█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ في قصة الحُديبية ...
ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله ﷺ بعينيه ، فواللهِ مَا تَنَخَّمَ النبيُّ ﷺ نُخامة إِلَّا وقعت في كفْ رَجُلٍ منهم ، فَدَلَكَ بها جلده ووجهه، وإذا أمرهم ، ابتدروا أمره ، وإذا توضأ ، كادوا يقتَتِلُون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيماً له ، فرجع عروة إلى أصحابه ، فقال: أي قوم ، والله لقد وفدتُ على الملوك ، على كسرى وقيصر والنجاشي ، والله ما رأيت ملكاً يُعظمه أصحابه ما يُعظْمُ أصحاب محمد محمداً ، والله إن تنخم نُخامة إِلَّا وقَعَتْ في كفٌ رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضُوا أصواتهم عنده ، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيماً له ، وقد عرض عليكم خُطَّةَ رُشد فاقبلُوها ، فقال رجل من بني كنانة : دعوني آته ، فقالوا : إئته ، فلما أشرف على النبي ﷺ وأصحابه ، قال رسول الله ﷺ ( هذا فُلانٌ ، وهو من قوم يُعظمون البُدْنَ فابعثوها له ) فبعثوها له ، واستقبله القوم يُلبون ، فلما رأى ذلك قال : سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِهؤُلاء أن يُصَدُّوا عَنِ البَيتِ ، فرجع إلى أصحابه ، فقال : رأيتُ البُدن قد قُلْدَتْ وأُشْعِرَتْ ، وما أرى أن يُصَدُّوا عن البيت ، فقام مِكْرَرُ بنُ حَفص ، فقال : دعوني آته ، فقالوا إئته ، فلما أشرف عليهم ، قال النبي ﷺ ( هذا مِكْرَرُ بن حَفْصٍ ، وهو رجل فاجر فجعل يُكَلِّم رسول الله ، فبينا هُوَ يكلمه ، إذ جاء سهيل بن عمرو ، فقال النبي ﷺ (قَدْ سُهْلَ لَكُمْ من أمْركُم ) ، فقال ﷺ (هاتِ اكتب بيننا وبينكم كتاباً ) ، فدعا الكاتب ، فقال ( اكتب بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) ، فقال سهيل : أما الرحمن ، فوالله ما ندري ما هو ، ولكن اكتب : باسمِكَ اللهم كما كنتَ تكتب ، فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلَّا الرحيم ، فقال النبي ﷺ ( اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُم ) ، ثم قال ( اكْتُبْ هذا ما قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله ) ، فقال سهيل : فوالله لو كنا نعلم أنك رسول الله ، ما صددناك البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله ، فقال النبي ﷺ ( إِنِّي رَسُولُ الله وإنْ كَذَبْتُمُونِي اكْتُبْ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ) ، فَقال النبي ﷺ ( على أنْ تَخُلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْن البَيْتِ ، فَنَطُوفَ به ) فقال سهيل : والله لا تتحدَّثُ العربُ أَنَّا أَخِذْنَا ضَغْطَةً ، ولكن ذلك من العام المقبل ، فكتب ، فقال سهيل : على أن لا يأتيكَ مِنَّا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ، فقال المسلمون : سُبْحَانَ اللَّهِ ، كيف يُرد إلى المشركين ، وقد جاء مسلماً ، بينا هم كذلك ، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسُفُ في قيوده قَدْ خَرَح من أسفل مكة حتى رَمَى بنفسه بين ظُهُورِ المُسلمين ، فقال سهيل : هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترُدَّهُ إلي ، فقال النبي ﷺ ( إنا لم نقض الكتاب بعد ) ، فقال : فوالله إذاً لا أصالحك على شيء أبداً ، فقال النبي ﷺ (فَأَجِزْهُ لي ) قال : ما أنا بمجيزه لك ، قال ( بلى فافعل ) قال : ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجزناه ، فقال أبو جندل : يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين ، وقد جئت مسلماً ألا ترون ما لقيتُ ، وكان قد عُذِّبَ في الله عذاباً شديداً ، قال عُمَرُ بنُ الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمتُ إلا يومئذ ، فأتيتُ النبي ﷺ فقلت ( يا رسول الله : ألست نبي الله حقاً ؟ ، قال : بلى ، قلتُ : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى ، فقلتُ : علام نعطي الدنيَّة في ديننا إذا ، ونَرْجِعَ ولَمَّا يَحْكُم اللهُ بيننا وبين أعدائنا ؟ فقال : إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَهُوَ نَاصِرِي ، وَلَسْتُ أعْصِيهِ ، قلتُ : أو لست كنتَ تُحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : بَلَى ، أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ العام ؟ قلتُ : لا ، قال : فَإِنَّكَ آتِيهِ ومُطَوِّفٌ به ، قال : فأتيتُ أبا بكر ، فقلتُ له كما قلتُ لرسول الله ، ورد على أبو بكر كما ردَّ علي رسول الله ﷺ سواء ، وزاد : فَاسْتَمْسِك بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ ، فواللهِ إنَّه لَعَلى الحَقِّ ، قال عمر : فعملت لذلك أعمالاً ) . ❝
❞ وبلغ من إظهار الرسول لحبه لأزواجه - ولاسيما عائشة رضي الله عنها - أن تعالم الناس بذلك، عن عروة قال: كان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديّة يريد أن يهديها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرها حتى إذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول الله في بيت عائشة. رواه الشيخان. وعن عمرو بن غالب أن رجلانال من عائشة عند عمار بن ياسر فقال: اعزُب مقبوحًا منبوحا، أتؤذي حبيبة رسول الله؟!
أرأيتم؟! فما لأحدنا اليوم يخجل من أن يظهر حبه لأهله ويستحيي من أن يعبر لزوجه عما يكنه لها من مودة ومحبة؟! . ❝
❞ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا قال الزجاج : معناه بالحجارة ، وهو أخبث القتل . وقيل : يرموكم بالسب والشتم ; والأول أصح ، لأنه كان عازما على قتلهم كما تقدم في قصصهم . والرجم فيما سلف هي كانت على ما ذكر قبله [ عقوبة ] مخالفة دين الناس إذ هي أشفى لجملة أهل ذلك الدين من حيث إنهم يشتركون فيها .
في هذه البعثة بالورق دليل على الوكالة وصحتها . وقد وكل علي بن أبي طالب أخاه عقيلا عند عثمان - رضي الله عنه - ; ولا خلاف فيها في الجملة . والوكالة معروفة في الجاهلية والإسلام ; ألا ترى إلى عبد الرحمن بن عوف كيف وكل أمية بن خلف بأهله وحاشيته بمكة ; أي يحفظهم ، وأمية مشرك ، والتزم عبد الرحمن لأمية من حفظ حاشيته بالمدينة مثل ذلك مجازاة لصنعه . روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف قال : كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة ; فلما ذكرت الرحمن ; قال : لا أعرف الرحمن كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية ، فكاتبته عبد عمرو . . . وذكر الحديث . قال الأصمعي : صاغية الرجل الذين يميلون إليه ويأتونه ; وهو مأخوذ من صغا يصغو ويصغى إذا مال ، وكل مائل إلى الشيء أو معه فقد صغا إليه وأصغى ; من كتاب الأفعال .
الوكالة عقد نيابة ، أذن الله سبحانه فيه للحاجة إليه وقيام المصلحة في ذلك ، إذ ليس كل أحد يقدر على تناول أموره إلا بمعونة من غيره أو بترفه فيستنيب من يريحه . وقد استدل علماؤنا على صحتها بآيات من الكتاب ، منها هذه الآية ، وقوله - تعالى - : والعاملين عليها وقوله اذهبوا بقميصي هذا . وأما من السنة فأحاديث كثيرة ; منها حديث عروة البارقي ، وقد تقدم في آخر الأنعام . روى جابر بن عبد الله قال أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له : إني أردت الخروج إلى خيبر ; فقال : إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته خرجه أبو داود . والأحاديث كثيرة في هذا المعنى ، وفي إجماع الأمة على جوازها كفاية .
الوكالة جائزة في كل حق تجوز النيابة فيه ، فلو وكل الغاصب لم يجز ، وكان هو الوكيل ; لأن كل محرم فعله لا تجوز النيابة فيه .
في هذه الآية نكتة بديعة ، وهي أن الوكالة إنما كانت مع التقية خوف أن يشعر بهم أحد لما كانوا عليه من الخوف على أنفسهم . وجواز توكيل ذوي العذر متفق عليه ; فأما من لا عذر له فالجمهور على جوازها . وقال أبو حنيفة وسحنون : لا تجوز . قال ابن العربي : وكأن سحنون تلقفه من أسد بن الفرات فحكم به أيام قضائه ، ولعله كان يفعل ذلك بأهل الظلم والجبروت ; إنصافا منهم وإذلالا لهم ، وهو الحق ; فإن الوكالة معونة ولا تكون لأهل الباطل .
قلت : هذا حسن ; فأما أهل الدين والفضل فلهم أن يوكلوا وإن كانوا حاضرين أصحاء . والدليل على صحة جواز الوكالة للشاهد الصحيح ما خرجه الصحيحان وغيرهما عن أبي هريرة قال : كان لرجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال : أعطوه فطلبوا له سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها ; فقال : أعطوه فقال : أوفيتني أوفى الله لك . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن خيركم أحسنكم قضاء . لفظ البخاري . فدل هذا الحديث مع صحته على جواز توكيل الحاضر الصحيح البدن ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يعطوا عنه السن التي كانت عليه ; وذلك توكيد منه لهم على ذلك ، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - مريضا ولا مسافرا . وهذا يرد قول أبي حنيفة وسحنون في قولهما : إنه لا يجوز توكيل الحاضر الصحيح البدن إلا برضا خصمه ; وهذا الحديث خلاف قولهما .
قال ابن خويز منداد : تضمنت هذه الآية جواز الشركة لأن الورق كان لجميعهم وتضمنت جواز الوكالة لأنهم بعثوا من وكلوه بالشراء . وتضمنت جواز أكل الرفقاء وخلطهم طعامهم معا ، وإن كان بعضهم أكثر أكلا من الآخر ; ومثله قوله - تعالى - : وإن تخالطوهم فإخوانكم حسبما تقدم بيانه في " البقرة " . ولهذا قال أصحابنا في المسكين يتصدق عليه فيخلطه بطعام لغني ثم يأكل معه : إن ذلك جائز . وقد قالوا في المضارب يخلط طعامه بطعام غيره ثم يأكل معه : إن ذلك جائز . وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكل من اشترى له أضحية . قال ابن العربي : ليس في الآية دليل على ذلك ; لأنه يحتمل أن يكون كل واحد منهم قد أعطاه منفردا فلا يكون فيه اشتراك . ولا معول في هذه المسألة إلا على حديثين : أحدهما : أن ابن عمر مر بقوم يأكلون تمرا فقال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاقتران إلا أن يستأذن الرجل أخاه . الثاني : حديث أبي عبيدة في جيش الخبط . وهذا دون الأول في الظهور ; لأنه يحتمل أن يكون أبو عبيدة يعطيهم كفافا من ذلك القوت ولا يجمعهم عليه .
قلت : ومما يدل على خلاف هذا من الكتاب قوله - تعالى - : وإن تخالطوهم فإخوانكم وقوله ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا على ما يأتي إن شاء الله - تعالى - . ❝
❞ قال عروة بن الزبير: غَشِيَتْكُمْ سَكْرَتَانِ: سَكْرَةُ الْجَهْلِ وَسَكْرَةُ حُبِّ الْعَيْشِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ لَا تَأْمُرُونَ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تَنْهَوْنَ عَنِ مُنْكَرٍ . ❝