█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ يحكى أن رجلًا من هواة تسلق الجبال.. قرر تحقيق حلمه في تسلق أعلى جبال العالم وأخطرها.. وبعد سنين طويلة من التحضير ..وطمعٍ في الشهرة .. قرر القيام بهذه المغامرة وحده..
و في طريقه لقمة الجبل فاجأه الليل بظلامه ..وكان قد قطع مسافة طويلة.. فلم يعد أمامه سوى مواصلة الطريق.. الذي ما عاد يراه وسط هذا الظلام الحالك وبرده القارص.. وهو لا يعلم ما يخبئه له الطريق المظلم من مفاجآت..
وفجأة .. إذ بالرجل يفقد اتزانه!.. ويسقط من أعلى قمة الجبل.. بعد أن كان قريباً من تحقيق حلم العمر!
وأثناء سقوطه.. تمسَّك الرجل بالحبل.. الذي كان قد ربطه في وسطه منذ بداية الرحلة.. وكان خطّاف الحبل معلّقاً بإحدى صخور الجبل..
وجد الرجلُ نفسه يتأرجح في الهواء.. لا شيء تحت قدميه سوى فضاء لا حدود له.. ويداه مملوءة بالدم.. ممسكة بالحبل.. بكل ما تبقّى له من عزم وإصرار..
وسط هذا الظلام الحالك والبرد الشديد التقط الرجل أنفاسه.. وقلبه يخفق بشدة.. ويده ماسكة بالحبل يبحث عن أي أملٍ في النجاة.
وفي يأس به رائحة الأمل.. صرخ الرجل: إلهي.. إلهي.. يا مغيث أغثني... يا مغيث أغثني .. لكنه لم يسمع سوى رجع الصدى.
وفجأة... اخترق هذا الهدوء صوت يجيبه:
-ماذا تريد أن أفعل؟
-أنقذني يا رب!!
-أتؤمن حقًا أني قادرٌ على إنقاذك؟..
-بكل تأكيد.. أؤمن يا إلهي ومَنْ غيرُك قادر على أن ينقذني؟
-إذن فاقطعْ الحبل الذي أنت ممسكٌ به إن كنتَ تريد النجاة!..
-الحبل؟! الذي هو ملاذي وسرّ نجاتي!.. إنني أغرق.. وهذه هي القشة التي أتعلّق بها ولا أجدُ غيرها..
وبعد لحظة من التردد لم تطلْ.. ازداد تشبثاً بحبله.. ولم يقطع الحبل..
وفي اليوم التالي.. عثر فريق الإنقاذ على جثة رجل ممسك بيده حبلاً.. وقد جمّده البرد تماماً.. وعلى ارتفاع متر واحد من سطح الأرض!..
فمنَ الناس مَنْ يتعلق بما يسمى ˝حبال الهواء˝.. و ينسى حبل الله المتين!..
فقارون لم يقطع الحبل.. فخُسفتْ به الأرض..
وفرعون وجنوده لم يقطعوا الحبل.. ˝فغشيهم من اليم ما غشيهم˝..
والنمرود لم يقطع الحبل ..فبُهتَ كافراً..
فمن اعتمد على سلطانه وعلمه.. ذلَّ وضلَّ..
ومن اعتمد على الله ..فلا ذلَّ ولا ضلّ . ❝
❞ متىٰ سأصل إلي النهاية؟
أحاول، وأحاول، ولكن؛ أهزم في كل مرة، لا أعلم لماذا؟
ولكن؛ أعلم أن طريق النجاح ليس سهلًا، ويجب أن أتعثر كثيرًا لكي أصل إلي ما أريد، ولكنني مُتعب، في داخلي صرعات لا حدود لها، لماذا عندما أصل إلي نهاية الطريق أجده غير الذي أريده؟
وكأنني لا أعرف ما هى وجهتى، أعود إلي أول درجة من درجات تحقيق ما أريد من جديد، وكأنني أتخيل حصولى علي العلامة النهائية، ولكن في أخر لحظه أحصل علي صفر، وأعود للحل من جديد، أحاول؛ لكي أتأقلم علي هذا الحال، ولكن في الواقع أفشل، وأشعر بتمزق قلبي، ومع كل درجة أنزلها أشعر بتحطمِ قلبي، ولكن يظهر علي الثبات، ولكنني عكس ذلك ما زلت تائها، ولكنني أؤمن أن بداية النجاح القيام من جديد بعد كل عثرة، وهكذا أنا أصعد إلي نهاية الدرج، ولكني أهزم، وهذه الهزيمة هي العثرة التي ستجعلني أصل إلي ما أريد . ❝
❞ ˝أنا... رجل مريض... أنا إنسان خبيث. لست أملك شيئا مما يجذب أو يفتن. أحسب أنني أعاني مرضا في الكبد، على أنني لا أفهم من مرضي شيئا على الإطلاق ولا أعرف على وجه الدقة أين وجعي وأنا لا أداوي نفسي، ولا داويت نفسي في يوم من الأيام، رغم أنني أحترم الطب والأطباء. وأني من جهة أخرى أؤمن بالخرافات إلى أقصى حد، أو قولوا إنني أؤمن بها إلى الحد الذي يكفي لاحترام الطب (إنني أملك من الثقافة ما يكفي لأن لا أكون من المؤمنين بالخرافات، ولكني أؤمن بها مع ذلك). لا، لا! لئن كنت لا أداوي نفسي، أن مرد ذلك إلى خبث وشر! لا شك أنكم لا تتنازلون إلى حيث تفهمون هذا، ولكني أنا أفهمه˝ . ❝
❞ لي صديق كان زميلي أيام الدراسة الثانوية .. ثم افترقنا وألقت بنا الدنيا كل واحد في طريق ثم عدنا بعد سنوات لنلتقي ..
وأصبح من عادته كلما لقيني أن يشكو .. وأصبح من عادتي أن أستمع .. وأنظر إلى وجهه الشاحب وشفتيه المزمومتين دائماً كأنما على ثأر بايت ..
وشكواه دائما هي .. هي .. لا تتغير .. حتى نبراته .. حتى كلماته التي يقولها وهو يطحن أضراسه ..
أريد أن أحيا كما يحيا السعداء الأغنياء .. لا تقل لي إن معظم الأغنياء غير سعداء .. لا تحاول أن تفلسف لي الفقر .. وتشوه لي الغنى .. أنا عارف كلامكم يا أدباء ، أريد أن أكون غنياً .. ولست راضياً بالمرة عن نفسي .. وعن وضعي الحالي .. عايز فلوس .. فلوس .. عايز يكون عندي عربية وشقة فيها بوتوجاز وثلاجة وبيك أب وريكوردر .. عايز أسكن في عمارة فيها أسانسير .. ويكون عندي على الأقل خمس بدل جديدة .. عايز أدخل السينما وأقعد بنوار .. مش صالة ..
عايز أدخل الكباريهات والبارات .. عايز أعرف إيه الموجود داخل هذه العلب التي قرأت عنها حتى امتلأت رأسي كلاماً .. عايز أشوف بعيني وأسمع بودني .. عايز أعيش .. أعيش .
أنا عايش في حرمان .. إوعى تقوللي ربنا عايز كده .. ربنا مش عايز كده .. ربنا عايزني أعيش وخلقني عشان أعيش وأتحرك وأشعر وألمس وأحس بكل حاجة ..
لقد كفرت بالمثل العليا .. كفرت بالأخلاق .. والفضائل والمبادىء .. كلها كلمات جوفاء لا معنى لها عندي .. الحقيقة الوحيدة التي أعرفها أني فقير .. ليس لي فدان تِرك ولا بقرة شِرك . كل أملاكي هي ماهيتي .. ثلاثون جنيهاً فقط ..
موظف صغير حقير . والدي متوفي ويشاركني في هذا المبلغ أم وثلاثة إخوة .. وكلهم سعداء لأنهم لا يشعرون ... أما أنا فأشعر .. أشعر دائما أني ميت .. أشعر أني أتمنى أشياء لا أستطيع أن أحصل عليها .. وأشعر في لحظات أني على وشك أن أكون قاتلاً أو لصاً أو سفاحاً أو محتالاً أو مُهرِب مخدرات ..
في حلقي مرارة لا تطفئها إلا الخيالات المريضة .
لا تقل لي إبحث عن عمل آخر أو اشتغل بالتجارة ..
أين الوقت لكل هذا .. وعملي في المطار .. وسكَنى بشبرا ، وخروجى كل يوم في السابعة صباحاً وعودتي في الخامسة بعد الظهر مرهقاً .. مُتعباً .. لا أصلح لشيئ ..
لاتقل لي هناك ملايين مثلك وأقل منك وسعداء ..
هذا صحيح .. أنا أعلم هذا ولكنهم خُلقوا هكذا .. شعورهم هكذا .. و لكني أنا شيء آخر .. وشعوري شيء آخر .. والمهم هو أنا ..أنا ..
ومن عادته أن يكرر أنا .. أنا .. عدة مرات وهو شارد .. ينظر إليَّ بشفتيه المزمومتين كأنه يحاسبني .. وكأني أنا المسئول عن عذابه .. ثم يمضي إلى حاله وأمضي أنا إلى حالي ..
ولكن شبحه يظل يلاحقني .. شفتاه المزمومتان ..
ونبراته الحادة .. وكلماته التي ينطقها في مرارة ويضغطها بين أسنانه مرة .. بعد مرة .. أنا .. أنا ..
نعم هنا العذاب كله .. في هذه الكلمة .. أنا ..
ليس عذابه في ظروفه وفقره وإيراده الصغير .. وإنما عذابه في نفسه هو ..
هناك ملايين الفقراء يعيشون مثله وأقل منه ولا يحسون بهذه الإحساسات ..
إن عذابه في عناصر شخصيته التي تتأجج إلى جوار بعضها ويشعل كل واحد منها الآخر ..
رغبة حادة بلا عقل .. وشهوة بلا ضابط .. وأحلام بلا وسائل وأمنيات ملحة وإرادة عقيمة .. وإحساسات مرهفة وأفق ضيق .. ولهفة مشبوبة .. وصبر نافد ..
وكلها تصطدم في النهاية وتتحول إلى أسباب للشقاء والحقد .. ولا تتحول إلى عمل وفعالية أبداً .. وهو بعُودِهِ النحيل ووجهه الشاحب الهضيم يبدو دائماً كمشروع جريمة ..
وأنا لا أؤمن بأن الإنسان عبد للظروف وأنه مُسيَّر ولا اختيار له إطلاقاً ..
ظروف الفقر والجهل والمرض والتربية السيئة لا تحتم الفشل في نظري .. بل هي أحياناً تؤدي إلى النبوغ والخير والعبقرية .. لأن العامل الحاسم هو دائماً الظرف الداخلي .. الظرف النفسي ..
وأخطر ظروف الجريمة ، هو المجرم نفسه .. وأخطر دوافع الجريمة هو المجرم نفسه ..
هي اللحظة الحاسمة التي تصل فيها شخصيته لدرجة الغليان وتفور عناصرها لتُفقده الصواب .
هذه العملية الداخلية المستترة في نفوسنا .. النية .. والإحساس .. والإنفعال .. والتصور .. والتردد .. والعزم .. والإندفاع .. هي مفتاح مصيرنا ..
وطالما سألت نفسي .. هل الإنسان يستطيع السيطرة على هذه العملية ..
هل يستطيع صاحبي أن يحكم غضبه .. ويسوس نفسه .. ويقود ثورته .. ويتحكم في انفعالاته .. ويتعقل حقده .. وحسده .
أعتقد أنه يستطيع ..
أعتقد أن حبل الحرية ممدود في نفوسنا وأننا نستطيع أن نلوذ به دائماً ..
يد الله تمد لنا هذا الحبل دائماً ولكنّا لا نراها ..
في أعماقنا طاقة ضوء نستطيع أن نطل منها ونستنجد .
لسنا حجرات مغلقة مظلمة .. تحتوي على الظروف . وتعكس مؤثرات البيئة فقط بدون حرية وبدون تصرف وبدون إرادة .. ولسنا حفراً تتجمع فيها الظروف والفقر والجهل والمرض والأبواب المسدودة ..
هناك الحرية دائماً في قاع المشكلة .. وهناك يد الله ورحمته .
لسنا كعيدان القش تحملنا الأمواج .. ويقذف بنا التيار .. وإنما نحن نستطيع أن نسير ضد الريح .. ونسبح ضد التيار .. وضد الظروف غير المواتية أحياناً .
إن الشجرة وهي نوع منحط من أنواع الحياة .. تنمو إلى فوق ضد الجاذبية الأرضية . والعصارة تجري فيها إلى فوق ضد الجاذبية الأرضية .. وضد قوانين السوائل والضغط الجوى .. وضد الظروف الفيزيقية ..
وهي تقف صلبة سامقة في وجه الريح . لا تنحني للطبيعة .. وهي شجرة عاجزة عمياء مزروعة في الأرض مقيدة بجذورها .. فما بال الإنسان سيد الكائنات الحية جميعها .. وله ساقان يجري بهما .. وعينان يبصر بهما .. وعقل يفكر به .. وقلب يحس به .
أنا لا أصدق أبداً خرافة المصير المحتوم .. والظروف التي تضرب على الناس الذِلّة والمسكنة .. فلا يُبقي لهم إلا الشكوى والسباب .. والجريمة ..
هناك حل دائماً .. هناك مَخرَج .. طالما أن هناك إيمان .
والمشكلة ليست الظروف ..
الظروف تتشابه في العائلة الواحدة .. ومع هذا يفترق الأخوة على طرق المصير .. واحد يَنبُغ .. والآخر يرتكب جريمة قتل .. والثالث يشحذ .. والرابع يدمن المخدرات .
المشكلة هي الانسان ..
الإنسان هو الظرف الحاسم .. والعامل المهم في الحياة .. وحينما تنسد كل الأبواب أمامه يظل هناك باب مفتوح في داخله .. هو الباب المفتوح على الرحمة الإلهية ..
وحينما يصرخ من اليأس .. فلأنه أغلق بيده هذا الباب أيضاً .. وأعطى ظهره لربه وخالقه .
وأنا أعتقد أن صاحبي يستطيع أن يفعل شيئاً .. يستطيع أن يكف عن الشروع في جريمة .. ويبدأ في الشروع في عمل آخر ناجح ..
مقال : مشروع جريمة
من كتاب / في الحب و الحياة
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله ) . ❝