📘 ❞ سلطــان العلمـــــاء ❝ كتاب ــ سلمان العودة

التراجم والأعلام - 📖 ❞ كتاب سلطــان العلمـــــاء ❝ ــ سلمان العودة 📖

█ _ سلمان العودة 0 حصريا كتاب سلطــان العلمـــــاء 2024 العلمـــــاء: أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن السلام أبي القاسم حسن السُّلَمي الشافعي (577هـ 1181م 660هـ 1262م) الملقب بسلطان العلماء وبائع الملوك وشيخ الإسلام هو عالم وقاضٍ مسلم برع الفقه والأصول والتفسير واللغة وبلغ رتبة الاجتهاد قال الحافظ الذهبي: «بلغ وانتهت إليه رئاسة المذهب مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلابة وقَصَدَه الطلبة من الآفاق وتخرّج به أئمة» وقال ابن العماد الحنبلي: «عز شيخ الإمام العلامة وحيد عصره سلطان العربية وفاق الأقران والأضراب وجمع بين فنون العلم التفسير والحديث والفقه واختلاف الناس ومآخذهم ورحل سائر البلاد وصنف التصانيف المفيدة» وُلد العز بدمشق سنة 577هـ (1181م) ونشأ بها ودرس علوم الشريعة وتولى الخطابة بالجامع الأموي والتدريسَ زاوية الغزالي فيه واشتُهر بعلمه حتى قصده كما اشتُهر بمناصحة الحكام ومعارضتهم إذا ارتكبوا ما يخالف الإسلامية برأيه وقد قاده ذلك إلى الحبس ثم الهجرة مصر فعُيّن قاضياً للقضاة فيها وقام بالتدريس والإفتاء وعُيّن للخطابة بجامع عمرو العاص وحرّض ملاقاة التتار وقتال الصليبيين وشارك الجهاد بنفسه وعمّر مات بالقاهرة (1262م) ودُفن صفته الشكلية لم تسعف كتب التراجم والسير إلا بالقليل النادر صفات الخَلْقية فلم تذكر سوى أنه كان طويل القامة كامل الصورة والأوصاف مما جعله مقبولاً عند وليس عاهة أو علامة فارقة تلفت نظر الناظر قلم الباحث والكاتب بعده ورعه وزهده اتفقت كلمة معاصري وتلاميذه ومن بعدهم والمصنفين وصف بأنه ورعاً تقياً بل شديد الورع بالالتزام بالحلال والبعد الحرام واجتناب الشبهات أعماله وتصرفاته وفي مناصبه ومواقفه كسبه ورزقه وإنفاقه عباداته ومعاملاته ومما يدل ورعه وزهده لم يجمع الدنيا القليل فإذا عُرضت عليه أعرض عنها وقصصه كثيرة منها: عندما انتهت محنته الملك الأشرف واقتنع بعقيدة أراد أن يسترضيه ويعوضه بالصلة والمال وقال: «والله لأجعلنه أغنى العلماء» ولكن يأبه لذلك ولم ينتهز هذه الفرصة لمصالحه الشخصية يقبل درهماً رفض الاجتماع لأمور شخصية مجاملات رسمية اعتذر بالملك الكامل قدم دمشق وطلبه ولما مرض الموت وطلب بالعز ليدعو له ويقدم النصيحة اعتبر قربة لله تعالى «نعم إن العبادة لمن أفضل العبادات لما النفع المتعدي شاء الله تعالى» وذهب ودعا للسلطان «لما صلاحه صلاح المسلمين والإسلام» وأمره بإزالة المنكرات منه العفو والصفح عما جرى المحنة قائلاً: «يا اجعلني حل» فقال العز: «أما محاللتك فإني كل ليلة أحالِلُ الخلق وأبيت لي أحدٍ مَظْلمة وأرى يكون أجري الله» نهاية الجلسة أطلق السلطان ألف دينار مصرية فردّها اجتماعة لا أكدرها بشيء ولما هاجر ناهز الستين يحمل معه شيئاً المتاع استقال القضاء فتواه ببيع الأمراء خرج القاهرة وكل أمتعته الحياة أسرته حِمل حمار واحد قناعته المال والمتاع وأحس بالموت أرسل الظاهر بيبرس يُعيّن أولاده وأن يجعل ولده اللطيف مكانه تدريس المدرسة الصالحية «ما يصلح لذلك» له: «فمن أين يعيش؟» قال: «من «نجعل راتباً؟» «هذا إليكم» والحقيقة عالماً فقيهاً ويصلح للتدريس ورع منعه جعل منصب التدريس وراثة لأولاده الداودي: «وكان أحد يضرب المثل والعلم» حبه للتصدق حكى قاضي القضاة بدر جماعة وقع مرة غلاءٌ كبيرٌ صارت البساتين تُباع بالثمن فأعطته زوجته مَصاغاً لها وقالت: «اشتر لنا بستاناً نَصِيف به» فأخذ المصاغ وباعه وتصدق بثمنه فقالت: سيدي اشتريت لنا؟» الجنة إني وجدت شدة فتصدقت بثمنه» فقالت «جزاك خيراً» ولمّا جاء أستاذ الدار "الغِرْز خليل" برسالة للشيخ بعزله الإفتاء وعدم بأحد ولزوم بيته تقبل الأمور بصدر رحب واعتبرها «هدية أجراها يد وهو غضبان وأنا فرحان والله يا غِرز لو كانت عندي خِلعةٌ تصلح لك الرسالة المتضمنة لهذه البشارة لخلعتُ عليك ونحن الفتوح خذ السجادة صلّ عليها فقبِلها وقبَّلها وودّعه وانصرف وذكر بينه وبينه حضره: قولوا أفعل به؟ هذا رجلٌ يرى العقوبة نِعمة اتركوه بيننا وقال السبكي حب للتصدق: «وحكي فقره كثير الصدقات وأنه ربّما قطع عِمامته وأعطى فقيراً يسأله يجد غير عِمامته» جرأته كان جريئاً الحق يُعلنه مناسبة وينطق خطبه ودروسه ويبينه الفتاوى والأحكام أمثلة ومواقف عديدة حياته منها نقله والده سمع شيخه الباجي (تلميذ العز) يقول: طلع شيخنا (الصالح أيوب) يوم عيد القلعة فشاهد العساكر مصطفين يديه ومجلسَ المملكة وما السلطانُ يومَ العيد الأُبَّهَة قومه زينته عادة سلاطين الديار المصرية وأخذت تقبِّل الأرض يدي فالتفت الشيخ وناداه: أيوب حجتك لك: ألم أُبَوِّئ مُلك تبيح الخمور؟» فقال: «هل هذا؟» الحانة الفلانية يُباع الخمور وغيرُها وأنت تتقلب نعمة المملكة» يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون أنا عملته زمان أبي» «أنت الذين يقولون: (إنا وَجدنا آباءنا أمة)» فرسم بإبطال تلك الباجي: سألت شاع الخبر: كيف الحال؟» بُنيّ رأيته العظمة فأردت أُهينَه لئلا تكبر نفسه فتؤذيه» فقلت: أما خفته؟» بُني استحضرت هيبة فصار قُدَّامي كالقط» محاربته للبدع وصف المؤرخ شامة المقدسي بقوله: «ناصر السنة وقامع البدعة» فقد معروفاً بمحاربته للبدع والمنكرات فأزال كثيراً يراه بدعاً يرتكبها عوامُّ فأفتى بمنع صلاة الرغائب منع النصف شعبان ومنع إقامتها «لأنه يرد صحيحة رسول صلى وسلم» الرغائب: «البدع ثلاثة أضرب الضرب الثالث: مخالفاً للشرع ملتزماً لمخالفة الشرع فمن فإنها موضوعة النبي وسلم وكذب عليه» «القيام للمصحف بدعة تُعهد الصدر الأول» أزال بدع الخطباء المساجد كلبس السواد ودق السيف المنبر والتسجيع الخطبة واجتنب الثناء والحكام وعقد فصلاً البدع كتابه "قواعد الأحكام" فعرّفها «البدعة فعل يُعهد عصر قسّمها وبيّن حكم قسم مناصحة الحكام لما موسى طلب يعودَه ويدعو وينصحه فلبى واجب عيادة المريض للملك: «وأما دعائي أدعو الأحيان والإسلام وأما وصيتي ونصيحتي وجبت وتعينت لقبوله وتقاضيه» وكان قبل مرضه قد وبين أخيه بمصر جفوة ووحشة الوقت الذي ظهر الشرق للسلطان: «أخوك الكبير ورحمك مشهور بالفتوحات والنصر الأعداء والتتر خاضوا بلاد » وأَمَرَه بصلة والتعاون وجه وإزالة مظاهر القطيعة والعداوة بينهما «ولا تقطع رحمك الحالة وتنوي نصرَ دينه وإعزاز كلمته فإن منَّ بعافية رجونا إدالته الكفار وكانت ميزانه الحسنة العظيمة قضى بانتقاله خفارة نيته» خيراً إرشادك ونصيحتك» وأمر (والشيخ حاضر الوقت) بتنفيذ «زدني نصائحك ووصاياك» فقدَّم النصائح المحرمات ورفع المكوس وإبطال القاذورات ودفع المظالم فتقدّم فوراً كله دينك وعن بيني وبينك بمنّه وكرمه» وودّع ومضى البلد صورة المجلس وتبطيل وباشر تبطيلَ بعضها الأمر المنكر اشتهر بالأمر الصفة أهم صفاته وأكثر مميزاته غيره ولذلك أجمع المصنفون وصفه بذلك الكتبي «كان ناسكاً أمَّاراً نهَّاءً يخاف لومة لائم» بدمشق: الدين» يقول عنه مصر: «فأقام بالمنصب أتم قيام وتمكن الأمر المنكر» السيوطي: «وقدم فأقام أكثر عشرين ناشراً للمعروف ناهياً يعظ دونهم» السبكي: «إمام بلا مدافعة القائم زمانه» في تاريخنا الإسلامي الزاهر نماذج رائعة العاملين أدوا رسالتهم أكمل فكانوا نبراساً يستضاء بهم ونماذج يقتدى وقت تُفتقد القدوة الصالحة والكلمة الجريئة والمجابهة الصريحة سبيل إعلاء هؤلاء السلام؛ سنتحدث السطور مقتطفات سيرته وشذرات ترجمته لأن الحديث يحتاج مصنفات لكن حسبنا هنا التذكير بشأنه رحمه والأعلام مجاناً PDF اونلاين علم يتناول سير حياة الأعلام عبر العصور المختلفة دقيق يبحث أحوال الشخصيات والأفراد تركوا آثارا المجتمع ويتناول كافة طبقات الأنبياء والخلفاء والملوك والأمراء والقادة والعلماء شتى المجالات والفقهاء والأدباء والشعراء والفلاسفة وغيرهم ويهتم بذكر حياتهم ومواقفهم وأثرهم وتأثيرهم ويعتبر عموما فرعا فروع التاريخ اهتم المسلمون بعلم اهتماما كبيرا بدأت العناية بهذا عندهم بعد عهد الرسول بزمن يسير حيث حرص حماية وصيانة المصدر الثاني مصادر التشريع النبوي حرصوا صيانته الكذب والتزوير والغش والتلفيق والدس فنشأ كقاعدة تلقّي الأخبار وبالأخص فيما يتعلق بالحديث أولا الآثار المروية الصحابة والتابعين وباقي خصوصا والناس روى صحيحه مجاهد «جاء بشير العدوي عباس فجعل يحدث ويقول: يأذن لحديثه ولا ينظر مالي أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك تسمع؟ عباس: إنا كنا سمعنا رجلا ابتدرته أبصارنا وأصغينا بآذاننا فلما ركب الصعب والذلول نأخذ نعرف » واستمر العمل القاعدة ضرورة معرفة الرجال ناقلي بسبب حال نقلة النبوية وذلك ينبني المعرفة قبول والتعبد بما رد والحذر اعتبارها ديناً وروى سيرين «لم يكونوا يسألون الإسناد وقعت الفتنة قالوا سموا رجالكم فينظر أهل فيؤخذ حديثهم وينظر فلا يؤخذ حديثهم» وجاءت عبارات الأئمة بيان أهمية الرواة صريحة وواضحة الأهمية بمكان البحث نواح تفصيلية الراوي ونواح استنتاجية (تُستنتج حديثه وطريقته التحديث) مباحث العلم: تاريخ ميلاد وتاريخ طلبه للعلم وممن سِنِيِّ هم الشيوخ عنهم (من منهم حدث سماعاً دلس عنه) مدة ملازمته لكلّ شيوخه وكيف ذاك وكم الأحاديث والآثار روى ذلك؛ وهل الضعفاء والمجاهيل؟ ورحلاته العلمية حدّث به؛ ومتى يحدِّث؟ حفظه أم كتابه؛ سماعٌ عرض؛ المستملون والوراقون استخدمهم؟) إقبال عدد الحاضرين عنده؟ هي الأوهام التي والسَّقطات أُخذت عليه؟ أخلاق وعبادته ومهنته؛ يأخذ أجراً التحديث؟ عسِراً التحديث سمحاً متساهلاً ؟ وتفرّع وانبثق متعلّقة الباب تفرّدته الأمة باقي الأمم وعلم مصطلح ناحية العدالة والتوثيق والضبط العلل الجرح والتعديل وغيرها أقسام التراجم هنالك تقسيمات متنوعة لعلم والكتب العديدة المؤلفة فمنها: التراجم الطبقات التراجم الحروف الوفيات القرون البلدان وقسّمهم البعض الآخر أبواب مختلفة منها: التراجم المتعلقة معيّن المتعلّقة بمذهب بفنّ بشخص الترجمة الذاتية وقد أسهب التأليف الأبواب يكاد يخلوا باب وصنّفت عشرات الكتب وهذا ركن خاص بكتب مجانيه للتحميل وتراجم ومذكرات فيشمل الكثير حول المجال

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
سلطــان العلمـــــاء
كتاب

سلطــان العلمـــــاء

ــ سلمان العودة

سلطــان العلمـــــاء
كتاب

سلطــان العلمـــــاء

ــ سلمان العودة

عن كتاب سلطــان العلمـــــاء:
أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن السُّلَمي الشافعي (577هـ/1181م - 660هـ/1262م) الملقب بسلطان العلماء وبائع الملوك وشيخ الإسلام، هو عالم وقاضٍ مسلم، برع في الفقه والأصول والتفسير واللغة، وبلغ رتبة الاجتهاد، قال الحافظ الذهبي: «بلغ رتبة الاجتهاد، وانتهت إليه رئاسة المذهب، مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلابة في الدين، وقَصَدَه الطلبة من الآفاق، وتخرّج به أئمة». وقال ابن العماد الحنبلي: «عز الدين شيخ الإسلام... الإمام العلامة، وحيد عصره، سلطان العلماء... برع في الفقه والأصول واللغة العربية، وفاق الأقران والأضراب، وجمع بين فنون العلم من التفسير والحديث والفقه واختلاف الناس ومآخذهم، وبلغ رتبة الاجتهاد، ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد، وصنف التصانيف المفيدة».

وُلد العز بن عبد السلام بدمشق سنة 577هـ (1181م) ونشأ بها، ودرس علوم الشريعة واللغة العربية، وتولى الخطابة بالجامع الأموي والتدريسَ في زاوية الغزالي فيه، واشتُهر بعلمه حتى قصده الطلبة من البلاد، كما اشتُهر بمناصحة الحكام ومعارضتهم إذا ارتكبوا ما يخالف الشريعة الإسلامية برأيه، وقد قاده ذلك إلى الحبس، ثم إلى الهجرة إلى مصر، فعُيّن قاضياً للقضاة فيها، وقام بالتدريس والإفتاء، وعُيّن للخطابة بجامع عمرو بن العاص، وحرّض الناس على ملاقاة التتار وقتال الصليبيين، وشارك في الجهاد بنفسه، وعمّر حتى مات بالقاهرة سنة 660هـ (1262م) ودُفن بها.

صفته الشكلية
لم تسعف كتب التراجم والسير إلا بالقليل النادر عن صفات العز بن عبد السلام الخَلْقية، فلم تذكر سوى أنه كان طويل القامة، كامل الصورة والأوصاف، مما جعله مقبولاً عند الناس، وليس فيه عاهة أو علامة فارقة تلفت نظر الناظر أو قلم الباحث والكاتب في عصره أو بعده.

ورعه وزهده
اتفقت كلمة معاصري العز وتلاميذه ومن بعدهم من العلماء والمصنفين على وصف العز بأنه كان ورعاً تقياً، بل شديد الورع بالالتزام بالحلال والبعد عن الحرام، واجتناب الشبهات في أعماله وتصرفاته، وفي مناصبه ومواقفه، وفي كسبه ورزقه وإنفاقه، وفي عباداته ومعاملاته. ومما يدل على ورعه وزهده أنه لم يجمع من الدنيا إلا القليل، فإذا عُرضت عليه أعرض عنها، وقصصه في ذلك كثيرة. منها: عندما انتهت محنته مع الملك الأشرف بدمشق، واقتنع الملك بعقيدة العز، أراد أن يسترضيه ويعوضه بالصلة والمال، وقال: «والله لأجعلنه أغنى العلماء»، ولكن العز لم يأبه لذلك، ولم ينتهز هذه الفرصة لمصالحه الشخصية، فلم يقبل درهماً من الملك، بل رفض الاجتماع به لأمور شخصية أو مجاملات رسمية، كما اعتذر عن الاجتماع بالملك الكامل عندما قدم دمشق وطلبه إليه.

ولما مرض الملك الأشرف مرض الموت وطلب الاجتماع بالعز ليدعو له ويقدم له النصيحة، اعتبر العز ذلك قربة لله تعالى وقال: «نعم، إن هذه العبادة لمن أفضل العبادات، لما فيها من النفع المتعدي إن شاء الله تعالى»، وذهب ودعا للسلطان «لما في صلاحه من صلاح المسلمين والإسلام»، وأمره بإزالة المنكرات، وطلب منه الملك العفو والصفح عما جرى في المحنة قائلاً: «يا عز الدين، اجعلني في حل»، فقال العز: «أما محاللتك فإني كل ليلة أحالِلُ الخلق، وأبيت وليس لي عند أحدٍ مَظْلمة، وأرى أن يكون أجري على الله»، وفي نهاية الجلسة أطلق له السلطان ألف دينار مصرية، فردّها عليه، وقال: هذه اجتماعة لله، لا أكدرها بشيء من الدنيا. ولما هاجر العز من دمشق وقد ناهز الستين، لم يحمل معه شيئاً من المتاع والمال. ولما استقال العز من القضاء عند فتواه ببيع الأمراء، خرج من القاهرة وكل أمتعته في الحياة مع أسرته حِمل حمار واحد، مما يدل على قناعته بالقليل، وزهده في المال والمتاع.

ولما مرض العز وأحس بالموت، أرسل له الملك الظاهر بيبرس أن يُعيّن أولاده في مناصبه، وأن يجعل ولده عبد اللطيف مكانه في تدريس المدرسة الصالحية، فقال العز: «ما يصلح لذلك»، قال له: «فمن أين يعيش؟» قال: «من عند الله تعالى»، قال له: «نجعل له راتباً؟» قال: «هذا إليكم». والحقيقة أن عبد اللطيف بن العز كان عالماً فقيهاً ويصلح للتدريس، ولكن ورع العز وزهده منعه من جعل منصب التدريس وراثة لأولاده. قال الداودي: «وكان كل أحد يضرب به المثل في الزهد والعلم».

حبه للتصدق

حكى قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة أن العز لما كان بدمشق وقع مرة غلاءٌ كبيرٌ حتى صارت البساتين تُباع بالثمن القليل، فأعطته زوجته مَصاغاً لها وقالت: «اشتر لنا به بستاناً نَصِيف به»، فأخذ ذلك المصاغ وباعه، وتصدق بثمنه، فقالت: «يا سيدي، اشتريت لنا؟» قال: «نعم، بستاناً في الجنة، إني وجدت الناس في شدة فتصدقت بثمنه»، فقالت له: «جزاك الله خيراً».

ولمّا جاء أستاذ الدار "الغِرْز خليل" برسالة الملك الأشرف بدمشق للشيخ العز بعزله عن الإفتاء، وعدم الاجتماع بأحد ولزوم بيته، تقبل العز هذه الأمور بصدر رحب، واعتبرها «هدية من الله تعالى، أجراها على يد السلطان وهو غضبان، وأنا بها فرحان، والله يا غِرز، لو كانت عندي خِلعةٌ تصلح لك على هذه الرسالة المتضمنة لهذه البشارة، لخلعتُ عليك، ونحن على الفتوح، خذ هذه السجادة صلّ عليها، فقبِلها وقبَّلها، وودّعه وانصرف إلى السلطان، وذكر ما جرى بينه وبينه، فقال السلطان لمن حضره: قولوا لي ما أفعل به؟ هذا رجلٌ يرى العقوبة نِعمة، اتركوه، بيننا وبينه الله».

وقال ابن السبكي في حب العز للتصدق: «وحكي أنه كان مع فقره كثير الصدقات، وأنه ربّما قطع من عِمامته، وأعطى فقيراً يسأله إذا لم يجد معه غير عِمامته».

جرأته
كان العز جريئاً في الحق يُعلنه في كل مناسبة، وينطق به في خطبه ودروسه، ويبينه في الفتاوى والأحكام، وفي ذلك أمثلة كثيرة ومواقف عديدة في حياته، منها ما نقله ابن السبكي عن والده أنه سمع شيخه الباجي (تلميذ العز) يقول: طلع شيخنا عز الدين مرة إلى السلطان (الصالح أيوب) في يوم عيد إلى القلعة، فشاهد العساكر مصطفين بين يديه، ومجلسَ المملكة، وما السلطانُ فيه يومَ العيد من الأُبَّهَة، وقد خرج على قومه في زينته على عادة سلاطين الديار المصرية، وأخذت الأمراء تقبِّل الأرض بين يدي السلطان، فالتفت الشيخ إلى السلطان، وناداه: «يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أُبَوِّئ لك مُلك مصر، ثم تبيح الخمور؟» فقال: «هل جرى هذا؟» فقال: «نعم، الحانة الفلانية يُباع فيها الخمور وغيرُها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة»، يناديه كذلك بأعلى صوته، والعساكر واقفون، فقال: «يا سيدي، هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي»، فقال: «أنت من الذين يقولون: (إنا وَجدنا آباءنا على أمة)»، فرسم السلطان بإبطال تلك الحانة، قال الباجي: سألت الشيخ لما جاء من عند السلطان وقد شاع الخبر: «يا سيدي كيف الحال؟» فقال: «يا بُنيّ، رأيته في تلك العظمة، فأردت أن أُهينَه لئلا تكبر نفسه فتؤذيه»، فقلت: «يا سيدي أما خفته؟» فقال: «والله يا بُني، استحضرت هيبة الله تعالى، فصار السلطان قُدَّامي كالقط».

محاربته للبدع
وصف المؤرخ أبو شامة المقدسي شيخه العز بقوله: «ناصر السنة، وقامع البدعة»، فقد كان العز معروفاً بمحاربته للبدع والمنكرات، فأزال كثيراً مما كان يراه بدعاً يرتكبها عوامُّ المسلمين، فأفتى بمنع صلاة الرغائب، كما منع صلاة النصف من شعبان، ومنع إقامتها بالجامع الأموي، «لأنه لم يرد فيها سنة صحيحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وقال العز عن صلاة الرغائب: «البدع ثلاثة أضرب... الضرب الثالث: ما كان مخالفاً للشرع، أو ملتزماً لمخالفة الشرع، فمن ذلك صلاة الرغائب، فإنها موضوعة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذب عليه»، وقال العز: «القيام للمصحف بدعة لم تُعهد في الصدر الأول». كما أزال العز بدع الخطباء في المساجد كلبس السواد، ودق السيف على المنبر، والتسجيع في الخطبة، واجتنب الثناء على الملوك والحكام.

وعقد العز فصلاً عن البدع في كتابه "قواعد الأحكام"، فعرّفها فقال: «البدعة فعل ما لم يُعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم»، ثم قسّمها وبيّن حكم كل قسم.

مناصحة الحكام
لما مرض الملك الأشرف موسى بدمشق مرض الموت، طلب من العز بن عبد السلام أن يعودَه ويدعو له وينصحه، فلبى العز واجب عيادة المريض، وقال للملك: «وأما دعائي للسلطان، فإني أدعو له في كثير من الأحيان، لما في صلاحه من صلاح المسلمين والإسلام... وأما وصيتي ونصيحتي للسلطان فقد وجبت وتعينت لقبوله وتقاضيه». وكان السلطان قبل مرضه قد وقع بينه وبين أخيه السلطان الكامل بمصر جفوة ووحشة، في الوقت الذي ظهر فيه التتار في الشرق، فقال الشيخ للسلطان: «أخوك الكبير ورحمك، وأنت مشهور بالفتوحات، والنصر على الأعداء، والتتر قد خاضوا بلاد المسلمين...»، وأَمَرَه بصلة أخيه والتعاون معه في وجه التتار، وإزالة مظاهر القطيعة والعداوة بينهما قائلاً: «ولا تقطع رحمك في هذه الحالة، وتنوي مع الله نصرَ دينه وإعزاز كلمته، فإن منَّ الله بعافية السلطان رجونا من الله إدالته على الكفار، وكانت في ميزانه هذه الحسنة العظيمة، فإن قضى الله تعالى بانتقاله إليه كان السلطان في خفارة نيته»، فقال له: «جزاك الله خيراً عن إرشادك ونصيحتك»، وأمر (والشيخ حاضر في الوقت) بتنفيذ ذلك، ثم قال له: «زدني من نصائحك ووصاياك»، فقدَّم الشيخ النصائح، وأمره بإزالة المنكرات، ومنع المحرمات، ورفع المكوس عن المسلمين، وإبطال القاذورات، ودفع المظالم، فتقدّم السلطان فوراً بإبطال ذلك كله، وقال له: «جزاك الله عن دينك وعن نصائحك وعن المسلمين خيراً، وجمع بيني وبينك في الجنة بمنّه وكرمه»، وودّع الشيخ السلطان، ومضى إلى البلد، وقد شاع عند الناس صورة المجلس، وتبطيل المنكرات، وباشر الشيخ بنفسه تبطيلَ بعضها.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
اشتهر العز بن عبد السلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكانت هذه الصفة أهم صفاته، وأكثر مميزاته على غيره من العلماء، ولذلك أجمع المصنفون على وصفه بذلك، قال الكتبي في وصف العز: «كان ناسكاً ورعاً، أمَّاراً بالمعروف نهَّاءً عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم». وقال ابن العماد في وصف العز بدمشق: «هذا مع الزهد والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصلابة في الدين»، ثم يقول عنه في مصر: «فأقام بالمنصب أتم قيام، وتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». وقال عنه السيوطي: «وقدم مصر، فأقام بها أكثر من عشرين سنة، ناشراً للمعروف ناهياً عن المنكر، يعظ الملوك فمن دونهم». وقال ابن السبكي: «إمام عصره بلا مدافعة، القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه».


في تاريخنا الإسلامي الزاهر نماذج رائعة من العلماء العاملين الذين أدوا رسالتهم على أكمل وجه، فكانوا نبراساً يستضاء بهم في كل زمان، ونماذج يقتدى بها في وقت تُفتقد فيه القدوة الصالحة، والكلمة الجريئة، والمجابهة الصريحة في سبيل إعلاء كلمة الله، ومن هؤلاء العلماء العاملين سلطان العلماء العز بن عبد السلام؛ الذي سنتحدث في هذه السطور عن مقتطفات من سيرته، وشذرات من ترجمته، لأن الحديث عنه يحتاج إلى مصنفات، لكن حسبنا هنا التذكير بشأنه رحمه الله.


الترتيب:

#890

0 مشاهدة هذا اليوم

#47K

12 مشاهدة هذا الشهر

#39K

7K إجمالي المشاهدات
المتجر أماكن الشراء
سلمان العودة ✍️ المؤلف
مناقشات ومراجعات
QR Code
أماكن الشراء: عفواً ، لا يوجد روابط مُسجّلة حاليا لشراء الكتاب من المتاجر الإلكترونية
نتيجة البحث