📘 ❞ جمال الدين الأفغاني بين حقائق التاريخ وأكاذيب لويس عوض ❝ كتاب ــ محمد عمارة اصدار 2009

كتب السير و المذكرات - 📖 ❞ كتاب جمال الدين الأفغاني بين حقائق التاريخ وأكاذيب لويس عوض ❝ ــ محمد عمارة 📖

█ _ محمد عمارة 2009 حصريا كتاب جمال الدين الأفغاني بين حقائق التاريخ وأكاذيب لويس عوض عن دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة 2024 : بن السيد صفتر الحسيني الأسد آبادي (1838 – 1897) أحد أعلام التجديد عصر النهضة العربية والإسلامية الحديثة في نشأة الأولى وفي الدور الأول من حياته تستطيع أن تتعرف أخلاقه والعناصر التي تكونت منها شخصيتة فقد نشأ كما رأيت بيت مجيد ازدان بالشرف واعتز بالإمارة والسيادة والحكم زمناً ما وتربى مهاد العز كنف أبيه ورعايته فكان للوراثة والنشأة أثرهما فيما طبع عليه عزة النفس كانت أخص صفاته ولازمته طوال وكان للحرب خاضها أثرها أيضاً فيم اكتسبه الأخلاق الحربية فالوراثة والتربية والمرحلة الحياة العملية ترسم لنا جانباً شخصية سار إذن جيش دوست خان لفتح "هراة" ولازمه مدة الحصار إلى توفي الأمير وفتحت المدينة بعد حصار طويل وتقلد الإمارة بعده ولى عهده شير علي سنة 1864م 1280 هـ ثم وقع الخلاف الجديد واخوته إذ أراد يكيد لهم ويعتقلهم فانضَمَّ أعظم الأخوة الثلاثة لما توسمه فيه الخير أستعرت نار الحرب الداخلية فكانت الغلبة لمحمد وانتهت إليه إمارة الأفغان فعظمت منزلة عنده وأحله محل الوزير بحسن تدبيره يستتب الأمر للأمير ولكن مالبثت تجددت كان لا يفتأ يسعى لاسترجاع سلطته الإنجليز يعضدونه بأموالهم ودسائسهم فأيدوه ونصروه ليجعلوه أوليائهم وصنائعهم وأغدق الأموال الرؤساء الذين كانوا يناصرون فبيعت أمانات ونقضت عهود وجددت خيانات يقول الأستاذ الشيخ عبده بهزيمة وغلبه وخلص له الملك بقي كابل لم يمسسه بسوء احتراماً لعشيرته وخوف انتفاض العامة حمية لآل البيت النبوي وهنا تبدو لك مكانة ومنزلته قومه وهو المرحلة ويتجلى استعداده للإضطلاع بعظائم المهام والتطلع جلائل الأعمال فهو يناصر أميراً يتوسم ويعمل تثبيته ويشيد دولة يكون فيها مقام ثم لاتلبث أعاصير السياسة والدسائس الإنجليزية تعصف بالعرش الذي أقامه ويغلب أمر ويلوذ بالفرار إيران لكي لايقع قبضة عدوه يموت بها أما فيبقى عاصمة ولايهاب بطش المنتصر ولايتملقه أو نيل رضاه ولاينقلب عقبيه يفعل الكثيرون طلاب المنافع بل بقي عظيماً محنته ثابتاً هزيمته وتلك ظواهر عظمة ورباطة الجأش وقوة الجنان وهذه لها الاتجاه السياسي للسيد رأى مابذلته لتفريق الكلمة ودس الدسائس بلاد وإشعال الفتن واصطناعها الأولياء أمرائها ولا مراء هذه الأحداث قد كشفت مطامع وأساليبهم الدس والتفريق وغرست فؤاده روح العداء للسياسة البريطانية خاصة والمطامع الاستعمارية الأوروبية عامة وقد لازمه هذا الكره مبدأ راسخاً يصدر عنه أعماله وآرائه وحركاته السياسية رحيله الهند لم ينفك يدبر المكايد ويحتال للغدر به فرأى يفارق ليجد جواً صالحاً للعمل فاستأذنه الحج فأذن فسار الهند 1869م 1285 وكانت شهرته سبقته تلك الديار عرف العلم والحكمة وماناله المنزلة العالية ولم يكن يخفى الحكومة عداءه لسياستها ومايحدثه مجيئة إثارة الهياج النفوس لأن تزال تضطرم بالفتن الرغم إخماد ثورة 1857م فلما وصل التخوم الهندية تلقته بالحفاوة والإكرام ولكنها تسمح بطول الإقامة بلادها وجاء أهل والفضل يهرعون يقتبسون نور علمه وحكمته ويستمعون أحاديثه ومافيها غذاء العقل والروح والحث الأنفة وعزة فنقمت منه اتصاله بهم تأذن بالاجتماع بالعلماء وغيرهم مريديه وقصاده إلا عين رجالها فلم يقم هناك طويلاً أنزلته إحدى سفنها فأقلته السويس مجيئه مصر لأول مرة جاء مرة أوائل 1870م أواخر 1286 يقصد طويلا ؛ لأنه إنما جاء ووجهته الحجاز أي ليسافر سمع الناس بقدومه اتجهت أنظار النابهين وحينما زار الأزهر الشريف واتصل كثير الطلبة فآنسوا روحاً تفيض معرفة وحكمة فأقبلوا يتلقون بعض العلوم الرياضية والفلسفية والكلامية وقرأ شرح "الأظهار" نزل بخان الخليلي وأقام بمصر أربعين يوماً تحول عزمه وسافر الأستانة سفره رحيله عنها وصل فلقي حكومة السلطان عبد العزيز حفاوة وإكراماً الصدر الأعظم عالى باشا مكانته ساسة الترك الأفذاذ العارفين بأقدار الرجال فأقبل يحفه بالاحترام والرعاية ونزل الأمراء والوزراء والعلماء عالية وتناقلوا الثناء ورغبت تستفيد وفضله تمض ستة أشهر حتى جعلته عضواً مجلس المعارف فاضطلع بواجبه وأشار بإصلاح مناهج التعليم آراءه تلق تأييداً زملائه وفاق مع شيخ الإسلام حسن فهمي أفندي رمضان 1287 ديسمبر رغب مدير الفنون يلقي خطاباً للحث الصناعات فاعتذر باديء ذي بدء بضعفه اللغة التركية فألح فأنشأ كتبه قبل إلقائه وعرضه نخبة أصحاب المناصب فأقروه واستحسنوه وألقى خطابه بدار جمع حاشد ذوي والمكانة فنال استحسانهم لكن خلافًا حدث بينه وبين وأصدرت أمرها بالرحيل بضعة تسكن الخواطر ويهدأ الاضطراب يعود إليها إن شاء ورغب يتحول المصرية فعمل برأيهم وقصد عودته وإقامته بها جاء أول محرم 1288 مارس 1871م نية قصد مشاهدة مناظرها واستطلاع أحوالها رياض وزير إسماعيل ذلك الحين البقاء وأجرت راتباً مقداره ألف قرش كل شهر مقابل عمل واهتدى طلبة يستورون زنده ويقتبسون الحكمة بحر فقرأ الكتب فنون الكلام النظرية طبيعية وعقلية وعلوم الفلك والتصوف وأصول الفقة بإسلوب طريف وطريقة مبتكرة مدرسته بيته يذهب مدرساً وإنما ذهب زائراً وأغلب مايزوره يوم الجمعة أسلوبه التدريس مخاطبة وفتح أذهان تلاميذه ومريديه البحث والتفكير وبث والفلسفة نفوسهم وتوجيه أذهانهم الأدب والإنشاء والخطابة وكتابة المقالات الأدبية والاجتماعية والسياسية فظهرت يده نهضة والأفكار أنتجت أطيب الثمرات وهنا موضع للتساؤل عما حمل الخديوي استمالته للإقامة وإكرام مثواه ويبدو العمل غريباً لجمال ماضياً سياسياً ومجموعة أخلاق ومبادئ ولاترغب الملوك المستبدين التملق والدهان فينال عطفهم ورعايتهم ويجرون الأرزاق بلا لايعسر فهمه إذا عرفنا ممدوحاً الحسنة حبه للعلم ورغبته نشره العلمية وشهرته الفلسفة أقوى ظهوراً وخاصة فلا غرو يكرم العالم المحقق يفيض الحق يقصر اغتنام الفرصة لتنشيط ورعاية العلماء والأدباء فترغيبه يشبه فتحاً علمياً كتأسيس معهد معاهد أنشئت أما آراء وكراهيته للاستبداد ونزعته الحرة مثل يخشاها يحسب حساياً كبيراً بلغ أوج ومجده يحكم البلاد حكماً مطلقاً يأمر وينهى ويتصرف أقدار ومصاير أهلها دون رقيب حسيب شورى النواب آلة مطواعة والصحافة عهدها تكيل عبارات المديح وتصوغ عقود سلطانه استهدف التدخل الأجنبي يقع 1875م سياق الحديث فليس ثمة مايخشى المطلقة الناحية الخارجية حين والتدريس بدأت ظهرت يد علمية أدبية تتطور حوالي 1876م أنها تطورها تتجه ضد بالذات الجملة وثمة اعتبار آخر لايفوتنا الإلماح بارح يجد للنهضة والفكرية أنباؤه ومالقيه "دار الخلافة" العنت والاضطهاد ينافس المكانة والنفوذ وينظر بعين الزراية ولايرضى لمصر تكون تابعة لتركيا هو تابعاً للسلطان العثماني وليس خافياً يبذله المساعي للانفصال تركيا وظهوره بمظهر العاهل المستقل المعرض العالمي باريس 1867م إغفاله دعوة حضور حفلات القناة وعزمه إعلان استقلال التام الحفلات لولا العقبات اعترضته ولايغرب الذهن والسلطان مظاهر الفتور والجفاء كادت تقطع الروابط بينهما وأخصها فرمان نوفمبر أصدره منتقصا سلطة ففي الجو هبط مبعداً يفت ذكاء يغتنم ليحمي شخص الفيلسوف ولايخفى لهذا الأثر وجميل الأحدوثة يرى تؤوي والحكماء تضيق عنهم وأن عاهل العظيم أحق بالثناء والتقدير يفسح رحابه ويوطئ وادي النيل أكنافه ل'''رياض باشا''' إكرام وفادة المترجم علمنا وزراء يكونوا يصدرون رأيه وأمره أدركنا الرجل ينفرد بهذا الصنيع نحو ومهما واقع فإن لرياض فضل المشاركة البالغ أثره العلمي والأدبي أقام وأخذ يبث تعاليمه نفوس بيئة استضاءت بأنوار والعرفان وارتوت ينابيع وتحررت عقولها قيود الجمود والأوهام وبفضله خطا فن الكتابة خطوات واسعة تقتصر حلقات دروسه ومجالسه يؤمها والموظفين والأعيان "لا يسأم" ينير يطهر العقيدة بالنفس معالي الأمور يستلفت الفكر النظر الشؤون مما يمس مصلحة وسكانها ينتقلون بمايكتبونه بلادهم أيام البطالة والزائرون يذهبون بما ينالونه أحيائهم فاستيقظت مشاعر وتنبهت عقول وخف حجاب الغفلة أطراف متعددة خصوصاً القاهرة وقال موطن يصف تطور الأفغاني: "كان أرباب القلم القادرون الإجادة المواضيع المختلفة منحصرين عدد قليل وما كنا نعرف منهم الله فكري وخيري ومحمد سيد أحمد ضعف ومصطفى وهبي اختصاص ومن عدا هؤلاء فإما ساجعون المراسلات الخاصة وإما مصنفون الفقهية شاكلها عشر سنوات ترى كتبة القطر المصري لايشق غبارهم ولايوطأ مضمارهم وأغلبهم أحداث السن شيوخ الصناعة أخذ قلد المتصلين به" كان قادرا التعبیر المذھل وعلى الصیاغة المثلى إدراك المعاني الدقيقة والمفارقات المستترة وقادر الإمتاع والإقناع والاثارة والتحميس والتصحيح واللوم والتقريع الفهم والقضاء والفتوى والتعديل والجرح قادر يتناول نص بفهم أعمق يتفهم واقعة بنظرة أوسع يستشهد يستنتج يحث يثير يحرض فروح والآداب ولايفوتنا القول بأن البيئة مستعدة للرقي صالحة لغرس بذور وظهور ثمارها بعبارة أخرى جامع والمعاهد والتقدم ابتدأ منذ عهد استعداد لتقبل الحكيم ولولا الاستعداد لقضي الدعوة مهدها ولأخفق أخفق حيث وجد أبواب موصدة أمامه وهذا يبين وسبقها الأقطار الشرقية التقدم والفكري والسياسي ويزيد الحقيقة وضوحاً أنك استعرضت حياة وماتركه مختلف بث دعوته وجدت أثره وأعظم بلد البلدان الأخرى مايدلك مبلغ تهيأت أسباب ووجدت القادة حدد الباحثون دوره الهام إعطاء دفعة قوية الطرق الأربعة: إِعْدُاد الأجواء المناسبة‌ للنهضة‌ الأدبیة بواسطه الإصلاح الدینی والصحوة الإسلامیة والوعی القومی کتابة مـقالات سـیاسیة فـی الصحف والجرائد بلغة سهلة تقل فیها الصنعة‌ والدعـوة‌ تحریر الکتابة التعقید والتقلید وجعلها خدمة الفکر لا‌ الاسلوب وبذلک فتح الطریق أمام الکتّاب لتـطویر الکـتابة الأدبـیة إن محمود سامي البارودي کرائد للشعر‌ العربی‌ المعاصر‌ کان تـلامیذ السید الدین وتأثر بأفکاره تأثیراً شدیداً إنَّ‌ محمد‌ رائد النثر المعتدل أقرب تلامیذ جـمال الدیـن کـان بدوره أثَّر علی‌ المنفلوطي والذی‌ یعد العربي الحدیث أثره الأخلاقي والسياسي جاء يحمل جنبيه روحا كبيرة ونفساً تزينها صفات وأخلاق أنبتتها الوراثة وهذبتها والمعرفة ومحصتها خاض غمارها والتجارب مارسها والشدائد عاناها وفيه الشمم والإباء صدفه يطأ طأ الرأس يقيم الضيم الثبات جعله يتغلب أدوار كيف ولائه رغم أصابه الهزيمة يخضع لخصمه (شير على) ورحل تطق بقاءه وأقصته عنها وذهب يعرف وجهر بالحق واستهدف لعداوة يتراجع ينكص وانتهى بإقصائه فهذه المجتمع العهد خفض الجناح والصبر والخضوع للحكام للشخصيات الكبيرة سلطان أدبي تؤثر طريق القدوة فالسيد اتصف العزة والشهامة ويحارب الذلة والاستكانة بنفسيته ودروسه وأحاديثه ومناهجه مدرسة أخلاقية رفعت مستوى الزمن العوامل الفعالة للتحول بدا الأمة وانتقالها حالة الخضوع التطلع للحرية والتبرم بنظام الحكم القديم ومساوئه والسخط تدخل الدول شؤون اسرفت القروض وبدأت عواقب الإسراف تظهر للعيان بذلته لإخفائها بمختلف الوسائل وأخذت تتطلع إصلاح نظام أحست مرارة الاستبداد وهالتها فداحة كبلت بقيود ويمكننا نحدد 1875 م وأوائل 1876 كمبدأ للتدخل الأوربي مظاهره وقتئذ شراء إنجلترا أسهم قدوم بعثة المستر " لفحص مالية توقف أداء أقساط ديونها اعقب إنشاء صندوق مايو فهذا الأسباب الجوهرية حفزت التبرم والتخلص مساوئه سياسة هي أفضت وامتهانها كرامة واستقلالها هنا جاءت الوطنية مبادئ حكيم الشرق وتعاليمه سبيلاً الهامة ظهور شغلت السنوات الأخيرة الحركة القومية نشاط وإقبال عليها وتحدثهم وتبرمهم بحالتها والمالية المعارضة واليقظة الشورى نواب نفخ فيهم روحه رأسهم بك المويلحي (باشا) يعد وإنك لتلمس الصلة الروحية الكلمات والعبارات الرائعة يجهر جلسات سنذكره موضعه العبارات قبس وقد ذكر النائب المويلحى ضمن تلاميذ لسان سليم العنجوري أدباء سورية ووصف بقوله: خلال 1878 زاد مركزه خطراً وسما مقامه السياسات وتولى رئاسة جمعية (الماسون) وصار أصدقاء وأولياء نفي أخيراً عرابي جزيرة سيلان وعبد الندوة وأخيه إبراهيم (المويلحي) كاتب الضابطة وكثر سواد يخدمون افكاره ويعلون مناره الأقلام وإبراهيم اللقاني مظهر والشاعر الزرقاني وأبي الوفاء القوني وسليم النقاش وأديب إسحاق النديم الإسكندرية" مع تصاعد مد اليقظة الإسلامية المعاصرة تتزايد الحاجة معالم المشروع الحضاري صاغته الإحياء والتي تبلورت حول موقظ وفيلسوف سعى لتحرير ((التخلف الموروث)) لتنهض فتقهر الاستعمار وترفض التغريب؛ ولهذا اتخذته الصحوة رائداً بينما ناصبه أنصار ((الجمود والتخلف)) ودعاة ((التبعية والتغريب)) بد إنصاف ((الأصدقاء الجهلة)) وكذلك ((الأعداء الكذبة)) كتب السير المذكرات مجاناً PDF اونلاين هى كتبها أصحابها أشخاص آخرون تجارب شخصيات رسمت وأسست قواعد هامة حياتنا تستوجب القراءة والتفكّر

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
جمال الدين الأفغاني بين حقائق التاريخ وأكاذيب لويس عوض
كتاب

جمال الدين الأفغاني بين حقائق التاريخ وأكاذيب لويس عوض

ــ محمد عمارة

صدر 2009م عن دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
جمال الدين الأفغاني بين حقائق التاريخ وأكاذيب لويس عوض
كتاب

جمال الدين الأفغاني بين حقائق التاريخ وأكاذيب لويس عوض

ــ محمد عمارة

صدر 2009م عن دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
عن كتاب جمال الدين الأفغاني بين حقائق التاريخ وأكاذيب لويس عوض :
محمد جمال الدين بن السيد صفتر الحسيني الأفغاني الأسد آبادي (1838 – 1897)، أحد أعلام التجديد في عصر النهضة العربية والإسلامية الحديثة.

في نشأة الأفغاني الأولى، وفي الدور الأول من حياته، تستطيع أن تتعرف على أخلاقه، والعناصر التي تكونت منها شخصيتة، فقد نشأ كما رأيت من بيت مجيد، ازدان بالشرف واعتز بالإمارة، والسيادة، والحكم، زمناً ما، وتربى في مهاد العز، في كنف أبيه ورعايته، فكان للوراثة والنشأة الأولى أثرهما فيما طبع عليه من عزة النفس، التي كانت من أخص صفاته، ولازمته طوال حياته، وكان للحرب التي خاضها أثرها أيضاً فيم اكتسبه من الأخلاق الحربية، فالوراثة والنشأة، والتربية، والمرحلة الأولى في الحياة العملية، ترسم لنا جانباً من شخصية جمال الدين الأفغاني.

سار الأفغاني إذن في جيش دوست محمد خان لفتح "هراة"، ولازمه مدة الحصار إلى أن توفي الأمير، وفتحت المدينة بعد حصار طويل، وتقلد الإمارة من بعده ولى عهده شير علي خان سنة 1864م - 1280 هـ.

ثم وقع الخلاف بين الأمير الجديد واخوته، إذ أراد أن يكيد لهم ويعتقلهم، فانضَمَّ السيد جمال الدين إلى محمد أعظم أحد الأخوة الثلاثة، لما توسمه فيه من الخير. أستعرت نار الحرب الداخلية، فكانت الغلبة لمحمد أعظم، وانتهت إليه إمارة الأفغان، فعظمت منزلة الأفغاني عنده، وأحله محل الوزير الأول، وكان بحسن تدبيره يستتب الأمر للأمير، ولكن الحرب الداخلية، مالبثت أن تجددت، إذ كان شير علي لا يفتأ يسعى لاسترجاع سلطته، وكان الإنجليز يعضدونه بأموالهم ودسائسهم، فأيدوه ونصروه، ليجعلوه من أوليائهم وصنائعهم، وأغدق شير علي الأموال على الرؤساء الذين كانوا يناصرون الأمير محمد أعظم، فبيعت أمانات ونقضت عهود وجددت خيانات، كما يقول الأستاذ الشيخ محمد عبده وانتهت الحرب بهزيمة محمد أعظم، وغلبه شير علي، وخلص له الملك.

بقي السيد جمال الدين في كابل لم يمسسه الأمير بسوء، احتراماً لعشيرته وخوف انتفاض العامة عليه حمية لآل البيت النبوي، وهنا أيضاً تبدو لك مكانة الأفغاني، ومنزلته بين قومه، وهو بعد في المرحلة الأولى من حياته العامة، ويتجلى استعداده للإضطلاع بعظائم المهام، والتطلع إلى جلائل الأعمال، فهو يناصر أميراً يتوسم فيه الخير، ويعمل على تثبيته في الإمارة، ويشيد دولة يكون له فيها مقام الوزير الأول، ثم لاتلبث أعاصير السياسة والدسائس الإنجليزية أن تعصف بالعرش الذي أقامه، ويغلب على أمر الأمير، ويلوذ بالفرار إلى إيران لكي لايقع في قبضة عدوه، ثم يموت بها، أما الأفغاني فيبقى في عاصمة الإمارة، ولايهاب بطش الأمير المنتصر، ولايتملقه أو يسعى إلى نيل رضاه، ولاينقلب على عقبيه كما يفعل الكثيرون من طلاب المنافع، بل بقي عظيماً في محنته، ثابتاً في هزيمته، وتلك ظواهر عظمة النفس، ورباطة الجأش، وقوة الجنان.

وهذه المرحلة كان لها أثرها في الاتجاه السياسي للسيد جمال الدين، فقد رأى مابذلته السياسة الإنجليزية لتفريق الكلمة، ودس الدسائس في بلاد الأفغان، وإشعال نار الفتن الداخلية بها، واصطناعها الأولياء من بين أمرائها، ولا مراء في أن هذه الأحداث قد كشفت له عن مطامع الإنجليز، وأساليبهم في الدس والتفريق، وغرست في فؤاده روح العداء للسياسة البريطانية خاصة، والمطامع الاستعمارية الأوروبية عامة، وقد لازمه هذا الكره طوال حياته، وكان له مبدأ راسخاً يصدر عنه في أعماله وآرائه وحركاته السياسية.

رحيله إلى الهند
لم ينفك الأمير شير علي يدبر المكايد للسيد جمال الدين، ويحتال للغدر به فرأى السيد أن يفارق بلاد الأفغان، ليجد جواً صالحاً للعمل، فاستأذنه في الحج، فأذن له، فسار إلى الهند سنة 1869م - 1285 هـ، وكانت شهرته قد سبقته إلى تلك الديار، لما عرف عنه من العلم والحكمة، وماناله من المنزلة العالية بين قومه، ولم يكن يخفى على الحكومة الإنجليزية عداءه لسياستها، ومايحدثه مجيئة إلى الهند من إثارة روح الهياج في النفوس، خاصة لأن الهند كانت لا تزال تضطرم بالفتن على الرغم من إخماد ثورة سنة 1857م، فلما وصل إلى التخوم الهندية تلقته الحكومة بالحفاوة والإكرام، ولكنها لم تسمح له بطول الإقامة في بلادها، وجاء أهل العلم والفضل يهرعون إليه، يقتبسون من نور علمه وحكمته، ويستمعون إلى أحاديثه ومافيها من غذاء العقل والروح، والحث على الأنفة وعزة النفس، فنقمت الحكومة منه اتصاله بهم، ولم تأذن له بالاجتماع بالعلماء وغيرهم من مريديه وقصاده، إلا على عين من رجالها، فلم يقم هناك طويلاً، ثم أنزلته الحكومة إحدى سفنها فأقلته إلى السويس.

مجيئه مصر لأول مرة
جاء مصر لأول مرة أوائل سنة 1870م - أواخر سنة 1286 هـ، ولم يكن يقصد الإقامة بها طويلا ؛ لأنه إنما جاء ووجهته الحجاز - أي جاء إلى مصر ليسافر منها إلى بلاد الحجاز-، فلما سمع الناس بقدومه، اتجهت إليه أنظار النابهين من أهل العلم، وحينما وصل إلى مصر زار الأزهر الشريف، واتصل به كثير من الطلبة، فآنسوا فيه روحاً تفيض معرفة وحكمة، فأقبلوا عليه يتلقون بعض العلوم الرياضية، والفلسفية، والكلامية، وقرأ لهم شرح "الأظهار" في البيت الذي نزل به بخان الخليلي، وأقام بمصر أربعين يوماً، ثم تحول عزمه عن الحجاز، وسافر إلى الأستانة.

سفره إلى الأستانة ثم رحيله عنها
وصل جمال الدين إلى الأستانة، فلقي من حكومة السلطان عبد العزيز حفاوة وإكراماً، إذ عرف له الصدر الأعظم عالى باشا مكانته، وكان هذا الصدر من ساسة الترك الأفذاذ، العارفين بأقدار الرجال، فأقبل على الأفغاني يحفه بالاحترام والرعاية، ونزل من الأمراء والوزراء والعلماء منزلة عالية، وتناقلوا الثناء عليه، ورغبت الحكومة أن تستفيد من علمه وفضله، فلم تمض ستة أشهر حتى جعلته عضواً في مجلس المعارف، فاضطلع بواجبه، وأشار بإصلاح مناهج التعليم، ولكن آراءه لم تلق تأييداً من زملائه، ولم يكن على وفاق مع شيخ الإسلام حسن فهمي أفندي، وفي رمضان سنة 1287 هـ - ديسمبر سنة 1870م، رغب إليه مدير دار الفنون أن يلقي فيها خطاباً للحث على الصناعات، فاعتذر باديء ذي بدء بضعفه في اللغة التركية، فألح عليه، فأنشأ خطاباً طويلاً كتبه قبل إلقائه، وعرضه على نخبة من أصحاب المناصب العالية، فأقروه واستحسنوه.

وألقى الأفغاني خطابه بدار الفنون، في جمع حاشد من ذوي العلم والمكانة، فنال استحسانهم، لكن خلافًا حدث بينه وبين شيخ الإسلام، وأصدرت الأستانة أمرها إلى الأفغاني بالرحيل عن الأستانة بضعة أشهر، حتى تسكن الخواطر، ويهدأ الاضطراب، ثم يعود إليها إن شاء، ورغب إليه بعض مريديه أن يتحول إلى الديار المصرية، فعمل برأيهم وقصد إليها.

عودته إلى مصر وإقامته بها
جاء السيد جمال الدين إلى مصر في أول محرم سنة 1288 هـ - مارس سنة 1871م، لا على نية الإقامة بها، بل على قصد مشاهدة مناظرها، واستطلاع أحوالها، ولكن رياض باشا وزير إسماعيل في ذلك الحين رغب إليه البقاء في مصر، وأجرت عليه الحكومة راتباً مقداره ألف قرش كل شهر، لا في مقابل عمل، واهتدى إلى الأفغاني كثير من طلبة العلم، يستورون زنده، ويقتبسون الحكمة من بحر علمه، فقرأ لهم الكتب العالية في فنون الكلام، والحكمة النظرية، من طبيعية وعقلية، وعلوم الفلك، والتصوف، وأصول الفقة، بإسلوب طريف، وطريقة مبتكرة. وكانت مدرسته بيته، ولم يذهب يوماً إلى الأزهر مدرساً، وإنما ذهب إليه زائراً، وأغلب مايزوره يوم الجمعة، وكان أسلوبه في التدريس مخاطبة العقل، وفتح أذهان تلاميذه ومريديه إلى البحث والتفكير، وبث روح الحكمة والفلسفة في نفوسهم، وتوجيه أذهانهم إلى الأدب، والإنشاء، والخطابة، وكتابة المقالات الأدبية، والاجتماعية، والسياسية، فظهرت على يده نهضة في العلوم والأفكار أنتجت أطيب الثمرات.

وهنا موضع للتساؤل، عما حمل الخديوي إسماعيل إلى استمالته الأفغاني للإقامة في مصر، وإكرام مثواه، ويبدو هذا العمل غريباً، لأن لجمال الدين ماضياً سياسياً ومجموعة أخلاق ومبادئ، ولاترغب فيه الملوك المستبدين، ولم يكن السيد من أهل التملق والدهان، فينال عطفهم ورعايتهم، ويجرون عليه الأرزاق بلا مقابل، ولكن الأمر لايعسر فهمه إذا عرفنا أن في إسماعيل جانباً ممدوحاً من صفاته الحسنة، وهو حبه للعلم، ورغبته في نشره ورعايته، وكانت شخصية جمال الدين العلمية، وشهرته في الفلسفة، أقوى ظهوراً وخاصة في ذلك الحين، من شخصيتة السياسية، فلا غرو أن يكرم فيه إسماعيل العالم المحقق، الذي يفيض على مصر من بحر علمه وفضله، وفي الحق أن إسماعيل لم يكن يقصر في اغتنام الفرصة لتنشيط النهضة العلمية ورعاية العلماء والأدباء، فترغيبه جمال الدين في البقاء بمصر يشبه أن يكون فتحاً علمياً، كتأسيس معهد من معاهد العلم العالية التي أنشئت على يده.

أما آراء الأفغاني السياسية وكراهيته للاستبداد ونزعته الحرة، فلم يكن مثل إسماعيل يخشاها أو يحسب لها حساياً كبيراً، لأنه في ذلك الحين سنة 1871م كان قد بلغ أوج سلطته ومجده، فكان يحكم البلاد حكماً مطلقاً، يأمر وينهى ويتصرف في أقدار البلاد ومصاير أهلها، دون رقيب أو حسيب، وكان مجلس شورى النواب آلة مطواعة في يده، والصحافة في بدء عهدها تكيل له عبارات المديح، وتصوغ له عقود الثناء، ولم يكن سلطانه قد استهدف بعد التدخل الأجنبي، لأن هذا التدخل لم يقع إلا في سنة 1875م، كما رأيت في سياق الحديث، فليس ثمة مايخشى منه إسماعيل، على سلطته المطلقة، من الناحية الداخلية أو الخارجية، حين رغب إلى الأفغاني الإقامة والتدريس في مصر. وقد بدأت النهضة التي ظهرت على يد السيد، علمية، أدبية، ولم تتطور إلى الناحية السياسية إلا حوالي سنة 1876م، على أنها في تطورها السياسي لم تتجه ضد إسماعيل بالذات، بل اتجهت في الجملة ضد التدخل الأجنبي.

وثمة اعتبار آخر لايفوتنا الإلماح إليه، ذلك أن جمال الدين قد بارح الأستانة، إذ لم يجد فيها جواً صالحاً للنهضة العلمية، والفكرية، وقصد إلى مصر وقد سبقته إليها أنباؤه، ومالقيه في "دار الخلافة" من العنت والاضطهاد، وكان إسماعيل ينافس حكومة الأستانة في المكانة والنفوذ السياسي، وينظر إليها بعين الزراية، ولايرضى لمصر أن تكون تابعة لتركيا، ولا أن يكون هو تابعاً للسلطان العثماني، وليس خافياً ما كان يبذله من المساعي للانفصال عن تركيا في ذلك الحين، وظهوره بمظهر العاهل المستقل، في المعرض العالمي في باريس سنة 1867م، وفي إغفاله دعوة السلطان إلى حضور حفلات القناة سنة 1869م، وعزمه على إعلان استقلال مصر التام في تلك الحفلات، لولا العقبات السياسية التي اعترضته، ولايغرب عن الذهن ما كان بين الخديوي والسلطان من مظاهر الفتور والجفاء التي كادت تقطع الروابط بينهما، وأخصها فرمان نوفمبر سنة 1869م الذي أصدره السلطان منتقصا من سلطة الخديوي.

ففي هذا الجو هبط جمال الدين مصر مبعداً من الأستانة، فلم يفت ذكاء إسماعيل أن يغتنم الفرصة ليحمي العلم في شخص الفيلسوف الأفغاني، ولايخفى ما لهذا العمل من حسن الأثر وجميل الأحدوثة، إذ يرى الناس فيه أن مصر تؤوي العلماء والحكماء، حين تضيق عنهم "دار الخلافة" وأن عاهل مصر العظيم أحق من السلطان العثماني بالثناء والتقدير لأنه يفسح للعلم رحابه، ويوطئ له في وادي النيل أكنافه. وقد يكون ل'''رياض باشا''' يد في إكرام وفادة المترجم، ولكن إذا علمنا أن وزراء إسماعيل لم يكونوا يصدرون إلا عن رأيه وأمره، أدركنا أن رياض باشا لم يكن الرجل الذي ينفرد بهذا الصنيع نحو جمال الدين، ومهما يكن واقع الأمر فإن لرياض باشا فضل المشاركة في عمل كان له الأثر البالغ في نهضة مصر العلمية والفكرية والسياسية.

أثره العلمي والأدبي
أقام المترجم في مصر، وأخذ يبث تعاليمه في نفوس تلاميذه، فظهرت على يده بيئة، استضاءت بأنوار العلم والعرفان، وارتوت من ينابيع الأدب والحكمة، وتحررت عقولها من قيود الجمود والأوهام، وبفضله خطا فن الكتابة والخطابة في مصر خطوات واسعة، ولم تقتصر حلقات دروسه ومجالسه على طلبة العلم، بل كان يؤمها كثير من العلماء والموظفين والأعيان وغيرهم، وهو في كل أحاديثه "لا يسأم" كما يقول عنه محمد عبده، من الكلام فيما ينير العقل، أو يطهر العقيدة أو يذهب بالنفس إلى معالي الأمور، أو يستلفت الفكر إلى النظر في الشؤون العامة مما يمس مصلحة البلاد وسكانها، وكان طلبة العلم ينتقلون بمايكتبونه من تلك المعارف إلى بلادهم أيام البطالة، والزائرون يذهبون بما ينالونه إلى أحيائهم، فاستيقظت مشاعر وتنبهت عقول، وخف حجاب الغفلة في أطراف متعددة من البلاد خصوصاً في القاهرة.

وقال محمد عبده في موطن آخر يصف تطور الكتابة على يد الأفغاني: "كان أرباب القلم في الديار المصرية القادرون على الإجادة في المواضيع المختلفة منحصرين في عدد قليل، وما كنا نعرف منهم إلا عبد الله باشا فكري وخيري باشا، ومحمد باشا سيد أحمد على ضعف فيه، ومصطفى باشا وهبي على اختصاص فيه، ومن عدا هؤلاء فإما ساجعون في المراسلات الخاصة، وإما مصنفون في بعض الفنون العربية أو الفقهية وما شاكلها، ومن عشر سنوات ترى كتبة في القطر المصري، لايشق غبارهم ولايوطأ مضمارهم، وأغلبهم أحداث في السن، شيوخ في الصناعة، وما منهم إلا من أخذ عنه، أو عن أحد تلاميذه، أو قلد المتصلين به".

كان قادرا على التعبیر المذھل وعلى الصیاغة المثلى، وعلى إدراك المعاني الدقيقة والمفارقات المستترة، وقادر على الإمتاع والإقناع والاثارة والخطابة والتحميس والتصحيح واللوم والتقريع وبث روح الفهم والقضاء والحكم والفتوى والتعديل والجرح وهو قادر على ان يتناول كل نص بفهم أعمق ،وقادر على ان يتفهم كل واقعة بنظرة أوسع ،وقادر على أن يستشهد ،وأن يستنتج ،وأن يحث ، وأن يثير ،وأن يحرض.

فروح جمال الدين كان لها الأثر البالغ في نهضة العلوم والآداب في مصر، ولايفوتنا القول بأن البيئة التي كانت مستعدة للرقي، صالحة لغرس بذور هذه النهضة، وظهور ثمارها، أو بعبارة أخرى أن مصر بما فيها جامع الأزهر، والمعاهد العلمية الحديثة، والتقدم العلمي الذي ابتدأ منذ عهد محمد علي، كانت على استعداد لتقبل دعوة الحكيم الأفغاني، ولولا هذا الاستعداد لقضي على هذه الدعوة في مهدها، ولأخفق هو في مصر كما أخفق في الأستانة، حيث وجد أبواب العمل موصدة أمامه، وهذا يبين لنا جانباً من مكانة مصر، وسبقها الأقطار الشرقية في التقدم العلمي والفكري والسياسي، ويزيد هذه الحقيقة وضوحاً أنك إذا استعرضت حياة جمال الدين العامة، وماتركه من الأثر في مختلف الأقطار الشرقية التي بث فيها دعوته، وجدت أثره في مصر أقوى وأعظم منه في أي بلد من البلدان الأخرى، وفي هذا مايدلك على مبلغ استعداد مصر للنهضة والتقدم، إذا تهيأت لها أسباب العمل ووجدت القادة والحكماء.

حدد الباحثون دوره الهام في إعطاء دفعة قوية للنهضة الأدبية الحديثة في الطرق الأربعة:

إِعْدُاد الأجواء المناسبة‌ للنهضة‌ الأدبیة بواسطه الإصلاح الدینی والصحوة الإسلامیة والوعی القومی.
کتابة مـقالات سـیاسیة فـی الصحف والجرائد بلغة سهلة تقل فیها الصنعة‌، والدعـوة‌ إلى تحریر الکتابة من التعقید والتقلید وجعلها في خدمة الفکر لا‌ في خدمة الاسلوب، وبذلک فتح الطریق أمام الکتّاب والأدباء لتـطویر الکـتابة الأدبـیة.
إن محمود سامي البارودي کرائد للشعر‌ العربی‌ المعاصر‌ کان من تـلامیذ السید جمال الدین وتأثر بأفکاره تأثیراً شدیداً.
إنَّ‌ محمد‌ عبده رائد النثر المعتدل کان من أقرب تلامیذ السید جـمال الدیـن و کـان بدوره قد أثَّر علی‌ المنفلوطي والذی‌ یعد رائد النثر العربي الحدیث.
أثره الأخلاقي والسياسي
جاء جمال الدين الأفغاني إلى مصر يحمل بين جنبيه روحا كبيرة، ونفساً قوية، تزينها صفات وأخلاق عالية، أنبتتها الوراثة والتربية الأولى، وهذبتها الحكمة والمعرفة، ومحصتها الحياة الحربية التي خاض غمارها في بلاد الأفغان، والتجارب التي مارسها، والشدائد التي عاناها جاء وفيه من الشمم والإباء ما صدفه عن أن يطأ طأ الرأس أو يقيم على الضيم، جاء وفيه من الثبات ما جعله يتغلب على العقبات التي اعترضته في أدوار حياته، فقد رأيت كيف بقي على ولائه للأمير محمد أعظم، رغم ما أصابه من الهزيمة ولم يخضع لخصمه (شير على)، ورحل إلى الهند، فلم تطق السياسة الاستعمارية بقاءه فيها وأقصته عنها، وذهب إلى الأستانة، فلم يعرف التملق والدهان، وجهر بالحق، واستهدف لعداوة شيخ الإسلام، فلم يتراجع ولم ينكص على عقبيه، وانتهى الخلاف بإقصائه عن الأستانة.

فهذه الأخلاق التي جاء بها جمال الدين كانت بلا مراء أقوى مما عرف عن المجتمع، في ذلك العهد، من خفض الجناح، والصبر على الضيم والخضوع للحكام، وليس يخفى ما للشخصيات الكبيرة من سلطان أدبي على النفوس وما تؤثر فيها من طريق القدوة، فالسيد جمال الدين بما اتصف به من الأخلاق العالية، أخذ يبث في النفوس روح العزة والشهامة، ويحارب روح الذلة والاستكانة، فكان بنفسيته ودروسه وأحاديثه، ومناهجه في الحياة، مدرسة أخلاقية، رفعت من مستوى النفوس في مصر، وكانت على الزمن من العوامل الفعالة للتحول الذي بدا على الأمة وانتقالها من حالة الخضوع والاستكانة إلى التطلع للحرية والتبرم بنظام الحكم القديم ومساوئه، والسخط على تدخل الدول في شؤون البلاد.

اسرفت حكومة إسماعيل في القروض، وبدأت عواقب هذا الإسراف تظهر للعيان رغم ما بذلته الحكومة لإخفائها بمختلف الوسائل، وأخذت النفوس تتطلع إلى إصلاح نظام الحكم بعد إذ أحست مرارة الاستبداد وهالتها فداحة القروض التي كبلت البلاد بقيود تدخل الدول.

ويمكننا أن نحدد أواخر سنة 1875 م، وأوائل سنة 1876 م كمبدأ للتدخل الأوربي إذ حدث من مظاهره وقتئذ شراء إنجلترا أسهم مصر في القناة ثم قدوم بعثة المستر " كيف " الإنجليزية لفحص مالية مصر، ثم توقف الحكومة عن أداء أقساط ديونها وما اعقب ذلك من إنشاء صندوق الدين في مايو سنة 1876 م فهذا التدخل كان من الأسباب الجوهرية التي حفزت النفوس إلى التبرم بنظام الحكم، والتخلص من مساوئه، لأن سياسة الحكومة هي التي أفضت إلى تدخل الدول في شؤون مصر وامتهانها كرامة البلاد واستقلالها. ومن هنا جاءت النهضة الوطنية والسياسية، ووجدت مبادئ حكيم الشرق وتعاليمه سبيلاً إلى النفوس، فكانت من العوامل الهامة في ظهور هذه النهضة التي شغلت السنوات الأخيرة من عهد إسماعيل وكانت من أعظم أدوار الحركة القومية.

كان من مظاهر هذه النهضة نشاط الصحف السياسية، وإقبال الناس عليها، وتحدثهم في شؤون البلاد العامة، وتبرمهم بحالتها السياسية والمالية، ثم ظهور روح المعارضة واليقظة في مجلس الشورى، على يد نواب نفخ فيهم جمال الدين من روحه، وعلى رأسهم عبد السلام بك المويلحي (باشا)، الذي يعد من تلاميذه الأفذاذ، وإنك لتلمس الصلة الروحية بينهما، من الكلمات والعبارات الرائعة التي كان المويلحي يجهر بها في جلسات مجلس شورى النواب مما سنذكره في موضعه، فإن هذه العبارات هي قبس من روح الحكيم الأفغاني.

وقد جاء ذكر النائب المويلحى ضمن تلاميذ جمال الدين ومريديه على لسان سليم بك العنجوري أحد أدباء سورية حين زار مصر ووصف مكانة الأفغاني بقوله: " في خلال سنة 1878 زاد مركزه خطراً وسما مقامه، لأنه تدخل في السياسات وتولى رئاسة جمعية (الماسون) العربية وصار له أصدقاء وأولياء من أصحاب المناصب العالية، مثل محمود سامي البارودي الذي نفي أخيراً مع عرابي إلى جزيرة سيلان، وعبد السلام بك المويلحي النائب المصري في دار الندوة، وأخيه إبراهيم (المويلحي) كاتب الضابطة، وكثر سواد الذين يخدمون افكاره، ويعلون بين الناس مناره، من أرباب الأقلام، مثل الشيخ محمد عبده، وإبراهيم اللقاني، وعلى بك مظهر، والشاعر الزرقاني، وأبي الوفاء القوني في مصر، وسليم النقاش، وأديب إسحاق، وعبد الله النديم في الإسكندرية".



مع تصاعد مد اليقظة الإسلامية المعاصرة تتزايد الحاجة إلى معالم المشروع الحضاري الذي صاغته مدرسة الإحياء والتي تبلورت من حول جمال الدين الأفغاني، فهو موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام الذي سعى لتحرير العقل من ((التخلف الموروث)) لتنهض الأمة فتقهر الاستعمار وترفض التغريب؛ ولهذا فقد اتخذته الصحوة الإسلامية رائداً بينما ناصبه العداء أنصار ((الجمود والتخلف)) ودعاة ((التبعية والتغريب))، فكان لا بد من إنصاف الأفغاني أمام ((الأصدقاء الجهلة)) وكذلك ((الأعداء الكذبة)).
الترتيب:

#13K

0 مشاهدة هذا اليوم

#78K

8 مشاهدة هذا الشهر

#37K

7K إجمالي المشاهدات
عدد الصفحات: 280.
المتجر أماكن الشراء
محمد عمارة ✍️ المؤلف
مناقشات ومراجعات
دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة 🏛 الناشر
QR Code
أماكن الشراء: عفواً ، لا يوجد روابط مُسجّلة حاليا لشراء الكتاب من المتاجر الإلكترونية
نتيجة البحث