📘 ❞ الشافعي حياته وعصره آراؤه الفقهية ❝ كتاب ــ محمد أبو زهرة اصدار 1978

التراجم والأعلام - 📖 ❞ كتاب الشافعي حياته وعصره آراؤه الفقهية ❝ ــ محمد أبو زهرة 📖

█ _ محمد أبو زهرة 1978 حصريا كتاب الشافعي حياته وعصره آراؤه الفقهية عن دار الفكر العربي بمصر 2024 الفقهية: عبد الله بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (150 204هـ 767 820م) هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة وصاحب المذهب الفقه الإسلامي ومؤسس علم أصول وهو أيضاً إمام التفسير وعلم الحديث وقد عمل قاضياً فعُرف بالعدل والذكاء وإضافةً إلى العلوم الدينية كان فصيحاً شاعراً ورامياً ماهراً ورحّالاً مسافراً أكثرَ العلماءُ من الثناء عليه حتى قال فيه الإمام أحمد: «كان كالشمس للدنيا وكالعافية للناس» وقيل: إنه إمامُ قريش الذي ذكره النبي بقوله: «عالم يملأ الأرض علماً» وُلد الشافعيُّ بغزة عام 150 هـ وانتقلت به أمُّه مكة وعمره سنتان فحفظ القرآن الكريم ابن سبع سنين وحفظ الموطأ عشر ثم أخذ يطلب العلم أُذن له بالفتيا فتىً دون عشرين سنة هاجر المدينة المنورة طلباً للعلم مالك أنس ارتحل اليمن وعمل فيها بغداد 184 فطلب القاضي الحسن الشيباني وأخذ يدرس الحنفي وبذلك اجتمع فقه الحجاز (المذهب المالكي) وفقه العراق الحنفي) عاد وأقام تسع سنوات تقريباً يُلقي دروسه الحرم المكي سافر للمرة الثانية فقدِمها 195 وقام بتأليف الرسالة وضع الأساسَ لعلم مصر 199 وفي أعاد تصنيف كتبه الأولى كما ينشر مذهبه الجديد ويجادل مخالفيه ويعلِّم طلابَ توفي 204 نشأ أسرة فقيرة كانت تعيش فلسطين وكانت مقيمة بالأحياء اليمنية منها مات أبوه صغير فانتقلت خشية أن يضيع نسبه الشريف عمرُه سنتين عندما انتقلت أمه وذلك ليقيمَ بين ذويه ويتثقفَ بثقافتهم ويعيشَ بينهم ويكونَ منهم منظر لمكة حيث نشأ وترعرع عاش عيشة اليتامى الفقراء مع رفيعاً شريفاً بل أشرف الأنساب المسلمين ولكنه عاش استقام عودُه لذلك أثرٌ عظيمٌ وأخلاقه لقد حفظ السابعة عمره مما يدل ذكائه وقوة حفظه اتجه النبوي موطأ الشافعي: «حفظت وأنا وحفظت سنين» وكان يستمع المحدِّثين فيحفظ بالسمع يكتبه الخزف أو الجلود وكان يذهب الديوان يستوعب الظهور ليكتب عليها والظهور هي الأوراق التي كُتب باطنها وتُرك ظهرها أبيض أنه أحب منذ نعومة أظفاره «لم يكن لي مال فكنت أطلب الحداثة أذهب أستوهب وأكتب فيها» وقال: «طلبت هذا الأمر خفة ذات اليد كنت أجالس الناس وأتحفظ اشتهيت أدون منزلنا بمكة بقرب شِعب الخَيْف آخذ العظام والأكتاف فأكتب امتلأ دارنا ذلك حبان» وروي عنه قال: «كنت يتيماً حجر أمي ولم معها ما تعطي المعلم قد رضي أخلفه إذا قام فلما ختمت دخلت المسجد وكنت العلماء فأحفظ المسألة أنظر العظم لنا جرة عظيمة طرحته الجرة» رحلته البادية إضافةً والأحاديث النبوية التفصُّح اللغة العربية فخرج سبيل البادية ولازم قبيلة هذيل «إني خرجت فلازمت هذيلاً بالبادية أتعلم كلامها وآخذ طبعها أفصح العرب أرحل برحيلهم وأنزل بنزولهم رجعت جعلت أنشد الأشعار وأذكر الآداب والأخبار» ولقد بلغ لأشعار الهذليين وأخبارهم الأصمعي مكانة عالية «صححت أشعار فتى يقال إدريس» إن القبيلة ضوى إليها وهم يوصفون بأنهم أفصحُ مصعب الزبيري: قرأ علي رضيَ حفظاً «لا تخبر بهذا فإنهم لا يحتملون هذا» مصعب: يسمر أبي أول الليل الصباح ولا ينامان ابتداء أمره الشعر وأيام والأدب بعد سبب أخذه يسير يوماً دابة وخلْفه كاتبٌ لأبي فتمثل بيت شعر فقرعه كاتبُ بسوطه له: «مثلك بمروءته مثل أين أنت الفقه؟» فهزه فقصد لمجالسة الزنجي خالد مفتي قدم علينا فلزم رحمَه عودته والإذن بالإفتاء لما عاد تابعَ طلبَ الفقهاء والمحدثين فبلغ مبلغاً عظيماً أذن مسلم فقد روي للشافعي: «أفت يا أبا والله آن لك تفتي» خمس عشرة ثماني طلب العلم رحلته المنورة لما انتشر اسم الآفاق وتناقلته الركبان وبلغ والحديث سمت همة الهجرة ومما المقام «فارقت أربع نبات بعارضي الأبطح ذي طوى فرأيت ركباً فحملني شيخ فختمت ست ختمة ودخلت يوم الثامن صلاة العصر فصليت مسجد رسول صلَّى وسلَّم ولذت بقبره رحمه متزراً ببردة متشحاً بأخرى يقول: «حدثني نافع عمر صاحب القبر» يضرب بيده قبر رأيت هبته الهيبة العظيمة» وذهب رآه الإمامُ مالكٌ له: الشافعي يا محمدٌ اتق واجتنب المعاصي فإنه سيكون شأن الشأن إن ألقى قلبك نوراً فلا تطفئه بالمعصية الشافعي ثم «إذا جاء الغد تجيء ويجيء يقرأ لك» يقول «فغدوت وابتدأت أقرأ ظاهراً والكتاب يدي فكلما تهيبت مالكاً وأردت أقطع أعجبه حسن قراءتي وإعرابي فيقول: «يا زد» قرأته أيام يسيرة» وقد قدمت مالكٍ حفظت فقلت: أريد أسمع منك» فقال: «اطلب وكررت عليك تسمع فإن سهل قرأت لنفسي» «اقرأ» سمع فقرأت فرغت منه وحكى أحمد «أنا تعجبه قراءتي» «لأنه فصيحاً» وقال كثير: «وكذلك الصوت بتلاوة القرآن» وفي رواية أخرى وقدمت فقال لي: «أحضر قارئ» «إن يك أحدٌ يفلح فهذا الغلام» وبعد روى موطأه لزمه يتفقهُ ويدارسُه المسائلَ يفتي 179 شرخ الشباب ويظهر ملازمته للإمام يقوم برحلات البلاد الإسلامية يستفيد ويتعلم أحوال يزور ويستنصح بنصائحها وفقاً لقراءة كثير وولايته بأرض نجران لما وأحس نال أشطراً الوقت فقيراً اتجهت نفسه يكتسب يدفع حاجته ويمنع خصاصته وصادف المكرمة والي فكلمه بعض القرشيين يصحبه فأخذه الوالي معه ويقول ذلك: «ولم تعطيني أتحمل فرهنت داراً فتحملت قدمنا عملت عمل» العمل تبدو مواهب فيشيع ذكرُه عادلاً ممتازاً ويتحدث باسمه بطاح ولما تولى أقام العدل يصانعون الولاة والقضاة ويتملقونهم ليجدوا عندهم سبيلاً نفوسهم ولكنهم وجدوا عدلاً الاستيلاء بالمصانعة والملق «وليت نجران وبها بنو الحارث المدان وموالي ثقيف أتاهم صانعوه فأرادوني نحو فلم يجدوا عندي» ومحنته لما نزل باليمن ومن أعمالها بها والٍ ظالم فكان يأخذ يديه أي ينصحه وينهاه مظالمه تصل تحت ولايته وربما بالنقد فأخذ يكيد بالدس والسعاية والوشاية الزمانِ الحكمُ للعباسيين العباسيون يُعادون خصومَهم العلويين لأنهم يُدلون بمثل نسبهم ولهم رحم الرسول ليس لهم فإذا دولة العباسيين قامت النسب فأولئك يَمُتُّون بمثله وبرحم أقرب ولذا كانوا رأوا دعوة علوية قضوا وهي مهدها ويقتلون الشبهة الجزم واليقين إذ يرون قتل بريء يستقيم أولى ترك مُتَّهمٍ يَجوز يُفسد الأمنَ عليهم جاء هذه الناحية واتهم بأنه العلوية فأرسل الخليفة هارون الرشيد: تسعة تحرَّكوا» كتابه: أخاف يخرجوا وإن ها هنا رجلاً ولد شافع المطلبي أمر نهي» وقيل «يعمل بلسانه يقدر المقاتل بسيفه» الرشيد يَحضرَ أولئك النفرُ التسعةُ ومعهم ويقال التسعة ونجا الشافعي؛ بقوة حجته وشهادة أما قوة فكانت بقوله للرشيد وجه إليه التهمةَ النطع والسيف: أمير المؤمنين تقول رجلين أحدهما يراني أخاه والآخر عبده أيهما إلي؟» «الذي يراك أخاه» «فذاك إنكم العباس ونحن المطلب فأنتم تروننا إخوتكم يروننا عبيدهم» وأما شهادة فذلك لأن استأنس لما مجلس الاتهام فذكر ساق حظاً والفقه وأن محمداً يعرف فسأل الرشيدُ «له حظٌ كبير وليس رُفع شأنه» «فخذه إليك انظرَ أمره» وبهذا نجا كان قدوم المحنة الرابعة والثلاثين خيراً وجَّهته بدل الولاية وتدبير شؤون السلطان قبلُ يسمع وفقهه وأنه حاملُ العراقيين وناشرُه التقى قبل فقرأ كتب وتلقاها يغلب النقل العقل وتخرج بذلك كبار زمانه حجر: «انتهت رياسة فرحل ولازمه وانتهت حنيفة صاحبه حملاً شيء إلا سمعه فاجتمع الرأي فتصرف أصَّل الأصول وقعَّد القواعد وأذعن الموافق والمخالف واشتهر وعلا وارتفع قدره صار صار» التراجم والأعلام مجاناً PDF اونلاين يتناول سير حياة الأعلام عبر العصور المختلفة دقيق يبحث الشخصيات والأفراد الذين تركوا آثارا المجتمع ويتناول كافة طبقات الأنبياء والخلفاء والملوك والأمراء والقادة والعلماء شتى المجالات والفقهاء والأدباء والشعراء والفلاسفة وغيرهم ويهتم بذكر حياتهم الشخصية ومواقفهم وأثرهم الحياة وتأثيرهم ويعتبر عموما فرعا فروع التاريخ اهتم المسلمون بعلم اهتماما كبيرا بدأت العناية عهد صلى وسلم بزمن حرص حماية وصيانة المصدر الثاني مصادر التشريع الإسلام حرصوا صيانته الكذب والتزوير والغش والتلفيق والدس فنشأ كقاعدة تلقّي الأخبار وبالأخص فيما يتعلق بالحديث أولا الآثار المروية الصحابة والتابعين وباقي خصوصا والناس روى صحيحه مجاهد «جاء بشير العدوي عباس فجعل يحدث ويقول: يأذن لحديثه ينظر مالي أراك لحديثي؟ أحدثك تسمع؟ عباس: إنا كنا مرة سمعنا رجلا ابتدرته أبصارنا وأصغينا بآذاننا ركب الصعب والذلول لم نأخذ نعرف » واستمر القاعدة ضرورة معرفة الرجال ناقلي بسبب حال نقلة ينبني المعرفة قبول والتعبد بما لله تعالى رد تلك والحذر اعتبارها ديناً وروى سيرين يكونوا يسألون الإسناد وقعت الفتنة قالوا سموا رجالكم فينظر فيؤخذ حديثهم وينظر البدع يؤخذ حديثهم» وجاءت عبارات بيان أهمية الرواة صريحة وواضحة الأهمية بمكان البحث نواح تفصيلية الراوي ونواح استنتاجية (تُستنتج حديثه وطريقته التحديث) مباحث العلم: تاريخ ميلاد وتاريخ طلبه وممن سِنِيِّ هم الشيوخ عنهم (من حدث سماعاً دلس شيئاً أرسل عنه) وما مدة لكلّ شيوخه وكيف ذاك وكم الأحاديث والآثار ذلك؛ وهل الضعفاء والمجاهيل؟ ورحلاته العلمية حدّث به؛ ومتى يحدِّث؟ أم كتابه؛ سماعٌ عرض؛ المستملون والوراقون استخدمهم؟) إقبال عدد الحاضرين عنده؟ الأوهام وقع والسَّقطات أُخذت عليه؟ أخلاق وعبادته ومهنته؛ أجراً التحديث؟ عسِراً التحديث سمحاً بعلمه متساهلاً ؟ وتفرّع وانبثق علوم كثيرة متعلّقة الباب تفرّدته الأمة باقي الأمم مصطلح ناحية العدالة والتوثيق والضبط العلل الجرح والتعديل وغيرها أقسام التراجم هنالك تقسيمات متنوعة والكتب العديدة المؤلفة فمنها: التراجم الطبقات التراجم الحروف الوفيات القرون البلدان وقسّمهم البعض الآخر أبواب مختلفة منها: التراجم المتعلقة معيّن المتعلّقة بمذهب بفنّ بشخص الترجمة الذاتية أسهب التأليف الأبواب يكاد يخلوا باب وصنّفت عشرات الكتب وهذا ركن خاص بكتب مجانيه للتحميل وتراجم ومذكرات فيشمل الكثير حول المجال

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
الشافعي حياته وعصره آراؤه الفقهية
كتاب

الشافعي حياته وعصره آراؤه الفقهية

ــ محمد أبو زهرة

صدر 1978م عن دار الفكر العربي بمصر
الشافعي حياته وعصره آراؤه الفقهية
كتاب

الشافعي حياته وعصره آراؤه الفقهية

ــ محمد أبو زهرة

صدر 1978م عن دار الفكر العربي بمصر
عن كتاب الشافعي حياته وعصره آراؤه الفقهية:
أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (150-204هـ / 767-820م) هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، وهو أيضاً إمام في علم التفسير وعلم الحديث، وقد عمل قاضياً فعُرف بالعدل والذكاء. وإضافةً إلى العلوم الدينية، كان الشافعي فصيحاً شاعراً، ورامياً ماهراً، ورحّالاً مسافراً.

أكثرَ العلماءُ من الثناء عليه، حتى قال فيه الإمام أحمد: «كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس»، وقيل: إنه هو إمامُ قريش الذي ذكره النبي محمد بقوله: «عالم قريش يملأ الأرض علماً».

وُلد الشافعيُّ بغزة عام 150 هـ، وانتقلت به أمُّه إلى مكة وعمره سنتان، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وحفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين، ثم أخذ يطلب العلم في مكة حتى أُذن له بالفتيا وهو فتىً دون عشرين سنة. هاجر الشافعي إلى المدينة المنورة طلباً للعلم عند الإمام مالك بن أنس، ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد سنة 184 هـ، فطلب العلم فيها عند القاضي محمد بن الحسن الشيباني، وأخذ يدرس المذهب الحنفي، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز (المذهب المالكي) وفقه العراق (المذهب الحنفي).

عاد الشافعي إلى مكة وأقام فيها تسع سنوات تقريباً، وأخذ يُلقي دروسه في الحرم المكي، ثم سافر إلى بغداد للمرة الثانية، فقدِمها سنة 195 هـ، وقام بتأليف كتاب الرسالة الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، ثم سافر إلى مصر سنة 199 هـ. وفي مصر، أعاد الشافعي تصنيف كتاب الرسالة الذي كتبه للمرة الأولى في بغداد، كما أخذ ينشر مذهبه الجديد، ويجادل مخالفيه، ويعلِّم طلابَ العلم، حتى توفي في مصر سنة 204 هـ.

نشأ الشافعي في أسرة فقيرة كانت تعيش في فلسطين، وكانت مقيمة بالأحياء اليمنية منها، وقد مات أبوه وهو صغير، فانتقلت أمُّه به إلى مكة خشية أن يضيع نسبه الشريف، وقد كان عمرُه سنتين عندما انتقلت به أمه إلى مكة، وذلك ليقيمَ بين ذويه، ويتثقفَ بثقافتهم، ويعيشَ بينهم، ويكونَ منهم.


منظر عام لمكة، حيث نشأ الشافعي وترعرع.
عاش الشافعي في مكة عيشة اليتامى الفقراء، مع أن نسبه كان رفيعاً شريفاً، بل هو أشرف الأنساب عند المسلمين، ولكنه عاش عيشة الفقراء إلى أن استقام عودُه، وقد كان لذلك أثرٌ عظيمٌ في حياته وأخلاقه.

لقد حفظ الشافعي القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، مما يدل على ذكائه وقوة حفظه، ثم اتجه إلى حفظ الحديث النبوي، فحفظ موطأ الإمام مالك، قال الشافعي: «حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين».

وكان الشافعي يستمع إلى المحدِّثين، فيحفظ الحديث بالسمع، ثم يكتبه على الخزف أو الجلود، وكان يذهب إلى الديوان يستوعب الظهور ليكتب عليها، والظهور هي الأوراق التي كُتب في باطنها وتُرك ظهرها أبيض، وذلك يدل على أنه أحب العلم منذ نعومة أظفاره. قال الشافعي: «لم يكن لي مال، فكنت أطلب العلم في الحداثة، أذهب إلى الديوان أستوهب منهم الظهور وأكتب فيها»، وقال: «طلبت هذا الأمر عن خفة ذات اليد، كنت أجالس الناس وأتحفظ، ثم اشتهيت أن أدون، وكان منزلنا بمكة بقرب شِعب الخَيْف، فكنت آخذ العظام والأكتاف فأكتب فيها، حتى امتلأ في دارنا من ذلك حبان».

وروي عنه أيضاً أنه قال: «كنت يتيماً في حجر أمي، ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي من أمي أن أخلفه إذا قام، فلما ختمت القرآن دخلت المسجد، وكنت أجالس العلماء، فأحفظ الحديث أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شِعب الخَيْف، فكنت أنظر إلى العظم فأكتب فيه الحديث أو المسألة، وكانت لنا جرة عظيمة، إذا امتلأ العظم طرحته في الجرة».

رحلته إلى البادية
إضافةً إلى حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية، اتجه الشافعي إلى التفصُّح في اللغة العربية، فخرج في سبيل هذا إلى البادية، ولازم قبيلة هذيل، قال الشافعي: «إني خرجت عن مكة، فلازمت هذيلاً بالبادية، أتعلم كلامها، وآخذ طبعها، وكانت أفصح العرب، أرحل برحيلهم، وأنزل بنزولهم، فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار، وأذكر الآداب والأخبار». ولقد بلغ من حفظه لأشعار الهذليين وأخبارهم أن الأصمعي الذي له مكانة عالية في اللغة قال: «صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس».

إن القبيلة التي ضوى إليها الشافعي هي هذيل، وهم يوصفون بأنهم أفصحُ العرب، قال مصعب بن عبد الله الزبيري: قرأ علي الشافعي رضيَ الله عنه أشعار هذيل حفظاً ثم قال: «لا تخبر بهذا أهل الحديث فإنهم لا يحتملون هذا»، قال مصعب: وكان الشافعي رضيَ الله عنه يسمر مع أبي من أول الليل حتى الصباح ولا ينامان، قال: وكان الشافعي رضيَ الله عنه في ابتداء أمره يطلب الشعر، وأيام الناس، والأدب، ثم أخذ في الفقه بعد، قال: وكان سبب أخذه أنه كان يسير يوماً على دابة له، وخلْفه كاتبٌ لأبي، فتمثل الشافعي رضيَ الله عنه بيت شعر، فقرعه كاتبُ أبي بسوطه ثم قال له: «مثلك يذهب بمروءته في مثل هذا، أين أنت من الفقه؟»، فهزه ذلك، فقصد لمجالسة الزنجي بن خالد مفتي مكة، ثم قدم علينا فلزم مالك بن أنس رحمَه الله.

عودته إلى مكة والإذن له بالإفتاء
لما عاد الشافعي إلى مكة تابعَ طلبَ العلم فيها على من كان فيها من الفقهاء والمحدثين، فبلغ مبلغاً عظيماً، حتى أذن له مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة بالفتيا، فقد روي عن مسلم بن خالد الزنجي أنه قال للشافعي: «أفت يا أبا عبد الله، فقد والله آن لك أن تفتي»، وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقيل: وهو ابن دون عشرين سنة.

رحلته في طلب العلم
رحلته إلى المدينة المنورة
لما انتشر اسم إمام المدينة مالك بن أنس في الآفاق، وتناقلته الركبان، وبلغ مبلغاً عظيماً في العلم والحديث، سمت همة الشافعي إلى الهجرة إلى المدينة المنورة في طلب العلم. ومما روي عن الشافعي في هذا المقام أنه قال: «فارقت مكة وأنا ابن أربع عشرة سنة، لا نبات بعارضي من الأبطح إلى ذي طوى، فرأيت ركباً فحملني شيخ منهم إلى المدينة، فختمت من مكة إلى المدينة ست عشرة ختمة، ودخلت المدينة يوم الثامن بعد صلاة العصر، فصليت العصر في مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولذت بقبره، فرأيت مالك بن أنس رحمه الله متزراً ببردة متشحاً بأخرى، يقول: «حدثني نافع عن ابن عمر عن صاحب هذا القبر»، يضرب بيده قبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما رأيت ذلك هبته الهيبة العظيمة».


وذهب الشافعي إلى الإمام مالك، فلما رآه الإمامُ مالكٌ قال له:

محمد بن إدريس الشافعي يا محمدٌ اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن، إن الله قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بالمعصية. محمد بن إدريس الشافعي
ثم قال له: «إذا ما جاء الغد تجيء ويجيء ما يقرأ لك». يقول الشافعي: «فغدوت عليه وابتدأت أن أقرأ ظاهراً، والكتاب في يدي، فكلما تهيبت مالكاً وأردت أن أقطع، أعجبه حسن قراءتي وإعرابي، فيقول: «يا فتى زد»، حتى قرأته عليه في أيام يسيرة».

وقد روي عن الشافعي أنه قال: قدمت على مالكٍ وقد حفظت الموطأ ظاهراً، فقلت: «إني أريد أن أسمع الموطأ منك»، فقال: «اطلب من يقرأ لك»، وكررت عليه فقلت: «لا، عليك أن تسمع قراءتي، فإن سهل عليك قرأت لنفسي»، قال: «اطلب من يقرأ لك»، وكررت عليه، فقال: «اقرأ»، فلما سمع قراءتي قال: «اقرأ»، فقرأت عليه حتى فرغت منه. وحكى الإمام أحمد عن الشافعي أنه قال: «أنا قرأت على مالك وكانت تعجبه قراءتي»، قال الإمام أحمد: «لأنه كان فصيحاً»، وقال ابن كثير: «وكذلك كان حسن الصوت بتلاوة القرآن».

وفي رواية أخرى عن الشافعي أنه قال: وقدمت على مالك وقد حفظت الموطأ، فقال لي: «أحضر من يقرأ لك»، فقلت: «أنا قارئ»، فقرأت الموطأ حفظاً، فقال: «إن يك أحدٌ يفلح فهذا الغلام».

وبعد أن روى الشافعي عن الإمام مالك موطأه لزمه يتفقهُ عليه، ويدارسُه المسائلَ التي يفتي فيها الإمام، إلى أن مات الإمامُ سنة 179 هـ، وقد بلغ الشافعي شرخ الشباب، ويظهر أنه مع ملازمته للإمام مالك كان يقوم برحلات في البلاد الإسلامية يستفيد منها، ويتعلم أحوال الناس وأخبارهم، وكان يذهب إلى مكة يزور أمه ويستنصح بنصائحها. وكان الشافعي يقرأ القرآن وفقاً لقراءة ابن كثير المكي.

رحلته إلى اليمن وولايته بأرض نجران
لما مات الإمام مالك، وأحس الشافعي أنه نال من العلم أشطراً، وكان إلى ذلك الوقت فقيراً، اتجهت نفسه إلى عمل يكتسب منه ما يدفع حاجته، ويمنع خصاصته، وصادف في ذلك الوقت أن قدم إلى مكة المكرمة والي اليمن، فكلمه بعض القرشيين في أن يصحبه الشافعي، فأخذه ذلك الوالي معه، ويقول الشافعي في ذلك: «ولم يكن عند أمي ما تعطيني ما أتحمل به، فرهنت داراً فتحملت معه، فلما قدمنا عملت له على عمل»، وفي هذا العمل تبدو مواهب الشافعي، فيشيع ذكرُه عادلاً ممتازاً، ويتحدث الناس باسمه في بطاح مكة. ولما تولى الشافعي ذلك العمل أقام العدل، وكان الناس يصانعون الولاة والقضاة ويتملقونهم، ليجدوا عندهم سبيلاً إلى نفوسهم، ولكنهم وجدوا في الشافعي عدلاً لا سبيل إلى الاستيلاء على نفسه بالمصانعة والملق، ويقول هو في ذلك: «وليت نجران وبها بنو الحارث بن عبد المدان، وموالي ثقيف، وكان الوالي إذا أتاهم صانعوه، فأرادوني على نحو ذلك فلم يجدوا عندي».

رحلته إلى بغداد ومحنته
لما نزل الشافعي باليمن، ومن أعمالها نجران، كان بها والٍ ظالم، فكان الشافعي يأخذ على يديه، أي ينصحه وينهاه، ويمنع مظالمه أن تصل إلى من تحت ولايته، وربما نال الشافعي ذلك الوالي بالنقد، فأخذ ذلك الوالي يكيد له بالدس والسعاية والوشاية. وفي ذلك الزمانِ الذي كان فيه الحكمُ للعباسيين، كان العباسيون يُعادون خصومَهم العلويين، لأنهم يُدلون بمثل نسبهم، ولهم من رحم الرسول محمد ما ليس لهم، فإذا كانت دولة العباسيين قامت على النسب، فأولئك يَمُتُّون بمثله، وبرحم أقرب، ولذا كانوا إذا رأوا دعوة علوية قضوا عليها وهي في مهدها، ويقتلون في ذلك على الشبهة لا على الجزم واليقين، إذ يرون أن قتل بريء يستقيم به الأمر لهم، أولى من ترك مُتَّهمٍ يَجوز أن يُفسد الأمنَ عليهم.

جاء والي نجران العباسيين من هذه الناحية، واتهم الشافعي بأنه مع العلوية، فأرسل إلى الخليفة هارون الرشيد: «إن تسعة من العلوية تحرَّكوا»، ثم قال في كتابه: «إني أخاف أن يخرجوا، وإن ها هنا رجلاً من ولد شافع المطلبي لا أمر لي معه ولا نهي»، وقيل أنه قال في الشافعي: «يعمل بلسانه ما لا يقدر عليه المقاتل بسيفه»، فأرسل الرشيد أن يَحضرَ أولئك النفرُ التسعةُ من العلوية ومعهم الشافعي. ويقال أنه قتل التسعة، ونجا الشافعي؛ بقوة حجته، وشهادة القاضي محمد بن الحسن الشيباني، أما قوة حجته فكانت بقوله للرشيد وقد وجه إليه التهمةَ بين النطع والسيف: «يا أمير المؤمنين، ما تقول في رجلين أحدهما يراني أخاه، والآخر يراني عبده، أيهما أحب إلي؟»، قال: «الذي يراك أخاه»، قال: «فذاك أنت يا أمير المؤمنين، إنكم ولد العباس، وهم ولد علي، ونحن بنو المطلب، فأنتم ولد العباس تروننا إخوتكم، وهم يروننا عبيدهم».

وأما شهادة محمد بن الحسن الشيباني فذلك لأن الشافعي استأنس لما رآه في مجلس الرشيد عند الاتهام، فذكر بعد أن ساق ما ساق أن له حظاً من العلم والفقه، وأن القاضي محمداً بن الحسن يعرف ذلك، فسأل الرشيدُ محمداً، فقال: «له من العلم حظٌ كبير، وليس الذي رُفع عليه من شأنه»، قال: «فخذه إليك حتى انظرَ في أمره»، وبهذا نجا.

كان قدوم الشافعي بغداد في هذه المحنة سنة 184 هـ، أي وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، فكانت هذه المحنة خيراً له، فقد وجَّهته إلى العلم بدل الولاية وتدبير شؤون السلطان، ذلك بأنه نزل عند محمد بن الحسن، وكان من قبلُ يسمع باسمه وفقهه، وأنه حاملُ فقه العراقيين وناشرُه، وربما التقى به من قبل. أخذ الشافعي يدرس فقه العراقيين، فقرأ كتب الإمام محمد وتلقاها عليه، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز وفقه العراق، اجتمع له الفقه الذي يغلب عليه النقل، والفقه الذي يغلب عليه العقل، وتخرج بذلك على كبار الفقهاء في زمانه، ولقد قال في ذلك ابن حجر: «انتهت رياسة الفقه في المدينة إلى مالك بن أنس، فرحل إليه ولازمه وأخذ عنه، وانتهت رياسة الفقه في العراق إلى أبي حنيفة، فأخذ عن صاحبه محمد بن الحسن حملاً، ليس فيه شيء إلا وقد سمعه عليه، فاجتمع علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث، فتصرف في ذلك حتى أصَّل الأصول، وقعَّد القواعد، وأذعن له الموافق والمخالف، واشتهر أمره، وعلا ذكره، وارتفع قدره حتى صار منه ما صار».
الترتيب:

#12K

0 مشاهدة هذا اليوم

#14K

22 مشاهدة هذا الشهر

#26K

9K إجمالي المشاهدات
عدد الصفحات: 408.
المتجر أماكن الشراء
محمد أبو زهرة ✍️ المؤلف
مناقشات ومراجعات
دار الفكر العربي بمصر 🏛 الناشر
QR Code
أماكن الشراء: عفواً ، لا يوجد روابط مُسجّلة حاليا لشراء الكتاب من المتاجر الإلكترونية
نتيجة البحث