█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2023
❞ ماذا لو جِئت إليك مكسورًا؟
سأفتح ذراعي من أجل أحتضانك، أضع يدي فى فرة رأسك، أداعب شعرك بيدي، ألمس فؤادك من أجل أن يهدأ قلبك، أنظر إلى عيناك؛ لأشعرهم بالأمان، أوضع يدي بيدك لتشعر بالأطمئنان، أجعل قلبي يحدث قلبك؛ ليزيل عنه حزنه، أصلح ما كسر بداخلك وأرمم شتات قلبك،سأحتويك بالضمة وأبعد عنك وجع الكسرة، سأرجع البسمة على شفتاك من جديد، وأزيل الحزن من وجهك، لو جئتني مكسور من الحياه بأكملها، سأكون أنا الملجأ الذي يرمم قلبك من جديد.
الكاتبة: منار محمد ˝سمو الأميرة˝ . ❝
❞ حيــاة الأعـزب . . .
الجمعة :
أنا حاكم لا شريك له على بيت أنيق ..
ليس لي ثانٍ في دولتي الصغيرة الجميلة . أستطيع أن أصحى متى شئت .. و أنام متى شئت .. و أخلع ثيابي .. و أغني .. و أُطرقع مفاصلي .. و أشرب الماء أو العرقسوس أو الويسكي كما يحلو لي ...
ليس على أكتافي شئ سوى رأسي ... لا مسئوليات .. لا هموم .. لا مطالب .. لا واجبات .. فأنا أعزب .. كلمة جميلة حلوة .. هذه الكلمة .. أعزب ..
لقد تذكرتها و أنا أحلق ذقني .. و أنظر إلى وجهي في المرآة .
فصفرت بفمي نشيد المارسيليز إحتفالا بالحرية المطلقة التي أعيش فيها .. و الإمبراطورية الواسعة التي أحكمها .. و التي تتألف من ثلاث غرف و صالة و حمام أنيق بالقيشاني ..
سوف أنام الليلة ملء أجفاني .. تحلم بي كل عانس و يحسدني كل زوج .. و تجعل مني بنات السادسة عشرة محوراً لمغامراتهن .. و يحمل همي الخادم و البواب و الجيران .. و لا أحمل أنا سوى إبتسامة و اسعة ساخرة معها آخر نكتة من نكت الموسم ..
يقولون إن حياة الأعزب تعاسة .. و وِحدة و فراغ .. و فشل .. و هذه خرافة خلقها الأزواج لأنهم فشلوا في أن يكونوا عُزاباً ناجحين .
و مثلها .. حكاية البيت الدافئ .. و الأولاد الذين يمدون بقاء الزوج على الأرض .. و الزوجة التي تضئ ظلام الوحدة مثل القنديل . و حديث آخر الليل الذي يتقاسم فيه الزوجان المسرات و الهموم ..
كل هذه إعلانات مثل الإعلانات التي تروج بيع الصابون و ملح كروشن و الأسبرو .
أما الواقع فهو شئ آخر غير هذه الإعلانات .. فالبيت قد لا يدخله الدفء بالمرة .. و الإبن قد لا يمد أجل أبيه .. و ربما أخذ أجله .. و الزوجة قد تكون نكداً .. و حديث آخر الليل غالبا ما تحول إلى مراجعة للحسابات تنتهي بخناقة و بأن يعطي كل واحد ظهره لصاحبه و وجهه للحائط ..
خذوا الحكمة من أفواه المتزوجين .
إن من عادتي أن أترك ملعب الزوجية ينزل فيه أصدقائي .. و أكتفي بالتهليل على كل هدف يصيبه أي واحد من الاثنين ..
و مازلت أشكر الله على هذه النصاحة . و أشعر بالتلذذ و أنا أتأمل وجهي في المرآة .. و أجر عليه الموس و أحلقه بعناية قطعة قطعة .. و أبحث عن ينابيع النصاحة في عيني . و أصفر بصوت مرح يخرج من نافوخي .. و أقول أنا حر .. أنا أعزب ..
السبت :
دفتر يومياتي يقول إني محجوز على الغذاء و العشاء لمدة أسبوع مقدما ..
إني على حق في إلغاء المطبخ من شقتي .. فما الداعي للمطبخ ما دمت أتغذى في أقرب مطعم و أتعشى عند أقرب صديق .. و أغسل ثيابي عند أقرب مكوجي .. و أعود للبيت لأنام ..
لقد قالت لي صديقتي اليوم :
ــ أنت رجل مضيع للوقت .. أنت موزع على طول الشارع الذي تسكن فيه بين البقالين و الحلاقين و المكوجية و المطاعم و المخابز ..
إن بيتك ليس بيتاً .. إنه مجرد سرير سفاري .. جراج .. خيمة كشافة .. تتزود بالتموين من كل رصيف ..
أنت متشرد ..
و فهمت من كلامها أن تُلمِح لي بالزواج بأسلوب ماكر مهذب .. فقلت لها بهدوء :
_ أنا رجل عصري . لا أضع ثروتي في البيت تحت البلاطة .. و إنما أساهم بها في كل البنوك .. أيكون هذا تضييعاً لي .. !
فقالت في غيظ :
ــ و تساهم بحبك في كل القلوب .. أليس كذلك .. إنك تحاول أن تضمن الواحدة بعقد علاقة مع أخرى .. و لكنك تخسر الإثنين ، لإنك تخسر الثقة .. إن كل شئ في حياتك لا يبعث على الثقة .. و أنت نفسك لا تثق بنفسك ..
و دمعت عيناها .. و أردفت في يأس :
ــ إنك تجعل الإخلاص مستحيلاً .. ثم تبكي لأنك لا تجد الإخلاص .. ألست رجلاً مغفلاً ..
فقلت في ضيق :
_ إن الإخلاص يولد من نفسه و لا يولد بالحقن و المواثيق .. أنا رجل واقعي لا أطلب من الطبيعة البشرية أكثر مما تستطيع أن تعطيه ..
ــ إن الغلب عندك طبيعة .. أنت غلبان .
و شعرت بالغيظ .. ربما لأني غلبان فعلاً .. و لكني لم أجب بكلمة .. و قالت هي بعد فترة :
_ أريد أن أعرف .. ماذا تريد من وراء هذا كله .. في مقابل أي شئ تعيش هذه الحياة ؟
و أجبت في يقين :
_ أريد أن أحتفظ بحريتي ..
_ بالضبط تريد أن تحتفظ بحريتك .. مجرد إحتفاظ .. لأنك لا تفعل بها شيئــاً .
و رفعت صوت الراديو ليغطي على صوتها .. و فاض بي الضيق .
إن المرأة تفقد نصف جمالها حين تلمح بالزواج .. و تفقد النصف الآخر حينما تتحدث عن الفلسفة و المنطق .. و خصوصاً إذا كان كلامها في محله ..
الأحد :
تيقظت متأخراً هذا الصباح .. و فتحت نصف عين على شعاع الشمس الذي يداعب وسادتي .. ثم عدت فأغلقتهما .. و بدأت أفكر من حيث انتهينا في الليلة الماضية .
ماذا أريد من هذا كله ؟
حريتي ..
و ماذا أفعل بحريتي ..
إني أرفض إختيار طريق لأنه يقيدني .. و أفضل البقاء في مفترق الطرق .. أعاني الحرية و لا أمارسها .
أهو احساس بالمسئولية .. أم جبن .. أم تغفيل ..إني دائماً أكتشف أني مثالي من حيث أظن أني واقعي .
إن الواقعية لا تقف في مفترق الطرق أبداً ..
الواقعية لا تعلق إمكانياتها .. و إنما تثب و تعمل ..
و أنا أعلق كل شئ على مشجب ..
و رفعت السماعة لأطلب صديقتي ..فقالت لي إنها خطبت إلى إبن عمها .. و تمنت لي أياما طيبة ..
و وضعت السماعة في سكون .. و تلفَتَّ حولي .. و لأول مرة إكتشفت أن في شقتي صراصير .. و أن العنكبوت يتدلى من جدرانها ..
و تذكرت أن المكوجي قد أخذ كل القمصان للغسيل و لم يحضرها و أن كل الصحون قذرة .. و أحسست أني أكسل من أن أنظف صحناً .. فأرسلت البواب ليشتري لي صحناً جديداً ..
ثم زعقت عليه بعد قفز بضع درجات على السلم ..
_ إستنى عندك .. خد اشتري لي قميص كمان علشان ما عنديش قمصان ..
و أغلقت الباب .. و عدت أتمشى في الصالة .. ثم بدأت أدير البيك آب .. و وضعت أسطوانتي المحببة .
و وقفت في النافذة .. و لكن البيك آب ظل يخشخش ..
و اكتشفت بعد مدة أن طبقات من التراب واقفة في حلقه ..
و لا أدري لماذا تذكرت حكاية الإمبراطورية الواسعة التي أحكمها في تلك اللحظة .. و أحسست أني إمبراطور فعلاً . و لكن إمبراطور على خرابة .
الإثنين :
ذهبت في زيارة فرج .. و هو صديق قديم أعرفه من عشرين عاماً .. و وجدته يدخن الجوزة وسط أولاده الخمسة .. و كان أكبر أولاده يمص عوداً من القصب و يضع المصاصة في طربوشه .. و أصغرهم يقف وسط الغرفة بالفانلة و اللباس .. يلوح بذراعيه الرفيعتين ..
و كانت نونا الصغيرة تخرج لسانها .. ثم تقفز على الكراسي و تؤذن .
و كان فرج وسط هذه الهوسة يضحك و يكركر بقلب طليق و بين حين و آخر يفرغ الطربوش من مصاصة القصب في صينية على الأرض قائلاً في حنان :
_ بقه كده يا ولد يا تنتون .. تحط الزبالة في طربوش أبوك ثم يضحك ..
_ عفاريت الولاد دول .. عفاريت ..
و طول الزيارة كنت أفكر في سؤال واحد .
كيف أضيق بهذا الصراخ و لا أكاد أحتمله دقيقة واحدة .. و كيف إحتمله فرج عشر سنوات .. و هو يضحك .
أهناك سر بين الأب و أولاده .. يجعل كل شئ محتملاً ..
سر لا يفهمه الأعزب ..
ربما .. أنا لم أجرب على كل حال .
الخميس :
بعد ليلة حمراء .. جسمي مثل مدينة اكتسحها زلزال .. أعضائي تهدمت .. عظامي مثل أعمدة معبد .. إنهارت .. و انهار فوقها السقف .
إني أسأل نفسي .. أهذه هي اللذة .. أهذه هي السعادة التي يتزوج من أجلها الناس ؟
مجانين ..
إني لا أجد فيها سبباً أتزوج من أجله .
إنها مجرد رغبة حمقاء .. لا شأن لي بها .. الطبيعة تدفعني إليها و تشوقني و ترغمني .. فأسعى إليها كما يسعى النمل .. و أمارسها في غباء ثم أفيق على لا شئ .. و لا تبقي من النار الموقدة إلا مجاملات فاترة ..
خمس دقائق فقط ..
كيف أتزوج من أجل خمس دقائق ..
السبت :
سألت نفسي .. ما هو الحب .. و بعد تفكير طويل اكتشفت أن الحب هو أن يبقى شئ بعد الخمس دقائق .. هو أن تبقى في النفس حاجات تدفع الإثنين على البقاء معا .
الحب هو رغبة بين الإثنين لا تستنفذها الطبيعة .. رغبة شخصية لكل منهما في الآخر .. ليس لكونه ذكراً .. و لا لكونها أنثى .. و لكن لكونه فلان .. و لكونها فلانة .. و لكونهما مشدودان بخيط من الفضول و الدهشة و الإعجاب .. كل منهما يحب أن يصغى إلى صوت الآخر .. حتى و لو لم يكن يتكلم .. يصغى إلى صوت وجوده ..
فكرت في هذه العبارات ثم ضحكت .. يالي من شاعر و تذكرت أخي و هو يقول لي كل يوم :
_ إلى متى تظل أعزب .. متى تفكر في الزواج .
و هو لا يدري أني أعزب لأني أفكر في الزواج .. أقتله تفكيراً كل يوم .. و أفكر في الحب و أقتله تفكيراً .. ثم أقتل نفسي من كثرة التفكير في نفسي .. ثم لا يبقى بعد هذا إلا أشباح و رغبات .. و شبح آخر أحمق ثرثار هو أنا .. لا يفتأ يسأل .. و يسأل .. يسأل لماذا .. و كيف .. و متى .. و أين
.. و إلى أين ..
. ❝
❞ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)
قوله تعالى : فلما سمعت بمكرهن أي بغيبتهن إياها ، واحتيالهن في ذمها . وقيل : إنها أطلعتهن واستأمنتهن فأفشين سرها ، فسمي ذلك مكرا .
قوله : أرسلت إليهن في الكلام حذف ; أي أرسلت إليهن تدعوهن إلى وليمة لتوقعهن فيما وقعت فيه ; فقال مجاهد عن ابن عباس : إن امرأة العزيز قالت لزوجها إني أريد أن أتخذ طعاما فأدعو هؤلاء النسوة ; فقال لها : افعلي ; فاتخذت طعاما ، ثم نجدت لهن البيوت ; نجدت أي زينت ; والنجد ما ينجد به البيت من المتاع أي يزين ، والجمع نجود عن أبي عبيد ; والتنجيد التزيين ; وأرسلت إليهن أن يحضرن طعامها ، ولا تتخلف منكن امرأة ممن سميت . قال وهب بن منبه : إنهن كن أربعين امرأة فجئن على كره منهن ، وقد قال فيهن أمية بن أبي الصلت :
حتى إذا جئنها قسرا ومهدت لهن أنضادا وكبابا
ويروى : أنماطا . قال وهب بن منبه : فجئن وأخذن مجالسهن .
وأعتدت لهن متكأ أي هيأت لهن مجالس يتكئن عليها . قال ابن جبير : في كل مجلس جام فيه عسل وأترج وسكين حاد . وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير ˝ متكا ˝ مخففا غير مهموز ، والمتك هو الأترج بلغة القبط ، وكذلك فسره مجاهد روى سفيان عن منصور عن مجاهد قال : المتكأ مثقلا هو الطعام ، والمتك مخففا هو الأترج ; وقال الشاعر :
نشرب الإثم بالصواع جهارا وترى المتك بيننا مستعارا
وقد تقول أزد شنوءة : الأترجة المتكة ; قال الجوهري : المتك ما تبقيه الخاتنة . وأصل المتك الزماورد . والمتكاء من النساء التي لم تخفض . قال الفراء : حدثني شيخ من ثقات أهل البصرة أن المتك مخففا الزماورد . وقال بعضهم : إنه الأترج ; حكاه الأخفش . ابن زيد : أترجا وعسلا يؤكل به ; قال الشاعر :
فظللنا بنعمة واتكأنا وشربنا الحلال من قلله
أي أكلنا .
النحاس : قوله تعالى : ˝ وأعتدت ˝ من العتاد ; وهو كل ما جعلته عدة لشيء . ˝ متكأ ˝ أصح ما قيل فيه ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : مجلسا ، وأما قول جماعة من أهل التفسير إنه الطعام فيجوز على تقدير : طعام متكأ ، مثل : واسأل القرية ; ودل على هذا الحذف وآتت كل واحدة منهن سكينا لأن حضور النساء معهن سكاكين إنما هو لطعام يقطع بالسكاكين ; كذا قال في كتاب ˝ إعراب القرآن ˝ له . وقال في كتاب ˝ معاني القرآن ˝ له :
وروى معمر عن قتادة قال : المتكأ الطعام . وقيل : المتكأ كل ما اتكئ عليه عند طعام أو شراب أو حديث ; وهذا هو المعروف عند أهل اللغة ، إلا أن الروايات قد صحت بذلك . وحكى القتبي أنه يقال : اتكأنا عند فلان أي أكلنا ، والأصل في متكأ موتكأ ، ومثله متزن ومتعد ; لأنه من وزنت ، ووعدت ووكأت ، ويقال : اتكأ يتكئ اتكاء .
وآتت كل واحدة منهن سكينا مفعولان ; وحكى الكسائي والفراء أن السكين يذكر ويؤنث ، وأنشد الفراء :
فعيث في السنام غداة قر بسكين موثقة النصاب
الجوهري : والغالب عليه التذكير ، وقال : يرى ناصحا فيما بدا فإذا خلا فذلك سكين على الحلق حاذق
الأصمعي : لا يعرف في السكين إلا التذكير .
قوله تعالى : وقالت اخرج عليهن بضم التاء لالتقاء الساكنين ; لأن الكسرة تثقل إذا كان بعدها ضمة ، وكسرت التاء على الأصل . قيل : إنها قالت لهن : لا تقطعن ولا تأكلن حتى أعلمكن ، ثم قالت لخادمها : إذا قلت لك ادع إيلا فادع يوسف ; وإيل : صنم كانوا يعبدونه ، وكان يوسف - عليه السلام - يعمل في الطين ، وقد شد مئزره ، وحسر عن ذراعيه ; فقالت للخادم : ادع لي إيلا ; أي ادع لي الرب ; وإيل بالعبرانية الرب ; قال : فتعجب النسوة وقلن : كيف يجيء ؟ ! فصعدت الخادم فدعت يوسف ، فلما انحدر قالت لهن : اقطعن ما معكن .
فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن بالمدى حتى بلغت السكاكين إلى العظم ; قاله وهب بن منبه . سعيد بن جبير : لم يخرج عليهن حتى زينته ، فخرج عليهن فجأة فدهشن فيه ، وتحيرن لحسن وجهه وزينته وما عليه ، فجعلن يقطعن أيديهن ، ويحسبن أنهن يقطعن الأترج ; واختلف في معنى أكبرنه فروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : أعظمنه وهبنه ; وعنه أيضا أمنين وأمذين من الدهش ; وقال الشاعر :
إذا ما رأين الفحل من فوق قارة صهلن وأكبرن المني المدفقا
وقال ابن سمعان عن عدة من أصحابه : إنهم قالوا أمذين عشقا ; وهب بن منبه : عشقنه حتى مات منهن عشر في ذلك المجلس دهشا وحيرة ووجدا بيوسف . وقيل : معناه حضن من الدهش ; قاله قتادة ومقاتل والسدي ; قال الشاعر :
نأتي النساء على أطهارهن ولا نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره وقالوا : ليس ذلك في كلام العرب ، ولكنه يجوز أن يكن حضن من شدة إعظامهن له ، وقد تفزع المرأة فتسقط ولدها أو تحيض . قال الزجاج يقال أكبرنه ، ولا يقال حضنه ، فليس الإكبار بمعنى الحيض ; وأجاب الأزهري فقال : يجوز أكبرت بمعنى حاضت ; لأن المرأة إذا حاضت في الابتداء خرجت من حيز الصغر إلى الكبر ; قال : والهاء في أكبرنه يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية ، وهذا مزيف ، لأن هاء الوقف تسقط في الوصل ، وأمثل منه قول ابن الأنباري : إن الهاء كناية عن مصدر الفعل ، أي أكبرن إكبارا ، بمعنى حضن حيضا . وعلى قول ابن عباس الأول تعود الهاء إلى يوسف ; أي أعظمن يوسف وأجللنه .
قوله تعالى : وقطعن أيديهن قال مجاهد : قطعنها حتى ألقينها . وقيل : خدشنها . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : حزا بالسكين ، قال النحاس : يريد مجاهد أنه ليس قطعا تبين منه اليد ، إنما هو خدش وحز ، وذلك معروف في اللغة أن يقال إذا خدش الإنسان يد صاحبه قطع يده . وقال عكرمة : ˝ أيديهن ˝ أكمامهن ، وفيه بعد . وقيل : أناملهن ; أي ما وجدن ألما في القطع والجرح ، أي لشغل قلوبهن بيوسف ، والتقطيع يشير إلى الكثرة ، فيمكن أن ترجع الكثرة إلى واحدة جرحت يدها في موضع ، ويمكن أن يرجع إلى عددهن .
قوله تعالى : وقلن حاش لله أي معاذ الله . وروى الأصمعي عن نافع أنه قرأ كما قرأ أبو عمرو بن العلاء . ˝ وقلن حاشا لله ˝ بإثبات الألف وهو الأصل ، ومن حذفها جعل اللام في لله عوضا منها . وفيها أربع لغات ; يقال : حاشاك وحاشا لك وحاش لك وحشا لك . ويقال : حاشا زيد وحاشا زيدا ; قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول : النصب أولى ; لأنه قد صح أنها فعل لقولهم حاش لزيد ، والحرف لا يحذف منه ; وقد قال ، النابغة :
ولا أحاشي من الأقوام من أحد
وقال بعضهم : حاش حرف ، وأحاشى فعل . ويدل على كون حاشا فعلا وقوع حرف الجر بعدها . وحكى أبو زيد عن أعرابي : اللهم اغفر لي ولمن يسمع ، حاشا الشيطان وأبا الأصبغ ; فنصب بها . وقرأ الحسن ˝ وقلن حاش لله ˝ بإسكان الشين ، وعنه أيضا ˝ حاش الإله ˝ . ابن مسعود وأبي : ˝ حاش الله ˝ بغير لام ، ومنه قول الشاعر :
حاشا أبي ثوبان إن به ضنا عن الملحاة والشتم
قال الزجاج : وأصل الكلمة من الحاشية ، والحشا بمعنى الناحية ، تقول : كنت في حشا فلان أي في ناحيته ; فقولك : حاشا لزيد أي تنحى زيد من هذا وتباعد عنه ، والاستثناء إخراج وتنحية عن جملة المذكورين . وقال أبو علي : هو فاعل من المحاشاة ; أي حاشا يوسف وصار في حاشية وناحية مما قرف به ، أو من أن يكون بشرا ; فحاشا وحاش في الاستثناء حرف جر عند سيبويه ، وعلى ما قال المبرد وأبو علي فعل .
قوله تعالى : ما هذا بشرا قال الخليل وسيبويه : ما بمنزلة ليس ; تقول : ليس زيد قائما ، و ˝ ما هذا بشرا ˝ و ˝ ما هن أمهاتهم ˝ . وقال الكوفيون : لما حذفت الباء نصبت ; وشرح هذا - فيما قاله أحمد بن يحيى - إنك إذا قلت : ما زيد بمنطلق ، فموضع الباء موضع نصب ، وهكذا سائر حروف الخفض ; فلما حذفت الباء نصبت لتدل على محلها ، قال : وهذا قول الفراء ، قال : ولم تعمل ˝ ما ˝ شيئا ; فألزمهم البصريون أن يقولوا : زيد القمر ; لأن المعنى كالقمر ! فرد أحمد بن يحيى بأن قال : الباء أدخل في حروف الخفض من الكاف ; لأن الكاف تكون اسما . قال النحاس : لا يصح إلا قول البصريين ; وهذا القول يتناقض ; لأن الفراء أجاز نصا ما بمنطلق زيد ، وأنشد :
أما والله أن لو كنت حرا وما بالحر أنت ولا العتيق
ومنع نصا النصب ; ولا نعلم بين النحويين اختلافا أنه جائز : ما فيك براغب زيد ، وما إليك بقاصد عمرو ، ثم يحذفون الباء ويرفعون . وحكى البصريون والكوفيون ما زيد منطلق بالرفع ، وحكى البصريون أنها لغة تميم ، وأنشدوا :
أتيما تجعلون إلي ندا وما تيم لذي حسب نديد
الند والنديد والنديدة المثل والنظير . وحكى الكسائي أنها لغة تهامة ونجد . وزعم الفراء أن الرفع أقوى الوجهين ، قال أبو إسحاق : وهذا غلط ; كتاب الله - عز وجل - ولغة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقوى وأولى .
قلت : وفي مصحف حفصة - رضي الله عنها - ˝ ما هذا ببشر ˝ ذكره الغزنوي . قال القشيري أبو نصر : وذكرت النسوة أن صورة يوسف أحسن من صورة البشر ، بل هو في صورة ملك ; وقال الله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم والجمع بين الآيتين أن قولهن : حاش لله تبرئة ليوسف عما رمته به امرأة العزيز . من المراودة ، أي بعد يوسف عن هذا ; وقولهن : ˝ لله ˝ أي لخوفه ، أي براءة لله من هذا ; أي قد نجا يوسف من ذلك ، فليس هذا من الصورة في شيء ; والمعنى : أنه في التبرئة عن المعاصي كالملائكة ; فعلى هذا لا تناقض . وقيل : المراد تنزيهه عن مشابهة البشر في الصورة ، لفرط جماله . وقوله : ˝ لله ˝ تأكيد لهذا المعنى ; فعلى هذا المعنى قالت النسوة ذلك ظنا منهن أن صورة الملك أحسن ، وما بلغهن قوله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم فإنه من كتابنا . وقد ظن بعض الضعفة أن هذا القول لو كان ظنا باطلا منهن لوجب على الله أن يرد عليهن ، ويبين كذبهن ، وهذا باطل ; إذ لا وجوب على الله تعالى ، وليس كل ما يخبر به الله سبحانه من كفر الكافرين وكذب الكاذبين يجب عليه أن يقرن به الرد عليه ، وأيضا أهل العرف قد يقولون في القبيح كأنه شيطان ، وفي الحسن كأنه ملك ; أي لم ير مثله ، لأن الناس لا يرون الملائكة ; فهو بناء على ظن في أن صورة الملك أحسن ، أو على الإخبار بطهارة أخلاقه وبعده عن التهم . إن هذا إلا ملك أي ما هذا إلا ملك ; وقال الشاعر :
فلست لإنسي ولكن لملأك تنزل من جو السماء يصوب
وروي عن الحسن : ˝ ما هذا بشرى ˝ بكسر الباء والشين ، أي ما هذا عبدا مشترى ، أي ما ينبغي لمثل هذا أن يباع ، فوضع المصدر موضع اسم المفعول ، كما قال : أحل لكم صيد البحر أي مصيده ، وشبهه كثير . ويجوز أن يكون المعنى : ما هذا بثمن ، أي مثله لا يثمن ولا يقوم ; فيراد بالشراء على هذا الثمن المشترى به : كقولك : ما هذا بألف إذا نفيت قول القائل : هذا بألف . فالباء على هذا متعلقة بمحذوف هو الخبر ، كأنه قال : ما هذا مقدرا بشراء . وقراءة العامة أشبه ; لأن بعده إن هذا إلا ملك كريم مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة تعظيما لشأنه ، ولأن مثل ˝ بشرى ˝ يكتب في المصحف بالياء . ❝