█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2023
❞ كل ما تراه وتسمعه، وتلمسه، وتتنشقه، وتتذوقه وما تذكره، وتنتظره، وينتظرك يدعوك للرحيل والفرار ولو بثيابك الداخلية إلى أقرب سفينة أو قطار:
ألوان الطعام ,الشراب , الخدمات العامة , الرشاوى العلنية , أصوات المطربين , أصوات الباعة , مخالفات المرُور , الأمراض المستعصية , الأدوية المفقودة , والمجارير المكشوفة في كل مكان. . ❝
❞ مقال "عن الشهوة " .. رائع وهام جدًا
مع سن البلوغ تهب زوبعة الرغبة وتتفجر الشهوات ، ويطالب الجسد بحظه من الإشباع ، ويشعر الشاب بهذه الرغبات تغالبه وتزاحمه كأنها مشيئة أخرى في داخله ، تحاول أن تفرض ذاتها عليه ، ويشعر بنفسه يدفعها وتدفعه ويكبحها وتكبحه ، ويلجمها مرة وتفلت منه مرات ، وتجذبه وراءها وتجره إلى حضيض اللذات الحسية المباشرة ، والمزاولات البدائية ..
وتلك هي المراهقة ، وقد يصاحبها انطواء وسوداوية ورغبة في العزلة أو ثورة ولهو وعربدة .. وقد يصاحبها تدین حاد مریض متهوس ، أو كفر وعصيان وتمرد ، ورفض لجميع الأخلاق والأعراف، فنرى الشاب يقول : جسمی ملکی أفعل به ما أشاء، وأستمتع ما أشاء مادمت لا أغتصب أحدًا .. ونرى الفتاة تقول : أنا حرة، أهب نفسي لمن أحب وأختار، ولا دخل لأحد بنا مادمنا لا نؤذي أحدًا .. وقد تصل هذه الإباحية إلى ذروتها ، وترفع لنفسها رايات فلسفية مثل العبثية والوجودية والفوضوية ، فتعقد صلحًا مزيفًا مع العقل ، بل أكثر من ذلك تجعل العقل خادمًا لها ، يجلب لها المزيد من اللذات ، ويسخر لها المزيد من صنوف المتعة !! ..
ويقول الواحد منهم .. كل شيء حلال مادمنا لا نخون أنفسنا، ولا نكذب ولا نمثل ولا ندعي .. وهو كلام يكشف عن التباس خطير .. فقد تصور الواحد منهم أن هذه الشهوة الوافدة .. هي حقيقة إرادته ورغبته بالأصالة .. وتصورها هدفًا لوجوده وغاية لحياته على الأرض .. والحقيقة غير ذلك، فالله حينما يشعل هذا الصراع بين النقيض والتقيض (بين الروح والجسد) في الإنسان إنما يريد بذلك أن يوقظ إرادة النفس المستقلة ، ويزكيها ويميزها کشیء متميز متعال، على إرادة الجسم، والأعضاء التناسلية .. يريد بكل إنسان أن يكتشف أنه ليس جسده .. وأنه حاكم لهذا الجسد، ولا يصح أن تنقلب الآية فيصبح الجسد حاكمًا عليه .. وأنه سيد على هذا الجسد، ولا يصح أن ينقلب السيد خادمًا والحاكم محکومًا ، وإلا اندرج الإنسان في عداد البهائم ..
ولا يكتشف الإنسان هذه الحقيقة ، إلا حينها ينحدر إلى سفل هوة الخضوع الشهواني ، وحينئذ يشعر أنه لم يزدد حرية ؛ بل ازداد قيدًا، وأنه لم يصبح حرًا بل أصبح عبدًا .. وأنه أصبح سجين جسمه ، وأن أعضاءه أصبحت تخنقه مثل الجاكتة الجبس .. وحينئذ يثور الواحد منهم إن كان من أهل الإخلاص ، ويكسر قيوده ويتحرر ، ويبدا في مسيرته الإنسانية السوية ، نحو علاقة ينظم فيها هذه الرغبة في زواج ناجح، أو ينصرف عنها إلى عمل منتج .. أما إن كان من أهل الجبلة الحيوانية، فإنه يمضي في الانحدار إلى الحضيض حتى تموت نفسه، وتموت روحه كما تموت نحلة في العسل ..
والفرق بين ضبط هذه الرغبة، وعدم ضبطها هو الفرق بين جبلاية القرود وبين المجتمع المتمدن.
وما أكثر المدن الأوروبية التي أصبحت الآن أشبه بجبلايات القرود.
وإشباع هذه الرغبة يؤدى دائمًا إلى حالة من البلادة والخمول، والكسل وموت الروح .. تمامًا مثل إشباع المعدة وتخمتها وملئها بالطعام.
إنما يكون الإنسان إنسانًا، حينما يقوم من الطعام قبل أن يمتلئ ..
فالإنسان هو إنسان فقط، إذا استطاع أن يقاوم ما يحب ويتحمل ما يكره، وهو إنسان فقط إذا ساد عقله على بهيميته وإذا ساد رشده على حماقته، وتلك أول ملامح الإنسانية في الإنسان.
ويجاوب السادة الصوفية على من يسألهم : كيف يقاوم الإنسان شهوته ؟! .. فيقولون بتنظيمها في إطار الزواج، فإذا لم يتيسير الزواج يستعين عليها بالترك .. فالشهوة كامنة في الجسم کمون النار في الحجر .. إذا داومت على ضرب الحجر بالحجر ظهرت النار وبان شرارها، ولم تستطع أن تحكمها، فعليك بالترك .. لا تضرب حجر الأنوثة بحجر الذكورة .. تجنب الخلوة بين الجنسين .. وتجنب الإثارة والاستثارة .. وتجنب المراودة .. ولا تحم حول الحمى، حتى لا تقع فيه .. واكبح شهواتك بالصوم والعمل .. واستنهض روحك وقوها بالعبادة، وسيساعدك هذا الترك على عودة الشهوة إلى الركود والكمون، كما تكمن النار في الحجر إذا كففته عن الاحتكاك؛ فتهدأ النفس ويتطهر القلب، ويعود إلى البال صفوه.
ونحن نضيف إلى كلام السادة الصوفية وسائل جديدة أتاحها لنا العصر هي: الرياضة البدنية بألوانها، والرحلات وممارسة الهوايات والقراءة .. وكلها مصارف يمكن أن تجرى فيها فائض الطاقة، فتصبح فائدة وبركة، بدلًا من أن تتركز تلك الطاقة في الأعضاء التناسلية، وتصبح شهوة مدمرة تمتص صاحبها حتى النخاع وتستهلكه، فيما لا يفيد.
ولن يغني ذلك عن الصراع ولن يغني عن المغالبة والمراهقة.
فلا بديل عن الكفاح، فذلك قدر الإنسان .. وذلك أيضًا شرفه وامتيازه على الملائكة.
ولم يخلق الإنسان ليرث الجنة بلا مجهود، وإنما خلق ليأخذ الجنة غلابًا، وبعد إثبات الاستحقاق ..
فلابد من المكابدة والمعاناة ((لقد خلقنا الإنسان في كبد)) ..
ولا يمكن أن يكابد واحد بدلًا من آخر ، ولا يستطيع أبوك ولا أخوك، ولا صديقك أن يحمل عنك تلك المكابدة فيعانيها بدلًا منك .. وإنما يخلق الإنسان ليولد وحده، ويوت وحده ویشيخ وحده، ويمرض وحده ويتألم وحده، ويكابد وحده، ويلقي الله وحده ..
ولا نملك أكثر من أن نهون على بعضنا الطريق .. ببذل الحكمة والخبرة والقول السديد ..
وفي كتاب الموتى يقول الحكيم الفرعوني منذ ثلاثة الاف سنة :
احذر الاقتراب من النساء في أي مكان تدخله، فقد انحرف ألف رجل عن جادة الصواب بسبب ذلك .. إنها لحظة قصيرة كالحلم، والندم يتبعها ..
وكل الكتب السماوية تقول في وصاياها : لا تزن.
وقد جاء مثل هذا الكلام في صحف إبراهيم أبي الأنبياء من قبل إنه كلام قديم .. قديم .. منذ آدم .. ومنذ قال الله لآدم : لا تأكل من هذه الشجرة.
ويعود الأمر مرة أخرى ، فيتكرر فإذا بكل منا يقف موقف آدم .. أيأكل من الشجرة المحرمة أم لا يأكل ؟! .. ويتكرر هذا الموقف أمام كل إغراء .. طوال حياته .. ولا تعفي الحياة أحدًا من الإغراء، ولا تعفي أحدًا من الامتحان ، ولا تعفي أحدًا من ذلك الموقف القديم الذي وقفه آدم ، لأنه في مراد الله وفي خطته، أن يخرج المكتوم في كل قلب، وأن تفتضح النوايا وتظهر الأعمال : ((والله مخرج ما كنتم تكتمونه)) ..
وفي مراد الله أن تتميز المراتب ، وتتفاضل الدرجات .. وفي سنة الله أن يميز الخبيث من الطيب .. ولأن الله لا يريد أن يأتي هذا الأمر تعسفًا منه .. ولا يريد أن يفضح أحدًا من عباده بلا بينة .. فإنه خلق الدنيا ليفضح كل واحد نفسه بنفسه وبعمله .. ((خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاه)) ..
ليحاسب كل واحد بعد ذلك نفسه بنفسه يوم القيامة .. ((وكفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)) .. وليدخل كل واحد في رتبته، ومنزلته في إقرار واقتناع، دون أن يكون له على الله حجة ..((ولئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )) ..(( ولا يظلم ربك أحدا )) ..
ذلك موقف الإنسان الأزلي أمام ضعفه وقوته .. وتلك هي نافذة الشهوة التي تأتي منها الريح ، فتكشف المخبوء وتفضح المكتوم، وتدل على ارتفاع المراتب أو انحطاط المنازل ..
والإنسان الحكيم يذكر ذلك، كلما وقف ذلك الموقف الذي وقفه آدم، والذي يتكرر عليه بعدد ما في الدنيا من مفاتن ومغريات، فيجاهد نفسه ليستنهض أشرف ما فيه .. وذلك هو الجهاد الأكبر .. جهاد النفس الذي تفتضح فيه مكانتها ومنزلتها .. ومصيرها وتعرف درجاتها .. وليس أشرف ولا أنبل من ذلك الجهاد !! ..
كتاب " عصر القرود " . ❝
❞ ليس هناك أغرب من عادة شرب الدخان ..
أن يصرف رجل عاقل نقوده في إحراق بعض المخلفات و استنشاق دخانها اللاسع الخانق الكريه .
يدخن و يسعل و يبصق .. ثم يعود فيبتلع الدخان و يسعل و يبصق .. و يقول بصوت أجش مشروخ إنه يشكو من برد مزمن ، و إنه لهذا السبب استبدل الدخان الإنجليزي بالدخان التركي !
ثم ينفث حلقات الدخان و هو يحملق في الفراغ و فمه مفتوح ، و قد وضع ساقاً على ساق ، و سبح بخياله في حالة انعدام وزن لا يفكر في شيء .. مشهد كاريكاتوري من مسرح لا معقول .
قصة بلهاء من خمس دقائق تبدأ بشطة عود كبريت ، ثم حركات استعراضية من رجل عجيب يأخذ أوضاعاً بهلوانية في كرسيه و يسترخي و يسرح و يشفط و ينفخ و يسعل و يبصق .
و نفهم من القصة أنه يدفع من قوته و قوت عياله في سبيل هذا الدخان ..
ثم يعود فيدفع مرة أخرى ليعالج نفسه من هذا السعال و الدخان ..
ثم يعود فيدفع مرة ثالثة لينظف أسنانه من أوساخ هذا الدخان ..
ثم يروي لنا أنه قرأ في المجلة عن تسبب التدخين في السرطان و في نفس الصفحة قرأ إعلانات عن فوائد التدخين .
فإذا سألته و ماذا ستفعل ؟
قال لك سأستبدل لفافة التبغ بالسيجار ، أو السيجار بالشيشة ، أو الشيشة بالجوزة !
و تراه يصوم عن الطعام و لا يستطيع أن يصوم عن السيجارة ..
و تراه يستمر في هذا الإنتحار الصغير كل يوم فيلقي بنقوده و صحته في البحر ، و يقف يتفرج على الإثنين يغرقان و هو يسعل و يبصق و يلهث ..
رجل مخبول تماماً ..
و لكن هذا المخبول هو كل الناس ..
كل الناس ينتحرون لسبب غير مفهوم ..
العملة الصعبة التي تنفق في استيراد التبغ و السيجار و المعسل في العالم كافية لحل مشاكل المجاعة و الفقر و الجهل و المرض ..
و الإنسان المجنون ابتكر وسائل انتحار أخرى .. غير التبغ ، مثل الأفيون ، و الحشيش ، و الكوكايين ، و الهيرويين ، و عقار الهلوسة و الخمور بأنواعها .. و لم يكتف بهذا فاخترع أسلحة القتل السريع الأكيد مثل الرصاصة ، و القنبلة ، و الغاز السام .
ثم عاد فابتكر الأعذار و المبررات الجاهزة للقتل .. مثل الصراع الطبقي و تغيير التاريخ ، و إنقاذ الحرية !
و الحرية ذاتها كانت دائماً هي المخدر الأكبر ..
المدخن يقول لك : أنا أدخن لأني حر .
و مدمن المخدرات يقول لك : أنا حر .
و الذي يطلق أول رصاصة يطلقها ليكون حراً
و دائماً الحرية هي أول ما تجهز عليه هذه الأسلحة ..
و دائماً الحرية هي الضحية ..
و الإنسان القاتل و المقتول هما الضحية ..
و الجنون العام هو الحقيقة ..
و هو طابع هذا الإنسان العاقل اللامعقول اللغز ...
مقال / الجنون العام
من كتاب / الشيطان يحكم
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله ) . ❝