قال ابن العربي : ليس في الآية دليل على ذلك ; لأنه يحتمل أن يكون كل واحد منهم قد أعطاه منفردا فلا يكون فيه اشتراك . ولا معول في هذه المسألة إلا على حديثين : أحدهما : أن ابن عمر مر بقوم يأكلون تمرا فقال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاقتران إلا أن يستأذن الرجل أخاه . الثاني : حديث أبي عبيدة في جيش الخبط . وهذا دون الأول في الظهور ; لأنه يحتمل أن يكون أبو عبيدة يعطيهم كفافا من ذلك القوت ولا يجمعهم عليه .
قلت : ومما يدل على خلاف هذا من الكتاب قوله - تعالى - : وإن تخالطوهم فإخوانكم وقوله ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا على ما يأتي إن شاء الله - تعالى - . ❝
❞ ˝البدو هم المنتخلون للمعاش الطّبيعيّ من الفلح والقيام على الأنعام وأنّهم مقتصرون على الضّروريّ من الأقوات والملابس والمساكن وسائر الأحوال والعوائد ومقصّرون عمّا فوق ذلك من حاجيّ أو كماليّ يتّخذون البيوت من الشّعر والوبر أو الشّجر أو من الطّين والحجارة غير منجّدة إنّما هو قصد الاستظلال والكنّ لا ما وراءه وقد يأوون إلى الغيران˝ . ❝
❞ الذي جرب أن يصطحب طفله الصغير في نزهة لا شك قد عرف هذه الحيرة التقليدية التي يقع فيها كل أب حينما يسأله ابنه عن الشجرة التي تقف على باب الحديقة ... ما هي ؟..
فيقول الأب .. هي شجرة ... فيسأل الطفل وما الشجرة ... فيقول الأب انها نبات .
- وما النبات يا بابا ؟
- ما ينبت الى فروع وأوراق وجذور .
- وما الجذور يا بابا ؟
- هي كالأرجل للنبات ...
- وما حاجة الشجرة الى أرجل يا بابا ... وهي الشجرة تمشي ؟
- انها تحتاج الى الأرجل لتقف طول الوقت .
- ولماذا تقف الشجرة طول الوقت يا بابا لماذا لا تقعد وتنام مثلنا ؟
- هي تنام واقفة .
- وهل الشجرة صاحية الآن أم نائمة ؟
وبينما يفكر الأب في مخرج من المأزق ... يفاجئه الطفل بسؤال آخر أكثر تعجيزا :
- ولماذا سموا الشجرة شجرة يا بابا ؟
ويسقط في يد الأب تماما ولا يجد مفرا من ان ينهر الطفل بشدة ويأمره بأن يغلق فمه ولا يسبب له الصداع ... ولكن بينه وبين نفسه يكون قد اكتشف ان طفله على صواب وانه جاهل مثل طفله بحقيقة الشجرة ولا يعرف عنها الا انها شجرة ... ولا يدري لماذا سموها شجرة ... ولا ما الشجرة ذاتها .
انه من كثرة ما ترددت أمامه كلمة شجرة ومن كثرة ما رددها هو نفسه في عباراته خيل اليه انها تعريف واضح مقنع وانها تدل على مدلولها .
وما فعله الطفل هو انه هتك ستار هذه الالفة فاذا بالأب يفيق على ذهول ... واذا بالكلمة مجرد اصطلاح ... مجرد بطاقة ... مجرد شفيرة ... مجرد حروف ... شأنها شأن نمرة نحاسية على صدر مسجون ... اطلقنا عليه المسجون نمرة 8
لكن ما معنى المسجون نمرة 8 ؟
لا معنى هناك ...
انه رقم شفيري لا أكثر .
وبالمثل فلان الذي اسمه " منير " .
ما معنى " منير" .
انه لا أكثر من اسم اصطلحنا على انه لفلان .
ولكن لا أحد يعرف معنى " منير " وحقيقته وماهيته .
حتى " منير" لا يعرف شيئا عن حقيقة نفسه .
وبالمثل كل ما في الدنيا من كلمات .. هي مجرد اصطلاحات وحروف شفرية لا تختلف عن حروف ج.ع.م ... في الدلالة على مقصودها .
وهذه الحادثة البسيطة تكشف لنا افلاس اللغة ودورها المحدود ... فهي لا أكثر من واسطة شفرية اصطلاحية للتفاهم حول موضوعات العالم الخارجي مثل كوب وزجاجة ومائدة وكرسي وشجرة ...
فاذا وصلنا الى داخل الانسان أو ماهية الأشياء فإن اللغة تفلس تماما ... ولا يعود لها دور .
وفي أعماق الروح لا تعود اللغة قادرة على وصف المكنون الروحي والتعبير عنه .
وكلنا جربنا حالات من الحب عجزت الكلمات عن وصفها .
ولحظات من الوجد الصوفي عجز فيها اللسان أمام ولوع القلب وتشوف الوجدان .
وعرفنا أوقاتا كان الصمت فيها ابلغ من الكلام .
وفي داخل الروح مملكة المعنى .
لا حروف ولا كلمات .
وإنما السر .. والمعنى .. والجوهر .. والمكنون .
ويبدو اننا بعد القيام من الموت وبعد أن نبعث أرواحا سوف نتخاطب بالمعاني والمشاعر مباشرة بدون وساطة الحروف .
وكما يقول الصوفية في تسبيحاتهم عن الله ... أنه السميع بلا سمع والبصير بلا بصر والمتكلم بلا كلام أي بلا حروف ... أي انه يلقي المعنى بالنفس مباشرة ... وهذا شأن عالم الروح في جلاله .
وهذا شأن فرحة الروح الطيبة عند لقائها بربها .
ستكون فرحة بلا لسان وبلا كلمات لأنها أعظم من حجم الكلمات وأروع من كل اللغة .
مقال / حينما تعجز الكلمات
من كتاب / الشيطان يحكم
للدكتور مصطفى محمود (رحمه الله ) . ❝