█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ أن النبي ﷺ استعاذ من الهَمِّ والحَزَنِ ، وهما قرينان ، ومِنَ العَجزِ والكَسَلِ ، وهما قرينان فإنَّ تَخلَّفَ كمال العبد وصلاحه عنه ، إما أن يكون لعدم قدرته عليه ، فهو عجز ، أو يكون قادراً عليه لكن لا يُريدُ فهو كسل ، وينشأ عن هاتين الصفتين فواتُ كُلِّ خير وحصول كل شر ، ومن ذلك الشر تعطيله عن النفع ببدنه ، وهو الجُبّن وعن النفع بماله وهو البُخل ، ثم ينشأ له بذلك غلبتان غلبة بحق ، وهي غلبة الدين ، وغلبة باطل وهي غلبة الرجال ، وكل هذه المفاسد ثمرة العجز والكسل ، ومن هذا قوله في الحديث الصحيح للرجل الذي قضى عليه ، فقال : حَسْبِيَ الله ونِعْمَ الوَكِيلُ ، فَقَالَ ﷺ ( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى العَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بالكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : الله حَسْبِيَ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ) ، فهذا قال : حَسْبِيَ الله ونعم الوكيل بعد عجزه عن الكيس الذي لو قام به ، لقضي له على خصمه ، فلو فعل الأسباب التي يكون بها كَيْساً ، ثمَّ غُلِبَ فقال حسبي الله ونعم الوكيل ، لكانت الكلمة قد وقعت موقعها ، كما أن إبراهيم الخليل ، لما فعل الأسباب المأمور بها ، ولم يعجز بتركها ، ولا بترك شيء منها ، ثم غلبه عدوه ، وألقوه في النار ، قال في تلك الحال ( حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ) فوقعت الكمله موقعها ، واستقرت في مظانها ، فأثرت أثرها ، وترتب عليها مقتضاها ، وكذلك رسول الله ﷺ وأصحابه يوم قيل لهم بعد انصرافهم من أحد : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ، فتجهزوا وخرجوا للقاء عدوهم ، وأعطوهم الكَيْسَ من نفوسهم ، ثم قالوا : حَسْبُنَا اللهُ ونِعْمَ الوكيل ، فأثرت الكلمة أثَرَهَا ، واقتضت موجبها ، ولهذا قال تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) ، فجعل التوكل بعد التقوى الذي هو قيام الأسباب المأمور بها ، فحينئذ إن توكَّل على الله فهو حسبه ، وكما قال في موضع آخر ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ) ، فالتوكل والحسب بدون قيام الأسباب المأمور بها عجز محض ، فإن كان مشوباً بنوع من التوكل ، فهو توكل عجز ، فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكَّلَهُ عجزاً ، ولا يجعل عجزه توكلاً ، بل يجعل توكله من جملة الأسباب المأمور بها التي لا يتم المقصود إلا بها كلها . ❝