█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ يا حامية الحقول من لحقولكِ أن ذبُلت زهورُكِ
يازهرةُ المدائنِ نامت على جفنيكِ آلاف الحقولِ..آتذبُلي ؟!
لا ولن يُناسبُكِ الذبول إن ذبُلتِ أنتِ فمن يحمي حقولكِ
ياسرُ الجمالِ ويا زهرةُ الأوطنِ هلأ نشرتي عبيركِ
على ذلك البستان ..أرجوكِ لاتذبُلي
كوني قوية فكل حقولنا تعتمدُ عليكِ يافلسطينُ الأبية
يازهرةُ المدائنِ أزهري ياقدسُ هيا تحرري
لا لن تنام حقولنا حتى يعودُ آمانُكِ..
فتلك الحقولُ الضعيفةُ اصابة الخوفُ من دونكِ ..
.يازهرة الأوطان أما حان لكِ أن تتفتحي
وتُزيني الكونُ بجمالكِ ...لن تذبُلي
سأسقيكِ من دمي حتى ترتوي كل عروقكِ
إن جفت دماءُ قلبي فسأحفرُ لكِ بئرٍ في وسطِ روحي
من أجلِ أن تسقيكِ لكنكِ لن تذبُلي...؛
لو كان بيدي لقتلعتُ الشوك الذي يملأُ حقلُكِ الأخضرُ ونظفتهُ بيدي
لكُنتُ طرطتُ الكلاب الشاردة
التي أفسدت جمال ذلك المنظر
ثم لجمعتُ لكي تُربتُ اليمنِ كُلها وفرشتُها على أرضكِ
من أجل إصلاحها ثم لزرعتُكِ ورداً أحمر
كعينيك الرقيقة التي احمرت من كثرةِ السهر
ثم لأسقيتُك بماء بحرنا الأحمر
لكُنتُ حملتهُ على رأسي وأتيتُ إليكِ جرياً
وسكبتُ ماءهُ عليكي حتى ترتوي أراضيكي
بمائهِ المالح الذي لاتشربين غيرهِ
فأنتي لاتُشبهين ذلك الزرع الأخضر
فشرابُكِ مُرٌّ تشربية في كأسِ الخطر
للهِ درُكِ يازهرة الأوطان حتى الملِحُ عندكِ سُكر
والماءُ العذب لايُناسبُ زهركِ الأحمر
طوال عمركِ تكسرين كل القواعد وتُغيرين ما لا يتغير
حان الوقت يا زهرتي حان لتتفتحي من جديد في أبهى منظر
لتنشُري عطركِ الفواح على كُلِ حقولكِ
فلسطينُ حان الوقت حان ليتبدل جمرُ أرضكِ بزهرٍ أحمر
لا ولن تذبُلي فزهورُ حقلكِ الأخضر
ستخرُج من بين الركام لتصنع أجمل منظر
بقلم:فاطمة الدفعي . ❝
❞ هل نحن نرى الدنيا على حقيقتها ؟
هل هذه السماء زرقاء فعلًا .. وهل الحقول خضراء .. وهل الرمال صفراء ؟
وهل العسل حلو .. والعلقَم مُر ؟
هل الماء سائل .. والجليد صلب ؟
وهل الخشب مادة جامدة كما تقول لنا حواسّنا ؟
وهل حجارة الأرض مادة موات، لا حركة فيها ؟
وهل الزجاج شفاف .. والجدران صمّاء ؟
لا ..
ليست هذه هي الحقيقة ..
هذا ما نراه .. وما نحسه بالفعل .. ولكنه ليس كل الحقيقة ..
فالنور الأبيض الذي نراه أبيض .. إذا مررناه خلال منشور زجاجي .. يتحلل إلى سبعة ألوان .. هي ألوان الطيف المعروفة .. الأصفر والبرتقالي والأحمر والأخضر والأزرق والبنفسجي .. إلخ .
فإذا حاولنا أن ندرس ماهية هذه الألوان، لم نجد أنها ألوان .. وإنما وجدناها موجات لا تختلف في شيء إلا في طولها ..
ذبذبات متفاوتة في ترددها .. وهذه كل الحكاية .. ولكن عيننا لا تستطيع أن ترى هذه الأمواج كأمواج .. ولا تستطيع أن تحس بهذه الذبذبات كذبذبات .. وانما كل ما يحدث أن الخلايا العصبية في قاع العين تتأثر بكل نوع من هذه الذبذبات بطريقة مختلفة ..
ومراكز البصر في المخ تترجم هذا التأثر العصبي على شكل ألوان ..
ولكن هذه المؤثرات الضوئية ليست ألوانًا .. وإنما هي محض موجات واهتزازات .. والمخ بلغته الإصطلاحية .. لكي يميزها عن بعضها .. يطلق عليها هذه التعريفات التي هي عبارة عن تصورات .. وهذه هي حكاية الألوان ..
والحقول التي نراها خضراء ليست خضراء .. وإنما كل ما يحدث أن أوراق النباتات تمتص كل أمواج الضوء بكافة أطوالها ما عدا تلك الموجة ذات الطول المعين التي تدخل عيننا وتؤثر في خلاياها فيكون لها هذا التأثير الذي هو في اصطلاح المخ "أخضر" ..
وبالمثل .. أي لون .. ليس له لون .. وإنما هو مؤثِر يفرقه المخ عن غيره بهذه الطريقة الاصطلاحية .. بأن يلونه .. ويتضح هذا الخلط أكثر حينما ننتقل إلى المثل الثاني .. العســل ..
فالعسل في فمنا حلو .. ونحن نتلذذ به ونلحسه لحسًا ونمصمصه بلساننا .. ولكن دودة المش لها رأي مختلف تمامًا في العسل .. بدليل أنها لا تقربه ولا تذوقه بعكس المش الذي تغوص فيه وتلتهمه التهامًا وتبيض وتفقس وتعشش فيه .
الحلاوة إذًا لا يمكن أن تكون صفة مطلقة موضوعية في العسل .. وإنما هي صفة نسبية نِسبةً إلى أعضاء التذوق في لساننا .. إنها ترجمتنا الإصطلاحية الخاصة للمؤثرات التي تُحدِثها ذرات العسل فينا ..
وقد يكون لهذه المؤثرات بالنسبة للأعضاء الحسيّة في حيوان آخر طعمًا مختلفًا هو بالمرارة أشبه ..
فإذا جئنا للسؤال الثالث لنسأل أنفسنا .. هل الماء سائل .. وهل الجليد صلب .. فإن المشكلة تتضح أكثر ..
فالماء والبخار والجليد .. مادة كيميائية واحدة تركيبها الكيميائي ( اتحاد الأيدروجين بالأوكسجين 1:2 ) .. وما بينها من اختلاف ليس اختلافًا في حقيقتها وإنما هو اختلافًا في كيفيتها ..
فحينما نضع الماء على النار فإننا نعطيه حرارة .. أو بمعنى آخر طاقة .. فتزداد حركة جزيئاته وبالتالي تتفرق وتتفركش نتيجة اندفاعها الشديد في كل اتجاه ويكون نتيجة هذه الفركشة عند لحظة معينة أن تتفكك تمامًا وتتحول إلى جزيئات سابحة بعيدة عن بعضها (غاز) .. فإذا فقدت هذه الحرارة الكامنة التي أخذتها عن طريق النار حتى تصل في لحظة إلى درجة من التقارب نترجمها بحواسنا على أنها (صلابة) .
الحالة الغازية والسائلة والصلبة هي ظواهر كيفية لحقيقة واحدة .. هي درجة تقارب الجزيئات من بعضها البعض لمادة واحدة هي الماء ..
وشفافية الماء وعتامة الثلج سببها أن جزيئات الماء متباعدة لدرجة تسمح لنا بالرؤية من خلالها .
ولا يعني هذا أن جزيئات الثلج متلاصقة .. وإنما هي متباعدة هي الأخرى ولكن بدرجة أقل .
وجزيئات كل المواد حتى الحديد مخلخلة ومنفصلة عن بعضها .. بل إن الجزئ نفسه مؤلف من ذرات منفصلة .. والذرّة مؤلفة من بروتونات وإلكترونات هي الأخرى منفصلة ومخلخلة ومتباعدة تباعد الشمس عن كواكبها .
كل المواد الصُلبة عبارة عن خلاء منثورة فيه ذرّات .. ولو أن حِسّنَا البصري مكتمل لأمكننا أن نرى من خلال الجدران لأن نسيجها مخلخل كنسيج الغربال ..
ولو كنا نرى عن طريق أشعة إكس لا عن طريق النور العادي لرأينا بعضنا عبارة عن هياكل عظمية، لأن أشغة اكس تخترق المسافات الجزيئية في اللحم .. وتراه في شفافية الزجاج ..
مرة أخرى ..
رؤيتنا العاجزة هي التي ترى الجدران صماء .. وهي ليست صمّاء .. بل هي مخلخلة أقصى درجات التخلخل .. ولكن وسائلنا المحدودة والأشعة التي نرى عن طريقها .. لا تنفد فيها، وإنما تنعكس على سطوحها وتبدو لنا وكأنها ســدّ يقف في طريق رؤيتنا .
إنها جميعًا أحكام نسبية تلك التي نطلقها على الأشياء .. ( نسبة إلى حواسنا المحدودة ) وليست أحكامًا حقيقية ..
والعالَم الذي نراه ليس هو العالَم الحقيقي .. وإنما هو عالَم اصطلاحي بَحتْ .. نعيش فيه معتقَلين في الرموز التي يختلقها عقلنا .. ليدلنا على الأشياء التي لا يعرف لها ماهية أو كَنَهًا .
والرسّام التجريدي على حق حينما يحاول أن يعبر عما يراه .. على طريقته .. فهو يدرك بالفطرة أن ما يراه بعينه ليس هو كل الحقيقة، وبالتالي فهو ليس ملزِمًا له .. وفي إمكانه أن يتلَمّس الحقيقة .. لا بعينه .. وإنما بعقله .. وربما بعقله الباطن .. أو وجدانه .. أو روحه ..
وهو لا يكون مجنونـــًا .. وقد نكون نحن المجــانين .
ورجل العلم له وسائل أخرى غير رجل الفن ..
الفنان يبحث عن الحقيقة معتمدًا على وسائله .. عن طريق الإلهام .. والروح .. والوجدان .
ورجل العلم يلجأ إلى الحسابات والمعادلات .. والفروض النظرية .. التي يحاول أن يتثبت منها بتجارب عملية .
وأينشتين في مغامرته العقلية لم يكن يختلف كثيرًا عن الرسّام التجريدي في مغامرته الفنية .
ومعظم ما كتبه أينشتين في معادلاته كان في الحقيقة تجريدًا للواقع على شكل أرقام وحدود رياضية .. ومحاولة جادة من رجل العلم في أن يهزم العلاقات المألوفة للأشياء ويزيحها لتبدو من خلفها لمحات من الحقيقة المدهشة التي تتخفى في ثياب العادة والألفة ..
وماذا هناك في الواقع المحسوس المألوف ؟
إننا لا نرى الأشياء مشوهة عن أصلها فقط .. وإنما لا نراها إطلاقًا .. وأحيانًا يكون ما نراه لا وجود له بالمرة ..
فهناك غير ألوان الطيف السبعة .. أمواج أقصر من أن ندركها .. هي فوق البنفسجية .. وأمواج أخرى أطول من أن ندركها .. هي تحت الحمراء .. وتكون النتيجة ألا نراها مع أنها موجودة ويمكن إثباتها باللوح الفوتوغرافي الحساس .. وبالترمومتر ..
وعلى العكس نرى أحيانًا أشياء لا وجود لها ..
فبعض النجوم التي نراها بالتلسكوب في أعماق السماء تبعد عنا بمقدار 500 مليون سنة ضوئية .. أي أن الضوء المنبعث منها يحتاج إلى خمسمائة مليون سنة ليصل إلى عيوننا .. وبالتالي فالضوء الذي نلمحها به هو ضوء خرج منها منذ هذا العدد الهائل من السنين .. فنحن لا نراها في الحقيقة .. وإنما نرى ماضيها السحيق الموغَل في القِدَم ..
أما ماهيتها الآن .. فالله وحده يعلم .. وربما تكون قد انفجرت واختفت .. أو انطفأت .. أو ارتحلت بعيدًا في أطراف ذلك الخلاء الأبدي وخرجت من مجال الرؤية بكل وسائلها .. فحالها الآن لا يمكن أن يصلنا خبره إلا بعد مضي خمسمائة مليون سنة ..
إننا قد نكون محملقين في شيء يلمع دون أن يكون له وجود بالمرة ..
إلى هذه الدرجة يبلغ عدم اليقين ..
وإلى هذه الدرجة يمكن أن تضللنا الحواس ..
ما دليلنا في هذا التِيه .. ؟!
وكيف نهتدي إلى الحقيقة في هذه الظلمات المطبقة ..؟ . ❝
❞ - يستوى أي وقت وأي يوم وأي فصل من فصول العام ، وأي سنة من عمري، فالكل نسخ متشابهة لأصل واحد ولا شيء غير التكرار ... التكرار الممل ...فحياته تسير...بلا جديد الغد فيها مثل الأمس والحاضر كالماضي .... لا عمق فى أحزانه ولا عنف فى مسراته.... لا ضحكات ولا دموع ... وإنما بسمات صفراء وأشجان عابرة لا تهز القلب ...
وإنه يستطيع أن يتنبأ بما سيحدث كما تتنبأ المراصد بتحركات النجوم.... لأن تتابع حياته أصبح ألياً يحكمه قانون جامد صارم لا روح فيه...
هو سيفتح باب العربة القديمة ويتهيأ للنزول ... فينبح الكلب ويقف البواب العجوز يتثائب ويؤدي التعظيم...هو سيطأ الممر المرصوف بالحصى ويصعد الدرجات الخمس ويضغط على الجرس....فيطل الخادم الأصلع الذى يؤدي نفس الدور من عشرين سنة ...ليفتح الباب...ويجري خلفه وهو يعرج ويضيء نور غرفة النوم...ويمسك قطع الأثاث...واحدة بعد أخرى بنفس الترتيب فهو يبدأ بالشماعة ثم الكرسي ثم الدولاب....ثم يقف بعد هذا كالتمثال يتلقى المعطف والجاكتة وباقي الثياب قطعة قطعة...يعلقها على المشجب ، ثم يفتح فمه قائلا نفس الكلمات .....
- العشاء جاهز سيدي.. هل تريد شيئاً؟
فيجيب نفس الاجابة
- لا ...وشكراً
وتمر عشر دقائق وتتيقظ زوجته فتتمطى وتتثاءب وتجلس...ثم تقف فى روب النوم...لتقول الجملة التى لا تتغير
- لقد تاخرت كثيراً هذه الليلة ... إن السهر يؤثر على صحتك
فيقول فى جفاء كالعادة
- إن صحتي ملكي... وأنا حر أفعل بها ما أشاء وقد نبهت ألف مرة الا يعود الكلام إلى هذا الموضوع
ويحاول أن يغضب فى صدق و حرارة ... ولكن هذه الحرارة تنطفئ ، وتتحول الى مجرد ضجر ، وتخونه الكلمات فيسكت ...
ويسرح الطرف إلى النافذة المفتوحة حيث الفضاء وحيث المئذنة المضيئة وخفقات الطاحون تطفو وتغرق فى نقنقة الضفادع إلى الصورة المعلقة بالجدار وإلى وجه زوجته الفاتن... فتعجز الفتنه ويعجز الجمال ويعجز الشعر الاثيث الفاحم والعينان السوداوان والوجه المستطيل والقوام الشمعي... ويعجز كل هذا عن ان يحرك فيه ساكناً... وكأنما العواطف قد ماتت و اندثرت فى المقبرة كالعادة.
أين ذهب ضحك الطفولة الذي كان يجلجل كالجرس الفضي .. وقد خرج من حبة القلب فاهتز له الجسم كله ..
وأين ذهبت أحلام الصبا .. التي كانت تبعث الدمع يتلألأ في العين ..
أين رجفة الأمل .. و رعشة الخوف .. وتوثب الإرادة ..
أين اللحظات ؟ كل لحظة منها مفعمة بالشعور . طافحة بالحياة .. أين الحب .. أين السعادة .. أين الحزن العظيم .. أين الفرح العظيم ؟
انه يملك ما يحلم به الناس .. يملك امرأة جميلة وفيلا وعربة وثقافة ومالا وفراغا .. وكل شيئ .. فما باله لا يحس بشئ .!
و تجثم عليه هذه الخواطر كالكابوس .. و في خلالها يسمع زوجته و هي تروح و تجئ قائله :
لقد سخنت الحساء يا عزيزي .. وجهزت المائدة..
فتغثى نفسه دون أن يرى هذا الحساء ..او يسأل
أهو حساء السمك أو حساء اللحم أو حساء الخضار .. و يتقلص حلقه .. وقد تهيأ ليرفض أي شيء .. حتى الماء القراح .
يجب أن يكون في حياته شيء جديد .. يجب أن يفتح مصراعى هذه الوحدة كل أسبوع ليستقبل عدداً من أصدقائه في ليلة صاخبة تمتلئ بالطعام و الشراب و الإشاعات والحديث والثرثرة .. فهذا الحساء الذي يتذوقه لسان واحد شئ آخر غير نفس الحساء الذي تتذوقه عشرات الألسن ..
أكانت فكرة صائبه ..
لقد فتح مصراعيه ليلة الخميس من كل أسبوع لأصدقائه يأكل ويشرب و يثرثر معهم ولكنه أزداد تأكيدا من فشله وقد رأى نفس الملال ونفس الضجر يطل من خلف العيون الأخرى ..
فهي .. تضحك .. وتبتسم .. وتصغى .. وتتحمس .. ولكن الافتعال يطل من خلفها جميعاً . فالضحكة لا تلبث ان تخفت و تحتبس في حلق صاحبها . وتحل محلها حيرة تستدير الشفقة .. والحماسة تنطفئ و تخبو وقد وجدت
أنها لم تجتذب الأسماع .. وشيطان التكرار يطبع كل اطرافة بطابع العادية . ويجعل من كل
شخص آلة لها قوانين تحكمها .. فالذي يبكر بالحضور .. يبكر دائماً بالحضور والذي يتأخر ..
يتأخر على طول الخط .. حتى ليستطيع ان يتنبأ بالاسم من دقة الجرس .. فإذا فتح الباب فلكل مشية لا يغيرها .و تحية لا يبدلها .. فالذي يعانق و يقبل يفقد كل طرافه حينما يعاود في المرة التالية نفس القبل والعناق والأشواق . فإذا جلس .. فليس جديداً ان يضع ساقا على ساق . او يطرق المائدة بانأمله .. او يتحسس شعره . او يتطلع في المرآه . فكلها أفعال آليه خالية من الجدة والاختراع .. والاحاديث نفس الأحاديث و الإشاعات نفس الإشاعات ..الأفلام السخيفة .. والجو ..والزكام .والأطفال .والحرب
. والفضائح ..والوفيات.. و الأزمات . ثم تثقل العيون وتثقل الألسن .. وتنتهى القصة.. لتعاد بشكل آخر .. وبألسن أخرى .. و عناوين أخرى
وتزداد العيون ثقلاً .. و الألسن بلادة ..و الأفواه تثاؤبا..ثم تهب الجماعة .. تبسط اكفها بالسلام واحدا بعد آخر .. ويخلو البيت إلا من سحب الدخان الكثيف .. ورائحة الكئوس والزهور والطعام . .وكابوس الملل الرهيب . . .
إن بضعة أشخاص يدخلون ويخرجون لم يفعلوا أكثر من أن
يكونوا عدة مرايا تنعكس عليها التفاهة والسام والتكرار والملل . . .
إن حياته ينقصها شيء .. شئ لا يعرفه .. شئ كاروح في الجسد ، فما هو ؟
إنه يقرأ الكتب ويسمع الموسيقى وبخرج الى الحقول.. ويرتاد
المسارح .. ويجري ساعتين في الصباح حتى يلهث ..رويصلي
أحيانا .. ولكنه لا يصل الى هذه الروح أبدا.. هذه الروح التي
ترسل البسمة مشرقة على الشفتين ، وتبعث حب الحياة يتسلل الى كل جزء من الجسد حتى اطراف الانامل . . .
إن أشعة الشمس تدق قلبه المغلق ، فلا تجد منفذا الى روحه
التي ترتجف من البرد ، فهو يعيش في عزلة .. في برج .. في قلعة مسورة لا تصل إليها أصوات الحياة .
إن في الوردة التي تفتح اكمامها لشعاع الفجر وتدير ثغرها نحو مشرق الشمس .. شيئا لا يوجد فيه .. فهي تتجاوب مع
وجودها الصغير ، فترد ابتسامته بابتسامه ، إشراقتة
بإشراقة ، وحركة بإيماءة رشيقة جميلة .. اما هو فلا يتجاوب مع شئ .. وقد فقد صلتة بكل الأشياء .. وبدأ يشك في كل القيم وكل الموجودات .. فالحياة في نظره لا معنى لها .. لانها
مجموعة مقدرات وأحداث حتمية لا أثر فيها للحرية ، وإنما هي تحدث هكذا لأنها لابد أن تحدث هكذا .. ولا أثر لإرادة الإنسان فيها ، ومن ثم لا حكمة لوجوده ولا معنى لفرحه وحزنه وضحكه وبكائه .. ولا معنى لان يلد وينسل ويتكاثر
ليكرر حياة واحدة ونهاية واحدة .
وهو مع هذا يشك في شكله ، ولا يخرج من مأساته بغير
التخبط و بكابوس من الملل يجثم عليه ليسحقه ويسحق اراءه .. لابد من عمل شئ .. إن الضجر يقتله . . .
إنها لتجربة .. أن يلعب الإنسان القمار .. أن يعيش في تساؤل
وتوقع وترقب وأمل ويأس ومفاجآت لا تنتهي .. حيث لا شئ
يتكرر أبدا . . .
إنها لتجربة تلهث فيها الأنفاس . . .
وهكذا بدأ يقتل الضجر ويقتل نفسه في وقت واحد ..
في غرفة مغلقة تموج بالدخان .. كان يجلس الى جوار رجل
ذي وجه مضلع مستطيل وامامهما رجل هزيل ضامر ، والورق
يدور وخيوط الدخان تتصاعد من أطراف الأصابع ، والمال
يتراكم ويختفي .. والحظ معلق على كلمات مقتضبة على اطراف الألسن .. لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمصيره . .
ولا ان تجتهد إلا في حدود .. ولا أن يضع قانونا للخسارة .. إنما هي الخبط العشواء والقوى المجهولة .. التي تختصر الماضي والحاضر والمستقبل في ورقات .. وهذه الذبالات الإنسانية تترقب يشعلها فضول لا يحد . . .
وتشق الصمت كلمات قليلة .. وينقر الرجل ذو الوجه المضلع
على المائدة .. ويعود الصمت يغلف الجميع إلا من حفيف الورق وهو يدور .. والمال وهو يذهب .. والمال وهو يجئ . .
إنها لتجربة . . .
لقد قتل الملل حقا ولكن بسلاح من العجز والخيبة ، وبثمن
باهظ فهو يشحن كل لحظة بجزء من ثروته وعقله وصحته ليجعل منها في النهاية لحظة جديرة باهتمامه .. كمن يلقي بثيابه وحافظة نقوده وعائلتة في البحر ليصبح النظر إلى البحر بعد هذا مثيرا لايبعث على الملل . . .
لقد أحس بالإفلاس . . أحس بأنه يستجدى الفرح ويستجدى الحزن .. ويفتعل المفاجآت .. ويزيف العواطف.. فأسدل هذا
الوعي الجديد على التجربة التي نجحت ستارا شفيفا من القلق والشك جعل يستحيل مع الأيام الى جدار صفيق من اليأس ..
ومع هذا فقد ظل يقامر ويحتمى بالعناد والإصرار هارباً من قبضة اليأس التي عرفت طريقها إلى قلبه فجعلت منه قلبا ثقيلا . . لايفرح بالكسب ولا يحزن للخسارة .. ولا يهتز أمام المفاجآت ولا يعبأ بتقلب الحظوظ .. قلبا ميتا بليدا.. ركد الدم
لقد فشلت التجربة أخيراً ومات الفضول وبليت الجدة وتحولت البدعة إلى عادة .. .
إن لعب الورق لا يعوض الإنسان عن الحياة.. وليس ارتجاف
القلب امام المكسب والخسارة هو سعادة الوجود التي كان يطلبها.. فإن الطفل ليرتجف من الفرح ويهتز بدنه كله إذا عثر على بكرة يدحرجها على الأرض .. بكرة صغيرة فارعة .
إن اللغز ما زال باقيا والمشكلة على حالها . . مازلت حياته
ينقصها شيء يجهله . . شئ غير لعب الورق . . .
و أوقف عربته القديمة.. وتهيأ للنزول ،فنبح الكلب وهب
البواب العجوز يتثاءب ويؤدي التعظيم .. وسار على الممر
المرصوف بالحصى وصعد الدرجات الخمس وضغط على الجرس ، فأطل الخادم الأصلع.. نفس الخادم الأصلع.. ليفتح الباب ويضئ نور غرفة النوم ويمسح الأثاث قطعة قطعة بنفس الترتيب.. ويقول.. إن العشاء جاهز .. ثم تيقظت زوجته لتقول كالعادة .. إنه تأخر في السهر وإنه يؤذي صحته . .
وكاد يفقد اعصابه هذه المرة ولم تفهم زوجتة لصياحه معنى ،
فهي لم ترتكب جريمة.. أما هو فكان يود لو أنها ارتكبت جريمة حتي تتغير اللعنة التي كتبت عليه كل يوم وذهب إلى المرآة ليقف طويلا . . يتأمل نفسه . . .
إن أظافره طويلة.. وشعره ليس حليقا كما يجب ..وهو يحس
بأن حذاءه ضيق.. وصدره ضيق وإن الغرفة كلها أضيق من ثقب إبرة.. والعالم الفسيح الأرجاء قبر مظلم رطب يخنق الأنفاس.. وسمع ضحكة الطباخ تطوف بأرجاء البيت وسمعه يقول لزوجته :
لقد كنت أبحث عن علبة الثقاب ثم اكتشفت أخيراً أنها في يدي . . أليس هذا غريباً ؟
وسمع زوجته تشاركه في ضحكة بربرية وتقول إنه
"مسطول " وإنه سيأتي عليه يوم ينسى فيه أولاده ..
وعجب لهؤلاء السذج كيف يضحكون على مثل هذه التفاهات
وسحرح الطرف في الظلام عبر النافذه إلى المئذنة البعيدة والحقول والضفاضع والطاحون.. وما لبث أن ارتدي معطفه وخرج .. هذه المرة بدون عربة.. وإنما على قدميه .. ليضرب في الظلام الدامس لا ينوي على شئ . . .
ولعله قد قطع عدة أميال.. وعبر عدة أحياء دون أن يدري فقد كان مستغرقا في أعماق نفسه .. يتوزعه شتيت من الأفكار والخواطر فلا يدري أين تذهب قدماه وماذا يدور حوله ، ولو سئل فيم يفكر .. لأجاب .. لا في شئ .. فلم يكن في رأسه شئ .. بالذات .. وإنما تهافت لصور وأحاسيس غير مترابطة تترك خلفها شعورا ملحا بالفراغ . .
وأفاق هنيهة ليجد نفسه في شارع تستعرضه عدة فوانيس حمراء .. وأكوام من التراب .. وخنادق .. وآلات للحفر . .
ومواسير .. وحبال .. وبضعة من الآدميين مكومين حول نار
موقدة .. يثرثرون ويقضمون قطعا من الخبز .. يشربون بعدها
رشفات من الشاي الأسود . .
وخطر له أن يصغى إلى هذه الثرثرة فترة من الوقت.. فاستند
إلى جذع شجرة وأشعل لفافة من التبغ..و استغرق يتأمل هؤلاء الناس من خلال حلقات الدخان التي أحاطتهم كالإطار
كان المتكلم رجلا ذا سن واحدة في فمه وشارب كثيف و وجه بارز العظام ملئ بالتجاعيد .. وكان يوجه الكلام إلي شاب نحيل في مواجهته .. بينما راح الباقون يستمعون وهم يقضمون الخبز ويرشفون الشاي . .
قال وهو يلوح بقبضته في الهواء :
أقسم بالله العظيم يا شيخ .. لو استطعت أن أسرق لسرقت.
إن الواحد منا يجب أن يعيش .
صلي على النبي يا راجل .. صلي على النبي . . إنك تعيش في أمان الله وتاكل وتشرب .. دون أن تحتاج إلى السرقة ، ما هذا الكلام ؟
إني أكل هذا صحيح.. والكلب يأكل .. وكل مخلوق في الأرض له رزق .. ولكني آدمي ليست حياتي كلها خبزا وإداما.
إن لي ابنا .. ولا أريد أن يحفر ابني الأرض .. وينزح مثلي المجاري ويدك الأسفلت.. وأن تذهب سبعون سنة من العذاب
والشقاء بلا كفارة .. إن الحياة لا طعم لها بلا أمل .. أريد أن أعلم أن فأسي هيأت الأرض لحياة أصلح ..
وأن عرقي لم لم يذهب عبثا.. أريد أن يكون ابني متعلما .. يقرأ ويكتب ولا يجلس مثلي على الأرض ..
أهذا الأمل حرام على أمثالي ؟
وعاد يلوح بيده وقد اشتعلت عيناه بحماسة متاججة وتوثبت
فيهما الإرادة . .
ومن قال إنه حرام ؟ إن الأمل في رحمة الله واجب .. وكلنا
نعيش على الأمل .. وستحقق آمالنا .. ويعيش أولادنا كما نريد أن يعيشوا . .
كيف يحدث هذا ؟ إن المعجزات لا تحدث في هذه الزمان ، إن العمر محدود ياعمي .. وقد شخت وانحنى ظهري .. وأصبحت أيامي على الأرض محدودة .. وستتكرر المأساة..
ويعيش أولادي وأحفادي كما عشت .
.وأطرق صامتا برهة وقد وضع رأسه بين كفية ، ثم رفع عينيه فجأة وأمسك بكتفي محدثه وراح يهزه في عنف ، وهو يغمغم في خشونة وقد تلألأت في عينيه الدموع :
أريد أن أعيش ، أريد أن أعيش عشر سنوات أخرى .. عشر سنوات أربي فيها أولادي . . أتفهم ؟
ستعيش يا عمي .. ستعيش حتى تدفننا جميعاً .
أدفنكم .. إن هذا خبر سار حقا.
ولقد سره هذا الخبر حقا .. يدفنهم جميعاً بيديه.. فقد راح
يحملق في الفراغ وقد أشرقت عيناه بأمل لا يحد .. بينما
تصايحت عدة أصوات في وقت واحد :
أعوذ بالله.
وانحنت الأفوه على أكواب الشاي .. بعضها يبتسم وبعضها
يضحك .. وبعضها يحلم .. وفى ناحية منعزلة جلس اثنان
يتساران حديثا خفيفاً ما لبث أن ارتفع حتى أصبح صخبا
وضجيجا ثم تحول إلى معركة.. وقد أمسك أحدهما بتلابيب
الآخر وأخذ يصيح :
العشرة قروش يا بني آدم .. العشرة قروش ..
وهب عدة رجال في وقت واحد .. وسمعت عدة صيحات
وكلمات مختلطة .
صبرك يا خليل .. اتهدوا بالله يا جماعة .. اتلم أنت وهو ..
اخرس .. اللهم اخزيك يا شيطان .. بقى ده ذنبي اللي سلفتك
بقى أنا أبويا كلب برده .. الله يسامحك .. صحيح ما ينوب المخلص .. يا جدع عيب ده احنا أخوات وما يصحش كده..
يا خليل ارجع ، بقه مفيش حد مالي عنيك يا أخي..
أوع إيدك . . ولكن يده الباغية كانت قد انقضت تلطم وجه غريمه وتغور فيها بأظافرها ، فتترك ندبه طويلة يسيل منها الدم .
وكثر الصياح والتدافع بالأيدي .. وتوالت اللطمات ، ثم بدأ
الهدوء يعود وتفرقت كتلة اللحم إلى عدة أفراد يصلح كل منهم ثيابه ويشتم.. ويلعن ويبصق على الأرض .. وأخذ العجوز ذو السن الواحدة يقول في عتب :
بقى دي آخر العشرة يا جماعة.. بقه كده يا خليل تضرب اخوك .
ولم يكن لدى خليل شئ يقوله فجلس وحده على كومة من الأتربة يمحلق في النار وقد أكلت الخشب وأحالته إلى رماد تتوهج فيه خيوط قليلة حمراء.. وظل العجوز يتكلم .. وظل كل واحد يتكلم .. وظل خليل صامتا لا يبدو عليه أنه يسمع
شيئاً سوى طقطقة النار .. ومر وقت ليس بالقصير .. كانت سحنته في أثنائه تتبدل وسماته تتراخى . . ثم شوهد أخيرا وهو يحل منديله المتسخ من حول رقبته ويذهب إلى غريمه في صمت ، ويشرع في تضميد جرحه.
وكان الاثنان يبكيان . .
وأشعل الرجل المستند إلى جزع الشجرة لفافة التبغ العاشرة .
وراح يحملق في النار هو الآخر .. ويصغى إليها وهي تطقطق
وتخبو ، ومن حولها تتجمع هذه الوجوه النحاسية كأنها وجوه
لمخلوقات من عالم آخر يراها لأول مرة.
وكان يختلس النظر إلى الاثنين اللذين كانا منذ برهة يقتتلان
وقد أحاط كل منهما عنق الآخر .. وانحنى ظهرهما في تعبير
صامت لضعف الإنسان و ذلته ، وقد لمع وهج النار النحاسي على صفحتي وجهيهما وتلألأت عليهما حبات الدموع .
وخيل إليه أنه يرى للمرة الأولى صورة صادقة لأحزان
الإنسان ..
وحينما استدار ليعود أدراجه لم يستطع أن يمحو هذه الصورة التي فتحت أبواب قلبه المغلق فتدفق منه طوفان من المشاعر الحبيسة .
لم يستطع أن يمنع قلبه من أن يحزن ، ولم يستطع أن يمنع روحه من أن ترتجف في سجنها وهي تتطلع إلى هذه الوجوه
الجافية الخشنة، وهي تقطع عليه الطريق وتخرج عليه من طوايا الظلام وفى يد كل منهما فانوس يسبح في هالة من الوهج النحاسي .
وحينما بلغ بيته لم يلحظ أن البواب قد وقف يتثاءب ويؤدي
التعظيم ، ولم يسمع نباح الكلب ولا صلصلة الحصى تحت قدميه.. ولم ير الخادم الأصلع . . وهو يجيب دقة الجرس .. فقد كانت أذناه ترعدان بهذا الصوت المتحشرج الذي ينساب من فم رجل عجوز ذي سن واحدة :
_ إن لي ابنا ولا أريد أن يحفر ابني الأرض وينزع مثلي
المجاري و يدك الاسفلت ويحمل القطران وأن تذهب
سبعون سنة من العذاب والشقاء بلا كفارة ..إن الحياة لا طعم لها بلا أمل ، أريد أن أعلم أن فأسي هيأت الأرض لحياة أصلح وأن عرقي لم يذهب عبثا ، أريد أن يكون ابني متعلما يقرأ او يكتب ولا يجلس مثلي على الأرض أريد أن أعيش عشر سنوات أخرى ، عشر سنوات أربي فيها أولادي .
أريد أن أعيش . . لقد كان الرجل يطلب الحياة كان يطلب عشر سنوات من الفقر والجوع والتعاسة والخرق القديمة ..
لأن الحياة ليست هي الحرير والخمر والنساء . . و إنما سر الحياة هو أن تُبذل في سبيل غاية..
وهذا هو الشئ المجهول الذي ينقص حياتة .
. ❝
❞ الجنة السومرية منذ ان زالت المشاعة الابتدائية , وفقد الفرد سلطته على وسائل انتاجه لصالح الاخرين, تحول العمل من متعه وتحقيق للذات, الى عبودية واغتراب, ومن طقس جماعي مرض, الى وحده قاسية بلا هدف او غاية الا لقمة عيش يومية تدفع للاستمرار يوماً اخر. ومع نضوج المجتمعات الابوية التسلطية وأحكام حلقاتها على الافراد, صار الانسان الى حالة احباط دائمة هي شرطه الاساسي في حياة تبدو بلا معنى ولا تسعى الى غاية, سوى موت يضع حداً لفصل مؤلم. ولكن المجتمع التسلطي استطاع ان يحرم الفرد من كل شيء إلا رغبة في التغيير بادية أو كامنة و..حلم. تجلت رغبة التغيير في ثورات البشر عبر التاريخ في سبيل حياة أفضل وحرية أكثر. وتجلى الحلم, بديلاً عن الفعل, في أدبيات البشر التي تصف عالماً قادماً, هو حرية كاملة ومساواة مطلقة وراحة من لعنة العمل المفروض على الانسان. عالم لا مرض فيه ولا عناء ولا شيخوخة ولا موت. فكانت أساطير الجنة لدى الشعوب, تعبيراً سلبياً عن رغبة في التغيير لم تخرج الى حيز الفعل, او فعل تم احباطه فصار حلماً ينتظر. أسطورة العصر الذهبي : عبر السومريون عن ذلك الحلم في نص جميل يصف العصر الذهبي للأنسان قبل هبوطه الى دنيا العبودية والعمل المغترب, حيث كان سيداً لنفسه وسيد الطبيعة: في تلك الأيام, لم يكن هناك حية ولا عقرب ولا ضبع لم يكن هناك أسد ولا كلب شرس ولا ذئب لم يكن هناك خوف ولا رعب لم يكن للأنسان من منافس في تلك الايام كانت (شوبور) أرض المشرق, أرض الوفرة وشرائع العدل وسومر أرض الجنوب, ذات اللسان الواحد, أرض الشرائع الملكية و(أورى) أرض الشمال, الأرض التي يجد فيها كل حاجته و(مارتو) أرض الغرب, أرض الدعة والأمن وكان العالم أجمع يعيش في أنسجام تام وبلسان واحد يسبح الكل بحمد انليل. أسطورة دلمون : أما الجنة, بمفهومها الذي تجلى, فيما بعد, في التوراة, فتحدثنا عنها أسطورة أخرى هي أسطورة دلمون : أرض دلمون مكان طاهر, أرض دلمون مكان نظيف أرض دلمون مكان نظيف, أرض دلمون مكان مضيء في أرض دلمون لا تنعق الغربان ولا تصرخ الشوحة صراخها المعروف حيث الاسد لا يفترس أحداً ولا الذب ينقض على الحمل ولا الكلب المتوحش على الجدي ولا الخنزير البري يلتهم الزرع ولا الطير في الاعالي لا[..] صغارها والحمامة لا [..] رأسها حيث لا أحد يعرف رمد العين ولا احد يعرف آلام الرأس حيث لا يشتكي الرجل من الشيخوخة ولا تشتكي المرأة من العجز حيث لا وجود لمنشد ينوح ولا لجوال يعول في هذا الفردوس, كان يعيش أنكي آله الماء العظيم, وزجته ننخرساج الارض - الأم, كما عاش في الفردوس التوراتي آدم وحواء. وقد أخرج انكي ماءه وسقى تربة زوجته الأرض, فحول دلمون الى جنة الهية خضراء. ومن اتحاد الماء(انكي) بالتربة (ننخرساج) يمتلئ الفردوس بالحقول والاشجار والثمار, كما تظهر مجموعة من الهات النبات يقوم انكي بأغوائهن تاركاً زوجته. ثم ان ننخرساج تقوم بخلق ثمانية أنواع من النباتات العجيبة. وقبل ان تفرح بعملها, يرسل انكي رسوله ايسمند الذي يقطف له تلك النباتات فيأكلها جميعاً. وما ان تعلم الخالقة بذلك , حتى تغضب غضباً شديداً, وترسل على انكي لعنة مقيمة: (الى ان يوافيك الموت , لن انظر اليك بعين الحياة). إلا ان الآلهة الاخرون يجزعون لهذا الامر , ذلك ان اللعنة على انكي تعني شح المياه وغوصها الى باطن الارض تدريجياً. ويحار مجمع الالهة في كيفية معالجة الامر خصوصاً وأن ننخرساج قد غابت عن الانظار حتى لا تغير رأيها او تخضع لضغط أحد. أما انكي فتشتد عليه الامراض وتهاجمه ثمانية علل بعدد النباتات التي اكلها واخذ ينهار تدريجياً. وأخيراً ينقذ الثعلب الموقف عندما يتطوع للبحث عن ننخرساج ويجدها في النهاية. وتخضع ننخرساج لمشيئة الالهة وتقوم بشفاء انكي عن طريق خلق ثمانية آلهة . كل اله يختص بشفاء احد اعضاء انكي العليلة. - ننخرساج : ما الذي يوجعك يا أخي - انكي : ان فكي هو الذي يوجعني - ننخرساج : لقد اوجدت لك الاله ننتول - ننخرساج : ما الذي يوجعك يا اخي - انكي : ان ضرسي هو الذ يوجعني - ننخرساج : لقد اوجدت من اجلك الاله ننسوتو وهكذا يتابع تعداد أوجاعه وتتابع ننخرساج خلق الهةالشفاء من أجله. الى ان يصل الى ضلعه : - ننخرساج : ما الذي يوجعك يا اخي - انكي : ان ضلعي هو الذي يؤلمني - ننخرساج :لقد أوجدت من اجلك الآلهة ننتي هذا ويناقش بعض علماء السومريات في ان كلمة (تي) في السومرية تعني ضلع, ولكنها تعني ايضاً (أحيا) أو (جعله يحيا) أما كلمة (نن) فتعني سيدة, كما رأينا سابقاً من تحليل اسم ننخرساج التي تعني سيدة الجبل. وعلى هذا يكون اسم الالهة (ننتي) يعني سيدة الضلع أو السيدة التي تحيي . وهذه السيدة شبيهة بحواء التوراة التي أخذت من ضلع آدم فهي سيدة الضلع وهي حواء بعمنى التي تحيي . ❝