█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ يُقال إن بعض الخطباء البارعين كانوا إذا وقفوا للخطابة ينسون أنفسهم، ويأخذ العرق بالتصبب منهم حتى في برد الشتاء. وقد سُئل أحد هؤلاء الخطباء مرة عن سر براعته الخطابية، فأجاب: إنه حين يرقى منصة الخطابة لا يدري ماذا سيقول. فهو يصبح في تلك الساعة شبيها بآلة المذياع التي تتلقى أمواج محطة من محطات الإذاعة. إنه آنذاك يدخل في شبه ذهول أو غيبوبة ولعله بهذه الطريقة يجعل ذهنه صافياً مستعداً لتلقي الأمواج النفسية من الحاضرين ويستجيب لها على بديهته التي لا يعتريها التكلف والتصنع.. إن الخطابة الارتجالية أو المحاضرة أو المناظرة أو ما أشبه تحتاج إلى استلهام اللاشعور أكثر مما تحتاج إلى أي شيء آخر . ❝
❞ يعتقد المتصوفة أن هذه الخوارق التي يقومون بها آتية من صحة عقيدتهم، والواقع أنها آتية من قوة عقيدهم لا صحتها. فقوة العقيدة وعمقها وتغلغلها في اللاشعور هي التي تؤدي إلى ظهور الخوارق . ❝
❞ إن تركيب العقل البشري متماثل في جميع الناس سيان في ذلك بين المتعلمين منهم وغير المتعلمين. فكل إنسان على عقله منظار أو إطار ينظر إلى الكون من خلاله، وهو إذن لا يصدق بالأمور التي تقع خارج هذا الإطار. وكثيراً ما يختلف اثنان على حقيقة من الحقائق: هذا يؤمن بها كأنه يراها رأي العين وذلك ينكر وجودها إنكاراً تاماً. فإذا فحصنا مصدر الخلاف ووجدناه كامناً في الإطار الذي ينظر به كل منهما إلى الحقيقة. إنهما ربما كانا على درجة متقاربة من الذكاء وقوة التفكير ولكن الإطار الذي وضع على عقل كل منهما جعل أحدهما ينظر إلى الحقيقة من زاوية تختلف عن زاوية الآخر.. إن من البلاهة إذاً أن نحاول اقناع غيرنا على رأي من الآراء بنفس البراهين التي نقنع بها أنفسنا. يجدر بنا أن نغير وجهة إطاره الفكري أولاً وإذ ذاك نجده قد مال إلى الإصغاء إلى براهيننا بشكل يدعو إلى العجب الشديد . ❝
❞ إن الإبداع الفكري يحتاج، كما لا يَخفى، إلى أن يمر في مرحلتين هما مرحلة الخزن ومرحلة الاجترار. وبعبارة أخرى أن كل مبدع أو مفكر يحتاج في أول الأمر إلى عمل دائب حيث يجمع به المعلومات اللازمة فيخزنها في عقله الباطن لتختمر فيه وتنضج. وهذه هي ما نسميها بمرحلة الخزن. فإن اجتاز المفكر هذه المرحلة، لجأ إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة الاجترار حيث تراه قد جلس بعيداً، كالبقرة التي تجتر ما خزنت في كرشها من طعام غير مهضوم، وأخذ يسبح سادراً في خيالات تشبه أحلام اليقظة. إنه يترك عقله الباطن آنذاك هائماً في خيالاته كما يشاء. وحينئذ تنبعث لديه معظم أفكار الإبداع والابتكار والاختراع.. ومثل هذا يُقال عن أي شخص ماهر في مختلف الفنون والحرف والصناعات. فالماهر تراه دؤوباً كادحاً حين يتمرن على فنه ويتعلم مبادئه ولكنه عند الإنتاج ينسى نفسه وينغمر في عمله ويصبح آنذاك كالحالم الذي لا وعي له ولا إرادة . ❝